ما هي التحديات التي تواجه التحول الرقمي في القطاع المصرفي السعودي؟

5 دقيقة
القطاع المصرفي السعودي
مصمم الصورة: (هارفارد بزنس ريفيو، أسامة حرح)

ملخص: ركَّز القطاع على تعزيز ممكّنات التحول الرقمي من حيث جودة البنية التحتية الرقمية والوصول إلى الإنترنت والمنظومة التشريعية والرقابية وحماية البيانات والخصوصية والأمن السيبراني، وذلك بما يلبي تطلعات المستهلكين وتبنيهم للحلول الرقمية في أغلب المجالات. وبحسب هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية،

  • وصلت نسبة انتشار الإنترنت في المملكة بنهاية عام 2023 إلى 99%، مقارنة بـ 98.6% في عام 2022.
  • بلغت نسبة الشراء من المواقع المحلية للتسوق عبر الإنترنت 93.8%، ومن مواقع التسوق العالمية 51%.

شهد القطاع المصرفي السعودي تحولاً نوعياً في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال التوسع في تبنّي الخدمات المصرفية الرقمية، ووسائل الدفع الرقمية، على حساب تحول المستهلكين وشرائح العملاء كافة عن قنوات التوزيع التقليدية مثل فروع التجزئة المصرفية وأجهزة الصراف الآلي واستخدام العملة النقدية الورقية.

وبما يتماشى مع رؤية 2030، ركَّز القطاع على تعزيز ممكّنات التحول الرقمي من حيث جودة البنية التحتية الرقمية والوصول إلى الإنترنت والمنظومة التشريعية والرقابية وحماية البيانات والخصوصية والأمن السيبراني، وذلك بما يلبي تطلعات المستهلكين وتبنيهم للحلول الرقمية في أغلب المجالات.

وبحسب هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، وصلت نسبة انتشار الإنترنت في المملكة بنهاية عام 2023 إلى 99%، مقارنة بـ 98.6% في عام 2022، وبلغت نسبة الشراء من المواقع المحلية للتسوق عبر الإنترنت 93.8%، ومن مواقع التسوق العالمية 51%.

ويستعرض هذا المقال مجموعة من الاتجاهات والمسارات التي ميزت القطاع المصرفي السعودي خلال السنوات الأخيرة في مجال التحول الرقمي وتغير سلوك المستهلكين.

من عدم الحنين للماضي إلى عدم الاكتفاء بروعة الحاضر

أتذكر بداية الألفية عندما قدّمت بحث تخرجي في مرحلة البكالوريوس عن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، حيث كان دخول الإنترنت إلى السوق المصرفية لا يزال في سنواته الأولى، لكن هذا التحول التقني بمعايير بداية الألفية مثّل نقلة نوعية في التجربة المصرفية التي اشتهرت بثقافة الطوابير وأوقات الانتظار الطويلة أمام شبابيك صرافي الفروع المصرفية.

يمكن لأي زائر لمواقع البنوك السعودية جميعها على شبكة الإنترنت أو المستخدم لتطبيقاتها على أجهزة الهاتف المحمول أن يلاحظ التطور اليوم أو ربما استخدم في السابق خاصية فتح الحساب المصرفي عن بُعد. إذ أصبح من الممكن فتح حساب مصرفي من المنزل أو المكتب في أقل من 5 دقائق دون الحاجة إلى زيارة أي فرع مصرفي.

وأصبحت القنوات الرقمية هي المنفذ الرئيسي لفتح الحسابات المصرفية الجديدة، وبحسب التقرير السنوي لعام 2023 لمصرف الراجحي، فإن 95% من الحسابات الجارية الجديدة جرى فتحها عبر القنوات الرقمية. وتجري عملية فتح الحساب بكفاءة عالية، إذ توفر للعميل تجربة لحظية سلسة ومرنة من خلال ربط رقم الهوية الوطنية برقم الهاتف المحمول عبر منصة "أبشر" لتقديم خدمات وزارة الداخلية السعودية رقمياً، وتسهيل توثيق العمليات عبر بوابة الدخول الوطني الموحد "نفاذ". ويجري كل ذلك تحت حماية شاملة لخصوصية البيانات ومراعاة معايير الأمن السيبراني.

وفي ظل اشتداد التنافس بين البنوك لتحسين الإنتاجية وخفض النفقات على مستويات التشغيل المصرفي جميعها، فإن جهود التحول الرقمي المصرفي لا تقف عند عملية فتح الحساب المصرفي فحسب، بل تمتد إلى عمليات أخرى. على سبيل المثال، أشار التقرير السنوي لعام 2023 للبنك الأهلي السعودي إلى تنفيذ 99% من عمليات مصرفية الأفراد رقمياً مقابل العمليات المنفذة عبر فروع التجزئة المصرفية.

حتمية التغيير جسر إلى طموحات أبعد

أفرز تغير سلوك المستهلكين خلال العقد الأخير، وظهور الشركات التقنية العملاقة، ونماذج الأعمال الرقمية ومنصات الأعمال المتعددة الأطراف، ضغوطاً غير مباشرة على المصارف حول العالم لتقديم عروض قيّمة تتناسب مع توقعات العملاء مقارنة ببدائل ناجحة من خارج القطاع المصرفي تراعي احتياجات العملاء لمزيد من الراحة والوصول الميسر إلى الخدمات والمنتجات بطرق مبتكرة وذكية وسهلة. وقد تأكدت تلك التحديات بصورة مباشرة عندما بدأت شركات التكنولوجيا تغيير ديناميكيات السوق من خلال تقديم خدمات ومنتجات مالية ومصرفية ثم الاستحواذ على حصص مهمة من قاعدة العملاء ومن مداخيل الأعمال المصرفية، ما دفع جهود الابتكار إلى تحدي العديد من مسلّمات الصناعة المصرفية فأوجدت لاعبين جدداً في عالم التكنولوجيا المالية.

وعليه، شهدت المملكة تراجعاً في الخدمات المصرفية التقليدية مع تسارع دخول شركات التقنية المالية ونموها وإقبال العملاء على استخدام خدماتها ومنتجاتها، فبحسب تقرير البنك المركزي "دراسة استخدام وسائل الدفع في المملكة العربية السعودية لعام 2021" تضاعف عدد عمليات الدفع الإلكترونية عبر البطاقة ليبلغ 2.6 ضعفاً في أغسطس/آب 2021، مقارنة بعددها في الشهر نفسه من 2019، في حين تضاعفت مدفوعات التجارة الإلكترونية 4.8 أضعاف في الفترة نفسها.

ومن المؤشرات على تراجع إقبال العملاء على استخدام المنتجات والمنافذ المصرفية التقليدية ما يلي:

  • ارتفاع عدد بطاقات مدى المصدرة من إجمالي 17.8 مليون بطاقة مصدرة في 2015 إلى قرابة 48 مليون بطاقة مصدرة بنهاية عام 2023.
  • انخفاض عدد الشيكات المتداولة بين الأفراد والشركات لمستويات تاريخية هي الأقل منذ عام 1990، مع تداول 951 ألف شيك عام 2023 بين الأفراد والشركات.
  • خروج أكثر من 3,000 جهاز للصرف الآلي من الخدمة بحلول مايو/أيار 2024 وتقلص حجم شبكة أجهزة الصراف الآلي إلى نحو 15 ألف جهاز، وهو أدنى مستوى لتوزيع أجهزة الصراف الآلي في غضون 8 أعوام.
  • وعلى الرغم من تواصل إغلاق المزيد من فروع التجزئة المصرفية وافتتاح عدد من الفروع البنوك مثل الإنماء والبلاد وبنك الإمارات الوطني، فإن إجمالي عدد الفروع المصرفية العاملة بنهاية مايو/أيار 2024 لا يزال عند أدنى مستوى له في آخر 10 سنوات عند إجمالي نحو ألفي فرع.

المصرفية الرقمية والتقنية المالية تقودان التحول

تتحرك المصارف التقليدية والرقمية وشركات التقنية المالية في اتجاه دعم المصرفية الرقمية ولا سيما في مجال "المصرفية اليومية"، إذ يشهد هذا النطاق جهوداً كبيرة ومركزة على الابتكار في محور المدفوعات.

  • ارتفع عدد أجهزة نقاط البيع من 350 ألف جهاز في عام 2018 إلى 1.8 مليون جهاز بحلول مايو/أيار 2024، في حين نمت المبيعات بنسبة 165% لتسجل نحو 614 مليار ريال بنهاية عام 2023.
  • ارتفع عدد المحافظ الرقمية إلى أكثر من 13 مليون محفظة في عام 2022، ووصل حجم الودائع في هذه المحافظ إلى 69.8 مليار ريال في العام نفسه، كما جرى تسجيل 27 مليون معاملة تحويل دولي عبر هذه المحافظ بإجمالي 43 مليار ريال، وارتفع عدد العملاء الأفراد من فئة الشباب من 18 إلى 20 عاماً، إلى 1.9 مليون عميل، إذ تعتمد هذه الفئة بالأساس على الخدمات المصرفية الرقمية، ومن المحتمل أنها لم تتعامل مع فروع البنوك التقليدية من قبل.
  • في يونيو/حزيران 2021، تأسست أول 3 مصارف سعودية رقمية، أهمها (STC Bank)، وفي نهاية الربع الأول من عام 2024، تجاوزت محفظة (STCPay) الـ 10 ملايين محفظة، وسجلت محفظة الراجحي (UrPay) أكثر من 5 ملايين محفظة رقمية.
  • خلال عامي 2023 و2024، دخل كل من بنك الرياض والبنك العربي إلى عالم الميتافيرس، وتتشابه تحركات البنكين من حيث الاعتماد على تعزيز التجربة الرقمية من خلال تقنية الميتافيرس التي توفر تجارب مبتكرة تدمج الواقعين المادي والافتراضي معاً. إن تجربة تقنية ناشئة مثل الميتافيرس أمر مهم لدعم جهود التعلم واستكشاف الفرص الملائمة لاحتياجات الجيل الجديد من العملاء.

ربحية البنوك المجمعة 

من المهم ملاحظة الربحية المجمعة للبنوك العاملة في السعودية، إذ إن التحولات المذكورة لم تحدث بسبب ضغوط على الربحية والأداء، بل هي عملياً تطبيق لمبادئ الأداء الأمثل في عالم الأعمال، حيث المبادرة والابتكار والتجديد المستمر من سمات الأعمال الناجحة.

تُظهر بيانات البنك المركزي السعودي تطور ربحية البنوك المجمعة من قرابة 36 مليار ريال بنهاية عام 2013 إلى أكثر من 77 مليار ريال بنهاية 2023، بنمو نسبته 115% خلال 10 سنوات. ويحدث ذلك على الرغم من التراجعات جميعها التي شاهدناها على مستوى العمليات المصرفية المعتمدة على المنافذ والمنتجات التقليدية.

ويتوقع التقرير السنوي لبرنامج تطوير القطاع المالي لعام 2022، أن ينمو قطاع التكنولوجيا المالية بحلول 2030، ليجري تسجيل 525 كياناً في مجال التكنولوجيا المالية، واستثمارات بقيمة 12 مليار ريال في التقنية المالية عبر رأس المال الجريء. ومن المرجح أن تسهم التكنولوجيا المالية بنحو 13 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، وتخلق 18 ألف وظيفة في قطاع التكنولوجيا المالية.

تتجه المملكة العربية السعودية في رحلتها من الخدمات المصرفية التقليدية إلى الخدمات المصرفية الرقمية بوتيرة متسارعة، مُعلنةً عن بداية عصر جديد في منظومتها المالية، ويدعم هذا التحول وجود بنية تحتية قوية وسياسات فعالة وتبنٍّ للتكنولوجيا الحديثة، ما يهيّئ البيئة المناسبة لمستقبل حيث الخدمات المالية الرقمية ليست مجرد بديل عن الخدمات التقليدية بل هي المنفذ المفضل للمعاملات المالية كافة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي