ملخص: يتطلب التنافس في الاقتصاد الرقمي العالمي إسهامات متزايدة التعقيد، إذ يحتاج الموظفون إلى التحفيز لتجاوز حدود وظائفهم، ويحتاج العملاء إلى الإلهام وأخذ ملاحظاتهم في الحسبان، كما أن مطالب المجتمع المدني والجهات الحكومية وآراءهم وأهدافهم مهمة للغاية. تتمثل قيمة هدف المؤسسة في المساعدة على تنسيق عمل أصحاب المصالح في هذه المنظومة المعقدة. تشير أبحاث المؤلف إلى أنه عندما توضح الشركة وإدارتها أن هدفها هو الانسجام في منظومة أصحاب المصالح -أي تنمية المكاسب للجميع- سيقدمون جميعهم إسهامات أكبر وتقل النزاعات بينهم، وتصبح الشركات أقدر على مواجهة الأزمات وتُعزز القيمة الإجمالية الناتجة وتوزع بصورة أفضل على المساهمين.
تنطلق غالبية نظريات الإدارة من وضع نموذج للعلاقة بين مدير يوكل المهمة وموظف ينفذها. بوسع الموكل أن يطلب من المنفذ أداء مهمة ما، ولكن ليس بوسعه دائماً مراقبة جهوده أو تقييمها، أي أن المنفذ هو من يقرر إذا ما كان سيلتزم بتنفيذ بالمهام الموكلة إليه على أكمل وجه أو لا. ولحل هذه المشكلة، اقترح باحثون عدة أن يحفِّز المساهمون كبار المسؤولين التنفيذيين انطلاقاً من القيمة السهمية. ويمكن لكبار المسؤولين التنفيذيين حينها تحميل المدراء المسؤولية عن مؤشرات الأداء الرئيسية التي تسهم في القيمة السهمية.
بهذا المنطق، يمكن أن يعطي الشعور بوجود هدف مشترك دليلاً وحافزاً مفيداً للمدراء بشأن ما يجب عليهم فعله عندما لا تملي شروط عقود توظيفهم إجراءات إضافية، مثل طرق الاستجابة لظروف غير متوقعة، أو تقديم أفكار لتحسين العمل، أو تحديد مقدار العمل الإضافي ومدى الجهد المطلوب لحل المشكلات الشائكة.
وبعد القليل من التفكير، قد يتساءل المرء عن مدى تشابه المؤسسات الحديثة مع ذلك الوصف البسيط. فهل تفادي التقصير هو المشكلة الحقيقية التي تحدد الرابح والخاسر في الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين؟ تطورت النظرية في سبعينيات القرن العشرين، في ذلك الوقت كان لتضخم التكتلات والمبالغة في تحسين المنتَج النهائي ورضا الشركات أهمية أكبر نسبياً. في الـ 50 سنة الماضية، تأثر اقتصادنا والبيئة التنافسية التي تتنافس فيها المؤسسات بالعولمة والتغير التكنولوجي.
لقد حان الوقت لتحديث نظرياتنا حول الشركة وفقاً لذلك. فبدلاً من تصور الشركة بوصفها مجموعة من المدراء الذين يكتبون عقوداً تحدد الأدوار والمهام ثم يعانون لإقناع العاملين بالامتثال لها، نحتاج إلى تطوير نظريات تتناسب على نحو أفضل مع المؤسسات التي نقودها، وندرُسها، ونقدم فيها المشورة، ونعد عنها التقارير.
لا تواجه هذه المؤسسات صعوبة في تقديم قيمة بسبب التقصير. بل لأن التنافس في الاقتصاد الرقمي العالمي يتطلب إسهامات متزايدة التعقيد لا يمكن تحديدها في العقود مسبقاً. يحتاج الموظفون إلى التحفيز لتجاوز بنود عقودهم، ويحتاج العملاء إلى التحفيز وأخذ ملاحظاتهم في الحسبان، كما تمثل مطالب المجتمع المدني والجهات الحكومية وآراؤهم وأهدافهم أجزاء مهمة من الحل. وكل صاحب مصلحة لديه أهداف مختلفة، إذ يبحث بعضهم عن القيمة في استثماراته أو قروضه، ويرغب آخرون في مزيج من الأجور أو المدفوعات وتحقيق الذات. ويُحفَّز بعضهم عبر تحقيق تقدم في قضية ما أو حل إحدى المشكلات. ويريد آخرون إعادة انتخابهم واستخدام مناصبهم لتحقيق غايات أكبر.
تتمثل قيمة غاية المؤسسة في المساعدة على تنسيق عمل أصحاب المصالح في هذه المنظومة المعقدة. الشركة هي المكان الذي يتعاون فيه أصحاب مصالح متنوعون بناءً على تفاهمات غير رسمية حول إذا كان بإمكانهم تحقيق أهدافهم الفردية على نحو أفضل. وبهذه الطريقة، لا تكون الشركة عبارة عن مجموعة من العقود التي يسعى المدراء إلى تنفيذها، وإنما مكان يلتقي فيه أصحاب المصالح لتحقيق التقدم نحو أهدافهم. حيث يتخذ كل صاحب مصلحة قرارات بشأن مقدار إسهامه وما يجب أن يطلب ويقبل في المقابل.
أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن العقود المبنية على العلاقات تشكل أساس هذه الأنظمة وتجعلها متماسكة. ومع ذلك، فقد ركزت تلك الأبحاث حتى الآن على العقود القائمة بين موكل واحد ووكيل واحد، المبنية على الثقة والهدف المشترك والمبادئ التوجيهية، فضلاً عن المصالح والتوقعات المتوافقة إلى حد بعيد.
يأخذ بحثي الأخير نظرة أوسع على مستوى المنظومة، وبناءً على بحث سابق، أود أن أسلط الضوء على أنه عندما تحاول إدارة الشركة إقناع أصحاب المصالح بأن هدفها يتجاوز زيادة القيمة السهمية القصيرة الأجل، ستنشأ لدى هؤلاء الشكوك. فهم يراقبون باهتمام لمعرفة إذا كان الرئيس التنفيذي والمدراء الذين يعملون لديه سيكافئون إسهاماتهم بما يتجاوز ما هو مطلوب لخلق قيمة للمساهمين. تؤدي هذه الشكوك إلى ضعف النية للتعاون والمزيد من الصراع لاحقاً من جانب أصحاب المصالح الذين يركزون جميعاً على الحصول على نصيبهم العادل من المكاسب. ونتيجة لذلك، تصبح القيمة الناتجة المحتملة (أي حجم تلك المكاسب) محدودة بسبب أصحاب المصالح الذين لا يقدمون ابتكاراً ذا قيمة أو يتنازعون على توزيع القيمة الناتجة. حتى المساهمون يصبحون في وضع أسوأ.
في المقابل، عندما توضح إدارة الشركة عبر الحوار مع أصحاب المصالح، وتهيئة شبكة شاملة لهم، والاهتمام بالقضايا الأهم لديهم، أن هدفها هو خلق انسجام في منظومة أصحاب المصالح (أي تنمية المكاسب بدلاً من تقسيمها ورفض تقديم التنازلات)، يقدم أصحاب المصالح جميعهم إسهامات أكبر وتقل النزاعات بينهم. كما تصبح الشركة أقدر على مواجهة الأزمات، وتعزز القيمة الإجمالية الناتجة وتوزع بصورة أفضل على المساهمين.
الحجج حول تنمية المكاسب أو تبني مبدأ "قوة التعاون" معروفة تماماً، لكن المشكلة هي أنها لا تشرح طرق تغلب الشركة على شكوك أصحاب المصالح وتغيير هدف مؤسستهم. يزعم البعض أن هذه النتيجة صعبة أو أشبه بمعضلة السجين، لأن لدى كل واحد من أصحاب المصالح في المنظومة الحافز لأخذ ماله و"الفرار". بعبارة أخرى، بعد أن تُقدم الإسهامات دون ضمانات تعاقدية للتعويض، يمكن لأحد أصحاب المصالح أن يحصل على قدر كبير من القيمة يراه الآخرون غير عادل، ما يؤدي إلى تدمير نظام التعاون الهش.
ومع ذلك، فأنا أعتقد أنه يمكن الحفاظ على الإسهام بما يتجاوز شروط العقود الرسمية، لأن كل عضو في منظومة أصحاب المصالح يؤمن بفوائد الهدف المشترك سيساعد على تعزيز معايير التعاون عبر المنظومة برمتها. وعندما ينتهك أحد أصحاب المصالح، سواء كان رئيساً تنفيذياً أو مديراً أو عميلاً أو مورداً أو عضواً في المجتمع، القواعد ويسعى للحصول على حصة من القيمة يعتبرها أقرانه غير عادلة، فإن مجموعة أصحاب المصالح بكاملها ستعاقبه على هذا السلوك المنحرف. عندما يكون الهدف المشترك واضحاً بما فيه الكفاية، فإن تلويح الأقران بالعقاب وحتى النبذ يمكن أن يخفف التهديد.
من السهل رؤية هذه التأثيرات على مستوى المنظومة عندما يدفع سلوك الشركة العديد من أصحاب المصالح إلى إعادة النظر في علاقاتهم. ولنتأمل هنا انشقاق الشركاء من المؤسسات غير الحكومية، والمدراء، والشركاء المجتمعيين عن شركة بي بِي (BP) في أعقاب كارثة تسرب النفط ديب ووتر هورايزن (Deepwater Horizon). حيث أظهرت الأبحاث أن المؤسسات غير الحكومية التي تعاونت مع شركة بي بِي خسرت أيضاً مؤيدين لها، في حين اكتسبتهم المؤسسات التي سبق لها أن تحدت شركة بي بِي.
في المقابل، توصلت الأبحاث إلى أن الشركات تكون أقل عرضة للانتقاد عندما تنشئ تحالفات مع مؤسسات غير الحكومية. على سبيل المثال، بعد أن دخلت شركة كوكاكولا في شراكة مع مؤسسة السلام الأخضر المدافعة عن البيئة، تعرضت لهجمات أقل من شبكة أصدقاء الأرض (Friends of the Earth) ومؤسسة سييرا كلوب (Sierra Club)، اللتان انتقدتاها في السنوات السابقة. شبكات الدعم هذه التي تتألف من مجموعة متنوعة من العملاء والمؤسسات غير الحكومية والمسؤولين الحكوميين، تفيد الشركات ذات التوجهات القوية تجاه أصحاب المصالح مثل شركة بست باي (Best Buy) بقيادة هيوبرت جولي أو شركة يونيليفر (Unilever) بقيادة بول بولمان.
تسلط هذه الأمثلة الضوء على الحاجة إلى النظر إلى أصحاب المصالح والشركات بوصفهم جزءاً من منظومة مترابطة. في هذه المنظومة، كما هو الحال في التفاعلات الاجتماعية البشرية، لا يختار أصحاب المصالح بين الحفاظ على عقودهم المبنية على العلاقات الحالية وبناء عقود جديدة فحسب، بل أيضاً إذا كانوا سيعاقبون أقرانهم أو يكافئونهم على اختيارهم للعلاقات.
ومع ذلك، يحتاج أصحاب المصالح والأكاديميون إلى المزيد من البيانات من أجل إثبات فعالية هذه العقوبات وتعزيزها. أولاً، علينا أن نكون قادرين على تمييز الشركات التي تركز على أصحاب المصالح من تلك التي تدعي الفضيلة أو المتورطة في الغسل الأخضر، فضلاً عن الشركات النظيرة التي تسهم في المنظومة بدلاً من استغلالها. تتضمن البيانات المطلوبة معلومات عن القيمة الإجمالية التي أنشأتها الشركة، وليس فقط القيمة السهمية. ثانياً، نحتاج إلى معلومات عن آراء أصحاب المصالح حول الشركات (وحول بعضهم بعضاً)، وحول القضايا ذات الأهمية الخاصة. وأخيراً، علينا أن نرى إذا كانت الجهود التي تبذلها الشركات للمطالبة بتوجيه أصحاب المصالح مدعومة بالأفعال والنتائج (أي هل يفعلون ما يقولون). في ورقة عمل حديثة، ربطت هذه الأنواع الثلاثة من البيانات لإظهار أن الشركات التي تلتزم بالقضايا ذات الأهمية تكتسب دعم أصحاب المصالح وتعزز القيمة السهمية والقيمة الإجمالية. يسعى هذا العمل والمزيد من الأعمال القادمة إلى بناء مجموعة قوية من الأدلة التجريبية حول قيمة هدف المؤسسة.
تتمثل قيمة غاية المؤسسة في تنسيق تناغم أصحاب المصالح ومعاقبة أولئك الذين يركزون على المنفعة الشخصية في هذه المنظومة، ويزيد هذا الهدف إسهامات أصحاب المصالح، ويخلق رابطاً بينهم، ويحفزهم على المضي قدماً في رحلة هادفة لكل منهم. كما يحفز الهدف أصحاب المصالح الأفراد لبذل الجهد لتحقيق تعاون غير متوقع وليس له مثيل على مستوى النظام. تحقيق هذا الوضوح بشأن الشعور المشترك تجاه الهدف هو التحدي الأساسي للإدارة الحديثة.