في أوقات الأزمات القليل من الشكر يُحدث أثراً كبيراً

4 دقائق
تأثير الشكر أوقات الأزمات

لقد ولّت أيام الثرثرة في المقاهي وقاعات الاجتماعات ليحل محلها القلق الذي صرنا نعانيه في ظل ظروف التباعد الاجتماعي وما فرضه علينا من عزلة قسرية، فبداية من حالة الخوف العامة وصولاً إلى احتمالات الإصابة بأمراض وأسقام بعينها، بات الكثير من الموظفين يعانون مغبات التوتر والقلق اللذين يجعلان مجرد تنظيف الأسنان وإعداد وجبة الطعام إنجازاً مشهوداً خلال اليوم، وبالحديث مع عملائي الذين يتبوؤون مناصب تنفيذية في عدد من المؤسسات حول تأثير الشكر أوقات الأزمات لاحظت شكواهم المتكررة من تحملهم أعباء إضافية في العمل وعدم تلقيهم التقدير المناسب في الوقت ذاته علاوة على عزلتهم عن زملائهم، لكن على الرغم من عدم وجود علاج حاسم لهذا المرض المنتشر حالياً، فإن التعبير عن الامتنان بصورة منتظمة يساعد في تهوين الأمر على الجميع.

تأثير الشكر أوقات الأزمات

لقد خلصت نتائج الأبحاث بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن التعبير عن الامتنان مفيد لصحتنا ورفاهتنا، كما يزداد شعورنا بالسعادة عندما نعبر عن امتناننا، وبالتالي فإن تخصيص بعض الوقت خلال الأزمات من أجل توجيه الشكر إلى الآخرين أمر ضروري لتخفيف الشعور بالوحدة وتوطيد أواصر العلاقات الاجتماعية والحث على السخاء والكرم، بيد أننا لا نعبر عن الامتنان بقدر شعورنا به إلا في أندر الأحوال على الرغم من كل فوائد الامتنان المعروفة على نطاق واسع، ويعتبر العمل أكثر الأماكن التي يقل فيها تعبيرنا عن الامتنان.

اقرأ أيضاً: الميزة التنافسية التي تتمتع بها الشركات ذات بيئات العمل المتكاملة في ظل الأزمات

فإذا كنت مديراً، فمن الضروري أن تعبر عن امتنانك لموظفيك، ولاسيما في ظل تلك الظروف التي نمر بها حالياً، وذلك لأن التعبير عن الامتنان والشكر لفريقك هو التصرف الصائب الذي يجب انتهاجه في المقام الأول، إذ يقاوم الموظفون مخاوفهم بشأن انتشار هذه الجائحة وخطر انتقالها إلى منازلهم وأماكن عملهم، فيحتاج كل موظف إلى سماع عبارات الإشادة بتفانيه في العمل وأن هذا التفاني محل تقدير واحترام، علاوة على ذلك فقد ثبت أن التعبير عن الامتنان والشكر يرفع مستويات تقدير الذات ويحسن القدرة على تحقيق الأهداف المهنية وصناعة القرارات ويزيد الإنتاجية والقدرة على التحمل.

لكن قد يتساهل القادة في مسألة التعبير عن الامتنان ويضعونها في ذيل قائمة المهمات المطلوبة منهم بسبب كثرة مشاغلهم والضغوطات المحيطة بهم، ففي آخر جلساتنا التدريبية قال مأمون، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الأكاديميين: "أشعر بالأسف الشديد لانشغالي بالعمل على معالجة المشكلات الطارئة من الساعة 4 صباحاً وحتى 10 مساء لدرجة أنني لا أجد وقتاً للتعبير عن تقديري وامتناني للعمل الذي يؤديه فريقي"، وإدراكاً منا بأن التعبير عن التقدير صار أكثر أهمية من أي وقت مضى، فقد توصلنا إلى خمس استراتيجيات من أجل مأمون ومؤسسته.

استراتيجيات للتعبير عن التقدير والإمتنان للعمل الذي يؤديه الفريق

رتّب لعقد لقاء بحضور كل الموظفين وعبر لهم عن عميق امتنانك لجهودهم

يتجمّع الأهالي في تمام السابعة مساء كل ليلة في حيّنا (وفي عدد من مختلف المدن حول العالم) في الشرفات والشوارع من أجل تحية العاملين في مجال الخدمات الأساسية على تضحياتهم، وقد أنشأ مأمون نظاماً مؤسسياً شبيهاً بهذا النشاط وذلك بأن طلب من جميع الموظفين الانضمام إلى البث المباشر لغرفة دردشة في الساعة 4 مساء يومياً لمدة دقيقتين بالضبط، بحيث يكتب أعضاء الفريق خلال هذا الوقت تعليقات يكيلون فيها عبارات الثناء والمديح لزملائهم، وبما أن هذه التعليقات تُحفظ في غرفة الدردشة، فبإمكان الموظفين الاطلاع عليها إذا فاتتهم أي من هذه الجلسات. استخدم هذا النوع من التواصل المعبر عن التقدير لتعزيز روح الانتماء من خلال التلاقي للحصول على جرعة يومية من الإطراء والإشادة.

عبّر عن الشكر والامتنان بالطريقة التي تناسب كل شخص

أثبتت الأبحاث أن التعبير عن الامتنان يقوي العلاقات بصورة أكبر عندما يجيء في صورة تقدير للجهد المبذول من الطرف الآخر مقارنة بامتداح الطريقة التي أفادك بها، كأن تقول له مثلاُ: "لقد أبدعت في ساعة التواصل الافتراضية التي نظمتها مع الفريق، فقد اتضحت لمستك الفريدة التي أضفتها بعرض الموضوع ومشاركة الأفكار حول كيفية متابعته".

اقرأ أيضاً: بحث: كيف فاقمت الأزمة المالية من عدم المساواة في الثروة داخل أميركا؟

ثم خذ خطوة إضافية بالتعرف على الأسلوب المفضل لدى كل موظف لنيل التقدير، ويعتبر نهج لغات التقدير والإعجاب الخمس إحدى هذه الأدوات، وعلى الرغم من أن هذا الإطار مصمم في الأساس للأزواج، فإنه يصلح للاستخدام في أماكن العمل بإدخال بعض التعديلات عليه، فقد يفضل أحد زملائك عبارات التشجيع على سبيل المثال، في هذه الحالة أرسل رسالة متقنة الصياغة بالبريد الإلكتروني أو بخط اليد، أما بالنسبة لأولئك الذين يفضلون الأعمال الخدمية فساعدهم في إنجاز مشروع بحثي مثلاً، وللتأكد من جدوى هذه الخطوة، حدد موعداً لعقد اجتماع ثنائي مع مرؤوسك المباشر بحيث تنحي جانباً المناقشات الخاصة بالعمل وتتحدث معه عن موضوعات أخرى ذات مغزى.

اجعلهم يشعروا أنهم متألقون وجديرون بالإعجاب

يبذل الجميع جهداً خارقاً يفوق كل التوقعات في ظل الجائحة الحالية، فقد يتطلب أداء نشاط عادي جهداً غير عادي في بعض الأيام، خاصة في الأعمال غير الظاهرة للعيان، أي المهمات التي نعتبرها أمراً مفروغاً منه أو تلك التي نقلل من مقدار الجهد المبذول فيها، لذا يُنصَح بالاحتفاء بالأبطال المجهولين وإبراز دورهم في كل مستويات التواصل بالشركة، حيث يتواصل معظم المسؤولين التنفيذيين أسبوعياً مع أعضاء فرقهم، فلمَ لا تستهل كل أسبوع برسالة تثني فيها على الجهود المبذولة من قبل موظف نادراً ما يُشار إليه بالبنان؟

على سبيل المثال: أبرز أحد العملاء جهود منسق المشروع الذي أدى عملاً خارج مكان العمل من خلال الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا قائلاً: "شكراً لك مازن على إنشاء الغرف المنفصلة وألوان الفريق واللافتات الاستثنائية واللوحة التفاعلية، فكل ذلك بفضل قوة لوحة المفاتيح الخاصة بك وشاشاتك ومهاراتك". إن تسليط الضوء على الإنجازات المعتادة غير الظاهرة للعيان يعزز الإنتاجية ويزيد من التعاطف والقدرة على تفهم أعباء العمل التي قد نثقل بها كاهل الآخرين دون قصد.

انشر الإيجابية

أثبتت الأبحاث أن مَنْ يتلقى الشكر سيكون أكثر سخاءً وتعاوناً مع الآخرين، ولغرس هذا السلوك في مؤسستك أنشئ ما يعرف بحركة رد الجميل، وشجع أولئك الذين تلقوا الشكر على صياغة بادرة تقدير لشخص آخر، وهو ما سيؤدي بدوره إلى رفع معنويات الموظفين وتقليل الضغط الواقع على المدير الذي يحاول وحده تقديم الشكر للعديد من الموظفين، إضافة إلى إبراز دور الموظفين وجهودهم الجديرة بالثناء.

قدموا الشكر كفريق

ضاعف جهودك لإقناع فريقك كله بالتعبير عن الشكر والتقدير وتقديم الثناء علي الإسهامات البارزة، ونسّق جهودك مع الآخرين وكثّف من مديحك لتحقيق أثر أكبر، يمكنك الاستعانة بالأدوات المتاحة على الإنترنت مثل "كودو بورد" (Kudo board)، حيث يمكنك إعداد بطاقة شكر جماعية مبتكرة وتقديمها لأحد الزملاء، وخطوة كهذه لها أبلغ الأثر على زميلك في العمل، كما أنها توطد العلاقة بين أعضاء فريقك من خلال نشاط إيجابي مشترك.

اقرأ أيضاً: عندما تضرب الأزمة، تذكر أن تشحن عقليتك الإدارية بالإنسانية

يمكن تشبيه تأثير الشكر أوقات الأزمات بطبق يفضَّل تقديمه بما يناسب أذواق متلقيه، ولكن فوائده تعود على مقدمه ومتلقيه، سواءً بسواء، فعندما يشعر الموظفون من حولك بأنك تنظر إليهم بعين الاعتبار والتقدير، فسوف يردون إليك الجميل وتزداد جهودهم المبذولة لإنجاح العمل وستقوى روابط علاقتك بهم، وهذه هي العناصر الضرورية للتخفيف من حدة التوتر الذي يصاحب الأزمات، وقد يكون تقديم الشكر مُعدياً، فحتى عندما نفتقر إلى اليقين بشأن الحاضر والمستقبل، فلن نستطيع التحكم سوى في سلوكياتنا، ومن ثم يمكننا اختيار الإسهام في نشر عبارات الشكر والتقدير الصادقة.

اقرأ أيضاً: تسويق العلامات التجارية خلال أزمة كورونا

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي