يدرك القادة أن استراتيجيات الأعمال المرنة والرشيقة تتطلب سبلاً جديدة للحصول على الكفاءات، لكي يتسنى سد الفجوات المهمة، دون الحاجة بالضرورة إلى استقدام المزيد من الموظفين بدوام كامل. إلا أنّ معظم المؤسسات ليست مهيأة للحصول على أقصى استفادة ممكنة من العلاقات غير التقليدية في مجال العمل. ويوضح المؤلفان يونغر وسمولوود، في هذه المقتطفات من كتابهما "الكفاءات الرشيقة"( Agile Talent)، السبل الكفيلة بمواءمة مؤسستك مع احتياجات القوة العاملة المرنة من خارج المؤسسة والقائمة على المشاريع، ومع توقعاتها.
وتعمل المؤسسات المعاصرة كلها تقريباً على زيادة استخدامها للكفاءات من الخارج، بإشراك الأفراد والفِرق وحتى الشركات في علاقات العمل غير التقليدية والأشكال البديلة من مجالات العمل. فتعتمد شركتا "جوجل"، و"إنتل" على خبراء في العلوم الاجتماعية والميكانيكا الحيوية من أجل تطوير منتجات تحويلية عن طريق تحسين فهمها لطريقة تفكير الأشخاص بشأن التكنولوجيا وبشأن استخدامها. وتستفيد شركة "ماكيسون" (McKesson)، عملاق المستحضرات الصيدلانية والرعاية الصحية الكائنة في الولايات المتحدة، من الخبرات الفنية الخارجية بصفتها امتداداً استراتيجياً لمواردها في مجالات مثل استراتيجية الأعمال ودعم الخدمات اللوجستية. ويدرك المدراء في هذه الشركات أنّ الاستراتيجيات الرشيقة والسريعة والمرنة تتطلب منهم التفكير بسبل جديدة حيال الحصول على كفاءات استراتيجية رئيسة والاستفادة منها وسد الفجوات المهمة في القدرات الاستراتيجية.
وتتفاوت الدراسات المتعلقة بأوساط الكفاءات الرشيقة في تقديراتها بشأن حجم هذه المنظومة. في عام 2013، أشارت شركة "أكسنتشر" إلى أن ما بين 20% إلى 30% من إجمالي القوة العاملة لا يندرج ضمن الوظائف التقليدية الدائمة بدوام كامل في المؤسسات. كما قدّرت شركة "ديلويت" (Deloitte)، مؤخراً، أنّ ما بين 30% إلى 40% من موظفي الشركات الذين يعملون بدوام كامل تحصل عليهم الشركات من مصادر خارجية. وفي دراسة مثيرة للاهتمام بصفة خاصة، أفاد اتحاد الموظفين المستقلين (Freelancers Union)، وهو مؤسسة تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، أنّ رُبع القوة العاملة في الولايات المتحدة موظفون مستقلون يعملون على أساس المشاريع ويتعاملون مع أكثر من مؤسسة.
وعلى الرغم من أن المسؤولين التنفيذيين يرغبون في الحصول على أقصى قيمة ممكنة من الكفاءات الاستراتيجية الخارجية، إلا أنّ مؤسساتهم ليست مهيأة لتحقيق ذلك. ومع تزايد عدد المسؤولين التنفيذيين الذين يتطلعون إلى "الخدمات السحابية" للحصول على الكفاءات الرشيقة والاستفادة منها، فإنهم يصطدمون بعدد من المسائل الشائكة التي تتمثل في ما يلي:
إدارة العلاقات. حيث تتمثل إحدى المشكلات الرئيسة في اتخاذ القرارات. ففي أغلب الأحيان، تتولى أقسام المشتريات إدارة عملية الاختيار، بينما يُتوقع أن يعمل مدراء العمليات - غير المشتركين في عملية الاختيار رسمياً - على إنجاح علاقة العمل مع الكفاءات الخارجية التي يقع عليها الاختيار. وغالباً ما تشهد هذه الترتيبات تعقيدات بسبب عدم الانسجام في معايير اتخاذ القرار؛ لأن أقسام المشتريات تود أرخص الأسعار والتكاليف الثابتة، بينما يريد مدراء العمليات أو المدراء التجاريين الحصول على أفضل الموارد والتوافق الثقافي الملائم والمرونة الكافية في العقد لإفساح المجال أمام التغييرات في النطاق أو الاستراتيجية. لكن توجد أيضاً عوامل خارجية تعمل على تعقيد هذه العلاقة. على سبيل المثال، فإن القواعد الضريبية في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى متحيزة إلى علاقات العمل الدائمة. ولذا، فإن المؤسسات تتحفظ في علاقاتها مع الموارد الخارجية لتجنب الغرامات والمشكلات القانونية المحتملة.
المنافسة بين الموارد الداخلية والخارجية للمؤسسة. من شأن الكفاءات الخارجية أن تكون ذات فوائد كبيرة للمؤسسات، لكنها أيضاً قد تشكل تهديداً للمدراء والمتخصصين التقنيين في المؤسسة، خصوصاً أنّ الكفاءات الرشيقة التي تقدم فوائد استراتيجية تُعتبر على مستوى رفيع من التدريب، وتتحلى بالقدرات التي لا يمتلكها الموظفون داخل المؤسسة.
تعارُض التوقعات. يمكن أن تعتقد الكفاءات الخارجية أن المؤسسات التي يعملون لها بطيئة للغاية، وذات نزعة بيروقراطية مفرطة وبالغة التعقيد. وبالمثل، يمكن أن تنظر المؤسسات إلى الكفاءات الخارجية بصفتها لا تعلم شيئاً عن النشاط التجاري، وغير مستعدة أو غير قادرة على اكتساب فهم عميق عن مشكلات المؤسسة.
الفشل في تحقيق النتائج المنشودة. يتمثل التحدي الرابع في الإخفاق في تحقيق النتائج المتوقعة. فقد بيّنت دراسة استقصائية شاملة أجرتها شركة "ماكنزي"أن 26% فحسب من المسؤولين التنفيذيين الذين شاركوا في الدراسة قالوا إن مبادرات التغيير الرئيسة حققت نجاحاً في تحسين المؤسسة بصورة مستديمة. وبالنظر إلى أن المشاريع من هذا القبيل تتضمن جميعها، الاستعانة بموارد خارجية، فإن أحد جوانب الإخفاق في تلبية التوقعات ينبع من طريقة المؤسسة في اختيار هذه الموارد الخارجية وإشراكها وإدارة أدائها، وفي نوعية الشراكة بين الموارد الداخلية والخارجية للمؤسسة.
وتتعرض المؤسسات لهذه المشكلات لأنها، كما جرت العادة، تتعامل مع الموارد الخارجية باعتبارها "موارد منفصلة عن الموارد الداخلية وليست نداً لها". وما كان المدراء ليفكروا قط في معاملة الكفاءات الخارجية معاملة الكفاءات الداخلية؛ لإنهم يوظفون الكفاءات الخارجية الرشيقة لتحقيق النفعية في الأجل القصير لتلبية حاجة محددة. على الرغم من أنه مع تزايد اعتماد الشركات علي هذه الكفاءات الرشيقة للاضطلاع بالقدرات الاستراتيجية، لن تكون هذه العقلية ذات جدوى بعد الآن. وتُعتبر معاملة الكفاءات الخارجية باعتبارها "موارد منفصلة عن الموارد الداخلية وليست نداً لها" هي، على وجه التحديد، السبب في المشكلات المذكورة آنفاً.
فيتعين على المدراء إحداث تغيير جذري في طريقة تفكيرهم حيال منظومة الكفاءات الخارجية الرشيقة، وينبغي لهم معاملتها معاملة الموارد الداخلية؛ باعتبارها موارد منفصلة عن الموارد الداخلية بيد أنها على قدم المساواة معها. وقد تبيّن لنا أنّ المؤسسات التي تحصل على أقصى استفادة من الكفاءات الرشيقة - وتتغلب على المشكلات الأربع الشائكة المذكورة آنفاً - تستخدم أكثر الأساليب الإدارية فعالية في إشراك فِرق الكفاءات الخارجية وتحفيزها وتشكيلها مع الموظفين من داخل المؤسسة. فالموارد الخارجية، على غرار الموظفين الذين يعملون بدوام كامل، ترغب في القيام بعمل مُجدٍ، وفي زيادة كفاءتها، وأن تحظى بالاحترام والثقة والمشاركة ومعاملتها باعتبارها جزءاً من الفريق، وفي التواصل معها باستمرار بشأن المشكلات التي تؤثر على عملها، والشعور بالإنصاف في المكافآت والتقدير على المساهمات التي تقدمها والجهود التي تبذلها. وفي أغلب الأحيان، فإنهم يشعرون، بالأحرى، أن موظفي المؤسسة الذين يعملون معهم يحتملونهم فحسب أو يعاملونهم باعتبارهم مشبوهين. ويشعرون بعدم تقدير الإدارة لهم، وبالعجز في التعامل مع البيروقراطية الإدارية في المؤسسات الشريكة.
وفي مقابلات أجريناها مع قادة بعض المؤسسات، لاحظنا أن العديد من المسؤولين التنفيذيين لا يرون ضرورة للتطرق لطريقة معاملة الموارد الخارجية وكيفية إدارتها. وغالباً ما يجهل قادة الشركات هؤلاء التفاصيل المتعلقة بمدى انسجام مؤسساتهم - تنظيمياً وإدارياً وثقافياً - لخلق تجربة إيجابية ومثمرة للكفاءات الرشيقة. ويُقر معظم المسؤولين التنفيذيين، خلال هذه المناقشات، بالنزعة إلى إرسال إشارات متضاربة وأثر ذلك على إنتاجية الموارد الخارجية والتزامها. وقد أخبرنا أحد المسؤولين التنفيذيين بإحدى شركات الخدمات اللوجستية، عندما أجرينا مقابلة معه، بقوله:
"نحن نعرف طريقة إدارة الأشخاص في شركتنا. ففي حين أننا نلتمس، من الناحية الفكرية، فوائد الشراكة الحقيقية مع الموارد الخارجية، فإن الحقيقة هي أننا، بشكل عام، نعاملها باعتبارها جهات تقدم مساعدات فحسب ونتعامل مع العلاقة بها بصفتها خدمة معاملات مقابل الحصول على المال، بصورة أساسية. لذا، فإننا نتأخر قليلاً في دفع مستحقاتهم، ولا نفكر غالباً بشأن إشراكهم، وهلم جرّا. والأمر المثير للاهتمام أنه عندما نتعامل مع زبائننا، يكون الحال عكس ذلك تماماً؛ فنرغب بأن يتعاملوا معنا باعتبارنا شركاء لهم، في حين أنهم يتعاملون معنا باعتبارنا جهات تقدم المساعدة فحسب. ويجدر بنا أن نتعلم من هذا الأمر. لأن زبائننا سوف يحصلون على المزيد منّا عندما نشعر أن علاقتنا معهم هي علاقة شراكة. ويجب أن ينطبق الأمر نفسه على استخدامنا لمواردنا الخارجية".
والأمر الجيد هو أن السبيل إلى الحصول على قيمة أكبر من استثمارك في الخبرات الفنية الخارجية ماثل أمام ناظريك مباشرة؛ إذ إنه حسبما يعني ضمناً المسؤول التنفيذي بشركة الخدمات اللوجستية المذكور آنفاً، فإن الممارسات الإدارية المثلى التي نعلم بالفعل فعاليتها في إدارة القوة العاملة التقليدية الداخلية يتعين تطبيقها على هذه الفئة الجديدة والمتنامية من الكفاءات الرشيقة. غير أن فعل ذلك يتضمن إجراء بعض التغيّرات المهمة، التي تعبّر عنها الأسئلة الواردة فيما يلي، لتحقيق المواءمة بين الكفاءات وبين مؤسستك. ومن الصواب أن تُستخدم هذه الأسئلة باعتبارها دليلاً مرشداً لتستطيع التحسّن في اكتساب القوة العاملة من الكفاءات الرشيقة وفي حسن إدارتها. والأسئلة هي كما يلي:
المواءمة الاستراتيجية. هل تتسم المؤسسة بالانضباط والصرامة في عملية تحديد المجالات التي تتطلب الاستعانة بالكفاءات الرشيقة وتوفير الموارد من الخدمات السحابية أو المجالات التي يمكن لهذه الكفاءات والموارد أن تكون مفيدة فيها؟ وهل حددت المؤسسة القدرات الأساسية التي يتعين عليها إيجادها؟ وهل خضعت العلاقات مع الكفاءات الرشيقة للدراسة المتأنية؟ وهل المؤسسة فعّالة في تحديد دور المبادرات التي يتصدى لها المستشارون والاستشاريون والخبراء التقنيون المؤقتون، وفي تحديد علاقاتها ونطاقها؟ وهل يحظى هذا العمل بالمستويات المناسبة من الرعاية؟ وهل يتوافق التوقيت والميزانية وتوفير الموارد مع المطلوب لتحقيق نتائج إيجابية؟
مواءمة الأداء. إلى أي مدى تحوّل المؤسسة أي خطة أو مبادرة إلى أهداف ذكية وأطر زمنية واضحة المعالم؟ وهل جرى وضع التوقعات بشأن الأداء وتحديدها وتوضيحها بوضوح؟ وما هي وتيرة تقييم الأداء وتقديم الملاحظات؟ وما المقاييس المستخدمة، وهل هي منطقية؟ وعندما تنشأ مشكلات في الأداء، ما مدى السرعة والفعالية اللتين تتخذ بهما المؤسسة التدابير اللازمة؟
مواءمة العلاقات. ما مقدار التوافق الثقافي، وكذلك مقدار الخبرات التقنية الذي يؤخذ في الاعتبار عند اختيار كفاءات خارجية؟ وهل تباشر الكفاءات الخارجية العمل على المهام المطلوبة مباشرة أم أنها تخضع إلى توجيه محكم بشأن المؤسسة والأشخاص الذين سيعملون معهم؟ وما سبل حل المشكلات التي تنشأ بين الموظفين الداخليين والموارد الخارجية؟ وهل تحظى الكفاءات الخارجية بالمشاركة والمعاملة بالقدر من الاهتمام والاحترام الذي يتوقعه أي شخص؟
المواءمة الإدارية. هل تجيد المؤسسة العمل مع الكفاءات الخارجية أم أنها تُسيئ معاملتها؟ وهل تتسم المؤسسة بالنزعة البيروقراطية المفرطة في التعامل مع الكفاءات الرشيقة؟ وهل يجري توضيح قواعد العمل وإجراءاته بصورة ملائمة؟ وهل تدفع المؤسسة المستحقات المالية للكفاءات الخارجية دون تأخير؟ وهل توجيه الكفاءات الخارجية بشأن المؤسسة يتعامل معهم باعتبارهم شراً لا بد منه أم بصفتهم زملاء عمل موضع ترحيب؟
تُحدث الكفاءات الرشيقة تحولاً وثورة في علاقات العمل التقليدية بين المؤسسة وقواها العاملة، وتضع متطلبات جديدة على عاتق المدراء والقادة. وتضطلع الشركات المبتكرة بدور ريادي في هذا الصدد، بتنفيذها مجموعة أوسع من الخيارات فيما يتعلق بالكفاءات واعتمادها على أنواع أكثر تبايناً من علاقات العمل. وسوف يبني القادة، الذين يتقبلون هذه التغييرات ويتصدون بفعالية لهذه التحديات، مؤسسات أكثر قدرة على المنافسة.