أول دراسة من نوعها عن الشرطة العربية؛ الإدارة المتساهلة تؤدي للواسطة

3 دقيقة
الواسطة
shutterstock.com/QINQIE99

دراسة جديدة تكشف عن علاقة مباشرة بين نمط القيادة داخل مراكز الشرطة العربية جرت في دولة الكويت ومواقف قادة المؤسسات الأمنية من قضايا حساسة أبرزها "الواسطة".

في واحدة من أكثر الدراسات تعمقاً في تحليل سلوك إدارة مراكز الشرطة في المنطقة، توصل بحث مشترك بين جامعة "جون جاي" الأميركية والشرطة الوطنية الكويتية إلى معادلة جديدة مثيرة: نمط القيادة المتساهلة (Laissez-faire)، والميل للممارسات غير الرسمية مثل "الواسطة"، يتغذيان على بعضهما البعض في البيئة الأمنية العربية.

البحث شمل 60 قائداً من مراكز الشرطة في الكويت، خضعوا لاختبار معياري عالمي لقياس أنماط القيادة (MLQ-6S)، ثم طرحت عليهم أسئلة دقيقة حول مواقفهم تجاه أبرز قضايا الشرطة. النتيجة كانت مفاجئة في دقتها: كلما طال بقاء القائد في المنصب، زاد ميله للقيادة الغائبة عن الفعل، وكلما ارتفعت درجة تساهله مع مفاهيم مثل "التحفيز المالي" و"الواسطة".

ما الذي يعنيه "أن تغيب القيادة"؟

أظهرت الدراسة التي قام بها الباحث ناصر الصباح أن القيادة في مراكز الشرطة بالكويت تعتمد بشكل رئيسي على ثلاثة أنماط:

القيادة المتساهلة تعني ببساطة: لا قرارات حاسمة، لا توجيه، ولا محاسبة. وهي بحسب الدراسة مرتبطة مباشرة بزيادة القبول بـ "التحفيزات" خارج الإطار المؤسسي، والتي تعني بشكل أو بآخر "واسطة" ومنافعها المادية وغير المادية تحت مسميات مختلفة مثل "عمل المعروف".

بينما ظهر نمط القيادة التبادلية (Transactional) – القائم على الثواب والعقاب كحل وسط، لكن أظهر ميلاً مقلقاً لتبرير "الواسطة" كجزء من الديناميكيات اليومية داخل جهاز الشرطة.

في المقابل، أظهر القادة الجامعيون ميلاً أكبر لنمط القيادة التحويلية (Transformational) – الذي يلهم، ويحفز، ويؤسس لثقافة الشفافية.

وبينت الدراسة أن نوعين من القيادة في الشرطة الكويتية كانوا أكثر قبولاً للواسطة وهما القيادة المتساهلة والقيادة التبادلية، والذين اعتبروها جزءاً من العرف الاجتماعي، بينما تمسك قادة الشرطة ذوي الأسلوب الإداري التحويلي بالقانون قبل العرف، ورفضوا الواسطة حتى بشكلها الاجتماعي.

ماذا يعني إرهاق القيادة؟

في كثير من الأجهزة الحكومية العربية، يتم تكريم القائد المخضرم بطول الخدمة، لكن ماذا لو تحوّل هذا الامتداد الزمني إلى جمود؟ الدراسة الحديثة في مراكز الشرطة الكويتية تكشف أن القادة الذين طالت خدمتهم ميالون إلى نمط "القيادة المتساهلة"، وهو نمط يتجنّب الحسم، ويُفضّل تفويض المهام دون رقابة فعلية.

هذا الميل ليس مجرد راحة إدارية، بل قد يكون نتيجة ما يعرف بـ "إرهاق القيادة" بحسب الدراسة، حيث يصاب القائد بالإحباط المتراكم من الإصلاحات غير المجدية، أو بضغوط بيروقراطية تجعل القرار عبئاً لا رغبة. ومن المفارقات أن بيئة العمل التي لا تمارس تدويراً وتغييراً في القادة ولا تقيّم الأداء القيادي بشكل منتظم، تغذي هذا النمط الجامد. والنتيجة؟ قيادة تجامل الواقع بدل أن تغيّره.

إذا كنت مهتماً بمتابعة المزيد من أفكار الدكتور حمود المحمود، فإنه سيطلق قريباً نشرة بريدية موجهة للمدراء العرب والطامحين للقيادة، سجل على الرابط من هنا لتصلك النشرة عند انطلاقها.

حين تصبح الواسطة جزءاً من "أسلوب قيادة"

الواسطة في المؤسسات العربية ليست ظاهرة طارئة، لكن الجديد في هذه الدراسة أنها تربطها بأسلوب القيادة نفسه. القادة الذين يمارسون "القيادة التبادلية" – أي منطق المكافأة مقابل الأداء – أبدوا استعداداً أكبر لقبول الواسطة كأداة تنظيمية لا كخلل أخلاقي.

في نظر بعضهم، تمرير طلب عبر الواسطة قد يفسر كطريقة ذكية لحفظ الاستقرار الداخلي أو تعزيز الولاء، حتى لو أضرّ ذلك بمبادئ العدالة. ويصف الباحثون هذا التوجّه بـ "التماهي مع الأعراف غير الرسمية"، وهي أعراف قد تخفي خلفها تحالفات ومصالح لا تخضع للمساءلة.

وعلى العكس، القادة الذين يتّبعون النمط التحويلي – أصحاب الرؤية والتغيير – كانوا أكثر وعياً بمخاطر هذا السلوك، وأكثر ميلاً لرفضه أو الحد من نفوذه.

السؤال الذي يفرض نفسه على أي مؤسسة عربية: هل نقود فرقنا بروح التغيير، أم نُديرها بحسابات الولاء؟

لماذا تُعتبر هذه النتائج فاصلة؟

هذه أول دراسة أكاديمية تربط بشكل مباشر بين نمط القيادة وسلوكيات ثقافية حساسة مثل "الواسطة" داخل جهاز الشرطة في أي بلد عربي. إنها تطرح تساؤلاً جاداً: هل تخلق القيادة المتساهلة بيئة خصبة للواسطة؟ أم أن ثقافة "الواسطة" تُجبر القادة على التساهل؟ بغض النظر عن الإجابة، النتيجة واحدة: تآكل للثقة المؤسسية، وانحراف عن معايير العدالة، وتكريس لـ "المرونة الانتقائية" في تنفيذ القانون.

التوصيات: القيادة تبدأ من الأعلى

البحث يقترح حلولاً واضحة لكنها تحتاج إلى قرار شجاع:

  1. الحد من بقاء القادة لفترات طويلة في مناصبهم.
  2. اعتماد تقييمات دورية موضوعية لأنماط القيادة داخل الشرطة.
  3. تشجيع التعليم الجامعي كمسار للترقية، وليس الأقدمية فقط.
  4. ربط نمط القيادة بفعالية الأداء، لا بعدد سنوات الخدمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي