كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين القيادة بإيثار في أوقات الأزمات؟

5 دقائق
القيادة بإيثار أوقات الأزمات

قد تعتقد أن الأزمات تُخرج أسوأ ما في الناس عادة، ولكن على الأقل هذا لا ينطبق على الطريقة التي ننظر بها إلى قادتنا. في الواقع، تجعلنا الأزمات ننظر إلى قادتنا على أنهم أكثر تأثيراً ونجاحاً من المعتاد. وربما هذا هو سبب إعادة انتخاب الرؤساء الأميركيين في أوقات الحروب عموماً. كما أظهرت البحوث أن القادة الذين يتسمون بالإيثار عادة ما يُنظر إليهم على أنهم الأكثر تأثيراً. فماذا عن القيادة بإيثار أوقات الأزمات المتكررة؟

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، انبهرت بالقيادة خلال الأزمة لدرجة أنني أجريت دراسة حول هذا الموضوع. وقد وجدت في بحوثي أن تصرف القادة بإيثار، بأن يخفِّضوا رواتبهم أو يتخلوا عن امتيازاتهم على سبيل المثال، أدى إلى شعور الموظفين بقدر أكبر من الإيجابية تجاه قادتهم، كما أنهم أصبحوا أكثر ارتباطاً بمؤسساتهم في أوقات الأزمات. وأُيِّدت هذه الاستنتاجات ببحوث إضافية أُجريت في المختبر والميدان، وتشير إلى أنه عندما يُظهر القادة سلوكاً إيثارياً فهذا يجعلنا نرى أن لديهم قيماً أخلاقية عالية وأنهم قدوة ونماذج يُحتذى بها، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج مؤسسية أفضل.

اقرأ أيضاً: كيف يستطيع القادة التحلي برباطة الجأش في الأزمات؟

رأينا في الآونة الأخيرة رؤساء تنفيذيين يهبّون لدعم موظفيهم أثناء هذه الجائحة من خلال التعهد بعدم تسريحهم، حتى هؤلاء الذين لا يمكنهم الذهاب إلى العمل. على سبيل المثال، على الرغم من أن جميع متاجر شركة "باتاغونيا" (Patagonia) مغلقة، أعلن رئيسها التنفيذي إيفون تشوينارد أن الشركة ستستمر في دفع رواتب جميع الموظفين، ما دفع البعض إلى استنتاج أن المؤسسة التي تحركها القيم ستنجو من هذه الجائحة بينما ستنهار مؤسسات أخرى. من بين الرؤساء التنفيذيين الآخرين الذين تعهدوا بعدم تسريح الموظفين: ستيفن سوارتز الرئيس التنفيذي لشركة "هيرست" (Hearst)، وجيف واينر الرئيس التنفيذي لشركة "لينكد إن"، وجاك دورسي الرئيس التنفيذي لشركتي "تويتر" و"سكوير" (Square)، وجيمس غورمان الرئيس التنفيذي لشركة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley)، ومايك كوربات الرئيس التنفيذي لشركة "سيتي غروب" (Citigroup)، وبريان موينيهان الرئيس التنفيذي لـ "بنك أوف أميركا" (Bank of America)، وألفريد كيلي جونيور الرئيس التنفيذي لشركة "فيزا" (Visa)، وفريدريك سميث الرئيس التنفيذي لشركة "فيديكس" (FedEx)، وتشاك روبنز الرئيس التنفيذي لشركة "سيسكو" (Cisco).

كيفية القيادة بإيثار أوقات الأزمات

إذن ما الذي يمكن للقادة فعله في ظل هذه الأزمة لدعم موظفيهم؟ وكيف يمكنهم التأكد من أن عطاءهم كان موفَّقاً؟ تنقسم التدابير الفعالة إلى 3 فئات: تحمُّل بعض من الخسائر نفسها التي يتكبدها موظفوك، والعطاء لخدمة هدف أسمى، والتحلي بقدر كبير من الشفافية حتى عندما يكون تحقيق ذلك صعباً.

تحمُّل بعض الخسائر

لا يتعلق الإيثار والتضحية بالنفس بأن تفعل الشركة ما هو صائب فحسب. فإذا كنت ستطلب من موظفيك أن يضحوا، عليك أن تضحي أيضاً. وإذا كنت تتوقع أن يتوخى فريقك السلامة، ينبغي لك أيضاً أن تتوخى السلامة بصفتك قائداً. وإذا كنت تتوقع من فريقك أن يواجه الصعاب، ينبغي لك أن تواجهها معهم. فلا أحد يحب القائد الذي يضع فريقه على خط المواجهة بينما يجلس هو في مكتبه.

على سبيل المثال، تنازل آرن سورنسون الرئيس التنفيذي لشركة "ماريوت إنترناشونال" (Marriott International) عن راتبه لهذا العام وتبرع بغرف الفندق للعاملين في الخطوط الأمامية للمساعدة في مكافحة مرض "كوفيد-19". وأيضاً طلبت شركة "ماريوت" من مسؤوليها التنفيذيين التضحية بنصف رواتبهم وسرَّحت الكثير من الموظفين الآخرين مؤقتاً. ونتيجة لذلك لا يزال يُنظر إليها، على الأقل في وسائل الإعلام، على أنها جهة العمل المفضلة على الرغم من حاجتها إلى تسريح الموظفين مؤقتاً.

من بين الشركات الأخرى التي خفَّض كبار قادتها رواتبهم: "إن بي سي يونيفرسال" (NBCUniversal) و"أوبر" و"دلتا" (Delta) و"يلب" (Yelp). وفي الأوساط الأكاديمية حيث أعمل، يوافق العمداء والمدربون والإداريون الذين يتلقون أجوراً عالية في كبرى الجامعات، مثل جامعة هارفارد، على خفض رواتبهم للمساعدة في سد العجز الوشيك الذي يواجهه قطاع التعليم العالي. حتى القادة العالميين، مثل جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا، يقبلون بخفض رواتبهم.

اقرأ أيضاً: كيف يتمكن الزوجان العاملان من أداء مهامهما الوظيفية أثناء أزمة فيروس كورونا؟

لسنا جميعاً من الرؤساء التنفيذيين الذين يمكنهم اتخاذ قرار بالاستمرار في دفع رواتب الموظفين أو التنازل عن راتبهم لمدة عام. ولكن لا تزال هناك بعض الطرق الأخرى للتضحية من أجل موظفينا. فاللفتات الصغيرة كطلب وجبة غداء لإرسالها إلى موظفيك العاملين عن بُعد من المنزل لتناولها أثناء اجتماع عبر برنامج "زووم" يمكن أن تقطع شوطاً طويلاً نحو إبقاء معنويات الفريق مرتفعة. وإذا كانت مؤسستك تمتلك برنامجاً لمنح الإجازات، يمكنك أن تمنح بعض إجازاتك لأعضاء فريقك الذين يحتاجون إليها.

عندما تكون قائداً، فإن تقديم تضحيات كما يفعل موظفوك، قد يجعلهم أكثر تمسكاً بالبقاء في الشركة أثناء الأزمة وبعدها. وبالنظر إلى تكلفة الدوران الوظيفي، فقد يكون لذلك علاقة بما إذا كانت مؤسستك ستتعافى من أزمة "كوفيد-19" أم لا.

العطاء لخدمة هدف أسمى

توفر الكثير من المؤسسات خدمات مجانية كتقديم جولات افتراضية مجانية أو أدوات تعلم مجانية للأطفال. وبالمثل، رأينا مؤسسات تساعد في توفير الموارد اللازمة لمكافحة آثار هذه الجائحة.  على سبيل المثال، أوقفت شركة "تيسلا" (Tesla) و"تويوتا" (Toyota) و"فورد" (Ford) و"جنرال موتورز" (GM) العمل في مصانعها لتصنيع أجهزة التنفس الصناعي، ووفرت شركة "ميدترونيك" (Medtronic) بصورة علانية برمجيات ومواصفات أجهزة التنفس الصناعي المحمولة الخاصة بها، ما يسمح لأي شخص باستخدامها مجاناً للمساعدة في تصنيع أجهزة تنفس صناعي لمكافحة مرض "كوفيد-19".

ولكن، أياً كان نوع العطاء، من المهم ربط التضحية المقدَّمة برؤية مؤسستك ورسالتها وقيمها لكي يستوعب الموظفون سبب فعلك ذلك. عندما تعهد مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "سيلز فورس" (Salesforce)، بعدم تسريح أي موظف خلال الثلاثة أشهر القادمة، ربط ذلك بالقيمة الثقافية للعائلة والعطاء، وطلب من موظفيه مواصلة دعم الأشخاص الذين كانوا يعتمدون عليهم قبل الأزمة مثل عمال تنظيف المنازل ومَن ينزهون الكلاب. ينبغي أن يتوخى القادة الوضوح بشأن كيفية اتساق إجراءاتهم مع قيم المؤسسة.

إذا لم تكن هذه الغاية واضحة، قد يأتي ذلك بنتائج عكسية. حيث تُظهر البحوث أننا نميل إلى التشكيك فعندما ينتهج القادة سلوكاً إيثارياً نحاول أن نخمن السبب الذي دفع القادة إلى فعل ذلك أو نركز على ما لم يفعلوه (على سبيل المثال، ما إذا كانوا يحصلون على علاواتهم أم لا). وقد يخمن الأشخاص الأكثر تشكيكاً من بيننا أن قرار شركة "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson’s) باستثمار مليار دولار لإيجاد لقاح لمرض "كوفيد-19" كان بدافع تحقيق أرباح. ولكن عندما ربط أليكس غورسكي الرئيس التنفيذي للشركة هذا القرار بمسؤولية الشركة عن تحسين صحة الناس مع الإعلان عن أنهم سيوفرون اللقاح على أساس غير هادف للربح، تحوَّل هذا الشك إلى تقدير للشركة.

اقرأ أيضاً: كيف نضمن الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية للناس في خضم أزمة عالمية

التحلي بقدر كبير من الشفافية

ينبغي للقادة، بالإضافة إلى تفسير سبب قيامهم بالتضحية، التحلي بالشفافية حول مصير تلك التضحيات من أجل القيادة بإيثار أوقات الأزمات المتكررة. فإذا كانت قائدة ما تتبرع بشكل علني بـ 10% من راتبها لمنظمة غير ربحية، ينبغي لها توضيح ماهية المنظمة وما يحدث للمال على وجه التحديد.

على سبيل المثال، يتبرع جاك دورسي بمليار دولار من أسهمه في شركة "سكوير" (ما يعادل 28% من ثروته) لتمويل جهود الإغاثة المرتبطة بجائحة "كوفيد-19". ولم يتبرع بالمال فحسب، بل شارك أيضاً مستنداً عبر تطبيق "مستندات جوجل" يوضح كيف ستُنفَق الأموال.

توخي الشفافية طوعاً يصبح أمراً أساسياً في مثل هذه المواقف. على سبيل المثال، يتنازل بوب تشابيك الرئيس التنفيذي لشركة "ديزني" عن 50% من راتبه ومزايا أخرى نتيجة لأزمة "كوفيد-19". ولكن هذا القرار أتى بعد ضغط من الاتحاد للحصول على بعض المعلومات من القادة بسبب المخاوف من إغلاق حدائق ديزني.

يرى 84% من الموظفين، حتى في الأوقات الخالية من الأزمات، أن مؤسساتهم لا تفعل ما يكفي لتحقيق الشفافية. ولكن هذا يمكن أن يكلف المؤسسة. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن المؤسسات التي كانت أكثر شفافية حققت معدلات أعلى فيما يتعلق بالإنتاجية والابتكار واستبقاء الموظفين من المؤسسات التي تتصف بقدر أكبر من الغموض. وعلى النقيض من ذلك، فإن زيادة الشفافية يمكن أن تعمل في الواقع على بناء الثقة.

وفي نهاية الحديث عن القيادة بإيثار أوقات الأزمات المتكررة، تُعد الأزمات بمثابة فرصة للقادة لتقديم التوجيه والدعم وإعطاء معنى للعمل عندما يكون الموظفون في أشد الحاجة إلى ذلك. على سبيل المثال، تخفيض تيم بويل الرئيس التنفيذي لشركة "كولومبيا سبورتسوير" (Columbia Sportswear) راتبه ليصبح 10 آلاف دولار مع الاستمرار في دفع رواتب موظفيه، أو تنازل ديفيد جيبس الرئيس التنفيذي لشركة "يم براندز" (Yum Brands) عن راتبه وإعطاء مكافآت تقدر بألف دولار للمدراء في مطاعمه، تفعل ما هو أكثر من رفع معنويات الموظفين. تشير هذه البحوث المتعددة إلى أن هذا النوع من التضحيات يمكن أن يرفع المعنويات ويعزز الثقة ويخفف من الألم الذي نشعر به في ظل هذه الأزمة.

اقرأ أيضاً: كيف نجحت الإدارة الحكيمة للأزمة في نيوجيرسي في تخفيف الآثار السلبية لعاصفة ساندي؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي