القيادة في اللحظات المفصلية

14 دقيقة
القيادة في اللحظات المفصلية

فكرة المقالة باختصار

الفرصة 

تعتمد عملية تطوير القدرات القيادية التقليدية إلى حد كبير على الدراسة والتدريب اللذين يستهلكان وقتاً طويلاً. لكن النهج الجديد الذي يعتمد على القدرات التي يمتلكها الجميع مسبّقاً، يمكنه تسريع هذه الجهود وتعزيزها.

ماذا تعني؟  

يركز نموذج القيادة في اللحظات المفصلية على تفعيل خصالك الجوهرية من خلال الاستفادة من 5 أنواع من الطاقة: الغاية والحكمة والنمو والمحبة وتحقيق الذات.

كيف يمكن أن نغتنم هذه الفرصة؟

باستخدام واحد أو أكثر من 25 إجراءً بسيطاً، يمكن للقادة تصميم استجاباتهم وفقاً للمواقف المتطورة وتحقيق أعلى مستوى من الأداء الآنيّ لديهم ولدى مَن يعملون معهم.

تقول الحكمة المتعارف عليها إنه يمكن تطوير القيادة من خلال الدراسة والتدريب المكثّفين، لذلك يستثمر الكثير من المؤسسات قدراً كبيراً من الوقت والأموال في برامج مخصصة لتعليم المسؤولين التنفيذيين كيفية التأثير في الآخرين وإلهامهم وتدريبهم، وكيفية خوض حوارات بنّاءة وتقديم الملاحظات وتغيير سلوك الآخرين، وغير ذلك. ويركّز الكثير من القادة الطموحين على قراءة الكتب وحضور الندوات والسعي إلى التدرب تحت إشراف مرشدين خبراء، وذلك كله في محاولة لفهم التفاصيل الدقيقة المعقدة لمفهوم القيادة.

تبيّن أبحاث عديدة أن ثمة أسلوباً آخر يمكن أن يدعم هذه الجهود التقليدية التي تركز على الكفاءة والخبرة ويسرّع تأثيرها بالاعتماد على مسارات عصبية في الدماغ وقدرات يمتلكها الجميع ولكنهم لا يستثمرونها في العمل باستمرار. أرى من خبرتي في العمل أن القيادة حالة ذهنية يمكن تفعيلها، لا ميزة يكتسبها الشخص بالتدريج. ومن خلال نقل التركيز من التعلم على هامش الحدث إلى القيادة في خضم اللحظات الحاسمة، يمكن للمسؤولين التنفيذيين تحقيق إنجازات فعلية غير مسبوقة.

أصبح نموذج القيادة هذا أساساً لإحدى المواد الدراسية الذائعة الصيت في كلية كولومبيا للأعمال، وقد نشأ من العمل الذي أجريته بالاشتراك مع فريقي في شركتي الاستشارية، معهد مينتورا (Mentora Institute). في 2006، بدأنا نبني ملفاً يختزن أكثر من ألف لحظة قيادية مفصلية من خلال تحديد الحالات التي أبدى فيها الأفراد تفوقاً كبيراً على التوقعات في مواقف حرجة. وفي 2022، شرحتُ عملنا بالتفصيل في كتاب "الإتقان الداخلي والأثر الخارجي" (Inner Mastery, Outer Impact)، الذي قدمت فيه المبادئ الرئيسية للقيادة المثالية وأوضحت أن القادة يستطيعون تجسيد هذه المبادئ من خلال الاعتماد على خصالهم الجوهرية، وهي الفضاء الداخلي الذي ينطوي على أعلى قدراتهم الكامنة، ويكتنز أفضل ما لديهم. تؤكد الدراسات العلمية في عدد من المجالات المختلفة، ومنها العلاج السلوكي المعرفي وعلم النفس الإيجابي وعلم الأعصاب، امتلاكنا هذه الخصال الجوهرية؛ أي ذروة الأداء التي نكون فيها مدركين بهدوء لظروفنا الداخلية والخارجية ونكون قادرين على تكييف سلوكنا بحسب الحاجة. غير أن فكرة هذه الخصال الجوهرية ليست جديدة، فعلى مر العصور لجأ الناس إلى العديد من الممارسات التأمّلية في محاولة للتواصل مع كيان داخلي، أشار حدسهم إلى أنه يمثل النفس أو الروح، وتجسيد سماته في أفعالهم الخارجية.

وجدت شركتي أنه يمكن للمسؤولين التنفيذيين الاستفادة من خصالهم الجوهرية خلال عملية استعداد مدتها 10-15 دقيقة قبل الانخراط في حدث كبير. في عملنا البحثي والاستشاري، أثبتنا صحة أسلوبنا الذي سنطلق عليه اسم "القيادة في اللحظات المفصلية". على سبيل المثال، حقق مدراء شركة إس أيه بي (SAP) الذين تدربوا على هذا الأسلوب أداء أفضل بمرتين (من حيث رفع تقييماتهم في معيار الثقة القيادية) مقارنة بمجموعة ضبط ضمت مدراء لم يتدربوا على هذا الأسلوب. وفي دراسة شملت الكثير من المؤسسات والقطاعات والمناصب والمستويات الوظيفية، لاحظ أكثر من 100 مسؤول تنفيذي ممن اعتمدوا أسلوب القيادة في اللحظات المفصلية أنهم حققوا زيادة في النتائج الناجحة -التي قيست من حيث تحقيق أهداف الأداء- بنسبة وسطية بلغت 135% خلال 6 أسابيع. تكشف نتائجنا أن الناس يمتلكون قدرة فطرية على القيادة المثالية تفوق ما يدركه الكثيرون بفارق كبير.

كيف يمكن تفعيل خصالنا الجوهرية بالضبط؟ سأقدم في هذا المقال، للمرة الأولى، دليلاً إرشادياً للإجراءات السريعة التي يمكن للقادة الاستفادة منها وتحقيق أعلى مستوى من الأداء تحت الضغط الآني؛ أي في اللحظات الأهم على الإطلاق تحديداً.

في دراستنا، ارتفعت قدرة القادة على تحقيق أهدافهم إلى أكثر من الضعفين وسطياً على الرغم من التغير المتواصل في الأهداف والسياق والأطراف الأخرى.

لكن قبل الدخول في التفاصيل، دعونا نتفحص التغيير الأساسي الذي تستلزمه القيادة في اللحظات المفصلية.

حالة دينامية

عادة ما تُجري المؤسسات عمليات التقييم للعاملين فيها على منحنى جرسي الشكل، حيث تمنح كل فرد تقييماً منخفضاً أو متوسطاً أو مرتفعاً من حيث الأداء. لكن كل منا، في الواقع، يمثل هذا المنحنى الجرسي بأكمله من حيث الأداء. تبين موجة من النتائج العلمية أن شخصية الفرد وسلوكه سيتغيران مع تغير السياق المحيط بهذا الفرد، والأفكار والمشاعر التي تسيطر عليه، وتغيّر الأفراد المحيطين به. فقد يكون شخص ما منفتحاً في أحد المواقف، وانطوائياً في موقف آخر؛ وقد يكون سهل المراس في موقف ما، وصعب المراس في موقف آخر. ولهذا، فالقيادة ليست خصلة ثابتة بل حالة دائمة التغير.

لكننا نحمل جميعاً خصلة ثابتة لا تتغير: عندما نكون "منفعلين"؛ أي منزعجين عاطفياً، يميل أداؤنا إلى التراجع. وعلى العكس من ذلك، عندما نكون "متزنين"؛ أي هادئين ومنسجمين ومنفتحين، نصبح أكثر قابلية لتحقيق أداء عالٍ. يحدث هذا عندما ندخل في حالة من الاتصال مع خصالنا الجوهرية، إذ نتجاوز الأنا والارتباطات والمخاوف والدوافع والعادات اليومية -مثل مقاطعة الآخرين والظهور بمظهر المنسجم مع شعور داخلي فعلي بالمقاومة- ونتصرف بأفضل طريقة لخدمة قضيتنا.

لكن ثمة عوامل تمنع المسؤولين التنفيذيين من تحقيق هذه الحالة: أولاً، غالباً ما يمرون بلحظات مفصلية يشعرون فيها بالتوتر، إما بسبب أحداث أخرى تتخلل حياتهم الشخصية، وإما بسبب الموقف الذي يواجهونه. ثانياً، من المحتمل ببساطة أنهم لا يرون النطاق الأوسع من الاحتمالات التي يتيحها الموقف الحالي، مثل بناء الثقة وحل النزاعات وإلهام فريق منهك، وغير ذلك. ثالثاً، حالما يواجهون موقفاً معيناً، فإنهم يتفاعلون معه بطرق معتادة وثابتة بدلاً من مراقبة ديناميات العلاقة بين الأشخاص والاستجابة بسرعة ومرونة. وأخيراً، يركزون استعداداتهم كلها للأحداث المفصلية على الآليات والتفاصيل التقنية دون إعارة أي انتباه للبعد البشري؛ أي تكييف أنفسهم مع احتياجات مَن يحيطون بهم في تلك اللحظة وأساليبهم.

القيادة في اللحظات المفصلية مصممة للتغلب على هذه العوائق، ويستطيع الأفراد من خلالها تفعيل الخصال الجوهرية لديهم ولدى مَن يعملون معهم أيضاً، وذلك من خلال الاعتماد على الطاقات التي يمتلكونها مسبّقاً.

على الرغم من التشديد على أهمية القيادة في خضم اللحظة الحالية، لا أريد أن أقلل من أهمية صياغة نهج مخطط مسبّقاً.

الطاقات الجوهرية

بُنِي نموذجنا للقيادة على الحكمة القديمة والعلوم العصرية في الوقت نفسه، ويركز على 5 أنواع من الطاقة:

الغاية (ملتزم بقضية نبيلة)

الحكمة (هادئ ومتقبل للحقيقة)

النمو (فضولي ومنفتح على التعلم)

المحبة (ثمة صلة تربطك بمن تعمل معهم وتخدمهم)

تحقيق الذات (متزن وتتمتع بروح مرحة)

خلال جميع لحظات القيادة المثالية التي درسناها، كان الأفراد يلجؤون باستمرار إلى مجموعة صغيرة من الإجراءات للاستفادة من إحدى هذه الطاقات الخمس على الأقل. كانت هذه الإجراءات سريعة ومباشرة، وغالباً ما كانت تستغرق عدة ثوانٍ فقط. وقد كشف تحليلنا ظهور 25 إجراءً بتواتر منتظم، بمعدل 4-7 إجراءات لكل نوع من أنواع الطاقة، وسأصف بعضاً من هذه الإجراءات في الأمثلة الآتية، يستطيع القادة من خلال هذه الإجراءات التحرر من الأنماط السلوكية الجامدة، وخير مثال عليها لحظة محورية في تاريخ الحرب الباردة:

ففي 16 ديسمبر/كانون الأول من عام 1984، استضافت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر عضو المكتب السياسي السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، الذي كان يُعتبر القائد المستقبلي المحتمل للبلاد، وتحول اللقاء إلى غداء دام 5 ساعات في منزل رئيسة الوزراء الريفي الذي يسمى "تشيكرز". سارعت ثاتشر إلى توجيه أول ضربة إلى ضيفها دون انتظار، قائلة: "لا أريد أن يكون بيننا أي سوء تفاهم، اعلم أنني أكره الشيوعية".

ورد في كتاب جوناثان آيتكن بعنوان: "مارغريت ثاتشر: النفوذ والشخصية" (Margaret Thatcher: Power and Personality)، أن غورباتشوف قال مستذكراً تلك المقابلة: "سرعان ما احتدم النقاش بيني وبين مارغريت، كانت توجه جميع أنواع الاتهامات الظالمة إلى الاتحاد السوفييتي. أما أنا فلم أتهم بريطانيا بأي شيء". أدار كل منهما ظهره إلى الآخر في منتصف الغداء، وبعد أن صُعِقَت زوجة غورباتشوف، رايسا، بهجوم ثاتشر، قالت لزوجها: "لقد انتهى كل شيء!". ولوهلة قصيرة، اعتقد غورباتشوف أن عليهما مغادرة المكان.

لكنّ شيئاً مذهلاً حدث بعد ذلك. فقد تمالك غورباتشوف نفسه وفكر في الأسباب التي دعته إلى لقاء ثاتشر، وقال لنفسه: "نحن ضيوف هنا، ويجب ألا يتوقف الحوار"، فأعاد صياغة الموقف في ذهنه من "إنها تتهجم على حكومتي!" إلى "إنها تروج لمبادئها".

قال غورباتشوف: "يا سيدة ثاتشر، أعلم أنك تتمتعين بذهن حاد ومبادئ شخصية سامية. أرجو منك أن تضعي في اعتبارك أنني مثلك تماماً". استجابت ثاتشر بإيماءة إيجابية، وواصل غورباتشوف حديثه قائلاً: "اسمحي لي أن أؤكد لك أنني لم آت إلى هنا حاملاً أي تعليمات من المكتب السياسي بإقناعك بالانتساب إلى الحزب الشيوعي"، فانفجرت ثاتشر ضاحكة. يستذكر غورباتشوف ما حدث بعد ذلك قائلاً: "تبدد التوتر، واستمر النقاش، ولكن سرعان ما احتدم مجدداً لكن على نحو أفضل".

تبين لاحقاً أن هذا الاجتماع شكل نقطة تحول في مسار الحرب الباردة، فقد نجح غورباتشوف في إقناع ثاتشر والرئيس الأميركي رونالد ريغان بعدها بأن التعاون معه ممكن، خلافاً للقادة السوفييت السابقين، حتى أن ثاتشر قالت لريغان لاحقاً: "لقد أعجبت به إلى حد ما في الواقع".

وقال غورباتشوف: "في تلك اللحظة من ذلك الحوار في تشيكرز ولِدَت العلاقة الخاصة. لقد تعاونا تعاوناً وثيقاً ومثمراً لدفع العمليات المهمة في ذلك الوقت، مثل كبح سباق التسلح والمستجدات الأوروبية وتوحيد ألمانيا والتصدي لأفعال العراق في الشرق الأوسط".

هل كان غورباتشوف في تلك اللحظة المفصلية من المواجهة التي وصلت إلى طريق مسدود في ذلك الغداء يجري محادثة حاسمة مع ثاتشر؟ هل كان يؤثر فيها؟ هل كان يلهمها؟ هل كان يعطيها الملاحظات؟ هل كان يبني الثقة؟ هل كان يغيّر سلوكها؟ من الواضح تماماً أنه كان يؤدي هذه النشاطات القيادية التقليدية جميعها، لكنه في تلك اللحظة كان يركز على شيء واحد، وهو تفعيل الخصال الجوهرية لديه ولدى ثاتشر، وتمكّن من تحقيق ذلك من خلال بضعة إجراءات بسيطة.

في البداية رسّخ النية الإيجابية واستفاد من غاية اللقاء بإعادة تأكيد أسباب اجتماعه بثاتشر والتصريح بها، واتخاذه قرار البقاء ومحاولة إعادة التفاعل معها من جديد. ثانياً، أظهر حكمته من خلال وضع الإطار المناسب؛ أي النظر إلى الموقف بطريقة بنّاءة أكثر. ثالثاً، أثار مشاعر المحبة لديها من خلال إظهار تقديره لذهنها الحاد ومبادئها الشخصية السامية وتأسيس علاقة تجمعه بها، إذ قال إنه مثلها تماماً. وأخيراً، بدلاً من انتقادها على محاولتها تحويل توجهاته السياسية، أظهر لها كم سيكون الأمر مسلياً بالنسبة إليها إذا ما حاول تحويل توجهاتها السياسية، ما أثار شعوراً بالمرح (تحقيق الذات). أدت هذه الإجراءات إلى تغيير نبرة اللقاء على الفور، وساعدته على تغيير أسلوبه في القيادة من الجدال إلى بناء الجسور.

على غرار غورباتشوف، نمتلك جميعاً أكثر من أسلوب واحد، وبالاعتماد على طاقاتنا الجوهرية، يمكننا أن نتحرر من قيود الالتزام بأي أسلوب محدد، ونتكيف مع اللحظة الحالية. لكن من الجدير بالملاحظة أن القيادة في اللحظات المفصلية لن تنجح بالتصنع؛ فلو لم يكن غورباتشوف معجباً بالفعل بذهن ثاتشر الحاد ومبادئها السامية فعلى الأرجح أنها كانت ستشعر بأنه ليس صادقاً وستستجيب بطريقة أكثر بروداً.

معظمنا لديه خبرة سابقة مع الإجراءات التي تؤدي إلى تفعيل الطاقات الجوهرية. فنحن جميعاً، على سبيل المثال، نُظهر التقدير ونبني العلاقات في الحياة اليومية، إلا أنه قد لا يخطر في بال كثير منا استخدام هذه التصرفات في مواقف مماثلة للموقف الذي تعرض له غورباتشوف. يمتلك معظم الناس في أدمغتهم المسارات العصبية اللازمة لهذه التصرفات، ولأن تفعيل المسارات الموجودة مسبّقاً أسهل بكثير من بناء المسارات من الصفر، فالقيادة في اللحظات المفصلية متاحة للجميع بغض النظر عن الدور أو المستوى الوظيفي.

إضافة إلى ذلك، وكما تظهر قصة غورباتشوف، يمكن تسخير الطاقات والأفعال لتعزيز مهارات القيادة التقليدية، ولمّا كانت هذه الطاقات والأفعال أشبه بمجموعة موحدة من وحدات البناء، فقد يساعد استخدامها على تحويل التدريب الذي يركز على الكفاءة إلى عملية بسيطة للغاية.

الانسجام مع اللحظات المفصلية

عندما يكون الرياضيون الناجحون في حالة من التدفق الذهني، تبدو إنجازاتهم أفعالاً بسيطة ولا تتطلب بذل الكثير من الجهد، غير أن كل شيء في روتينهم اليومي مدروس، بدءاً من التدريب مروراً بعمليات الإحماء وصولاً إلى تحليلات ما بعد المباراة. وهذا ينطبق على القيادة أيضاً؛ في الواقع، وعلى الرغم من التشديد على أهمية القيادة في خضم اللحظة الحالية، لا أريد أن أقلل من أهمية الأسلوب الذي يتبع خطة محددة سواء قبل اللحظة المفصلية (لزيادة فرص الوصول إلى الحالة الصحيحة) أو بعدها (للتعلم من التجربة وتحسين الأسلوب).

أنصح المسؤولين التنفيذيين أن يبدؤوا باستهداف حدث مقبل معين، مثل عرض تقديمي أمام مجلس الإدارة أو جلسة مفاوضات، والتركيز على هدف واحد، سواء كان بناء الشعور بوجود حالة طارئة أو كسب التأييد أو حل نزاع أو التحفيز على رفع الأداء. من الممكن أن يؤدي عدم وجود هدف واضح، أو محاولة تحقيق عدد كبير من الأهداف في آن معاً، إلى إعاقة الوصول إلى حالة من التدفق الذهني. بعد ذلك، يجب على المسؤولين التنفيذيين التخلي عن أي مشاعر أو معتقدات سلبية حول الموقف والاستعاضة عنها بالأهداف الإيجابية. على سبيل المثال، إذا فترت حماستك إزاء اجتماع لمراجعة اقتراحك مع رئيستك التنفيذية للشؤون المالية لأنك تعتقد أنها اتخذت قراراً مسبّقاً بعدم تمويل طلبك، يمكنك أن تحدد نيتك كما يلي: "سأستخلص وجهة نظر رئيستي التنفيذية للشؤون المالية والأسباب التي تدعوها إلى رفض الطلب، وأعزز مستوى التفاهم بيننا وأجهز الظروف الملائمة لبناء شراكة قوية وطويلة الأمد معها".

تبيّن الأبحاث أن أهدافنا تؤثر في عواطفنا وأفكارنا وتصوراتنا التي تؤثر بدورها في سلوكنا؛ فعندما تعتقد أن المشاركين الآخرين في اجتماع ما لن يحترموا وجهة نظرك، أو أن أحد مرؤوسيك لن تسرّه ملاحظاتك، أو أن خسارة طرف ما ضرورية كي يكسب طرف آخر، فسوف يتراجع احتمال اعتمادك على سلوكيات تبني الثقة وتفتح أذهان الآخرين وتعمّق فهمهم.

بعد ذلك، أطلب من الرؤساء التنفيذيين اختيار 3-5 إجراءات يمكنهم تنفيذها لتحقيق هدفهم في هذا الحدث، ويجب أن ترتكز خياراتهم على الطاقات التي ينجذبون إليها أكثر من غيرها، وعلى السياق الذي يجدون أنفسهم فيه حالياً. على سبيل المثال، إذا كان حل النزاع هو الهدف المنشود، فقد يرغبون في تفعيل الحكمة من خلال دمج وجهات النظر المتعارضة، أو يمكنهم تفعيل المحبة من خلال التعاطف وبناء الروابط. لا تفرض القيادة في اللحظات المفصلية تسلسلاً ثابتاً للأفعال في أي وضع، ويجب على الرؤساء التنفيذيين اختيار الأفعال المناسبة التي تعبّر عنهم بصدق.

يمكن أن نأخذ مثالاً الطبيب أدريان، الذي توصل إلى حل لموقف أثار الكثير من الاضطراب في المستشفى الذي يعمل فيه عندما فرضت الإدارة فجأة اجتماعاً صباحياً يومياً للأطباء والموظفين دون استشارتهم. شعر الأطباء والموظفون باستياء شديد لأن الإدارة طلبت عقد هذا الاجتماع خلال فترة مواعيد المرضى وشعروا بأنه سيؤثر سلباً على مستوى الرعاية التي يقدمونها لهم. قرر أدريان التدخل بوصفه عضواً في لجنة العمليات التشغيلية، وطلب من الإدارة تأجيل هذا البرنامج أسبوعاً واحداً، وبدأ ينفذ إجراءً يساعد على إعمال الحكمة: استيعاب الموقف قبل التصرف. ومن خلال عقد الحوارات مع الإداريين حول دوافعهم، ومع المتخصصين بالطب السريري والموظفين الآخرين حول التعقيدات التي يواجهونها، اكتشف أن أنظمة المستشفيات الكبرى طبّقت اجتماعات مماثلة ووجدت أنها أدت إلى تحسّن كبير في التواصل وسلاسة العمل وأدت إلى تعزيز الروح الجماعية. بعد ذلك، عقد أدريان اجتماعاً ضم الأطباء والموظفين، وضبط نبرة الاجتماع بالتعبير عن تقديره (أي الاعتماد على طاقة المحبة) للتضحيات الهائلة التي كان العاملون يقدمونها، ثم ركز على الهدف عبر مناشدة قيمهم وأهدافهم من خلال تذكيرهم بالتزامهم الجماعي بتقديم أفضل رعاية ممكنة للمرضى. بعد ذلك، اتخذ إجراءين أدّيا إلى تغليب الحكمة: وضعَ الإطار الصحيح من خلال مساعدة الجميع على الانتقال من موقف "المواجهة بين طرفين" إلى البحث المشترك عن أفضل مسار للمضي قدماً، ودمج وجهات النظر المتعارضة من خلال مساعدة الجانبين على إدراك أن الاجتماع من أجل المشاركة والتعلم والتواصل يحمل قيمة تضاف إلى قيمة أدائهم الجيد في عملهم. نجح أسلوب أدريان في حل المشكلة، ويستذكر قائلاً: "تلقيت عدة رسائل نصية ورسائل إلكترونية يعبّر مرسلوها عن إعجابهم بقدرتي على تغيير الموقف وردم الهوة بين الطرفين".

بعد أن يختار المسؤول التنفيذي الإجراءات التي سيتخذها، يجب أن يمضي 5-10 دقائق قبل الحدث في مراجعة هذه الإجراءات والمقاصد التي حددها، وأن يخصص بعض الوقت ليركز على توازنه الداخلي (ثمة عدد من الممارسات التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق هذا الأمر، مثل التنفس العميق أو التأمل لفترة وجيزة). في إطار هذه المرحلة، يجب أن يمضي القائد دقيقتين في تخيل كيفية تنفيذ كل إجراء من الإجراءات المختارة. تُظهر بياناتنا أن احتمالات نجاح الأشخاص الذين يجرون عملية التخيل في تحقيق أهدافهم أعلى بنسبة 70%. أخبرني أحد مدراء الحسابات الرئيسية في شركة آي بي أم (IBM) ذات مرة: "هذا أشبه بالإحماء الذي يجريه الرياضيون قبل المباراة من أجل تحسين الأداء وتفادي الإصابات. ونحن -المسؤولين التنفيذيين- نحتاج إلى إحماء أذهاننا قبل الأحداث كي نفكر بصورة أفضل ونمنع الاجتماعات من الدخول في مسار غير مرغوب فيه".

إضافة إلى ما سبق، تسمح هذه الاستعدادات أيضاً بتحرير مساحة إضافية من النظام التنفيذي في الدماغ -أي الفصين الأماميين- للتعامل مع الديناميات المتطورة، ما يتيح للقائد التكيف بسرعة مع تغير الظروف. كما يمكنه اتخاذ الإجراء الذي يبدو له أكثر منطقية في كل لحظة بالتنقل بين الطاقات المختلفة مع تطور الأحداث.

في إحدى شركات الخدمات المالية، كانت التوترات تتصاعد داخل فريق التحليلات الذي يعمل بقيادة مسؤول تنفيذي يدعى روجر، فقد كان يكلَّف بالكثير من المهام لكنه لم يمتلك عملية فعالة لترتيبها بحسب الأولوية. فكان الفريق يتأخر في إنجاز مهامه إلى ما بعد مواعيدها النهائية وكان أفراده يتبادلون الملامة، ما يثير غضب روجر، فقرر أن يجمع الفريق لمناقشة المسألة. وكي ينحّي روجر مشاعره السلبية جانباً وضع نصب عينيه الهدف الآتي: "سأنشر طاقة إيجابية وأوحّد الفريق حول رؤيتي"، فاستهل الاجتماع بالتعبير عن تعاطفه وتقديره: "أتفهم أن الأسابيع القليلة الماضية كانت عصيبة عليكم، وأعترف بأنكم تبذلون جهوداً كبيرة على الرغم من هذه العوائق". ساعدت طاقة المحبة التي أطلقها هذا الإجراء على تهدئة أفراد الفريق، وبعد أن استشعر روجر انفراجاً في الأجواء، انتقل إلى تفعيل طاقة النمو من خلال التماس المشورة، فدعا أفراد الفريق إلى الإفصاح عن وجهات نظرهم حول التحديات التي يواجهونها. عندما لاحظ روجر توتر بعض الأفراد حثّهم على الكلام بلطف وحاول سبر وجهات نظرهم بهدوء وتمعن. مع شعور أفراد الفريق براحة أكبر في الإفصاح عن وجهات نظرهم، اقترح أحدهم أن يبدؤوا رفض تكليفات المهام الجديدة، في حين اعترض آخر على هذا الرأي لأنه سيضر بهدفهم المتمثل في أن يكونوا فريقاً يتميز بالاستجابة السريعة. دمج روجر وجهتي النظر المتعارضتين من خلال اقتراح تحسين أداء الفريق من حيث تحديد التوقعات وإعادة ضبطها مع العملاء الداخليين بشأن المنجزات والمواعيد النهائية. يستذكر روجر قائلاً: "شعر كل فرد في الغرفة بأنه مسؤول ومتفاعل ومشارك على المستوى الشخصي". وهكذا، طُرِحت أفكار قيّمة حول كيفية تحديد أولويات عمل الفريق، وحُلّت مشكلة التأخيرات المزمنة.

بعد انتهاء الحدث بوقت قليل، يجب على الرؤساء التنفيذيين إجراء تحليل لما بعد الحدث لتقييم نتائجه، ونجاحهم في تحقيق أهدافهم وتطبيق إجراءاتهم المختارة، وما تعلموه من هذا الحدث. يمكن لهذه الممارسة أن تنتج رؤى قيّمة، حتى عندما لا تسير الأمور على النحو المرغوب فيه. قال لنا نائب الرئيس المتخصص بتطوير الأعمال في شركة ويلتون ري (Wilton Re) إن عمليات تحليل ما بعد الحدث ساعدته على "تحويل حالات الفشل إلى فرص للنمو"، وأتاحت له أن يفتخر باللحظات التي حقق فيها مقاصده وربطها بقيمه التي يرتكز عليها في عمله.

بناء النجاح على النجاح

في دراستنا التي شملت عدة مؤسسات، لاحظنا أن المسؤولين التنفيذيين الذين كانوا يمارسون القيادة في اللحظات المفصلية على مدار 6 أسابيع، والذين زاد عددهم على المائة، استمروا في التحسن مرة بعد مرة. وكما ذكرت، فقد ارتفع مستوى قدرتهم على تحقيق أهدافهم إلى أكثر من الضعف وسطياً بحلول نهاية الدراسة، على الرغم من اختلاف الأهداف والسياق والأطراف المشاركة في كل حدث. نعتقد أن هذا يُعزى إلى اتساق الركائز الأساسية التي ذكرناها؛ أي الطاقات الجوهرية الخمس والإجراءات الخمسة والعشرين، ومع اكتساب الرؤساء التنفيذيين خبرة أكبر في استخدام هذه العناصر، سيتمكنون من استخدامها على نحو فعال في مواقف مختلفة كثيرة.

تتوافق هذه النتائج مع الأبحاث المتعلقة بأداء الخبراء التي تشير إلى أن الخبراء أكثر فعالية من المبتدئين في تنظيم المعلومات في مجالاتهم، أو ما يطلق عليه علماء النفس اسم "التقسيم". يستطيع الخبراء تمييز البنى والهيكليات على نحو يعجز عنه المبتدئون، وفي الوقت نفسه يستطيعون أخذ نظرة شاملة ومراقبة التفاصيل الدقيقة عند مواجهة موقف معين، ونقل استراتيجياتهم في التقسيم بسهولة أكبر إلى سياقات جديدة. وبالمثل، يبين بحثنا أن المسؤولين التنفيذيين الذين يتقنون القيادة في اللحظات المفصلية قادرون على استشعار الطاقات في الغرفة في حين قد يرى الآخرون السلوكيات الظاهرية فقط، ويستطيعون رؤية المواقف من منظور الطاقات الخمس ومن منظور الإجراءات الأدق في الوقت نفسه، ويستطيعون نقل قدرتهم على تسخير الطاقات الجوهرية من سياق إلى آخر.

كلفت إحدى شركات الخدمات المهنية واحدة من كبار المدراء فيها، روبن، بتولي مشروع صعب لأحد العملاء، إذ كان من المقرر تسليم عدة منجزات في إطار مهلة زمنية ضيقة. خلال استعداد روبن لاجتماعها الأول مع العملاء، قررت أن تركز على تفعيل الحكمة من خلال تأطير الموقف بصورة مناسبة، وتفعيل المحبة من خلال التصرفات والعبارات المدروسة (إبداء اهتمام عميق بكيفية صنع القرارات الصعبة، والتعبير عن الحقائق التي يصعب تقبّلها). على الرغم من أنها تلقت تدريباً على التصرف والتعبير المدروسين، فقد تعلمت كيفية وضع المواقف في الإطار المناسب في خضم عملية الاستعداد ومراجعة الإجراءات الخمسة والعشرين.

وقد استذكرت روبن ما حدث لاحقاً قائلة: "كانت بداية الاجتماع صعبة بدرجة مفاجئة، فقد بدأ العملاء تقديم ملاحظات سلبية على مشروع آخر، ما هدد بإخراج المحادثة عن مسارها". عادة ما يكون رد فعل روبن على مثل هذه الانتقادات الحادة هو الدفاع عن عمل مؤسستها ثم الانخراط في عملية حل المشاكل المتعلقة بالقضايا المطروحة، لكنها قررت بدلاً من ذلك، وفي خضم اللحظة، أن تعتمد الحكمة من خلال إجراء لجأت إليه سابقاً في سياق آخر تمثل في نفي صفة "الهجوم" من أقوال الطرف الآخر (أي العثور على شيء صحيح فيها وتأكيده)، فاتفقت مع العملاء على أن مخاوفهم مهمة وطمأنتهم إلى أن فريقها سيأخذها بعين الاعتبار. بعد أن تمكنت من تهدئة العملاء، عادت بهم إلى الغاية من الاجتماع مؤكدة ضرورة الاهتمام الكامل بالمشاكل التي يطلبون حلها. تمكنت بذلك من تحويل الاجتماع إلى فرصة تتيح للطرفين تحديد تفاصيل كيفية تفادي المشاكل لاحقاً. تمكنت روبن من إعادة الاجتماع إلى مساره والاتفاق على الإجراءات التي سينفذها فريقها مع العملاء لإنجاز المشروع بنجاح.

تتيح القيادة في اللحظات المفصلية للمسؤولين التنفيذيين توسيع مجموعة الإجراءات التي يتبعونها مع مرور الوقت بسهولة، كما فعلت روبن. كشف تحليلنا أنه بمجرد أن يبدأ الرؤساء التنفيذيون ممارسة القيادة في اللحظات المفصلية، يصبح أداؤهم في تنفيذ الإجراءات التي تعلموها خلال التحضير للحدث بمستوى أدائهم في تنفيذ الإجراءات التي تدربوا عليها في ورشات العمل. يُعزى هذا إلى بساطة الإجراءات، كما أن المسارات العصبية المطلوبة لتطبيق معظمها قائمة لدينا مسبّقاً.

في السنوات الأولى من مسارنا المهني، نربط مهاراتنا في التعلم بالقاعات الدراسية المنظمة والمناهج التعليمية الجامدة. غير أننا من خلال تعاملنا مع تعقيدات العمل والحياة، يصبح من الواضح أن بعض إنجازاتنا المهمة وغير المسبوقة تظهر عندما نكون في "حالة من الانسجام"؛ أي عندما ننغمس في تجارب العالم الحقيقي وتحدياته ونستجيب لتغير الظروف بصورة فورية ونستفيد من فضائلنا وطاقاتنا الجوهرية.

من الطبيعي أن نفقد الصلة بالطاقات الخمس وسط دوامة الحياة، لكن بإمكاننا إذكاء شعلتها من جديد. جل ما نحتاج إليه هو التركيز على الهدف وفتح قلوبنا وعقولنا أمام الاحتمالات الجديدة واختيار الإجراءات الصائبة التي من شأنها أن تطلق العنان لخصالنا الجوهرية التي تتيح لنا تقديم أداء رائع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .