الكاريزما من المزايا العملية للرئيس التنفيذي، في أغلب الحالات. يعمل كثيرون بجد لصقل ما في شخصياتهم من كاريزما. عندما يُطلب من الشركة أن تصبح أكثر ابتكاراً وأن يتجاوز أداؤها المستويات العادية، فإن وجود موظفين على يقين بقدرات مديرهم ورؤيته يزيد من فرص تحقيق النجاح.

ولكن للكاريزما جانب مظلم يستنزف قوة الشركة وفعاليتها. فعند تنامي قوتها إلى حد مفرط، يفقد القائد قدرته على تحفيز الآخرين وقيادة دفة الأعمال.

غالباً ما يُساء فهم الكاريزما. كان للمؤرخ آرثر شليزنجر دور في تعميم المصطلح خلال ستينيات القرن العشرين. ومع شيوع استخدامه، اشتكى اختزالَ الكلمة في “مرادف أنيق” لصفات البطولة أو الشعبية. وأصبحت الكلمة تستخدم على نطاق واسع في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، في وصف فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل، ومراراً وتكراراً مع أدولف هتلر وبينيتو موسوليني. وعرّف عالم الاجتماع ماكس فيبر “المؤسسة الكاريزمية” بأنها مؤسسة لا تعتمد في وجودها على هيكل قانوني أو تقاليد راسخة بل على الجاذبية الشخصية لقائدها. لذلك نجد الوصف “كاريزمية” حاضراً عند وصف العوامل التي تحكم سلوك الجماعات وتطورها.

يمثل وجود القائد القوي الجاذبية؛ أي الذي يرغب الأفراد في اتباع نهجه، ميزة نسبية لأي شركة تشرع في تنفيذ برنامج تحول كبير. والقائد صاحب الكاريزما ماهر في التعبير عن رؤية مقنعة تلهم أتباعه. كما يبرع في فهم البيئة المحيطة به واستشعار احتياجات الأتباع عند صياغة رسالة يستهدف بها تحقيق أكبر تأثير. والقائد صاحب الكاريزما خطيب مفوّه وحكاء متمرس يجيد توظيف الرمزية والاستعارة في قصصه حتى تنبض بالحياة.

لكن القيادة الكاريزمية الحقة تتجاوز أنها مجرد مجموعة أساليب لتحفيز الأتباع، فهي نابعة من سلوك القائد الذي يمكن ملاحظته، لتعكس إيماناً عميقاً بوعد الشركة وإمكاناتها، وشعوراً بتفاؤل النجاح، واستعداداً لتحمل المخاطر الشخصية وتقديم التضحيات لتحويل الرؤية إلى حقيقة. وفي كثير من الأحيان، يُعجب الأتباع بقائد كاريزمي إلى حد العمل على اكتساب بعض الصفات المميزة للقائد في حد ذاتها.

الكاريزما محفوفة بالمخاطر، فبمرور الوقت، يؤدي تعميق الولاء إلى تغييرات سلبية في سلوك القائد. ويجب أن يعي القائد العلامات المبكرة لهذا التحول، التي تبدو أهون مما هي عليه في الواقع.

هناك 5 مراحل لتحول كاريزما القائد من الإيجابية إلى السلبية:

تتصف المرحلة الأولى بتولد هاجس لدى الأتباع بأن القائد لا يرحب بأسئلتهم. وقد يبدأ الأتباع على استحياء الشكوى من أن القائد أصبح متغطرساً ويتصرف كما كان يعتقد أنه الأذكى في المكان.

المرحلة الثانية تنبع منطقياً من الأولى: عند استشعارهم تراجع رغبة القائد في المساءلة أو سماع النقد، يفرض الأتباع رقابة ذاتية على أنفسهم، فتقلّ أسئلتهم ويسحبون تأييدهم غير المشروط له. يقول أحدهم: “في آخر مرة انتقدته فيها، رد عليّ بكثير من الأسباب التي تدحض انتقادي، حتى شعرت بأني غبي. ولا أنوي تكرار تلك التجربة”. فبدلاً من تشجيع النقد البناء، يحيط القائد الكاريزمي نفسه شيئاً فشيئاً بمن لا يعارضونه.

ومع اعتياد القائد سماع الثناء والإعجاب فقط، يدخل المرحلة الثالثة: دورة سلبية حيث يقوده النفاق والمجاملات إلى ثقة زائدة بالنفس. يعيش القائد في هذه المرحلة إحساسه الخاص بالواقع ولا يقتنع بأدلة تثبت حياده عن الصواب. في حين تنطوي المرحلتان الأولى والثانية في الغالب على إقرار الأتباع بالواقع، نشهد في المرحلة الثالثة تحولاً واضحاً في سلوك القائد.

وإذا لم يحدث ما يوقف هذه الدورة، فإنها تنتقل إلى المرحلة الرابعة. نظراً لأن ما يهم هو آراء القائد وأفعاله، يقرر الأتباع الحد من الرغبة في مجاراته. ويتخلون عن المبادرة ويصبحون سلبيين. وتتباطأ عملية صنع القرار. تتوقف جهود تعزيز العمل الجماعي، وتتغير طبيعة الاجتماعات من مناقشة القرارات قبل إقرارها جماعياً إلى وقت إعلان القائد ما يجب على الآخرين فعله. وعندئذ، يشتكي القائد: “إذا كنت أريد إتمام المهمة على نحو صحيح، فعليّ إتمامها بنفسي”. ومع شعور الخذلان الذي يعتري الأتباع، تنتهي هذه المرحلة بارتفاع في معدل تنقل الموظفين وترك مناصبهم.

تتميز المرحلة الخامسة باستمرار الموظفين ظاهرياً في تنفيذ المهام الضرورية ولكن مع تضاؤل مستوى الحماس والروح المعنوية. يواصلون سماع القائد والامتثال لما يريده، لكن دون شغف لأنهم فقدوا الشعور بأنهم جزء من الإنجاز. وفي النهاية، لا يلقون بالاً لكلامه، بل يسخرون منه. ونشهد تراجعاً في مستوى الإبداع والإنتاجية. ويُختزل ما كان يوماً رؤية جماعية مشتركة في رؤية للقائد وحده. وفي حين يجد القائد أنه بلا دعم، يشعر أتباعه بالمجافاة.

ما الذي يجب أن يعيه القائد حتى لا ينزلق في هذا المنحدر؟ بدايةً، عليه أن يعي أن القيادة الكاريزمية تغوي القائد كما تغوي الأتباع، وكلما كان الوقوع في براثن تلك الغواية أعمق، غابت عنه أكثر فأكثر علامات المشاكل. ثانياً، العلاقة بين القائد والأتباع حساسة وتتطلب رعاية مستمرة. وإن لم يحسن الطرفان إدارتها، تؤدي أي أزمة إلى سلوك من شأنه أن يقضي على ما تحقق من نجاح. ثالثاً، في حين يتحمل القائد والأتباع على حد سواء مسؤولية إدارة هذه العلاقة، فإن لدى القائد صلاحيات أكبر بكثير لتحديد نتيجتها. وإذا لم يسمح بمساحة نقد وتعليق واعتراض، فسوف يعتاد الأتباع الانصياع بدلاً من التنبيه إلى أوجه القصور. رابعاً، وعندما يودي بنا هذا المنحدر الزلق إلى وضع تصل فيه النتائج إلى نقاط معينة حيث يمكن عكس الآثار السلبية، ولكن تجاهلها يجعل من المستحيل إيقاف الزخم المتسارع، ما ينجم عنه فشل يضر القائد والشركة.

ولأن كل موقف مختلف، فلا توجد خطوات من شأنها تجنب المشكلات أو حلها دائماً. ومع هذا، فإن هناك مجالين يجب أن يركز عليهما القائد بوجه عام، وخاصة صاحب الكاريزما. يتعلق أحدهما بثقافة الشركة، ويرتبط الآخر بالقائد وأسلوب قيادته.

فيمكن تفادي مزيد من التورط في الأزمة إذا ركزت ثقافة الشركة على التواصل المفتوح، بما في ذلك طريقة منظمة لاستخلاص الدروس من كل نجاح وخطأ. ولا بد من عقد منتديات تناقش فيها المسارات الرئيسية للاستراتيجية، ومن ذلك خطة المواهب التي تضمن التطابق بين الاستراتيجية والأشخاص الذين يجب أن يحققوها. ويجب أن يكون إبداء الرأي والتعليق من التقاليد الراسخة في الشركة حيث يعتاد الموظفون ذلك، في ظل تشجيع ومكافأة من الشركة.

وعلى الصعيد الشخصي، فإن ركيزتي القائد هما الوعي الذاتي وإدارة الذات. أما الوعي الذاتي فهو أن تؤمن بوجود كاميرا تصور كل خطوة تخطوها، مع عقلية متواضعة تشجع القائد على أن ينظر لنفسه بنظرة أتباعه له نفسها. وعلى القائد أن يسمح للآخرين بحرية عرض أفكارهم؛ ويمكن أن يشمل ذلك عضو مجلس الإدارة والمرؤوسين المباشرين من ذوي المهارات وصلاحيات تقديم المشورة.

الأولوية لإدارة التوتر. اعتماداً على احتياجات القائد وشخصيته، يتحقق ذلك بخطوات مثل إجراء تغييرات هيكلية أو إدخال تغييرات في الموظفين، وإعادة هيكلة النظام الإداري للأفراد للحفاظ على الوقت، والاستخدام الحكيم لمجموعة متوازنة من المستشارين الموثوق بهم الذين يعملون وسطاء صادقين، والاهتمام بعافية الموظفين، ربما من خلال برنامج تدريبات رياضية أو تأمل.

بمقدور الكاريزما، التي تستند إلى قناعة عميقة بالنجاح الجماعي المشترك والتي تُدار بمهارة، أن تساعد القائد على أن يكون فعالاً جداً وأن تزدهر المؤسسة حتى في الأوقات الصعبة. ولكن تفادي جانبها المظلم يتطلب من القائد الانتباه إلى الثقافة والوعي الذاتي والإدارة الذاتية، وقبل هذا وذاك التواضع الضروري للإنصات للآخرين.