في أعقاب مقتل جورج فلويد وتجدد احتجاجات حركة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" (Black Lives Matter)، سارعت الشركات من جميع الفئات إلى إصدار بيانات تبين الحاجة إلى "التغيير" و"التضامن" وذلك من أجل إثبات القيم الاجتماعية للعلامة التجارية لديها. وقد وعدت مجموعة فرعية كبيرة من هذه الشركات بمراجعة السياسات الداخلية للتحيز العِرقي أو بتحسين ممارسات التوظيف أو بتقديم تبرعات نقدية إلى المؤسسات غير الربحية التي تتصدر الحركة.
حيث تبرعت "نايكي" (Nike) والعلامة التجارية "جوردان" (Jordan) بمبلغ 140 مليون دولار لدعم مجتمعات أصحاب البشرة السمراء، وأعلنت شركة "كويكر أوتس" (Quaker Oats) عن تغيير صورة واسم علامتها التجارية "آنت جيميما" (Aunt Jemima)، وأوقفت شبكات التلفزة عرض برنامجي "كوبس" (Cops) و"لايف بي دي" (Live PD).
ولكن في خضم كل هذا النشاط، كان هناك أيضاً رد فعلي عكسي وآخر سلبي. على سبيل المثال، بعد أن صرحت شركة "بيلوتون" (Peloton) بصورة قاطعة أن "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" وتبرعت بمبلغ 500 ألف دولار لـ"صندوق الدفاع القانوني التابع للجمعية الوطنية للنهوض بالملونين" (NAACP Legal Defense Fund)، وجدت نفسها تعتذر عن عدم تحقيق التنوع في فريق قيادتها.
وعلى الرغم من أن شركة "فيسبوك" تخصص مئات الملايين من الدولارات لجماعات تحقيق العدالة العرقية وشركات أصحاب البشرة السمراء، فقد وجدت أنها تواجه ثورة داخلية وخارجية بسبب رفضها حذف المنشورات الكاذبة والمضللة التي كتبها الرئيس دونالد ترامب (وآخرون). وقد اشتركت شركة "ستاربكس" (Starbucks) في مثل هذه الأفعال أكثر من مرة، بما في ذلك تغيير رأيها حول ما إذا كان بإمكان الموظفين ارتداء قمصان ودبابيس تحمل عبارة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" في العمل.
المسؤولية الاجتماعية للشركات
هذه الأمثلة، بالإضافة إلى العديد من الأمثلة الأخرى مثل شركة "لوريال" (L’Oreal) و"بوبايز" (Popeyes)، تشير إلى شيء لطالما عرفناه، وهو أن المشاركة في كسب التأييد الاجتماعي للعلامات التجارية الشهيرة أكثر صعوبة بكثير مما يرغب الكثيرون في الاعتراف به، وأن ثمن الخطأ قد يكون باهظاً. إذا كان لديك أي شك في ذلك، ابحث في "جوجل" عن ""بيبسي" و"كيندال جينر". الآن دعونا نأخذ خطوة إلى الوراء ونقيّم السبب في أنه يجب أن تكون الشركات في وضع أفضل يسمح لها باتخاذ إجراءات اجتماعية حاسمة وكيف يمكنها ذلك.
لنبدأ بالدافع (أي السؤال عن "السبب"). باختصار، السبب هو أنه لا يوجد بديل. فاليوم يتوقع المستهلكون، وتحديداً جيل الألفية والجيل زد، من الشركات أن تتخذ وتعزز مواقف واضحة بخصوص القضايا الاجتماعية أو السياسية. فهم يستخدمون على نحو متزايد قوة مواردهم المالية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي لتشكيل سلوك الشركات. وقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة "دو سامثنغ" (DoSomething) عام 2018 أن 76% من المشاركين ذكروا أنهم اشتروا، أو سيفكرون في الشراء، من شركة ما لإظهار دعمهم للقضايا التي تدعمها هذه الشركة، وذكر 67% أنهم توقفوا عن الشراء من الشركات التي تدافع عن قضايا لا تتسق مع قيمها، أو قد يفكرون في ذلك. أما فيما يتعلق "بالكيفية"، فالأمر أكثر تعقيداً.
خريطة تأييد العلامة التجارية للقضايا الاجتماعية
من خلال عملنا في مجال التواصل بغرض كسب التأييد والتعاون مع عشرات الشركات، أُتيحت لنا الفرصة لتقييم ما ينجح وما يفشل. وأثناء هذه العملية، وضعنا خريطة تأييد العلامة التجارية للمساعدة في توجيه الشركات أثناء الاضطرابات الثقافية والاجتماعية التي من المحتمل أن تكون قوية.
يحتوي إطار عملنا، في شكله الأساسي، على محورين لتقييم مدى البراعة في التعامل مع المشكلة (ما يعني؛ مدى المصداقية والصدق اللذين تتعامل بهما الشركة مع الموضوع، على مقياس يتراوح من "الجهل المتعمد" إلى "التعامل مع المشكلة ببراعة")، وعمق المشاركة (ما يعني؛ مدى عمق المشاركة أو الاستثمار، على مقياس يتراوح من "معالجة المشكلة سطحياً" إلى "توظيف استثمارات هيكلية".
الجمع بإيجابية بين التعامل مع المشكلة ببراعة وتوظيف استثمارات هيكلية يضع الشركات في مربع "تطبيق القيم"، ما يؤدي إلى بناء المصداقية وكسب ثقة المستهلك. والجمع بشكل سلبي بين الجهل المتعمد ومعالجة المشكلة سطحياً دون إجراء استثمارات داعمة يضع الشركات في مربع "جمود العلامة التجارية". وفي المربع العلوي الأيسر "الاحتفاظ بالمكانة" توجد الشركات التي تتمتع بالبراعة في التعامل مع المشكلات، ولكن لا تزال تفتقر إلى توظيف استثمارات هيكلية. وعلى النقيض، في المربع السفلي الأيمن "المحاولة والإخفاق" توجد الشركات التي نفذت استثمارات هيكلية ولكن نتج عنها أحياناً حملة أو أسلوب يتصف بالجهل المتعمد.
لتوظيف استثمار هيكلي يتعين على الشركة تخصيص الوقت والموارد باستمرار لإجراء تغيير داخلي وخارجي في جانب معين من المشكلة. فلا يمكن للشركة، على سبيل المثال، تقرير أنها لا ترغب في الاستثمار في تحقيق العدالة العِرقية ثم تتوقع أن تُحدث تغييراً هيكلياً بين عشية وضحاها. بدلاً من ذلك، يجب على الشركة غرس العدالة في عملياتها الداخلية وقيمها ورسالتها قبل اتخاذ موقف علني حتى لا تُتهَم بالنفاق.
وبعد ذلك يجب على الشركة الاستثمار بطريقة شاملة، ما يعني الذهاب إلى ما هو أبعد من تقديم التبرعات أو إدارة حملة إعلانية لمرة واحدة. لتتعامل الشركة مع المشكلة ببراعة، يجب أن تتواصل بشأن جانب المشكلة المحدد بطريقة تُظهر أنها تفهم التفاصيل الدقيقة للمشكلة وتهتم بالموضوع بشدة.
ولذلك من الواضح أن إصدار بيانات علنية بين الحين والآخر أو التباهي بقيمة التنوع في حين أن جميع الموظفين من أصحاب البشرة البيضاء أو التعبير عن الغضب مع تزويد القائمين على إنفاذ القوانين بأدوات تعمل بتقنية التعرف على الوجه وتشجع على التنميط العرقي، جميعها ممارسات تفشل في اختبار "تطبيق القيم".
عند القياس بهذا المعيار، تبرز شركات مثل "نتفليكس" (Netflix) و"بن آند جيريز" (Ben & Jerry’s) بوصفها دراسات حالة إيجابية، مع وضع السياسة جانباً. على سبيل المثال، تمتلك "بن آند جيريز" سجل إنجازات يمتد لعقود من التحدث بصراحة حول غياب العدالة العرقية والتغيرات المناخية وحقوق اللاجئين. ورغم أن الشركة أسسها رجلان من أصحاب البشرة البيضاء، فإن مجلس إدارتها يعد نموذجاً للتنوع وتاريخها في كسب التأييد المؤسسي يتجاوز مجرد كتابة الشيكات، فقد ألقي القبض على مؤسسيها بسبب نشاطهم الاجتماعي. فهذه الأفعال تحمي الشركة من وصفها بالمنافقة.
علاوة إلى ذلك، تطمس الشركة بانتظام الخطوط الفاصلة بين العلامة التجارية والناشطية من خلال إطلاق نكهات خاصة من الآيس كريم بما في ذلك منتَج "جستيس ريميكسيد" (Justice ReMix’d) الذي أُطلق في جولة لمدة شهر بحافلات الآيس كريم في مدينة سانت لويس لدعم إصلاحات العدالة الجنائية وإغلاق سجن سانت لويس. وبالمثل أُطلق منتَج "بيكان ريزست" (Pecan Resist) للاحتجاج على سياسات إدارة ترامب التي وصفتها الشركة بأنها "رجعية وتمييزية". فلا غرابة إذاً من أن بيانها الذي أصدرته رداً على مقتل فلويد كان قوياً وحصل على ثناء واسع النطاق، حتى إن لم يكن مقترناً بإجراءات إضافية فورية. فقد كان لدى الشركة سجل إنجازات للاستناد إليه والاستفادة منه، بما في ذلك تاريخ طويل من البراعة الكبيرة في التعامل مع القضايا التي أبدتها من خلال بياناتها وأفعالها الملموسة.
هناك مثال أحدث على شركة تقع في المربع العلوي الأيمن وهي "نتفليكس". فقد زادت الشركة التزامها بالمساواة والشمول في العامين الماضيين. في عام 2018، عيّنت "نتفليكس" رئيساً للتنوع والشمول، وقد أطلق برامج جديدة مثل "سترونغ بلاك ليد" (Strong Black Lead) الذي يدعم الأميركيين الأفارقة الذين يشغلون أدواراً قيادية. وزادت أيضاً عدد الموظفين والقادة من أصحاب البشرة السمراء على مدار السنوات الثلاثة الماضية. وأعلنت في الآونة الأخيرة أنها ستحول 100 مليون دولار من استثماراتها إلى البنوك المملوكة لأصحاب البشرة السمراء.
وقد جاءت بهذه الفكرة من اقتراح موظف عرضه في مأدبة عشاء يحضرها قادة في "نتفليكس" من الفئات الممثلة تمثيلاً ناقصاً. كانت هذه خطوة قوية تعكس براعة كبيرة في التعامل مع القضايا والتغييرات الهيكلية. ونظراً إلى أن البنوك المملوكة لأصحاب البشرة السمراء كانت لا تحظى بالتمويل الكافي على مر التاريخ، فإن "نتفليكس" أحدثت تأثيراً عميقاً من خلال استثمار رأس المال اللازم لخدمة قروض إضافية وجذب مزيد من رأس المال الاستثماري.
وبعد الاستثمار، ارتفعت أسهم هؤلاء المقرضين بسرعة، ما يثبت أن الاستثمار في البنوك المملوكة لأصحاب البشرة السمراء أكثر تأثيراً من التبرع بالمال لجمعية خيرية أو مؤسسة غير ربحية.
في حين أن "نتفليكس" لا تمتلك تاريخاً طويلاً من إجراء التغييرات الهيكلية مثل "بن آند جيريز"، إلا أنها تعد مثالاً جيداً للمنافس الجديد في مربع "تطبيق القيم". تقع "باي بال" (Paypal) و"غاب" (Gap) أيضاً في هذا المربع لأنهما كانتا توظفان استثمارات هيكلية في تحقيق العدالة العرقية قبل مقتل جورج فلويد، وكانت استجابتهما لاحتجاجات حركة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" مؤخراً تتسم بالبراعة في التعامل مع القضية.
في عام 2013، وضعت "باي بال" برنامجاً لقروض رأس المال التشغيلي لإزالة العوامل الموجودة في تقييم منح الائتمان المتعلقة بالعرق، ومؤخراً تبرعت بـ350 مليون دولارلدعم الشركات المملوكة لأصحاب البشرة السمراء أو الأقليات. ووضعت شركة "غاب" برنامج "الطريق نحو المستقبل" (This Way Ahead) عام 2007، بهدف تقليل نسبة البطالة بين الشباب أصحاب البشرة السمراء ذوي الدخل المنخفض، ومؤخراً تبرعت بـ250 ألف دولار للجماعات التي تحارب عدم المساواة العرقية.
الاحتفاظ بالمكانة
لم تحرز كيانات مثل سباقات "ناسكار" (NASCAR) وشركة "تويتر" (Twitter) التقدم نفسه. على الرغم من اتخاذ كلتاهما قرارات قوية مؤخراً، بما في ذلك أن سباقات "ناسكار" حظرت الأعلام الكونفدرالية في السباقات وأن "تويتر" حذفت تغريدات الرئيس ترامب وأعلنت أن المناسبة المعروفة باسم "جونتينث" (Juneteenth) أصبحت عطلة للموظفين بالشركة وتبرعت لأجل هذه القضية، فإن العلامتين التجاريتين لم يكن لدى أي منهما سجل راسخ من المشاركة الاجتماعية. فبينما يُشاد باستجاباتهما، أي "بالاحتفاظ بمكانتهما"، لا يزال عليهما إنجاز بعض الأعمال وإرساء مصداقيتهما، إذا كانتا ترغبان في التحرك إلى المحور "س" في خريطة تأييد العلامة التجارية.
فالنُهج في كلا طرفي المحور "س" أو محور المشاركة يمكن تنفيذها بطريقة جيدة ويمكن أيضاً أن تكون مفيدة، إلا أن المحور "ص" أو محور التعامل مع المشكلة ببراعة يميز بوضوح بين ما هو جيد وما هو سيئ. إن المشاركة "في القضية ببراعة" تعبر عن روح العصر الثقافي جيداً وعلى نحو استثنائي وتجعل العلامة التجارية متسقة مع القضية بذكاء، بينما تفتقر المشاركة "التي تتصف بالجهل المتعمد" إلى الأصالة والمصداقية والبراعة في التعامل مع القضية.
هذه هي الجهود التي غالباً ما يتبعها الاعتذار. ولكن التمييز بين الشركات الموجودة في مربع "المحاولة والإخفاق" والشركات الموجودة في مربع "جمود العلامة التجارية" مهم وتجدر الإشارة إليه.
المحاولة والإخفاق
لنعد إلى مثال شركة "ستاربكس" لتوضيح مربع "المحاولة والإخفاق". لم تكن هذه محاولة الشركة الأولى للمشاركة في العمل الاجتماعي ولا أول تجربة لها مع القضايا العِرقية، بغض النظر عن النتيجة. على سبيل المثال، حملتها المعروفة باسم "لنتحد عرقياً" (Race Together) التي أطلقتها عام 2015 وكانت محاولة لبدء حوار صادق ومثمر حول القضايا العرقية من خلال طباعة عبارة "لنتحد عرقياً" على الأكواب، جاءت بنتائج عكسية. حيث إن الرئيس التنفيذي آنذاك هوارد شولتز كتب أن الحملة "وُصفت بأنها متعالية وتتجاهل القضية"، وأن "ستاربكس" اتُهمت "بتجاوز الحدود المقبولة للشركات واستغلال أزمة وطنية للترويج لعلامتنا التجارية من خلال منبر الشركة".
ويمكن مقارنة ذلك باستجابتها عام 2018 لاعتقال رجلين من أصحاب البشرة السمراء في متجرها في فيلادلفيا بطريقة غير لائقة. حيث إن الشركة لم تستجب لذلك بإغلاق أكثر من 8 آلاف متجر لتدريب العاملين على عدم التحيز العرقي فحسب، ولكنها تعهدت أيضاً بإجراء إصلاح كبير في السياسات الداخلية. في حين أن هذه الاستجابة لم تكن مثالية، إلا أنه من الواضح أن "ستاربكس" تفعل ما هو أكثر من مجرد التظاهر بالتأييد. حيث تحاول الشركة دائماً التصرف بطريقة صحيحة فيما يتعلق بهذه القضية والقضايا الأخرى مثل التغير المناخي والاستدامة. ونعتقد أنها كوفئت على مشاركتها هذه من خلال الاحتفاظ بولاء العملاء.
تقع في هذا المربع أيضاً شركة "سيفورا" (Sephora) وشركة "سبوتيفاي" (Spotify)، اللتان استثمرتا سابقاً في تحقيق المساواة ولكن جهودهما الأخيرة اتصفت بالجهل المتعمد. فقد أتاحت "سيفورا" للعملاء خيار التبرع بنقاط المكافآت "للتحالف الوطني للعدالة لأصحاب البشرة السمراء" (National Black Justice Coalition). وانتُقدت هذه المبادرة لأن الشركة استفادت من هذه الخطوة. إذ كان يمكن لشركة "سيفورا" المطالبة بخصم الضريبة من التبرع بدلاً من مطالبة العملاء بالفوائد الضريبية مباشرة.
شاركت "سبوتيفاي" في يوم "ثلاثاء التعتيم" (Black Out Tuesday)، وهو عمل جماعي يشجع الأشخاص على الانفصال عن أعمالهم المعتادة ووسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تضامنهم مع حركة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة". وفي هذا اليوم، تمثلت إحدى مبادرات "سبوتيفاي" في وضع مربعات سوداء بدلاً من شعارات قوائم التشغيل.
ولكن انتهت هذه المبادرة بخلق قدر كبير من الالتباس والارتباك. فقد بدأ الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي في نشر مربعات سوداء "لإسكات" أنفسهم في هذا اليوم، ما ألغى أي حوارات هادفة تُجرى على "وسم حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" (#BlackLivesMatter). هاجم النشطاء المبادرة باعتبارها مصدر إلهاء بلا معنى أو سلبي، وألقي اللوم على "سبوتيفاي" لأنها واحدة من أبرز المروجين لما حدث. ولكن من المرجح أن تتعافى كل من "سيفورا" و"سبوتيفاي" من هذه العثرات لأنهما اكتسبتا مصداقية في تأييد القضية في الماضي.
جمود العلامة التجارية
في حين أن هذه ليست سوى أمثلة قليلة، إلا أنها تُظهر الفرق بين تلك العلامات التجارية والعديد من العلامات التجارية الأخرى التي تشارك مرة واحدة ثم تبتعد أو لا تشارك مطلقاً. وإذا اقترن الفشل في المشاركة أو المشاركة بطريقة تتصف بالنفاق، مع الجهل المتعمد أو الافتقار إلى الكفاءة الثقافية، فسوف يفضي ذلك إلى كارثة محققة. فوجود الشركة في مربع "جمود العلامة التجارية" يعني عدم ارتباط المستهلكين بعلامتك التجارية في أحسن الأحوال، أو هجرانها لاشمئزازهم منها في أسوأ الأحوال، والنتيجة المترتبة في كلا الحالتين غير مرغوب فيها.
وعلى الرغم من ذلك تجد الشركات نفسها في هذا الموقف مراراً وتكراراً، بما في ذلك عشرات الشركات التي أخفقت في استجابتها لحركة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة"، والعدد الذي لا يحصى من الشركات التي سبقتها في فعل ذلك. على سبيل المثال، ابحث في "جوجل" عن "إعلان "فولكس فاغن" (Volkswagen) العنصري".
نصائح لإدارة الحملات الاجتماعية دون التأثير على العلامة التجارية
يمكن للشركات فعل ما هو أفضل من ذلك
بغض النظر عن موقع الشركات على الخريطة المذكورة أعلاه، يجب عليها الذهاب إلى ما هو أبعد من إصدار البيانات والتحرك نحو إحداث تغيير فعلياً. ولأن كل شركة لها احتياجات فريدة، فنحن نؤمن أن جميع الحملات أو ردود الأفعال التي تؤثر على العلامة التجارية يجب أن تتضمن ما يلي:
* التأكد من أن الأمور في شركتك جيدة وتحت السيطرة قبل المشاركة في الأنشطة العامة. إذ يجب أن تتوافق الثقافة الداخلية للشركة وتحقيقها للتنوع مع موقفها الخارجي. وإن لم يكن الأمر كذلك، فقد حان الوقت لإحداث تغيير.
* إن لم تكن شركتك في حالة جيدة، فإن التحلي بالتواضع أمر أساسي. اعترف بمواطن حدوث العثرات وتحلَّ بالشفافية حيال خطة التغيير.
* إدراك أن بيانات التأييد العلنية ليست كافية. فالبيانات العلنية الناجحة هي التي تعترف بجوانب التقصير أو الإخفاق، لذا، وضح ذلك من خلال الإجراءات التي تخطط لاتخاذها ونفّذها.
* الاستثمار في إجراء تغييرات هيكلية. اعترف بدورك في إدامة هياكل السلطة واعمل جاهداً على تفكيكها.
* التبرع إلى هؤلاء الذين يبذلون الجهود. أثناء وضع استراتيجية بالإجراءات والالتزامات التي ستتخذها العلامة التجارية، موّل هؤلاء الذين ينزلون إلى الميدان لاقتلاع جذور الظلم الممنهج. ولكن لا يمكن للشركات تقديم الدعم المالي لقضية ما ببساطة لكي تضع نفسها في المربع العلوي الأيمن أو المربع العلوي الأيسر. بمعنى آخر، لا يمكن للشركات التبرع بالمال ببساطة ثم تتوقع أن تُكافأ بشكل علني. بدلاً من ذلك، تحتاج الشركات إلى تخصيص بعض الوقت لاتخاذ الإجراءات الثلاثة السابقة.
تبين هذه الأمثلة أنماطاً واضحة. إن الشركات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين علامتها التجارية وبين كسب التأييد، تفعل ذلك من خلال المشاركة المبكرة وفي كثير من الأحيان وبطرق هادفة وعلى نحو دائم. فهذه الشركات ليست سلبية ولا تباغتها الأحداث غير المتوقعة ولا تعتمد على مجرد إبداء ردود أفعال. ولكنها تشارك باستمرار.
وعلى الجانب الآخر، هناك الشركات التي تشارك في هذه الجهود دون خبرة سابقة وتتجاهل التناقضات الواضحة ولا توجد أي صلة بين ما تقوله وما تفعله، فتلك الشركات تعرض نفسها لمزيد من السخرية وتتلقى ردود أفعال سلبية من جانب المستهلكين الذين يودون من العلامات التجارية التي يدعمونها تقديم ما هو أكثر من ذلك. لحسن الحظ، هناك خريطة طريق للمساعدة على تفادي تلك النتيجة.
باختصار، يطالب سلوك المستهلك الشركات بالمشاركة في القضايا الاجتماعية من أجل تعزيز القيم الاجتماعية للعلامة التجارية لديها، ولكن أي مشاركة في المسؤولية الاجتماعية يجب أن تقترن ببراعة في التعامل مع القضية وطلاقة ثقافية واستعداد للتحقق من الأمور البعيدة عن الرؤية وقدرة على التنفيذ على صعيد التسويق والاتصالات والشؤون العامة. فهذا عمل لا ينتهي أبداً، سواء بالنسبة إلينا في شركة "رالي" أو بالنسبة إلى شركات مثل "بن آند جيريز".