في العالم الواقعي، قد يبدو من الصعب على أي قائد سياسي أو اقتصادي جمع الناس حوله في ندوة عامة أو أمام شاشات التلفاز للاستماع لخطابه والتفاعل معه. وبالتالي، فإن المعضلة هنا تكمن في قدرته على جذب جمهوره إليه وإلهامهم.
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي منصات مثالية لحشد الرأي العام بشكل سهل وسلس. ولكن، يبرز في الأفق تحدي مهم وهو "الرأي العام الزائف" الذي يوهم القائد بقدرته على التأثير وكسب التأييد. فما هي أبرز ملامح هذه "القيادة الوهمية"؟ وكيف يمكن كشف زيفها في العالم الرقمي؟
أيهما أهم: فن القيادة أم الاتباع؟
في أدبيات القيادة الحديثة، برز مفهوم مثير للاهتمام، يسمى "التبعية" (the followership). ويُعنى هذا المفهوم وعي فريق العمل بأدواره ومسؤولياته تجاه المشروع أو المؤسسة ورئيسها. وهذا جانب في غاية الأهمية، فقد دأبت الدراسات القيادية على التركيز على القائد وصفاته وبحث كينونته إن كانت مكتسبة أم وراثية، وغيرها من أمور ذات صلة، في حين غاب العامل الأهم من المعادلة، وهم الأتباع.
من الضرورة الإشارة هنا إلى أن التبعية وفقاً لهذا المنهج لا ينبغي أن تتصف بالسلبية والانقياد، وإنما بالنظر لها كإطار عمل لتحديد مسؤوليات وأدوار الفريق، إلى جانب ارتباطها بالحوكمة بحكم تأثير الأتباع القوي على القائد ومحاسبته ومشورته، فضلاً عن مساهمتهم في خلق الثقافة المؤسسية، وغيرها من الأدوار الحيوية.
حاول رونالد ريغيو وآخرين في كتابهم "فن الاتباع" (The Art of Followership) رسم ملامح التبعية الإيجابية في البيئة المؤسسية والعمل الجماعي ككل وفق منهج بحثي وعملي، وأوصوا بضرورة إعلان شأن الأتباع في المنظومة الاجتماعية والإدارية لما لها من دور حيوي.
وهذا المبحث في وصف الأتباع، ينسحب واقعه على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت تتطلب منا كمستخدمين التعامل بوعي مع ما يطرحه فيها قادة الأعمال والساسة من أطروحات ورؤى، مع تبيان حقيقة انتشارها وتأثيرها.
قيادة الحشود الإلكترونية
إن التزييف المقصود في العالم الرقمي يأخذ أشكالاً عدة في منصات التواصل الاجتماعي الأكثر تداولاً (تويتر- فيسبوك- إنستغرام)، فقد يكون بطرق بسيطة مثل شراء القاعدة الجماهيرية (المتابعين والمعجبين أو ما يسمون سياسياً بالحشود أو الذباب الإلكتروني وغيرها من مسميات)، أو التفاعل (الإعجابات والتعليقات والمشاركات). فضلاً عن الأساليب الاحترافية التي تلتف حول سياسات استخدام المنصات الشهيرة وتعمل باتساق مع لغة الخوارزميات دون أن ترصد (استخدام الجيوش الإلكترونية التي تتفاعل بأسلوب بشري، أو إغراق الوسوم بمحتوى مغاير، أو رفع المشاركات ضمن قائمة الأكثر انتشاراً.. وغيرها).
وفي خطوة استباقية في هذا السياق، أعلنت منصة تويتر مؤخراً، عن إطلاق خدمة لمحاربة الحسابات التي تنسخ الردود بشكل متكرر، من خلال عدة إجراءات مثل حذف التغريدة وإخفاء الحساب من البحث أو إيقافه إذا تطلّب الأمر.
ولعل الأسابيع القليلة القادمة ستزيد من أهمية هذا الوعي مع حلول الانتخابات الرئاسية الأميركية التي بات الاستقطاب والدعاية الرقمية فيها أكثر نشاطاً، إلا أن هذه المرة سيكون المرشحون والناخبون أكثر حذراً نظراً لواقعة الفضيحة المعروفة بـفضيحة فيسبوك - كامبريدج أناليتيكا (Facebook- Cambridge Analytica). حيث ترجع وقائع الحادثة المذكورة إلى عام 2018 حين تم تسريب بيانات ملايين المستخدمين لمنصة فيسبوك بغرض تحليلها واستمالة أصحابها نحو الدعاية الانتخابية والسياسية الأميركية.
أما في العالم العربي، فستشهد كذلك دولة الكويت، الانتخابات البرلمانية لأعضاء مجلس الأمة في ظل أجواء انتخابية تشوبها مخاوف التباعد الاجتماعي التي نشهدها هذا العام، ما يزيد من فرص الحضور الرقمي. لاسيما وأن السلطات المسؤولة عن الصحة في البلاد قد أعلن رسمياً عن منع إقامة المخيمات والمقار الانتخابية المعتادة.
المؤشرات الـ 10 لكشف القيادة الوهمية في العالم الرقمي
في حين أنه قد تختلف مسببات ودواعي القائد في بناء قاعدة وهمية من التأثير في الفضاء الرقمي، إلا أن ما يهم هنا هو ما يرتبط بما يقدمه قادة الأعمال أو الساسة مقارنة بغيرهم من المستخدمين الذين يمارسون ذلك لأغراض دعائية أو اجتماعية أو تجارية. ولعله من المفيد هنا الوقوف على أبرز 10 مؤشرات لكشف القيادة الوهمية وفق ما ينصح به المختصون:
1- حسابات المتابعين الوهمية، تتسم غالباً بحداثة إنشاءها وكثرة إعادة النشر مقابل الردود الحقيقية.
2- من يزيّف مكونات حسابه في منصة معينة (تويتر مثلاً)، فمن المحتمل أن يتبع النهج ذاته في المنصات الأخرى، وبالتالي يحرص أكثر المؤثرين الحقيقيين على توثيق حساباتهم في مختلف المنصات التي ينشطون بها كتأكيد على نشاطهم الفعلي.
3- هناك فرق بين تزييف المتابعين (أعداد متضخمة من خلال الشراء الوهمي أو غيره)، وتزييف التفاعل (مثل الاستعانة بالتقنيات الحديثة لتوليد ردود وإعجاب بكلمات متكررة).
4- من الناحية العددية، في حال تطابق أو تقارب أعداد التفاعل على أغلب المنشورات، فغالباً هنالك تفاعل وهمي يوحي بالزيف (مثال ثبات الإعجابات عند الرقم 340 لكل صورة في الإنستغرام).
5- إن الفرق الشاسع بين أعداد المتابعين والتفاعل يكشف عن تلاعب محتمل، فمثلاً تخضع منصة إنستغرام لمعدل تفاعل تقريبي لا يتجاوز الـ 10% في أحسن الأحوال مع كل صورة أو فيديو (1.5-3% تفاعل من نسبة المتابعين لمن لديه مليون متابع وأكثر، مقابل 4-10% لمن لديه دون المليون).
6- يعمد بعض المؤثرين إلى استخدام تقنيات تتيح إضافة المتابعين الآخرين ثم إلغاء المتابعة لخلق حالة من لفت الانتباه، وبالتالي معاودة المتابعة من الطرف الآخر.
7- تكرار تفاعل نفس المتابعين في مختلف المنشورات عن طريق ردود متقاربة أو متطابقة، وغالباُ باستخدام عبارات عامة وفضفاضة مثل: "لقطة رائعة"، "جميل"، أو الرموز التعبيرية (emojis) وغير ذلك.
8- ترويج الوسوم بشكل مدفوع أو بمحتوى مصطنع في (تويتر مثلاً)، لإيهام الآخرين بأن القضية المثارة تحوز على اهتمام الرأي العام.
9- الترويج بمحتوى مغاير لوسم نشط، وهو ما يسمى بالإغراق، بحيث يتم اختطاف موضوع الوسم أو تغيير وجهة الحوار وتشتيت المتابعين.
10- هنالك عدد من المنصات المجانية والمدفوعة لكشف زيف المتابعين أو التفاعل الوهمي في منصات التواصل الاجتماعي.
بطبيعة الحال، تظل هذه مؤشرات عامة تختلف بحسب المنصة والموضوع واعتبارات أخرى متعددة، إلا أنها يمكن أن تشكّل رؤية أولية لنا كمتابعين لنشاط قادة الرأي في الفضاء الرقمي كي لا نقع ضحايا لقضايا وهمية أو ذات أجندات غير سوية.