هل تكفي المهارات التقليدية للقيادة في عصر التكنولوجيا؟

9 دقيقة
صقل المهارات
رسم توضيحي: أنتوني زينونوس

لا يخفى على أحد أن بيئة الأعمال اليوم تتسم بالتقلب وعدم القدرة على التنبؤ؛ فبدءاً من جائحة كوفيد-19 وصولاً إلى الرسوم الجمركية المتغيرة باستمرار وظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، يواجه الرؤساء التنفيذيون مجموعة جديدة من التحديات التي تعجز كتب الإدارة التقليدية عن التعامل معها بفعالية.

ونتيجة لذلك، يتجه الكثيرون منهم إلى مغادرة مناصبهم؛ فقد أظهرت دراسة استقصائية أجريت على شركات أميركية أن نحو 2,000 رئيس تنفيذي أعلنوا مغادرتهم لمناصبهم عام 2024، وهو أعلى رقم مسجل على الإطلاق.

في الوقت نفسه، يشير مسؤولو وكالات توظيف القيادات التنفيذية إلى تراجع عدد المهتمين بخلافة هؤلاء الرؤساء التنفيذيين أو المستعدين فعلياً لتولي مناصبهم. ويطرح ذلك العديد من التساؤلات: هل نحن أمام منعطف حاسم في المهارات والسمات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس التنفيذي المستقبلي لينجح؟ وهل تبذل الشركات جهوداً كافية لإعداد قادة المستقبل لمواجهة هذه التحولات الجذرية؟ وكيف تضمن جاهزيتهم لاتخاذ قرارات مصيرية وسط الفوضى وقيادة فرق عمل متعددة الثقافات تتبنى التكنولوجيا وتعمل على نطاق عالمي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، تواصلنا مع 3 خبراء:

  • جيني روميتي: رئيسة مجلس إدارة شركة آي بي إم ومديرتها العامة ورئيستها التنفيذية سابقاً، تتولى حالياً عضوية عدد من مجالس الإدارة، كما أنها الرئيسة المشاركة في مؤسسة ون تين.
  • نيتين نوهريا: أستاذ كرسي جورج بيكر الابن وأستاذ الخدمة المتميزة بالجامعة وعميد كلية هارفارد للأعمال سابقاً، وهو أيضاً الشريك المؤسس لورشة عمل الرؤساء التنفيذيين الجدد في الكلية.
  • غاري بورنسون: الرئيس التنفيذي لشركة كورن فيري.

طرحنا سؤالاً محدداً: ما هي المهارات والسلوكيات التي يجب على من يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي أن يركز على تطويرها منذ الآن لضمان النجاح في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر؟ وكيف تسانده المؤسسة في تنمية هذه المهارات؟

وإليك إجاباتهم، بعد تحريرها للتوضيح:

جيني روميتي: التركيز على السلوكيات، لا المهارات الفنية وحدها

أدى ظهور الذكاء الاصطناعي والتشرذم الجيوسياسي وتطور التوقعات المتعلقة بالشمول إلى إعادة تشكيل مفهوم القيادة؛ لذا على من يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي أن يركز على تطوير السلوكيات، دون الاكتفاء بتطوير المهارات "الفنية" فحسب، إذا أراد التقدم وسط هذا الواقع الذي يشهد تغيرات متلاحقة. وهناك 3 مجالات رئيسية ينبغي التركيز عليها:

تبني عقلية البطل الأولمبي في التعلم.

عندما توليت منصب الرئيسة التنفيذية لشركة آي بي إم، كنا نواجه مشهداً تكنولوجياً يتغير بسرعة حثيثة ونموذج عمل بحاجة إلى التطوير. وقد تعاملت مع تلك المرحلة بالطريقة ذاتها التي يتعامل بها الرياضي الأولمبي مع تدريبه، بالتكرار المستمر والارتقاء بالقدرات وطلب الملاحظات. لم أكن مضطرة إلى امتلاك كل الحلول، بل كنت بحاجة إلى طرح الأسئلة المناسبة وخلق ثقافة يشعر فيها الآخرون بالأمان لفعل الشيء نفسه.

فرضنا نظام التعلم الإلزامي بمعدل 40 ساعة لكل موظف، ولم يكن ذلك مجرد إجراء شكلي، بل خطوة لترسيخ التعلم باعتباره جزءاً من آلية عمل الشركة وعاملاً محفزاً لثقافة النمو فيها. وقد توليت شخصياً تدريس الساعة الأولى من جلساتنا الشهرية على مدار 4 أعوام. ولم تكن تلك مجرد لفتة رمزية، بل رسالة واضحة مفادها أن التعلم المستمر في عصر الزعزعة التكنولوجية لم يعد ترفاً بل ضرورة حتمية تشمل مستويات المؤسسة كافة.

أدعو كل من يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي إلى تبني هذه العقلية؛ إذ تزداد أهميتها في ظل التحولات الناجمة عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأتمتة في طبيعة العمل وصناعة القرار. ومن هنا يتعين على المؤسسات أن تغرس روح الفضول وتوفر مساحة للتأمل والعمل التشاركي والتجريب.

تولي مسؤولية التوجيه السليم للتكنولوجيا.

مع تزايد أثر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة، على من يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي ألا يكتفي بتبني الابتكار فحسب، بل عليه أن يتحمل مسؤولية توجيهه بصورة أخلاقية ومدروسة. وهذا يعني اتخاذ قرارات تستند إلى قيم طويلة الأمد، لا إلى مؤشرات أداء قصيرة المدى.

كان من أبرز اللحظات الحاسمة في شركة آي بي إم حين قررنا وضع صيغة رسمية لمبادئنا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالشفافية والمسؤولية عن حماية البيانات. لم يكن هذا القرار استجابة للقوانين الرقابية، بل نابعاً من التزامنا بالحفاظ على ثقة العميل؛ فقد اخترنا عدم استخدام بيانات العملاء في تدريب نماذجنا وتعهدنا بأن نوضح كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي. لم تكن هذه مجرد سياسات إدارية، بل قرارات قيادية اتخذناها بهدف كسب ثقة العميل والحفاظ عليها.

سيتوقف تقييم قادة المستقبل على نجاحهم في الموازنة بين الابتكار والمسؤولية. ولتمكينهم من ذلك، لا بد أن تدمج المؤسسات القيم الأخلاقية ومراعاة أصحاب المصلحة في صميم برامج تطوير القدرات القيادية؛ فعندما نبتكر أدوات ذات قدرات غير مسبوقة، يجب ألا يكون السؤال المطروح: "هل نستطيع فعل ذلك؟" بل "هل ينبغي لنا فعل ذلك؟ وكيف؟".

اكتساب القدرة على الصمود من خلال العلاقات والموقف الذهني.

لا تتعامل مع العلاقات بوصفها معاملات وقتية، بل استثمر في الناس بصدق ودون مصلحة مباشرة، قبل أن تحتاج إليهم يوماً.

في أوقات الأزمات، سواء عند الاستجابة لحدث عالمي أو التعامل مع انتقادات علنية حادة، لم تكن جاهزيتي أو عقليتي وحدها ما ساعدني على تجاوز المحنة، بل كان الفضل للفريق والدائرة الواسعة من الأشخاص المحيطين بي، أولئك الذين بنيت معهم علاقة قائمة على الثقة المتبادلة على مدى سنوات.

تمنحنا العلاقات الصحيحة منظوراً أوسع، وتساعدنا على تمييز ما هو جوهري أو رؤية الأمور من زاوية مختلفة. خلال مرحلة التحول التي شهدتها شركة آي بي إم، اعتمدت على شبكة متنوعة من العلاقات، بدءاً من زوجي مارك الذي ساعدني حسه الفكاهي وثباته الانفعالي في الحفاظ على توازني، وصولاً إلى زملاء العمل الذين لم يكونوا يترددون في مصارحتي بالحقائق الصعبة حين أكون في حاجة إلى سماعها.

الموقف الذهني هو الطريقة التي نختارها في تعاملنا مع التحديات. عندما تعرضت لانتقادات بشأن استراتيجية شركة آي بي إم، كنت أذكر نفسي بأنني أعرف حقيقة التقدم الذي أحرزناه. وبدلاً من السماح للطاقة السلبية بالتسلل إلى نفسي، ركزت على الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة التي لا تحظى بالاهتمام الإعلامي، لكنها كانت مؤشراً على التقدم الحقيقي. تعلمت أيضاً فن التعامل المنهجي مع الأزمات، بأن أتعامل مع كل منها على حدة، وأضعها في حيز ذهني منفصل، ثم أمضي قدماً.

سمحت لي القدرة على الصمود بالمضي قدماً على الرغم من الانتكاسات والخلافات والأزمات والانتقادات. وبمقدور المؤسسات مساعدة القادة على اكتساب هذه القدرة من خلال تعزيز شبكات العلاقات وتشجيع الإرشاد المهني وتعزيز الوعي العاطفي بوصفه عنصراً أساسياً للنجاح، سواء على مستوى الأفراد أو الفرق أو المؤسسة بأكملها.

لا تكفي الشهادات العلمية وحدها لنجاح الجيل القادم من الرؤساء التنفيذيين، بل لا بد من تحليهم بالقدرة على مواصلة التعلم والقيادة بنزاهة والاستجابة بفعالية للتغيرات المتسارعة. وعلينا أن نعد هذا الجيل ليقود بقوة إيجابية، أي بالاستناد إلى الغاية والسعي للتقدم وخدمة الآخرين؛ فأنجح الرؤساء التنفيذيين هم من يدركون أن الطريقة التي نعمل بها ونقود بها لا تقل أهمية عن النتائج التي نحققها.

نيتين نوهريا: إتقان فن التناسب

من المهارات التي ينبغي لمن يطمح إلى القيادة أن يتقنها في هذه المرحلة تحديد حجم المشكلات بوعي يتناسب مع طبيعتها؛ ففي عالم يغمر القادة يومياً بسيل من القضايا، بعضها عاجل وبعضها تافه وبعضها مصيري، تتمثل أولى خطوات القيادة وأهمها في إجراء عملية فرز دقيقة. لا بد من التمييز بين الإشارات الحقيقية والضجيج الخالي من أي مضمون حقيقي، وتحديد الأولويات على نحو سليم، وتوجيه الجهد نحو الجوانب المهمة فعلاً.

خذ مثلاً مسألة الرسوم الجمركية. ليس مطلوباً من القادة التوصل إلى توقعات دقيقة لكيفية تطور السياسات التجارية، بل إلى تقدير مسارها العام. ما هي السيناريوهات المحتملة؟ وأين ستستقر الأمور في النهاية؟ إن اتخاذ قرارات محسوبة قائمة على حسن التقدير بعيداً عن ردود الفعل المتسرعة هو ما يمنح القائد القدرة على قيادة الشركة في الأوقات المشوبة بعدم اليقين.

من أهم الأسئلة التي يمكن للقائد طرحها عند تقييم مشكلة ما: إلى أي مدى يمكنني تأجيل رد الفعل حتى أتمكن من جمع مزيد من المعلومات؟ في علم الإحصاء، يقدم منهج الإحصاء البايزي إطاراً عملياً مفيداً: ابدأ بتقديرات مبنية على معرفة سابقة، ثم حدثها باستمرار مع ظهور معطيات جديدة، ثم عدل قناعاتك بناء على ذلك. على القادة أن يتقنوا هذا النمط من التفكير، ويتحلوا بالفضول والحذر والاستعداد الدائم لتحديث فهمهم كلما ظهرت بيانات جديدة.

بطبيعة الحال، ثمة لحظات لا يمكن فيها قبول التأجيل بأي حال من الحوال؛ فالحريق ينبغي إخماده لا تحليله، لكن السمة الفارقة لحسن التقدير تكمن في التمييز بين المواقف: متى ينبغي الانتظار؟ ومتى يجب التدخل؟ ومتى يحين وقت تكثيف الجهود؟ هذا هو جوهر فن التناسب، وهو آخذ في التحول إلى مهارة قيادية لا غنى عنها.

لا يقتصر الأمر على الاعتبارات الجيوسياسية، على الرغم من أننا نعيش مرحلة حافلة بالاضطرابات الدولية، بل ينطبق بالقدر ذاته على وتيرة التغير التكنولوجي، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فالتطورات تتسارع إلى درجة دفعت خبراء بارزين إلى التنبؤ بأن نماذج العمل وحتى قطاعات بأكملها قد يعاد تشكيلها خلال الأشهر الثمانية عشر إلى الأربعة والعشرين المقبلة. وفي مثل هذا المناخ، لا يكفي أن يكون الرئيس التنفيذي على دراية بما يتغير، بل عليه أيضاً أن يعي سرعة التغير، ويحسن التقدير: هل الوقت مناسب للمراقبة؟ أم لتغيير الاتجاه؟ أم للإسراع في التنفيذ؟

تقع على عاتق المؤسسات مسؤولية جوهرية في مساعدة القادة على اكتساب مهارة حسن التقدير؛ فهذا وقت يستدعي نقاشاً نشطاً ومنفتحاً، ومن أبرز مواطن القوة التي يتميز بها أسلوب دراسة الحالات في كلية هارفارد للأعمال أنه يحفز المشاركين على النظر في الوقائع نفسها، ومع ذلك يصل كل منهم إلى استنتاج مختلف. ويسهم الإصغاء إلى منطق الآخرين، خاصة حين يرون الأمور من زاوية مغايرة، في صقل قدرتك على حسن التقدير.

ليس المطلوب دائماً الوصول إلى إجماع؛ ففي كثير من الأحيان، ينبع أفضل الرؤى من منظور مخالف أو خارج عن المألوف؛ لذلك ينبغي أن تغرس الشركة ثقافة تحفز الحوار الجاد والصادق والمنفتح، بحيث لا تكتفى بقبوله، بل تشجع عليه بفعالية؛ فالأمان النفسي، أي القدرة على التعبير بحرية من دون الخوف من أي تداعيات سلبية، لم يعد ترفاً، بل ضرورة في عالم يتسارع إيقاعه يوماً بعد آخر.

هذا ما نحاول ترسيخه في قاعات الدراسة التي تعتمد أسلوب دراسة الحالة، وهو ما ينبغي على المؤسسات أن تتعلم كيفية غرسه في ثقافتها الداخلية: بيئة تتيح للقادة اختبار قدرتهم على إتقان فن التناسب وصقلها وتطويرها باستمرار وبروح جماعية.

غاري بورنسون: التركيز على المهارات التي كانت تعتبر في الماضي مجرد كماليات

ثمة عوامل كثيرة تثقل كاهل الرؤساء التنفيذيين اليوم، مثل تغير مسارات التجارة وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة وحالة عدم اليقين المستمرة المحيطة بالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال لا الحصر؛ لذا ليس من المستغرب أن تكون أكثر عبارة أسمعها عند الحديث مع كبار المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات العالمية هي: "عدم اليقين الدائم".

وعلى الرغم من أن منصب الرئيس التنفيذي بات اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، إلى درجة دفعت بعض المسؤولين التنفيذيين إلى إعادة النظر في متطلبات الدور، لا يزال هذا المنصب يتمتع بجاذبية عالية ويعد من أكثر المناصب تنافسية في ظل وجود عدد كبير من القادة الطموحين المستعدين لخوض التحدي. وسيتوقف نجاحهم بدرجة كبيرة على اكتساب مجموعة المهارات اللازمة وتكييف طريقة تفكيرهم بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.

استناداً إلى أكثر من 108 ملايين تقييم أجرته شركتنا للمهنيين على مدى العقود الخمسة الماضية، أصبحت لدينا معرفة معمقة بكيفية تشكل شخصية القائد، بدءاً من سماته الشخصية وصولاً إلى مهاراته ودوافعه. واليوم، تبرز 3 سمات رئيسية أكثر من غيرها: المرونة والقدرة على الصمود والتفكير التكاملي. كانت هذه السمات تعد في السابق مجرد كماليات، لكنها أصبحت اليوم جوهرية ولا غنى عنها.

المرونة: ليت الأمور تسير على غرار جداول بيانات الإكسل وفق جداول زمنية وضمن ميزانيات محددة وبصورة واضحة تماماً، لكن الواقع مختلف؛ فالقيادة في هذا المناخ تقتضي توقع ما هو قادم، من خلال الإدراك الدقيق لما يجري اليوم. ومن ثم، يتعلق الأمر كله بتصحيح المسار في الوقت الفعلي والتنقل بمرونة وسط الضبابية. قد يبدو هذا مخالفاً للبديهيات القيادية، لكن جوهر المرونة هو الاستعداد للتحرك دون امتلاك صورة كاملة عن النتائج المحتملة كافة. ويتطلب ذلك رؤية شمولية والاستعداد المدروس للمخاطر وقبول ما يكتنف عالم اليوم من غموض.

القدرة على الصمود: على كل من يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي أن يثبت صلابته في مواجهة مختلف التحديات والظروف، سواء كانت إيجابية أو سلبية أو رمادية. والمفارقة هي أن الفشل يكشف هذه السمة بوضوح؛ فالمسألة لا تتعلق بلحظة الفشل ذاتها، بل بما يفعله القائد بعدها. ومن هنا يتمحور الصمود حول القدرة على الاستجابة لا الانسحاب، ويتطلب الحضور والتواصل باستمرار وتقديم نموذج يحتذى به في الاتزان وتمكين الآخرين؛ إذ يسهم ذلك كله في توليد الزخم اللازم للمضي قدماً.

التفكير التكاملي: على الرغم من أهمية التفكير النقدي، فالتفكير التكاملي أهم بكثير لمن يطمح إلى تولي منصب الرئيس التنفيذي؛ فهو نمط ذهني لمعالجة الأفكار يفتح المجال أمام عدد أكبر من الاحتمالات. وقد ساعد التفكير التكاملي أنبغ القادة على تجاوز الأزمات. ويمكن تشبيهه بلعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، ولنكن صريحين، فهو ليس سلوكاً فطرياً عند أغلب الناس.

بالنسبة للقادة الذين يضعون هذه المهارة في صدارة أولوياتهم، فإن التفكير التكاملي سيساعدهم على قيادة مؤسساتهم في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. تخيل أنك تستعرض المشهد من خلال جوجل إيرث لتمنح نفسك أوسع زاوية رؤية ممكنة. على سبيل المثال، ستحتاج إلى طرح أسئلة عميقة توسع أفقك: كيف تؤثر القرارات التي أتخذها في بقية أقسام الشركة؟ وهل تنسجم مع الاستراتيجية العامة؟ وما هي الآثار الطويلة الأمد والواسعة النطاق التي قد تترتب على هذا الإجراء؟

يتمحور التفكير التكاملي حول القدرة على استيعاب الأفكار ووجهات النظر المتعددة، بل والمتعارضة، ثم دمجها في حل جديد متكامل. ويتطلب الواقع الراهن من القادة أن يتنقلوا بين مختلف مستويات الرؤية: من منظور استراتيجي واسع يعادل النظر من ارتفاع 10,000 متر، إلى متابعة التفاصيل اليومية على الأرض، مع إدراك واع لكل ما يجري بين هذين المستويين.

تحتاج القيادة إلى الوعي الذاتي أكثر من أي مهارة أو سمة أو سلوك بعينه؛ لذلك لم يكن من المستغرب أن يصف سقراط معرفة الذات بأنها "بداية الحكمة"؛ فقبل أن ينصرف القائد إلى التركيز على العالم الخارجي، عليه أن يعرف نفسه أولاً، وهو ما سيمهد الطريق أمام الجيل الجديد من القادة للتقدم، وربما للوصول إلى منصب الرئيس التنفيذي نفسه.

أثبتت أبحاث أجرتها شركة كورن فيري أن كثيراً من القادة يواجهون صعوبة فيما يتعلق بالوعي الذاتي، والإقرار بأننا مسؤولون عن الانطباع الذي نتركه لدى الآخرين؛ إذ إن 79% من القادة لا يرون مهاراتهم ومواطن ضعفهم بوضوح. والأسوأ من ذلك أن الأشخاص الذين يبالغون في تقدير قدراتهم أكثر عرضة للفشل بنحو 6 مرات مقارنة بمن يتمتعون بالوعي الذاتي؛ لذلك على المؤسسات أن تسهم في إعداد قادة الغد من خلال مساعدتهم على رؤية أنفسهم بوضوح أكبر، وذلك عبر التقييم المستمر وتقديم الملاحظات والتأمل الذاتي.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي