لماذا تعتبر شراكة القطاع الخاص مع مفوضية اللاجئين أفضل من التبرع الفردي؟

6 دقائق

سعت المفوضية السامية للاجئين بعد تعاظم أزمة اللجوء في العالم والمنطقة إلى البحث عن حلول مبتكرة، اقتربت فيها أكثر فأكثر من ثقافة المجتمعات التي تعمل بها، وجعلت معاييرها أكثر مرونة في احتضان المبادرات المحلية وعقد الشراكات مع القطاع الخاص وصولاً إلى الشركات ومع الأفراد.

وعملت منذ عام 2011 على ابتكار حلول لم تكن موجودة على أجندتها من قبل بهدف حشد الدعم الذي يتلقاه اللاجئون من أبناء منطقتهم أو ثقافتهم عبر مفوضية اللاجئين. وهكذا فقد أنشئ صندوق الزكاة للاجئين، كواحد من المبادرات التي جمعت بين العمل الخيري الديني، وبين احتياجات اللاجئين الملحة التي تسعى المفوضية لسدها عبر أموال الزكاة. كما انضمت شركات مثل "كريم" و"مجموعة الطاير" و"إم بي سي" (MBC) إلى مبادرات شاركت فيها مفوضية اللاجئين، لتقدم عبرها أفكاراً مبتكرة في مساعدة اللاجئين ممن يشعرون بمعاناتهم ويودون مساعدتهم بأفضل الطرق.

نتعرف اليوم عن قسم الشراكات مع القطاع الخاص لدى مفوضية اللاجئين، والذي أثبت حتى اليوم أنه قادر على نقل الكثير من المبادرات الفردية غير المنظمة وغير المحوكمة إلى عمل مؤسسي له نتائج واضحة وشفافة.

في مقابلة أجرتها هارفارد بزنس ريفيو العربية مع حسام شاهين، مسؤول الشراكات مع القطاع الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مفوضية اللاجئين، يتحدث عن النقلة النوعية التي تحدثها هذه الشراكات في تغيير حياة الكثيرين نحو الأفضل.

هارفارد بزنس ريفيو العربية: ماذا تعني الشراكات مع القطاع الخاص؟ وما أهميتها بالنسبة لكم؟

حسام شاهين: في السابق كانت تعتمد مفوضية اللاجئين بالكامل على الدعم المقدم لها من قبل الحكومات، ولكن مع اندلاع الأزمات وتزايد أعداد اللاجئين بشكل غير مسبوق، وخاصة خلال العقد الماضي، أصبحنا نعاني دوماً من نقص في الموارد وعجز في الميزانية. لذلك اتجهت المفوضية للبحث عن مصادر أخرى لسد ذلك العجز، ومنها الشراكات مع القطاع الخاص عبر ثلاثة مسارات: الجمهور ورواد الأعمال وأصحاب الشركات إلى جانب قطاع العمل غير الحكومي مثل الجمعيات الأهلية والمؤسسات غير الربحية.

علماً بأن العمل مع القطاع الخاص لا يركز على توفير التمويل المادي فحسب، ولكن يركز على إيجاد الحلول التنموية طويلة الأمد والمبتكرة التي تفيد الأشخاص اللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة لهم، كما تسهم الشراكات مع القطاع الخاص في رفع التوعية لدى الجمهور بشكل عام.

وقد وصل إجمالي إسهامات القطاع الخاص بقطاعاته الثلاثة (الجمهور ورواد الأعمال والقطاع غير الحكومي) لمفوضية اللاجئين إلى قرابة نصف مليار دولار أميركي على مستوى العالم، وهذا المبلغ يغطي جزءاً يسيراً مما يحتاجه اللاجئون حول العالم. ونحن المنظمة الرائدة وصاحبة النمو الأكبر في قطاع الشراكات مع القطاع الخاص من بين منظمات الأمم المتحدة الأخرى.

كيف كانت البداية بالنسبة للشراكة بين المفوضية والقطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وما الصعوبات التي واجهتكم وكيف تواجهونها؟

بدأنا العمل مع القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ 8 سنوات.

وقد واجهتنا في البداية تحديات الترويج لأزمة التمويل والعجز المقدر بمليارات الدولارات في ميزانية المفوضية، ما كان يوحي بأنه من المستحيل مواجهة تلك الأزمة. وأدركنا مع الوقت أن التعاطف لدى المتلقين يزداد عندما يتعرفون على القصص الإنسانية للاجئين والنازحين، فعندها تتزايد لديهم الرغبة في تقديم المساعدة. وقد احتاج الأمر لكثير من الوقت والجهد للوصول لهذا الفهم المشترك، ما عزز تعاوننا مع المؤسسات الإعلامية ومنصات التواصل الإجتماعي لإيصال صوت اللاجئين ونقل قصصهم من وجهة نظر إنسانية.

وسعينا لسنوات إلى بناء الثقة مع الجمهور في المنطقة، عبر تسليط الضوء على العمل الجدي الذي يقوم به فريق عمل مفوضية اللاجئين، حيث إن 90% منهم يعملون في الميدان بشكل فعال واحترافي، ويتعاملون مباشرة مع اللاجئين والنازحين ويفعلون كل ما بوسعهم لتلبية احتياجاتهم، بالشراكة مع البلاد المضيفة.

وهناك تحد آخر يواجهنا مع الشركات التي تهتم بتنفيذ المشاريع قصيرة الأمد ذات التأثير المحلي، وهذا أمر نفهم دافعه. إلا أننا نشجع شركاءنا على الاتجاه نحو مشاريع العمل الخيري ذات الأثر المستدام والتنموي إقليمياً وعالمياً، وهو أمر يتفق مع التوجه الاستراتيجي لمفوضية اللاجئين نحو إشراك الجهات والقطاعات كافة في البحث عن الحلول الدائمة والمستدامة لأزمة النزوح واللجوء حول العالم، فيما تطلق عليه (نهج المجتمع ككل). وبفضل الشراكات مع القطاع الخاص نتمكن من بلورة تلك الحلول وتطبيقها.

برأيكم، لماذا تفضل بعض الشركات طرق العمل الخيري التقليدي، وأن تبقى أعمالها المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية دون شراكة مع أي مؤسسة؟ وكيف تقنعونهم بالعمل بالشراكة مع المفوضية؟

نحن نحترم الخيارات التي يتخذها أصحاب الأعمال ضمن إطار مسؤولياتهم المجتمعية، ونشجعهم على القيام بالأعمال الخيرية سواء عن طريق المفوضية أو غيرها. صحيح أن مفوضية اللاجئين هي المنظمة المنوطة برعاية اللاجئين والنازحين في المنطقة وحول العالم، إلا أن عملنا يكمّل عمل الآخرين ولا يلغيه.

إن العمل بالشراكة مع المفوضية يحقق منفعة متبادلة للطرفين، فمن جهة يمكننا تزويد شركائنا بالمعلومات والبيانات التي يحتاجونها من أجل توجيه جهودهم في الاتجاه الصحيح والتوصل إلى حلول خلاقة للمشكلات، ولتوسيع نطاق أعمالهم الخيرية في أماكن متعددة حول العالم. كما نتيح لهم منصة عالمية للتواصل مع مختلف الجهات من أجل تنفيذ الأفكار التي يطرحونها. ومن جهة أخرى نستطيع إحداث فرق في حياة الملايين من الأشخاص الذين هم بحاجة ماسة إلى المساعدة. وهنا أود التأكيد على أن مفوضية اللاجئين منظمة إنسانية تهدف لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين والنازحين وفقاً للمعايير والاتفاقات الدولية، وليست منظمة ذات طابع سياسي.

نحن ننظر إلى القطاع الخاص كشريك أساسي، ونقوم بتقييم النجاح وقياس الأثر وفقاً لمعايير تتطابق مع تلك المستخدمة في قطاع الأعمال، ولدينا مستوى عال من الشفافية والاحترافية ونفسح المجال لمناقشة الأفكار الجديدة و تطويرها و تنفيذها مع شركائنا.

ما المبررات التي تقدمونها عادة لأصحاب العطاء الذين يفضلون التركيز على قضايا محلية لا تندرج تحت اهتمام المفوضية؟ كيف تلفتون نظرهم إلى قضايا المنطقة وضرورة المساهمة فيها؟

نحن نعتبر أن الاهتمام بقضية النزوح واللجوء ليس منفصلاً عن الاهتمام بالقضايا المحلية، فلا يخفى عليكم أن هناك أعداداً كبيرة من اللاجئين والنازحين في العالم هم حاضرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعيشون في المدن والقرى جنباً إلى جنب مع المجتمعات المضيفة، وهم جزء من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية لتلك البلاد، لذلك فإننا نسعى لإيجاد حلول مستدامة للاجئين، الذين يمتلكون الكثير من المهارات والخبرات التي يمكن استخدامها لمنفعتهم ولمنفعة المجتمعات المضيفة على حد سواء، إلى حين عودتهم طوعياً إلى ديارهم وأوطانهم.

كيف وصلتم إلى فكرة إنشاء صندوق الزكاة، كيف تم تطوير الفكرة داخلياً ضمن المفوضية وكيف تم عرضها على الشركات وأصحاب العطاء في المنطقة، وكيف هو تقييم النتائج حتى الآن؟

في عام 2013 كنا قد أطلقنا حملة تسمى (رمضان في عيونهم) لدعم اللاجئين والنازحين في المنطقة، وتفاعل معها الكثير من الأشخاص، وتساءل بعضهم إن كان بإمكانهم إعطاء الزكاة لمساعدة اللاجئين، عندها بدأنا في التفكير والعمل بشكل جدي على إنشاء برنامج الزكاة. ودارت نقاشات كثيرة داخل أروقة المفوضية، وكان من الضروري أن نتحلى بالكثير من المرونة لتغيير بعض الإجراءات الإدارية، منها اتخاذ القرار بإلغاء اقتطاع أي مصاريف إدارية من التبرعات المستلمة سواء من الأفراد أو الشركات، وأن تصل بكاملها إلى اللاجئين. ثم كان الانطلاق الرسمي لبرنامج الزكاة عام 2016 على نطاق إقليمي شمل دولتين فقط هما لبنان والأردن، ومن ثم أعيدت هيكلته في 2019 إلى صندوق الزكاة للاجئين، كمنصة عالمية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لاستلام أموال الزكاة وتوزيعها بالوكالة عن المسلمين على مستحقيها من اللاجئين والنازحين بكل شفافية.

وتجدر الإشارة إلى الفتاوى التي حصلنا عليها –من خلال شراكتنا مع مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات- من أكبر الجهات الإسلامية، كدار الإفتاء المصرية والمجلس العلمي الأعلى في المغرب وغيرها، بجواز قيام المفوضية بجمع أموال الزكاة وإعادة توزيعها بالوكالة عن المسلمين على اللاجئين والنازحين، الذين يندرجون تحت مستحقي الزكاة.

أما من حيث النتائج، فقد تمكّن صندوق الزكاة للاجئين خلال أقل من عامٍ على إطلاقه من جمع 38.1 مليون دولار أميركي تم توزيعها على هيئة مساعدات نقدية على أكثر من 648 ألف شخص من اللاجئين والنازحين في سبع دول هي لبنان والأردن واليمن والعراق ومصر وموريتانيا وبنغلاديش. كما حصلنا على تقدير جهات كثيرة تعمل في قطاع الاقتصاد الإسلامي، آخرها حصول صندوق الزكاة للاجئين على جائزة "أفضل منصة لتوزيع أموال الزكاة لعام 2019" في حفل توزيع "جوائز التمويل الإسلامي العالمية" بجنوب أفريقيا، ونطمح لتوسيع نطاق عمل الصندوق وعدد المستفيدين أكثر فأكثر.

هل يمكن تقديم بعض الأمثلة عن الشراكات الناجحة مع شركات في المنطقة لدعم قضايا اللاجئين وكيف انعكست هذه الشراكات على المستفيدين منها؟

نسعى إلى مد جسور الشراكة مع قطاعات متنوعة منها المؤسسات الإعلامية وشركات التقنية والحلول المبتكرة وكذلك القطاع التجاري، وهذا بهدف تنويع أشكال التعاون وإيصال صوت اللاجئين إلى جمهور أكبر من المتعاطفين وفاعلي الخير، وتشجيعهم على تقديم المساعدة.

ونود أن نذكر عدة أمثلة، منها شراكتنا مع "إم بي سي" ومبادرة "إم بي سي" الأمل منذ عام 2016، حيث تم إنتاج سلسلة من البرامج الرمضانية التي أسهمت في رفع التوعية عن قضية اللجوء والنزوح.

وكذلك شراكتنا مع شركة كريم لخدمات التوصيل، حيث تتيح للمستخدمين في السعودية والإمارات والأردن إضافة مبلغ مالي لقيمة الأجرة تذهب كتبرع على شكل مساعدات نقدية للاجئين.

أما مجموعة الطاير فقد أتاحت لنا استخدام المساحات الإعلانية وواجهات المتاجر التابعة لها للترويج لحملة مفوضية اللاجئين في شهر رمضان 2019 الماضي ورفع التوعية بقضية اللجوء والنزوح لدى الجمهور.

إلا أنني أؤمن بأن أهم شراكة قمنا ببنائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي مع الأفراد والناس العاديين، الذين يثقون في مفوضية اللاجئين ويشعرون بالمسؤولية تجاه اللاجئين ويرغبون في مساعدتهم. ونلاحظ دوماً أن النساء يتفاعلن بقوة مع حملاتنا المختلفة، ولديهن القدرة على اتخاذ القرار فيما يخص اختيار مصارف الخير بما فيها الزكاة لأسرهن، خاصة وأن النساء اللاجئات يمثلن قطاعاً كبيراً ويرعون أسرهن دون معيل في كثير من الأحيان. ونتطلع لبناء مزيد من الشراكات مع رائدات ورواد الأعمال، فهم قادرون على إحداث فرق كبير في خارطتي العمل الخيري والتنموي في المنطقة.

يرجى وضع قائمة بخمس فوائد تجعل العمل الخيري برأيكم بالشراكة مع المفوضية أفضل للشركات والمجتمعات والحكومات في المنطقة؟

  • قد تكون أهم فائدة عند عقد الشراكة مع مفوضية اللاجئين هي التأثير الإيجابي المنقذ لحياة أسر اللاجئين والنازحين.
  • نضمن قدراً عالياً من الشفافية في إصدار التقارير عما تم تنفيذه على الأرض وعن الأثر الملموس الذي أحدثته مختلف الشراكات على حياة العائلات النازحين واللاجئين.
  • تحصل الشركات المتعاقدة مع مفوضية اللاجئين على منصة عالمية وفرص لعرض مساهماتها ومبادراتها الخيرية على نطاقٍ واسع، وذلك مهم لتحفيز فاعلي الخير الآخرين على المبادرة بتقديم المساعدة للأسر اللاجئة بكل شفافية.
  • نتمتع بمرونة وانفتاح على العمل بشكل مشترك مع مختلف الشركاء لإيجاد حلول غير تقليدية وخلاقة لقضية اللجوء والنزوح.
  • نعمل ضمن فريق يتميز بحصيلة واسعة من الخبرة والكفاءة والاحترافية، ولديه القدرة على التماشي مع احتياجات الشركاء واحترام السياق المجتمعي والثقافة السائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي