ما هي القيم الحقيقية التي تتبناها شركتكم؟

14 دقيقة
القيم الحقيقية

فكرة المقالة باختصار

الوضع

أجبرت التحولات الثقافية والاقتصادية الحاصلة مؤخراً الشركات على إعادة النظر في القيم التي تشكل منارة لاستراتيجياتها المؤسسية. وقد بدأت الشركات في معظم الصناعات والقطاعات تطرح على أنفسها أسئلة ملحّة بخصوص القيم التي تمثّلها.

التحدي

كما بدأت الشركات تدرك أيضاً أنها بحاجة إلى تكوين فهم أفضل لقيم موظفيها ودعم هذه القيم. واكتشفت شركات عديدة أنها عندما لا تستطيع ضمان التوافق بين قيمها المؤسسية وقيم موظفيها، تتعثر.

الحل

يستعرض المؤلفان في هذه المقالة طريقة لتحقيق التواؤم في القيم عبر اتّباع عملية مؤلفة من خمس خطوات.

نحن الاثنان باحثان متخصصان في السلوك المؤسسي واستشاريان في شؤون الشركات منذ سنوات طويلة، ومن مواقعنا هذه أجرينا أبحاثاً تناولت ما يمكن تسميته بقيمة القيم. أجرينا عشرات الدراسات المصممة لتحديد الأثر الذي يتركه الفهم الواضح للقيم الفردية والمؤسسية على عملية اتخاذ القرار، والدافعية، والعلاقات، والعافية، والقيادة، والأداء.

لكن الأشياء التي اكتشفناها من خلال هذا العمل مذهلة، وتتمثل في أنكم إذا ضمنتم وجود انسجام بين القيم والمثل العليا التي تتبناها مؤسستكم، وبين كل من استراتيجيتكم وقيم موظفيكم – وهذا وضع يؤدي إلى ما نسمّيه توافق القيم – فإنكم ستحصلون على منافع جمّة تتمثل في رضا وظيفي أعلى، ومستوى أدنى من التقلب بين صفوف الموظفين، وعمل جماعي أفضل، وفاعلية أكبر في التواصل، وإسهامات أوفر للمؤسسة، ومفاوضات أنجع، وربما قد تحصلون على نتيجة مفاجئة أيضاً تتمثل في تزايد التنوع والإنصاف والشمول. وكانت النتيجة المفضّلة في نظرنا تتعلق بأثر توافق القيم على التقلب في منصب الرئيس التنفيذي للعمليات. فعندما درسنا الأقسام المختلفة في المؤسسات المؤلفة من عدة وحدات، توصّلنا إلى أن الرؤساء التنفيذيين للعمليات الذين كانت نسبة توافق القيم لديهم متدنية احتاجوا إلى زيادة بنسبة 40% في الراتب لكي يصلوا إلى ذات المستوى من احتمال البقاء في مناصبهم بالمقارنة مع نظرائهم الذين كانت نسبة توافق القيم لديهم مرتفعة. وعليه، تخيّلوا أن تأثير زيادة توافق القيم كان يكافئ تأثير زيادة بنسبة 40% في الراتب.

وبالتالي، لم يسبق أن كان تعامل المؤسسات مع القيم بالشكل المناسب بهذا القدر من الأهمية، ولم يسبق أن كان على المحك كما هو عليه الآن. فمنذ سنوات طويلة كانت التحولات الثقافية والاقتصادية – والكثير منها كان ناجماً عن التكنولوجيات الجديدة – قد أجبرت الشركات على إعادة النظر في الأشياء التي تقدّرها في علاقاتها مع موظفيها، وعملائها، وحتى مع مجتمعاتها. وأسهمت الجائحة العالمية، والإحساس المتجدد بالإلحاح والعجلة في التعامل مع قضايا العدالة الاجتماعية بتعزيز هذه الجهود في الآونة الأخيرة. وفي مختلف الصناعات والقطاعات، وجدت الشركات أنها مجبرة على أن تطرح على نفسها السؤالين التاليين: "ما هي القيم التي تمثّلنا؟" و"ما الذي يربطنا ببعضنا بعضاً وبالمجتمع المحلي؟"

في أثناء عملنا، رأينا الشركات تتخبط عندما لا تستطيع الإجابة عن هذين السؤالين بطرق تقوم على تحقيق التوافق بين قيمها المؤسسية، وكل من استراتيجيتها وقيم موظفيها. فشركات مثل "كوين بيس" (Coin base)، ونتفليكس، وتويتر، وديزني، على سبيل المثال، اكتشفت، كل بطريقتها الخاصة، مدى صعوبة وضع استراتيجية مؤسسية وتنفيذها عندما أصبح الموظفون يؤمنون أن قيمهم تتفوق على قيم مؤسساتهم.

لكن الشركات تدرك أيضاً أنها إذا ضمنت التواؤم بين قيمها وقيم موظفيها، فإنها سترفع مستوى استبقائها لموظفيها إلى درجة عالية، وهذا أمر في غاية الأهمية في وقت بلغت فيه البطالة مستوى قياسياً متدنياً، ما يعني أنها يجب أن تستقتل في سبيل الحصول على أصحاب المواهب. وبالتالي، فإن الحاجة إلى هذا التوافق ستتنامى مع تزايد سعي الموظفين إلى تحقيق غاياتهم السامية المنشودة في العمل، واختيار مسيراتهم المهنية ووظائفهم على هذا الأساس. وكانت إيريكا آيريش براون، الرئيسة التنفيذية لشؤون التنوع والإنصاف والشمول والمديرة العالمية لقسم أصحاب المواهب في سيتي غروب (Citigroup) قد لخّصت الوضع بهذه الطريقة: "هناك الكثير من الشركات الموجودة من حولك، فإذا لم تجد توافقاً بين قيمك وقيم إحداها، فإنك تستطيع العثور على شركة أخرى".

خلاصة الكلام بسيطة: توافق القيم يساوي الكثير. وسنبيّن في هذه المقالة تفاصيل عملية يمكن تطبيقها لتساعدكم على تحقيق هذا التوافق في مؤسستكم.

انظروا إلى القيم بوصفها الغايات التي تسعون إلى بلوغها، في حين أن المعتقدات هي المسارات التي تظنون أنها تقودكم إلى تلك الغايات.

القيم في مقابل المعتقدات

لكي تكون لدينا فكرة واضحة عن توافق القيم، من الضروري بمكان أن نفهم ما هي القيم حقيقة، وما لا يندرج ضمن إطار القيم. هي ببساطة مبادئ للتقييم: فهي تحدد ما إذا كان المتلقي ينظر إلى شيء ما على أنه جيد أم سيء أم مهم. والقيم تختلف عن المعتقدات، كما أنها لا ترتبط ارتباطاً قوياً بالصفات الديموغرافية مثل العِرْق أو النوع.

انظروا إلى القيم بوصفها الغايات التي تسعون إلى بلوغها، في حين أن المعتقدات هي المسارات التي تظنون أنها تقودكم إلى تلك الغايات. خذوا مثلاً حالة شخصين يقدّران الإبداع. يعتقد الأول أن الإبداع يتحقق عبر التأمل الهادئ، في حين يعتقد الثاني أنه يتحقق من خلال التفاعل مع الآخرين. هما لديهما الهدف ذاته لكنهما سيسعيان إلى تحقيقه بطرق مختلفة.

وبما أنكم يمكن أن تكونوا مخطئين في معتقداتكم، فإن بوسعكم تحسينها. وواحدة من أفضل الطرق لفعل ذلك التفاعل مع الآخرين الذين يؤمنون بمعتقدات مختلفة. فإذا ما اجتمع الشخصان المذكوران في هذا المثال معاً للحديث عن الإبداع، فإن أحدهما قد يقنع الآخر بتغيير معتقده بخصوص الطريقة الأفضل لتحقيق الإبداع، وهذا التغيير سيُختبر بوصفه تعلّماً.

عندما تُخضِعون القيم المرشحة للتقييم، فإن أي عضو في المؤسسة يقدّم إسهامات مهمة تدعم نجاحها في نهاية المطاف يجب أن يُدعى لكي يدلو بدلوه.

أما في حالة القيم، فإن الوضع مختلف. فإذا ما كنتم أشخاصاً ناضجين، فإن قيمكم تكون صائبة على الدوام – بالنسبة لكم. وليس من المنطقي التفكير في "تحسين" هذه القيم، لأن قيمكم هي التي تعرّف ما تعنونه أصلاً بكلمة "تحسين".

قبل أن نقدّم لكم النصيحة بخصوص كيفية تحديد قيم مؤسستكم وتوضيحها، نريد تحذيركم بشأن بعض الفخاخ. فقد لاحظنا تزايداً في ارتكاب القادة لواحد من خطأين عندما يحاولون استعمال القيم لبناء الثقافة وتحفيز الموظفين على تقديم الأداء المطلوب.

الخطأ الأول هو التالي: في أحيان كثيرة يفترض القادة أنهم إذا اكتفوا بترديد قيم المؤسسة لفظياً، فإن الكلمات ستكتسب القدرة على التجسد من تلقاء نفسها، والموظفين سيفتتنون بسحرها كما لو أنهم كائنات خرافية. نطلق على هذا الموقف اسماً هو "القيم بوصفها سحراً". وقد اختصر هذه الحالة في نظرنا كلام قاله مدير أحد البنوك الاستثمارية العالمية عندما شرح الطريقة التي يبلغ بها الموظفين الجدد القيم الرسمية للبنك: "أشير إلى قائمة القيم، وأقول لهم عندما تكونون بين هذه الجدران الأربعة، يجب أن تنسوا أنكم أفراد. هذه هي قيمكم".

كان لدى هذا المدير التنفيذي هدف معقول تماماً. فهو كان يحاول صياغة مجموعة مشتركة من القيم التي ستعزز ثقافة الأخلاق في بنكه. لكن البنك لم يصبح مشهوراً بأخلاقه، ولم تنل القيم التي كان يسعى إلى تبنّيها نصيبها من الاهتمام. وهذه نتيجة غير مفاجئة، لأن انتهاج نهج "القيم بوصفها سحراً" يؤدي عادة إلى تأثير منفّر. فبغضّ النظر عن المكان الذي يعمل فيه الناس، هم لا يريدون أن تُفرَض عليهم القيم من طرف واحد، وتحديداً إذا كانت تلك القيم غير متوافقة مع قيمهم.

عندما يحصل ذلك، يشعر الناس أنهم قد سُلبوا القدرة على التصرف فيسخرون من الوضع ويبدؤون بانتهاج سلوك لا أخلاقي (وهذه مفارقة في حالة البنك).

ينطوي الخطأ الثاني على افتراض مختلف يقوم على فكرة أن العمل على صياغة قيم مشتركة يناقض أهداف التنوع والإنصاف والشمول. لكن هذا الافتراض خاطئ. فإذا ما كنتم تسعون إلى التنوّع في القيم في مؤسستكم، فأنتم عملياً تسعون إلى التنوع في "الغايات"، ما يعني أنكم تشجعون الموظفين على العمل وفق غايات متقاطعة. فمن الأفضل بكثير دفع جميع الموظفين إلى المضي في الاتجاه ذاته سعياً وراء القيم ذاتها.

يشبّه كريس بيفرز الرئيس التنفيذي لشركة "إن إس 1" (NS1) المتخصصة بالحوسبة السحابية والتي عملنا معها في مجال القيم هذه الفكرة بالحقل الشعاعي (أو حقل المتجهات) وهو مفهوم مأخوذ من حساب التفاضل والتكامل في الرياضيات ويصف محصلة تأثير العديد من القوى المستقلة. فإذا ما كانت الأشعة (أو المتجهات) تسير في اتجاهات مختلفة فإنها تلغي تأثير بعضها البعض. والأمر ذاته يصح على القيم في أي مؤسسة. فإذا ما أردتم جني مكاسب التنوع، فإنكم بحاجة إلى العمل على تحقيق التوافق.

غالباً ما يسعى القادة الذين لا يدركون ذلك إلى إلغاء أي حديث عن "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" في عمليات التوظيف، علماً أن " التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" هو أحد الوظائف الطبيعية للقيم المشتركة. ونحن نطلق على هذا الموقف اسماً هو "القيم بوصفها ستاراً دخانياً"، لأنه مرتبط بفكرة أن الجهات المعنية بالتوظيف والتعيين تستغل الحديث عن القيم للتستر على الأساليب المتحيزة التي تعمل بموجبها عندما تتخذ قرارات التوظيف والتعيين. ونحن نتفق في الرأي مع لورين ريفيرا من كلية كيلوغ في جامعة نورث ويسترن وغيرها ممن يقولون إن المؤسسات قد تخفي أحياناً التحيز الموجود في عمليات التوظيف من خلال تغطيته بشعار "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" عبر ممارسات من قبيل إعطاء الحظوة للأشخاص الذين يمارسون هوايات نخبوية مثل سباق المراكب الشراعية والاسكواش. لكن المنادين بفكرة "القيم بوصفها ستاراً دخانياً" يبالغون في توظيف تلك الملاحظة، ويستعملونها لتبرير التغاضي التام عن مفهوم "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة".

تتكون الثقافة المؤسسية في صميمها من قيم ومعتقدات، ومن المعايير السلوكية المستمدة منها، وهذه عناصر حاسمة للنجاح المؤسسي. وعندما يُختزَل مفهوم "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" ليكون مجرد كناية عن التشابه أو للدلالة على سمات لا علاقة لها بالمؤسسة مثل الهوايات وأساليب الحياة الشخصية، فإن مكونات الثقافة المهمة للمؤسسة ستتأثر عندها سلباً بالتبعية.

المرة الأولى التي واجهنا فيها فكرة "القيم بوصفها ستاراً دخانياً" كانت عند اطلاعنا على آراء كبار المفكرين في مجال الموارد البشرية. فواحدة منهم، ألا وهي الاستشارية المتخصصة بموضوع التنوع والباحثة بايو آديلاجا كانت قد وصفت "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" على أنه "تهرّب من المسؤولية". فعلى حد رأيها، عندما يتحدث المدراء عن التوظيف وفي بالهم "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" فإنهم يكونون كسالى فحسب وغير مستعدين لإنجاز العمل المطلوب في مجال الشمول.

ونظراً لأهمية الثقافة للأداء المؤسسي، فإننا لم نتوقع قط أن تحظى هكذا فكرة باهتمام كبير في العالم الحقيقي. ولكن قبل بضع سنوات خلت، وفي اجتماع لمدراء عالميين للموارد البشرية، اكتشفنا كم كنّا مخطئين. وقد جاءت تلك اللحظة عندما كان أحدنا، ألا وهو باول، يناقش في إحدى الجلسات الحوارية مستقبل العمل حيث قال أحد المتحدثين الآخرين في الجلسة وهو رئيس قسم الموارد البشرية في شركة صناعية عالمية على مسامع الجمهور إن مؤسسته تعتبر "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" هدفاً إشكالياً بالنسبة للتوظيف. لماذا؟ لأن قادة تلك الشركة كانوا يعتقدون أن هذا المفهوم يُنتج مؤسسات تتصف بالتحزب والحصرية عوضاً عن أن تكون مفتوحة وتتصف بالشمول.

ثم جاء أشخاص آخرون وأعادوا طرح هذا الرأي بقوة. فقد نشرت مجلة "فوربس" مقالة بعنوان "نهاية مفهوم التلاؤم مع الثقافة المؤسسية"، في حين وصفت هافينغتون بوست هذا المفهوم بأنه "فكرة فاشلة". ومضت "ميتا" أبعد من ذلك إلى حد أنها حظرت استعمال هذا التعبير في عملية التوظيف فيها. أما جوجل، من جهتها، فتتجنب "التلاؤم مع ثقافة المؤسسة" في عملية تعيين الموظفين لديها، لكنها مع ذلك تستثمر بكثافة في العثور على مرشحين للوظائف "يشبهون جوجل"، وهذا بطبيعة الحال يعني التوافق مع مجموعة من القيم الأساسية.

عملية توافق القيم

في عملنا مع المؤسسات، نتّبع خمس خطوات لإرساء الأساس لتوافق القيم. وهذه الخطوات يجب أن تنفّذ بالتتابع.

1. تحديد القيم الفردية لجميع أعضاء المؤسسة

تتمثل طريقتنا المفضلة لإنجاز هذه المهمة في إخضاع أكبر عدد ممكن من الموظفين لعملية كان باول هو من صاغها. في هذه العملية، يحدد الأفراد أهم القيم التي يؤمنون بها، ويبيّنون العلاقات الموجودة بينها، وينتجون ما نطلق عليه اسم "بنية القيم"، التي تمثّل القيم الثمانية الأهم في نظر كل فرد، والعلاقات المتبادلة التي يتصورها ذلك الشخص بينها. فعلى سبيل المثال، قد يؤمن شخص معيّن أن السعي إلى التفوق سيساعد في تحقيق قيمة أخرى هي الإنجاز. ويمكن لهذا التمرين الذي استعملناه مع آلاف القادة من أنحاء العالم أن يساعدكم على تكوين فهم غني ودقيق للأشياء التي تهم موظفيكم، كما أنه سيساعدهم على تحسين فهمهم لذواتهم.

إحدى المؤسسات التي طبّقنا فيها عملية إنشاء بنى القيم الفردية هذه هي متحف بينتون للفن في كلية بومونا. ففي عام 2021، افتتح المتحف مبنى جديداً أسهم في مضاعفة المساحة المتاحة له بمقدار ثلاث مرات، وهي ميزة شجعت القائمين على المتحف على دراسة الطريقة الفضلى للاستفادة من هذه المساحة الأكبر والمصممة بحسب الحاجة. استجاب المتحف من خلال إجراء مراجعة شاملة امتدت على مدار عام لاستراتيجيته وقيمه المؤسسية. تقول مديرة المتحف فكتوريا سانشو لوبيس واصفة ما حصل: "شعرت بأهمية صياغة عملية لوضع الاستراتيجية عبر نقاش جماعي للقيم للمساعدة في تحديد دوافعنا للعمل في مجال المتاحف، وما الذي يشد أزرنا كمجموعة ويربطنا ببعضنا بعضاً".

في الخطوة الأولى من هذا الإجراء، عكف مجلس إدارة بينتون، والموظفون، والقيادة، والمتدربون من الطلاب على العمل مع أصحاب المصلحة الأساسيين – ومن بينهم رئيسة كلية بومونا غابرييل ستار؛ وجانيت إنسكيب بينتون، كبيرة المتبرعين للمتحف وعضو مجلس أمناء كلية بومونا – من أجل إنتاج بنى القيم. سمح ذلك للجميع باكتشاف القيم التي كانت مشتركة على نطاق واسع بين جميع المعنيين ببينتون، وشملت القائمة كلاً من الإبداع، والنزاهة، والتميز، والمتعة. وقد نُقِلت هذه القيم إلى المرحلة التالية في عملية تحديد القيم المؤسسية لمتحف بينتون.

اكتشفنا أن توجيه الناس خلال عملية بناء بنية للقيم يستغرق 90 دقيقة أو أكثر. فإذا لم تكن تلك المدة الزمنية متاحة لكم، يظل بوسعكم إنجاز الكثير عند استعمال أحد ابتكارات يونجين، ألا وهو تقنية بسيطة وفاعلة على شكل استبيان سبق لنا أن طبقناه أثناء عملنا مع إحدى الشركات التجارية. ففي إطار ذلك البحث، طرحنا على الموظفين السؤال البسيط التالي: "من هو أكثر شخص تقدّرونه بين زملائكم في المؤسسة، ولماذا؟" وكلمة "لماذا" هذه أساسية لأنها تشجع الموظفين على التعبير عن رأيهم الشخصي بقيم المؤسسة.

بعد أن أصغينا إلى الإجابات عن ذلك السؤال، تمكّنا من وضع تقديرات موثوقة للأشخاص الأكثر تلاؤماً مع نظام القيم في المؤسسة. واستعملنا تلك التقديرات لكي نتنبأ بفاعلية بأداء الموظفين.

2. تحديد الأولويات الأساسية من الاستراتيجية

هذا هو الجزء الذي ينفّذ من أعلى الهرم إلى قاعدته في العملية. والسؤال الحاسم الذي لا بد من طرحه هنا هو: "ما أهم شيء يمكن للمؤسسة فعله لكي تحقق استراتيجيتها؟" ستساعدكم الإجابة في ضمان التواؤم بين قيمكم الرسمية ورسالة مؤسستكم. لكنكم يجب أن تتأكدوا من أن هذه الخطوة هي الخطوة الثانية في العملية. لماذا؟ لأن من يلتزمون موقف "القيم بوصفها سحراً" يركزون على هذه الخطوة أكثر من تركيزهم على الخطوة الأولى، حيث يختارون القيم التي تخدم وجهة نظرهم تجاه الاستراتيجية دون تجشّم عناء طرح سؤال عن القيم التي يقدّرها الموظفون أنفسهم.

أخبرنا أحدُ كبار التنفيذيين وكان قد أمضى معظم مسيرته المهنية في بنك "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) ذات مرة أنه بعد مضي أسبوع على انتقاله إلى بنك آخر (غير البنك الذي ذكرناه أعلاه) طُلِب إليه وضع قائمة بالقيم المؤسسية لصالح صاحب عمله الجديد. كان المنطق الكامن وراء الطلب أن "غولدمان ساكس" كان من أهم البنوك أداءً، ومشهوراً بامتلاكه لقيم محترمة، في حين كانت شركته الجديدة تأمل في تقليد جزء من استراتيجيته. كان رأي الشركة الجديدة أن الموظف العتيق القادم من أروقة "غولدمان" لا بد أن يعرف من موقعه هذا ما هي القيم التي تقود إلى النجاح الاستراتيجي.

لكن قيم "غولدمان" كانت نافعة له هو بالذات، ليس فقط لأنها دعمت استراتيجيته، وإنما أيضاً لأنها كانت القيم التي يتبناها موظفوه. وبالتالي فإن غرس هذه القيم في بنك آخر كان سيشبه زراعة قلب لمريض دون التأكد من تطابق الأنسجة. ولحسن الحظ، فإن هذا التنفيذي المخضرم كان يعلم أن تحديد القيم المناسبة يتطلب أخذ كل من الاستراتيجية وقيم والموظفين بالحسبان، لذلك رفض الامتثال.

3. البحث عن قيم "مرشحة" تخدم الاستراتيجية وتلقى صدى إيجابياً لدى الأفراد في الوقت ذاته

هذه فرصة لكم كي تنخرطوا في عملية خلاقة لطرح الأفكار. والمؤسسات التي نعمل معها يكون لديها عادة فريق عمل مؤلف من الموظفين الذين يتولون مهمة إنجاز هذه الخطوة، حيث تشمل قائمة أعضائه المثالية كبار القادة على اختلاف درجات علو مناصبهم. وفي هذه المرحلة، نجد أن من المفيد أن نعرض على فريق العمل ملخصاً للأولويات الاستراتيجية الأساسية التي تحددت في الخطوة الثانية، إلى جانب نتائج الخطوة الأولى.

ثم نطلب من فريق العمل تقديم عدة قيم مقترحة لتكون جزءاً من بيانات القيم. وهي يجب أن تكون ذات صدى إيجابي لدى الموظفين كما يجب أن تكون على صلة بتنفيذ استراتيجية المؤسسة. ويشير بحثنا إلى أن توافق القيم لا يتطلب وجود تطابقات دقيقة؛ فإذا ما كان هناك شخص يحدد الإنجاز بوصفه قيمة فردية فإنه سيشعر على الأغلب بأنه متوافق مع قيمة مؤسسية مشابهة مثل الإنجاز الجماعي. إذن، لديكم بعض المرونة في صياغة البيانات الخاصة بقيمكم المحتملة.

نحبّ صياغة الكثير من البيانات الممكنة. فعندما طبّق باول هذه العملية مؤخراً مع متاحف غوغنهايم، في معرض تعاونه مع فريق عمله أنتجوا ما يقرب من 50 بياناً. وقد انتقى فريق العمل 25 بياناً ليطرحها على المؤسسة بأكملها. ثم عيّنت المؤسسة بعد ذلك مسؤولاً تنفيذياً جديداً لشؤون الثقافة أضاف ثلاث قيم مرشحة من عنده لتُدرَس في الخطوة الرابعة.

4. إخضاع القيم المرشحة للتقييم

هذه مناسبة لمنح فرصة لجميع من في المؤسسة كي يعبّروا عن آرائهم. ونحن نقترح تبنّي سياسة تنطوي على أكبر قدر ممكن من الشمول، وأي عضو في المؤسسة يقدّم إسهامات مهمة تدعم نجاحها في نهاية المطاف يجب أن يُدعى لكي يدلو بدلوه. فمتاحف غوغنهايم أشركت العاملين المتعاقدين، والفنانين، وأعضاء مجلس الإدارة إلى جانب موظفيها العاديين في هذه العملية.

ينطوي توسيع عملية الشمول في هذه المرحلة على ميزتين مهمّتين. فهو يكشف أولاً عن بيانات القيم التي تلقى صدى إيجابياً لدى الأشخاص الذين تتكون منهم المؤسسة. وفي المقام الثاني، يؤدي إشراك الموظفين إلى التزامهم. وكما هو حال أي قرار مؤسسي، فإن الموظفين وغيرهم أكثر ميلاً إلى دعم أي شيء إذا ما كان رأيهم قد أخذ بالحسبان بصدق سلفاً.

ينتاب الخوفُ بعضَ القادة من فكرة دعوة الشركة برمّتها للمساهمة في تقييم وتحديد شيء ما بأهمية القيم. لكننا نخبرهم أن من الأفضل لهم أن يعرفوا شعور الموظفين الحقيقي تجاه مسألة القيم، على ألا يعرفوا ذلك الشعور.

كما نشدد أيضاً على أن القادة في يجب أن يُوضِحوا في هذه المرحلة أنهم يمنحون الجميع المجال للتعبير عن آرائهم وليس للتصويت، وأنهم سينظرون بطريقة متأنية في جميع الآراء التقييمية التي يحصلون عليها عند تحديد قيم المؤسسة، لكنهم لا يستطيعون أن يَعِدُوا بأن تصبح أي قيمة، ومهما كانت الشعبية التي تحظى بها، ذات صفة رسمية.

رغبة منا في الحصول على قيم مرشحة وإدماج جميع التقييمات المختلفة لها معاً، نستعمل محركاً للذكاء الجماعي يُدعى "جميع أفكارنا"، وهو يعرض أزواجاً من القيم ويطلب من المجيبين الإشارة إلى أي قيمة من القيمتين أفضل – أي "أصدق وأكثر نفعاً" – للمؤسسة. بعد الانتهاء من اختيار كل قيمة، يظهر زوج جديد من القيم. وأثناء انتقاء الخيارات، يحوّلها المحرك إلى قائمة مرتّبة. من الواضح أن بالإمكان استعمال طرق أخرى. فعلى سبيل المثال، بمقدوركم دعوة الموظفين إلى ترتيب جميع القيم المرشحة وفقاً لخيارهم المفضل، أو تحديد أفضل خمس خيارات يحبّونها.

5. تنقيح قائمة الخيارات الأعلى مرتبة من الترشيحات من أجل إصدار مجموعة نهائية من القيم المؤسسية

يقع واجب إنجاز هذه المهمة على عاتق فريق صغير يجب أن يضم القيادة، لأن هناك حاجة في بعض الأوقات إلى إطلاق أحكام جوهرية. خذوا مثلاً ما حصل في عام 2019 عندما عمل باول على هذه المرحلة من العملية مع القسم التعليمي في متحف الفن الحديث في نيويورك. فخلال المرحلة الثالثة، برز بيان قيمة يحمل دلالات سياسية مشحونة: "الجذرية: تجذير الفن في أفعال التعلم الجماعية"، وحظي بدعم الكثير من الناس في المرحلة الرابعة. ولكن، هل كانت الحكمة تقتضي تبنّي متحف الفن الحديث في نيويورك للجذرية بوصفها قيمة مؤسسية؟ في النهاية، قرر قادة المؤسسة الاحتفاظ بهذه القيمة، ولكن ربطها بطبيعة الحال برسالة المتحف من خلال صياغتها بالكلمات التالية: "الجذرية: تحدّي المعايير. تبنّي فلسفة الشك وطرح الأسئلة. التفكير بطريقة جديدة". كان ذلك حلاً أنيقاً، لأنه احترم دعم الموظفين للجذرية لكنه حافظ على التوافق مع القيم الأكثر ميلاً للمحافظة التي يتبناها أصحاب المصلحة الآخرون، مثل احترام الزوار والاستفادة من العلاقات الحالية في العمل. كما أن من الصعب الاعتراض على "تبنّي فلسفة الشك وطرح الأسئلة" و"التفكير بطريقة جديدة".

نتائج تحققت على أرض الواقع

كيف يسهم توافق القيم في الوصول إلى نتائج مؤسسية ممتازة؟ خذوا مثلاً مستشفى الكنيسة المشيخية في نيويورك، والمصنّف كواحد من أرقى أنظمة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية وأكثرها شمولاً وتكاملاً. في عام 2011، عندما تولى ستيفن كوروين منصب الرئيس التنفيذي للمستشفى الذي يضم ما يقرب من 50 ألف موظف وطبيب ملحق به، أراد فهم المؤسسة من وجهة نظر موظفيها. لكنه كان يعلم أنه إذا اكتفى ببساطة بسؤالهم عن رأيهم وعن شعورهم تجاه المستشفى، فإنهم على الأرجح لن يخبروه إلا بما كانوا سيعتقدون أنه يرغب بسماعه.

لذلك، وتيمناً بمسرحية "هنري الخامس" لشكسبير، شرع كوروين في تنفيذ مهمته متنكراً. فارتدى زي عامل نظافة وشرع في تنظيف غرف المستشفى. في دوره ذاك، شعر أنه شخص غير مرئي – في أعين المرضى، والأطباء، والممرضين، وغيرهم من الموظفين – ما قوّض أي شعور لديه بالاندماج في المؤسسة، وبالتالي التزامه بها، ما قلل من دافعه لإنجاز عمله على أكمل وجه.

ساعدت هذه التجربة كوروين على إدراك حجم الألم والتهميش اللذين يعاني منهما الموظفون على أي مستوى من المستويات عندما يشعرون أنهم غير مرئيين أو مستبعدين. وأدرك أن المسألة برمّتها تتعلق بالاحترام، الذي علم لاحقاً أنه أحد أبرز القيم الفردية لدى موظفي مستشفى الكنيسة المشيخية في نيويورك. ولتحقيق التواؤم على تلك الجبهة، أطلق حملة للترويج للاحترام بوصفه قيمة مؤسسية. واليوم، تتربع هذه القيمة في صدارة قائمة من أربع قيم يتبناها المستشفى تشمل أيضاً الجودة، والنزاهة، والعمل الجماعي.

خلال السنوات الخمس الماضية، عمل باول مع المئات من موظفي مستشفى الكنيسة المشيخية في نيويورك لإنتاج بنى قيمهم الفردية. في هذه العملية، لا تُنَاقش القيم المؤسسية، وإنما يُسأل المشاركون ببساطة: "ما أهم القيم بالنسبة لكم؟" وعاماً بعد آخر، إجابتهم الأولى هي "الاحترام". وهذا مثال نموذجي على التوافق بين القيم المؤسسية والقيم الفردية. وعندما تتحقق القيم المؤسسية، تتحول إلى منارة لاجتذاب الموظفين، ويمكن أن تعزز التعاون والدافعية. كما تُذكّر هذه القيم الموظفين بالشكل الأمثل الذي يمكن أن يكونوا عليه، وتساعد في تحسين أدائهم وعافيتهم.

هذا ما حصل في ربيع عام 2020 عندما وجد مستشفى الكنيسة المشيخية في نيويورك نفسه في عين عاصفة جائحة كوفيد-19. إذ لم ينجُ مستشفى في مدينة نيويورك من الأضرار خلال ذلك الربيع الصادم، غير أن هذا المستشفى أبلى بلاءً حسناً بالمقارنة مع معظم نظرائه. ووفقاً لأشخاص عديدين في المستشفى، كان مردّ هذا النجاح إلى أن جميع الموظفين حصلوا على إحاطات يومية كانت تقدّمها عادة لورين فوريس الرئيسة التنفيذية للعمليات فيه. وقد أخبرنا موظفو الخطوط الأمامية أن الإحاطات التي كانت تقدّمها جعلتهم يشعرون أنهم مرئيون، وذكّرتهم أن كبار القادة كانوا يعملون جنباً إلى جنب معهم في المبنى. لقد كانت قيم الجميع في حالة تزامن.

الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه القصة بسيط وواضح: عندما تكون القيم متوافقة بالشكل المناسب، فإنها تكون قوية. فهي تخدم استراتيجيتكم، وتؤمّن لموظفيكم صلات وروابط صادقة، لتسهم بذلك في إنشاء أساس يسمح للمجموعة بتقديم أداء أفضل والوصول إلى درجة أعلى من الرضا. لكن القيم ليست سحراً. وهي لا تصبح حقيقية أو فاعلة لمجرد إعلانكم عنها أمام المؤسسة في اجتماع عام للموظفين أو نقشها على قطعة رخام في المقر الرئيس للشركة. فإذا ما أردتم التنعم بمنافعها، فإنكم بحاجة إلى العمل مع الجميع في مؤسستكم لتحديد هذه القيم وضمان توافقها. وهذا يتطلب انتباهاً دقيقاً وعملاً جاداً من النوع الذي وصفناه في هذه المقالة. ونؤكد لكم أن هذا الجهد المبذول مستحق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي