يمثّل اقتصاد الأعمال المستقلة اليوم 12% تقريباً من سوق العمل العالمية، إذ شارك أكثر من ثلثي قوة العمل الأميركية في أنواع مختلفة من العمل المستقل، ويعمل أكثر من 5 ملايين سائق لصالح منصة أوبر وحدها.
وعلى الرغم من تأكيد شركات الوساطة الإلكترونية والباحثين على حد سواء أن مرونة جداول المواعيد التي يوفرها العمل المستقل هي الدافع الرئيسي للعاملين للانخراط في هذا النوع من الأعمال، أفصح النقاد عن عدة مخاوف مرتبطة به، بدءاً من نقص قوانين حماية العاملين وحتى التمييز في الأجور الذي تسببه الخوارزميات، وغير ذلك.
في الواقع، انتقدت البحوث العمل المستقل ووصفته بأنه غير مستقر وغير مؤكد مالياً ويشكل خطراً جسدياً. وقد تكون الإدارة الخوارزمية منفرة ومُهينة أيضاً، إذ توضح إحدى الدراسات أن العمل المستقل يعرّض العاملين لما يُدعى بـ "استبداد الخوارزميات"، في حين اتهمت دراسة أخرى هذه المنصات المستبدة خوارزمياً بأنها تقيّد حرية العاملين وإمكاناتهم. وفي ضوء هذه المشكلات الراسخة، لماذا يواصل العديد من الأشخاص اللجوء إلى العمل المستقل؟
ثمة بعض الأفراد الذين ينجذبون إلى العمل المستقل بسبب فقدانهم وظائفهم أو عدم قدرتهم على العثور على وظائف تقليدية. وعلى الرغم من ذلك، ينمو حجم قوة عمل اقتصاد الأعمال المستقلة بمعدل أسرع بكثير من نمو الاقتصاد بأكمله، إذ يكسب العامل العادي في مستودع شركة أمازون 19 دولاراً في الساعة تقريباً، ما يُعتبر مبلغاً جيداً ومستقراً.
هل المرونة المتزايدة التي توفرها هذه الوظائف هي حقاً السبب الرئيسي الذي يجذب العاملين المستقلين إليها، أم أن هناك أسباباً أخرى أيضاً؟
لاستكشاف هذه الأسئلة، قضيتُ 7 سنوات في إجراء دراسة شاملة للإلمام بتفاصيل العمل في خدمات توصيل الركاب؛ ففي البداية عملت سائقةً 100 ساعة تقريباً، من عام 2016 وحتى عام 2019، ولم ينطوِ عملي فيها على القيادة فحسب، بل شمل أيضاً أعمالاً غير مدفوعة، مثل فحص السيارة ومشاهدة فيديوهات تعليمية حول كيفية تقديم خدمة متميزة.
وتعاونت أيضاً مع باحث مساعد عمل 60 ساعة إضافية بصفته سائقاً، ما وفر لنا رؤية مفصّلة للحياة اليومية لعمل السائقين في تطبيقات خدمات توصيل الركاب، مثل أوبر وليفت.
وعلى الرغم من أنني أحببت جانب المرونة في جدول المواعيد، لم تعجبني رتابة العمل وضغطه؛ إذ كانت عملية القيادة والروتين اليومي مملين، وكنت في حالة تأهب عالية لمراقبة ظروف الطريق أيضاً. (وهي تجربة شائعة ذكرها سائقو الشاحنات الذين تأقلموا في النهاية وأصبحوا أكثر استرخاءً في أثناء القيادة. وأعتقد أنني لم أبلغ مرحلة الاسترخاء بعد).
أجريت بعد ذلك 140 مقابلة شخصية مفصّلة مع 63 سائقاً في 23 مدينة وبلدة في أميركا الشمالية، وسجّلت ملاحظات على أكثر من 110 رحلات أجريتها بصفتي زبونة. ولاستكمال هذه الملاحظات والمقابلات الشخصية، أجريت تحليلاً على بيانات من المدونات، ومنتديات نقاش السائقين، ومقاطع فيديو على يوتيوب، ومقالات على الإنترنت، ومواد الشركة الوسيطة، ما ساعدني على اكتساب رؤى أوسع حول تجارب هؤلاء العاملين. وتمكنتُ من خلال هذا البحث الشامل من تحديد عاملين رئيسيين يحفزان العاملين على العمل في هذا القطاع، وهما، إلى جانب المرونة في جداول المواعيد، القدرة على اتخاذ قرارات صغيرة وألعاب العمل.
اتخاذ القرارات الصغيرة
أولاً، أظهرت نتائج بحثي أن السماح لسائقي خدمات توصيل الركاب باتخاذ مجموعة متنوعة من القرارات الصغيرة يُشعرهم بالاستقلالية، على الرغم من الانتقادات التي تشير إلى أن الإدارة الخوارزمية تعوق سيطرة السائقين على أيام عملهم.
على سبيل المثال، اختار بعض السائقين أن يعطوا الأولوية للمواقع التي يُشير التطبيق إلى أنها تشهد طلباً عالياً (ما يزيد احتمالية الحصول على أسعار مرتفعة هناك)، في حين اختار آخرون تجنّب تلك المناطق خشية الازدحام.
بعبارة أخرى، إن القدرة على اتخاذ قرارات صغيرة وإن كانت بسيطة، مثل اختيار وقت العمل ومكانه وكيفيته، منحت السائقين إحساساً بالسيطرة والرضا عن أعمالهم.
قال لي أحد السائقين في مقابلة شخصية: "من الغريب أن هذا العمل يمنحني شعوراً بالرضا. سمعت أشخاصاً يصفونه بالعمل المناسب لمن يمتلكون مهارات محدودة، لكنني أشك في أن هذا ينطبق على معظم السائقين".
على سبيل المثال، تحدث السائقون عن رفض عدة طلبات متتالية بهدف التأثير على خوارزميات التسعير ورفع أسعار رحلاتهم.
وإذا كان الراكب في مزاج سيئ، فقد يُلغي السائق الرحلة قبل وصوله إلى وجهة الراكب لكي يحصل على أجر معظم الرحلة دون أن يتمكن الزبون الغاضب من تقييمه بسبب الإلغاء المبكر للرحلة.
وكان ذلك الاتجاه شائعاً بين العديد من السائقين الذين تحدثت إليهم؛ فعلى الرغم من أن الخوارزمية أملت على السائقين العديد من جوانب عملهم، شعروا بأنهم ما زالوا قادرين على اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة تؤثر في نتائج أعمالهم.
استخدام ألعاب العمل في نقل الركاب
ثانياً، صُممت منصات خدمات توصيل الركاب التي أجريت دراسة عليها بطريقة تدفع السائقين إلى المشاركة فيما يُطلق عليه الباحثون اسم "ألعاب العمل"، إذ يساعدهم الفوز فيها على تعزيز المغزى من عملهم.
وهذه الظاهرة ليست جديدة؛ فقد توصّل العلماء في مجال التنظيم المؤسسي على مدى عقود إلى أنماط مماثلة في مجموعة من السياقات الوظيفية المختلفة، من مقدمي خدمات تكنولوجيا المعلومات والمدراء الذين يستخدمون استراتيجيات حجب المعلومات، وحتى موظفي الاستقبال في الفنادق الذين يستثمرون طاقاتهم العاطفية بصورة استراتيجية في التفاعل مع العملاء الذين يفترضون أنهم سيمنحونهم إكراميات سخية، وعمال المصانع الذين يعدّلون جهودهم استناداً إلى حصص الإنتاج ومعدلات الأجور، والمحامين الذين يقررون مدى العدوانية التي ينبغي أن يظهروها عند استجواب الشهود.
وعلى الرغم من تركيز البحوث السابقة على أشكال التوظيف التقليدية عادة، يشير بحثي إلى وجود أنواع مماثلة من ألعاب العمل في سياق العمل المستقل أيضاً.
ألعاب بناء العلاقات
ذكر السائقون في الدراسات التي أجريتها نوعين متميزين من الألعاب: ألعاب بناء العلاقات وألعاب تعزيز الكفاءة. شعر العاملون في بعض الحالات بالحافز لزيادة رضا العملاء الذي يُقاس عادة من خلال تعليقاتهم وتقييماتهم.
بعبارة أخرى، تكافئ التطبيقات السائق الذي يحصل على تقييمات عالية؛ فالتقييمات العالية لا تضمن له الوصول المستمر إلى التطبيق فحسب (إذا انخفضت التقييمات دون الحد الأدنى غير المُفصح عنه من الشركة، فسيكون السائق عرضة لإيقاف نشاطه على التطبيق) لكنها تجعله مؤهلاً للحصول على مزيد من الحوافز المجزية والانضمام إلى مستويات أعلى من برامج الولاء والاستبقاء أيضاً.
قال لي سائق يركز على رضا العملاء في مقابلة شخصية: "لدي مجموعة من التقييمات التي تُثبت أنني سائق جيد. إذ يمكنني دخول التطبيق وقراءة تعليقات العملاء، مثل: 'كانت محادثة لطيفة، شكراً لك على الرحلة، جعلتني أشعر بالسعادة'. و'سيارتك نظيفة جداً، ورائحتها عطرة؛ وأنت شخص لطيف'. وتعليقات إيجابية أخرى كثيرة تجعلني أشعر بالسعادة والرضا والرغبة في مواصلة تقديم أفضل أداء. وأراقب كل التفاصيل لأنني أتفاعل مع التطبيق كثيراً. كل ما أفعله هو تسجيل الدخول، والاطلاع على الخدمات المختلفة، أو التحقق من أن تقييمي لا يزال عند مستوى 4.86 نقاط، أو استكشاف ميزاته، وهو ما يحفزني لمواصلة العمل بالفعل".
عرض لي العديد من هؤلاء السائقين تقييمات العملاء الراضين على هواتفهم بحماس في مقابلاتي معهم. وكانوا يلجؤون إلى تقييماتهم الرقمية والتعليقات التي تركها الركاب بصفتها دلائل على جودة أدائهم، لدرجة أن أحد السائقين وصف تفاعله مع التطبيق بالإدمان، في حين أفاد آخر بأنه "يتحقق من التطبيق طوال الوقت"، وأكثر من الوقت الذي يقضيه في قيادة السيارة أحياناً.
ألعاب تعزيز الكفاءة
من ناحية أخرى، ركّز بعض السائقين على زيادة دخلهم بدلاً من التركيز على رضا العملاء. قال أحدهم: "أنا لا أسعى إلى إقامة علاقات شخصية مع الركاب، فهذه سيارة أجرة، ومهمتي نقل الركاب إلى وجهاتهم فقط لأكمل أعمالي بعد ذلك".
رفض هؤلاء السائقون طلبات الركاب للتوقف لتناول الطعام في الطريق، وامتنعوا عن مساعدتهم في تفريغ أمتعتهم، وتجنبوا المشاركة في محادثات مطولة، وآثروا بدلاً من ذلك كسب أكبر قدر من المال في أقصر وقت ممكن. قال أحدهم: "إذا دخل شخص ما السيارة وقال: مرحباً، هل تمانع في أن نتوقف عند مطعم وجبات سريعة في أثناء الرحلة؟ فأقول: بالتأكيد لا، لن أتوقف عنده. فيُجيب: لكن السائقين الآخرين يلبّون لي هذا الطلب. فأقول: إذا كان السائقون الآخرون لا يمانعون الانتظار مدة 15 أو 20 دقيقة في الطابور، فهذا خيارهم. أما بالنسبة لي، فهذه الرحلة غير مجدية، كما أن رائحة الطعام ستملأ السيارة عندما تتناوله داخلها".
على الرغم من تعبير هؤلاء السائقين عموماً عن استيائهم وسخريتهم من تجربتهم في العمل مقارنة بأقرانهم الذين يركزون على رضا العملاء، تمثَّل حافزهم للمشاركة في ألعاب العمل في تحسين أرباحهم بدلاً من بناء العلاقات مع العملاء.
ووصف هؤلاء السائقون أنفسهم بأنهم بارعون وأذكياء جداً في اختيار الرحلات المربحة من خلال رفض الرحلات غير المجدية، أو تجاهل الإشعارات التي تشير إلى زيادات مؤقتة في أسعار الرحلات؛ كما أنهم سخروا من المكافآت غير المالية التي تقدمها التطبيقات، حيث علّق أحد السائقين في إشارة إلى الشارات التي تمنحها أوبر للتقييمات العالية قائلاً: "أعطني مكافآت مالية بدلاً من هذه الشارات العديمة الجدوى".
إن عدم تتبع السائقين للزيادات المؤقتة في أسعار الرحلات لا يعني بالضرورة أنهم جنوا أرباحاً أقل.
في الواقع، أفاد أحد السائقين في مقابلة شخصية بأن عمله سائقاً في تطبيقات خدمات توصيل الركاب كان "أكثر تعقيداً من عمله سائقاً على سيارة أجرة" بسبب الأساليب التي استخدمها لزيادة أرباحه، مثل تحليل الظروف المحلية، ودراسة أنماط حركة المرور، والاحتفاظ بسجل لرحلاته وإيراداته المكتسبة، واعتماد استراتيجيات مدروسة مثل تعمّد القيادة حول أحياء ثرية في الصباح الباكر لزيادة فرصه في توصيل الركاب إلى المطارات بأرباح مرتفعة.
بعبارة أخرى، قد يكون هؤلاء السائقين الذين تحفزهم المكافآت المالية أقل اهتماماً بالحصول على تقييمات عالية من العملاء، لكنهم ما زالوا يستخدمون استراتيجيات مُحكمة لتجاوز الخوارزميات وزيادة إيراداتهم.
من المهم أن نلاحظ أيضاً أن العمل المستقل لا يزال شكلاً جديداً من أشكال العمل، والبحوث التي تستكشفه تزداد يوماً بعد يوم.
كان حجم عيّنة دراستي صغيراً نسبياً نظراً للصعوبات التي واجهتها في جذب أشخاص لإجراء مقابلات شخصية إضافة إلى تحديات لوجستية أخرى، (أكثر من 200 مقابلة وسجلات للركاب، وهو عدد كبير بالنسبة لدراسة نوعية، لكنه قليل بالنسبة لدراسة كمية). وكان السائقون أغلبهم من الذكور ومن أصحاب البشرة الملونة، وكان البحث مقتصراً على منطقة أميركا الشمالية.
ومن المهم إجراء بحوث مستقبلية للتحقق من قابلية تطبيق هذه النتائج على تركيبات سكانية ومواقع جغرافية أخرى تختلف من حيث القوانين والأعراف الاجتماعية، وعلى أشكال أخرى من العمل المستقل أيضاً خلاف خدمات توصيل الركاب.
لم أتمكن من تفسير سبب اختيار العاملين التفاعل مع ألعاب التطبيقات (أو عدم التفاعل معها على الإطلاق) بسبب القيود في تصميم الدراسة.
ولم أتمكن من الكشف في تحليلي عن أي علاقة واضحة بين السبب الأولي الذي جعل شخصاً ما يصبح سائقاً (سواء انجذب إلى وظيفة خدمات توصيل الركاب بسبب فرص العمل أم اضطر إليها بسبب الضرورة المالية أو عوامل أخرى) أو خصائصه الديموغرافية ومدى اهتمامه ببناء علاقات إيجابية مع العملاء أو زيادة مقدار صافي إيراداته.
لكن من الواضح أن التفاعل مع الألعاب في هذه التطبيقات كان ضرورياً لاستمرارهم في تسجيل الدخول إليها.
الدروس المستفادة للعاملين المستقلين ومدراء شركات الوساطة الإلكترونية وصنّاع السياسات
تقدم هذه النتائج دروساً عملية ومهمة للعاملين وشركات الوساطة الإلكترونية وصناع السياسات على حد سواء، بغض النظر عن دوافع اختيار الفرد للعمل المستقل. ومن المهم بصفتك عاملاً مستقلاً (أو شخصاً يفكر في العمل المستقل) أن تراجع الأسباب التي دفعتك إلى اختيار العمل المستقل وأن تدرك أن تصميم العمل قد يؤثر في دوافعك وتجاربك.
كان السائقون الذين تفاعلوا مع الألعاب في تطبيقات العمل (سواء لبناء العلاقات أو لتعزيز الكفاءة) أكثر تفانياً في عملهم، وكانوا يميلون إلى القيادة لفترات زمنية أطول، سواء من حيث عدد الساعات أو عدد الأسابيع، مقارنة بالذين لم يتفاعلوا مع أي لعبة في التطبيق.
ومن الواضح أن هذه النتائج مفيدة لشركات خدمات توصيل الركاب، وعلى الرغم من احتمالية كسب السائقين أجوراً عالية عموماً (ولكن ليس بالساعة ربما)، اشتكوا غالباً من مشكلات صحية، مثل العصبية وإجهاد العين وتشنجات الظهر والإصابات الفطرية الناتجة عن تعرّق القدمين.
وعلى الرغم من تركيز الشركات على جانب المرونة في جداول المواعيد فقط، يشير بحثي إلى أن السائقين يكتسبون إحساساً بالمعنى من اتخاذ قرارات صغيرة والشعور بأنهم ناجحون في عملهم.
لكن من المهم فهم ما يعنيه "النجاح" بالفعل، إذ إن شركات خدمات توصيل الركاب هي التي تحدد شروط العمل وأحكامه.
يعزز التركيز على إدراك المعنى من العمل وأهميته رفاهة العامل بالطبع، لكن من المهم الحذر في الوقت نفسه من الدخول في لعبة يصعب التفوق فيها بسبب الشروط والقيود التي تضعها الشركة والتي قد تكون غير ملائمة أحياناً.
وعلى الرغم من أن تقييمات العملاء أو التفوق على الخوارزمية قد يكونان مصدرين مقبولين لتحفيز العاملين، فقد عبّر الذين ركزوا على التفوق على الخوارزمية عن إحباطهم لشعورهم بأنهم الطرف الخاسر في نظام الإدارة الخوارزمية وعجزهم عن تغيير الأوضاع لصالحهم في النهاية.
وبالمثل، يجب على شركات الوساطة الإلكترونية أن تحدد العناصر في بنيتها التحتية التي تخلق فرصاً للعاملين لإدراك المعنى من أعمالهم وهدفها، وأن تراعي أثر تصميم تطبيقات العمل في تجارب العاملين (إيجاباً أو سلباً).
كانت واجهة المستخدم البينية في اللعبة التي تركز على بناء العلاقات تعرض معلومات مفيدة للعاملين، مثل التقييمات والمراجعات، ما أسهم في تحسين نظرتهم الإيجابية لنظام الإدارة الخوارزمية، ودفعهم إلى تصوّر مستقبل مشرق للعمل المستقل.
(وبالفعل، قال أحد السائقين في منتصف الأربعينيات من عمره إنه لن يتقاعد من العمل سائقاً في خدمات توصيل الركاب حتى يبلغ الستينيات من عمره).
في المقابل، لم تعرض واجهة المستخدم في اللعبة التي تركز على تعزيز الكفاءة معلومات دقيقة للسائقين حول الأجر، ما أسهم في جعل وجهة نظرهم حول نظام الإدارة الخوارزمية سلبية ودفعهم إلى تصوّر مستقبل متشائم للعمل المستقل. (وصف هؤلاء السائقون مستقبلهم بأنه مظلم، واعتبروا أنفسهم متأثرين بالقوى التي وصفها آدم سميث في نظريته بـ "اليد الخفية").
وبالنظر إلى هذا الدور المهم لألعاب العمل في تشجيع العمال على المشاركة، يجب على مدراء شركات الوساطة الإلكترونية الحد من عدم تناسق المعلومات بتصميم أنظمتهم بطريقة توفر مزيداً من المعلومات لهم حول كيفية تحديد الأجور وكيفية عمل الخوارزميات.
وأخيراً، يجب أن يدرك صنّاع السياسات أن العمل المستقل لن يندثر؛ ويُعد القرار الأخير الذي أصدرته وزارة العمل، المتمثل في اعتبار العاملين المستقلين موظفين دائمين لا متعاقدين مؤقتين بداية جيدة، لكن تبقى هناك حاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات والقوانين.
وبالتالي، يجب على الحكومات ابتكار وسائل جديدة لتنظيم هذه الوظائف غير التقليدية تضمن حماية العاملين، وتمكنهم من جني الفوائد والإحساس بالهدف، وتجنبهم العديد من المزالق التي قد تحدث في العمل المستقل.
قد يتيح العمل المستقل فرصة خلق قيمة كبيرة وتعزيز تجارب إيجابية دائمة، مثل أي نوع من أنواع العمل، لكنه قد يسبب في الوقت نفسه آثاراً سلبية دائمة. ويجب ألا يُفسّر بحثي بطريقة توحي بأن تجربة العمل المستقل هي إما تجربة إيجابية تماماً وإما سلبية تماماً، بل آمل أن يساعد العاملين وشركات الوساطة الإلكترونية وصناع السياسات على زيادة الأثر الإيجابي للعمل المستقل والحد من جوانبه السلبية من خلال توضيح القوى المؤثرة وتسليط الضوء على مصادر المعنى والقيم التي يستحضرها هذا النوع من الأعمال.