لقد بلغت الستين من العمر هذا العام، وبعد انقضاء أسابيع قليلة على يوم ميلادي، وصلني أول إعلان من مدفن في مقاطعة كوينز على البريد المباشر. أنا لا أعيش في كوينز، ولا أرغب في أن أدفن هناك عندما توافيني المنية. وقد استهدفتني إعلانات حول حالات مرضية لا أعاني منها، مثل سلس البول وغيره. كما أنني تلقيت إعلانات حول خدمات تنظيم لقاءات مع زملاء جدد، وعلى الرغم من أن خوارزميات التسويق قد اتبعت نهجاً عشوائياً، فقد أتيحت لي الفرصة للاختلاط مع "زملائي" العازبين من ديانات مختلفة.
لا يمكن أن يقود سجل البحث السابق الخاص بي إلى أي من تلك الأمور، إلا أن العمر الذي وصلت إليه قد دفع المسوقين إلى افتراض أنني في حاجة ماسة إلى الرفقة، وأنني أعاني من تدهور في حالتي الصحية، وأفكر في لحظة موتي. في الوقت نفسه، لم أشاهد أي إعلان للأمور التي أهتم بها بالفعل، مثل الفنادق الكبيرة في روما أو الأماكن الجميلة للتنزه في شمال ولاية نيويورك.
تشير البيانات إلى أنني لست الوحيد الذي يمر بهذه التجربة، إذ عندما يظهر الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الشريحة السكانية في الإعلانات، فغالباً ما يُقدّمون بصورة سلبية. وتعد صور الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً سلبية بنسبة 28% من الأوقات، مقارنة بنسبة 4% فقط بتلك الخاصة بالشباب. وفقاً لما ذكرته "الرابطة الأميركية للمتقاعدين" (AARP)، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الشريحة السكانية يظهرون بنسبة 70% من الأوقات في "حالات منعزلة، وغالباً ما يكونون جالسين بمفردهم مع شريك، أو مع أخصائيين يقدمون إليهم الرعاية الصحية". هذا عندما يظهرون أساساً، "في حين أن 46% من السكان البالغين في الولايات المتحدة تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، إلا أن 15% فقط من الصور على الإنترنت تشمل أشخاصاً بالغين ينتمون إلى هذه الفئة"، حسبما كشفته دراسة حديثة أجرتها الرابطة.
هذا لا يعكس القوة السوقية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، والمسؤولين عن أكثر من نصف الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة. فقد كشفت دراسة أجرتها شركة "أبسيلون" (Epsilon) عن أن مواليد جيل الطفرة، الذين ولدوا بين 1946 و1964، ينفقون أكثر من غيرهم في كل عام، أي أكثر من نصف تريليون دولار. واحتل الجيل "إكس"، الذي يضم بعض الأشخاص ممن تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، المرتبة الثانية، يليه جيل الألفية، والجيل الصامت والجيل "زد". مع ذلك، فإن العديد من الشركات لا تعير الكثير من الاهتمام إلى هذه الفئة العمرية، إذ تخصص ما يتراوح بين 5 إلى 10% فقط من ميزانيات التسويق للفوز بهم. على سبيل المثال، تخصص الشركات 5% فقط من الصور الإعلانية لأشخاص تزيد أعمارهم عن 50 عاماً وهم يستخدمون التكنولوجيا، علاوة على ذلك، يتخلل الصورة شخصاً صغيراً في السن يعلم الشخص الأكبر كيفية استخدام الجهاز. بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا، تمثل الأجيال الأكبر سناً فرصة للنمو في الواقع، إذ أفاد "مركز بيو للأبحاث" (Pew Research) مؤخراً، أن "هناك نمواً كبيراً في تبني التقنية بين الأجيال الأكبر سناً منذ عام 2012، لا سيما الجيل "إكس" ومواليد جيل الطفرة". لقد بقي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأجيال الشابة ثابتاً إلى حد كبير منذ ذلك العام، لكن نسبة الأشخاص الذين ينتمون إلى جيل الطفرة والذين يكبرونهم ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي قد ارتفعت إلى 10%.
إن المفارقة بين القوة الشرائية التي يمثلها الأميركيون الأكبر سناً وضآلة الاهتمام الذي يتلقونه من المسوقين تعدّ مشكلة طالما شهدتها عن كثب. فعلى مدار أكثر من 3 عقود من العمل في مجال الإعلان، اختبرت جميع أنواع الحملات الإعلانية لطائفة واسعة من المنتجات، ولا أذكر أنني شاهدت أي شخص يزيد عمره عن 45 عاماً قد أشير إليه سريعاً، أو شملته مجموعة مركزة، مع استثناء احتمال وجوده ضمن حملة إعلانية لطعام الكلاب موجهة إلى الكبار في السن ممن يملكون حيوانات أليفة.
إن قلة الاهتمام بمتابعة المستهلك الأكبر سناً يسير جنباً إلى جنب مع التفرقة العمرية المعروفة للجميع، والتي تعصف بإدارات التسويق ووكالات الإعلان. لقد رأى العديد من زملائي أن حياتهم المهنية الناجحة انقلبت رأساً على عقب بعد مرور نصف قرن، ويجري ذلك بصورة فاضحة في بعض الأحيان، بينما قد يواجهها الآخرون بطريقة مهذبة. وقد تعرضت بنفسي إلى تجارب مماثلة، حيث قيل لي إن "ملفي الشخصي" لم يعد صالحاً "لما يبحث الناس عنه".
مع وجود عدد قليل من الموظفين الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً والذين يساعدون في تصميم حملات التسويق، من غير المحتمل أن تبذل الشركات جهداً أكبر من أجل الوصول إلى المستهلكين من هذه الفئة العمرية. لكن هناك حاجة اقتصادية ملحة لفعل ذلك، ووفقاً لتقارير شركة "نيلسن" (Nielsen)، من المتوقع أن ينمو القطاع السوقي للفئة العمرية ما بين 18 و49 عاماً من الآن وحتى عام 2030 بنسبة تزيد عن 12%، في حين أن القطاع السوقي للفئة العمرية التي تتجاوز 50 عاماً سوف ينمو بنسبة تزيد عن 34%. تخطئ الشركات حين تعتقد أن مستقبل أعمالها متمحور حول الأجيال الشابة فقط، وقد توصلت الأبحاث إلى أنه على عكس الصور النمطية، فإن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً "يرحبون بالتغيير"، ويمكن كسبهم من خلال العلامات التجارية التي تقدمها إليهم.
كتب باحثون من "جامعة كاليفورنيا" (California State University) و"جامعة ولاية كونيتيكت الجنوبية" (Southern Connecticut State University)، في دراسة نشرتها مجلة "الدراسات السلوكية في قطاع الأعمال" (Behavioral Studies in Business)، أنه على المسوقين إدراك أن المستهلكين الأكبر سناً اليوم "يركزون على مكافحة الشيخوخة وكسر القالب النمطي الذي يؤطر الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن الـ 50". أي شركة تسخر هذه الإمكانات لا بد أن تكسب، والعلامة التجارية، في أي قطاع، التي تبادر في الوصول إلى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً قد تكسب ملايين المستهلكين، الذين يملكون أموالاً أكثر لإنفاقها مقارنة بأولادهم.