ملخص: أشار بحث أُجري على بيانات مقدمة من 122 شركة في قطاعات الإعلان والنشر الرقمي والبرمجيات (وهي قطاعات تتصف بغموض النتائج) إلى أن صناعة القرارات المستندة إلى البيانات يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية في ظل ظروف يسودها الغموض. وعلى العكس من ذلك، فقد أظهر البحث أن الاعتماد على الاستدلال والحدس يكون غالباً أفضل من حيث سرعة صناعة القرارات ودقتها؛ فتضمين التحليل في عملية صناعة القرار لم يؤدِّ إلى أي تحسُّن ملموس في الدقة مع تسببه في تقليل السرعة بشكل كبير.
غالباً ما يُنظر إلى صناعة القرارات المستندة إلى البيانات على أنها المعيار الذهبي في الإدارة الحديثة. وهذا لسبب وجيه؛ إذ إن الكم الهائل من البيانات المتاحة والتقدم السريع في علم البيانات يتيح للمدراء معرفة المزيد عن أعمالهم. ويجب أن تؤدي هذه المعرفة، إذا تم استخدامها بشكل جيد، إلى صناعة قرارات أفضل بشأن كل جانب من جوانب العمل.
صناعة القرارات المستندة إلى البيانات
ربما هذا هو السبب في أن معظم الشركات تتسابق لبناء قدرات تحليلية لتحقيق أقصى استفادة من هذه الوفرة غير المسبوقة في البيانات. على سبيل المثال، أظهرت دراسة استقصائية أجريت مؤخراً على شركات مدرجة في قائمة "فورتشن 1000" أن 91.9% من الشركات أفادت بزيادة الاستثمار في المبادرات المتعلقة بالبيانات.
إمكانات البيانات الضخمة لا جدال فيها، ولكن هل هي الحل السحري في جميع حالات صناعة القرار؟ بعبارة أخرى، هل يمكن أن يأتي التركيز القوي على البيانات والتحليلات بنتائج عكسية في ظل ظروف معينة؟ استكشفنا ذلك في بحثنا الأخير.
كان حدسنا هو أن صناعة القرارات المستندة إلى البيانات يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية في ظل حالة الغموض الشديدة. ففي مثل هذه الحالات، سيكون جمع بيانات موثوقة أمراً صعباً للغاية، وقد يكون مستحيلاً في بعض الأحيان. قد يفسر هذا سبب عدم تمكن 12 ناشراً من رؤية ما تحمله رواية "هاري بوتر وحَجر الفيلسوف" (Harry Potter and the Philosopher Stone) من إمكانات قبل أن تقبل دار النشر "بلومزبري ببليشينغ" (Bloomsbury Publishing) أن تنشر طبعة أولى مكونة من 500 نسخة. كان الكتاب إبداعياً للغاية لدرجة أنه لم تكن هناك بيانات سابقة متاحة لتقييم إمكاناته بدقة.
لاختبار حدسنا، جمعنا بيانات من 122 شركة في القطاعات الإبداعية (الإعلان والنشر الرقمي والبرمجيات) حول أحدث مشاريعها الابتكارية. وقد اخترنا القطاعات الإبداعية لأن لديها مستويات عالية من الغموض بشأن ردود فعل العملاء، إضافة إلى التنوع اللامتناهي في المنتجات الجديدة المحتملة وتعديلات المنتجات. ولهذا السبب نفسه ركزنا على القرارات المتعلقة بفحص الابتكارات؛ أي القرارات المتعلقة باختيار المشاريع الابتكارية التي يجب مواصلة العمل عليها لتطويرها. تتصف هذه القرارات بدرجة عالية من الغموض؛ فغالباً ما يفتقر المدراء إلى ما يكفي من البيانات السابقة التي ستمكنهم من التنبؤ بردود فعل العملاء بدقة وإمكانات السوق والجدوى والمخاطر. وحتى لو كانت لديهم مثل هذه البيانات، فسيكون التخمين صعباً للغاية في كثير من الأحيان، بل وحتى قد يكون مضللاً أيضاً في بعض الأحيان.
طلبنا من المدراء في هذه الشركات التفكير في أحدث مشاريعهم الابتكارية التي كانوا بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن فحصها، وأدرجنا أسئلة لفهم كيفية اتخاذهم لهذا القرار. تناولت الأسئلة، على وجه التحديد، مدى اعتمادهم على التحليل (أي اختيار الخيار الذي ثَبُت أنه الأفضل بناءً على تحليل البيانات)، والحدس (أي اختيار الخيار باتباع الحدس)، ومجموعة من الاستدلالات المعروفة (أي استراتيجيات عملية لصناعة القرارات بشكل أسرع وأبسط). تضمنت هذه الاستدلالات: "الفرز" (اختيار الخيار الذي يحتوي على أكبر عدد من النقاط المفضلة)، و"الخبرة" (اختيار الخيار الذي يريده الشخص الأكثر خبرة في الفريق) و"الأغلبية" (اختيار الخيار الذي يريده معظم الأشخاص)، من بين عدة جوانب أخرى. بعد ذلك، طلبنا من المدراء توضيح ما إذا كانوا يعتقدون أنهم اتخذوا القرار الصحيح (دقة اتخاذ القرار المتصورة) ومدى سرعتهم في صناعة القرار (سرعة صناعة القرار المتصورة).
نتائج الدراسة
أظهرت النتائج في البداية أن المدراء في عينة بحثنا لم يعتمدوا على التحليل أكثر من اعتمادهم على حدسهم أو بعض الاستدلالات البسيطة، وهو ما أثار دهشتنا نظراً إلى الاهتمام الكبير بالبيانات الضخمة. وكان الفرز هو الاستدلال الأكثر استخداماً من التحليل والحدس.
وجدنا أيضاً أن الاعتماد على التحليل ليس بالضرورة الطريقة المثالية للاختيار ما بين المشاريع الابتكارية. ففي حين أن القرارات المستندة إلى تحليل البيانات أدت إلى صناعة القرارات بمستوى جيد من الدقة، إلا أن العملية كانت بطيئة. فالمدراء الذين اعتمدوا على حدسهم، إلى جانب بعض الاستدلالات البسيطة، اتخذوا قرارات كانت بنفس الدقة ولكن بسرعة أكبر. وهذا يعني أن الاعتماد على الاستدلال والحدس كان أفضل من حيث سرعة صناعة القرارات ودقتها؛ إذ لم يؤدِّ تضمين التحليل في عملية صناعة القرار إلى أي تحسُّن ملموس في الدقة مع تسببه في تقليل السرعة بشكل كبير.
ملاحظة تحذيرية للمدراء الذين يفكرون في الإقدام على اتخاذ القرارات المتعلقة بالابتكارات بالاستناد إلى الحدس: قد تعتمد فعالية حدسهم على الخبرة السابقة. يشير بحث سابق إلى أن فعالية الحدس مقارنة بالتحليل تتوقف على المعرفة بالمجال؛ إذ من المرجح أن يتخذ الخبراء في مجال ما قرارات أفضل. لذلك قد يكون من الأفضل للمدراء الذين لديهم خبرة محدودة في المجال الكف عن الاعتماد الشديد على الحدس. وتشير نتائجنا إلى أن الاعتماد على الاستدلال بشكل أساسي يُعد بديلاً مجدياً أيضاً.
في المرة القادمة التي تواجه فيها قراراً إدارياً يشوبه الغموض، ضع في اعتبارك أن البيانات قد لا تكون الأساس الوحيد لاتخاذ القرار. إذ يمكن أن يؤدي اتباع حدسك بدلاً من الاعتماد على القرارات المستندة إلى البيانات، إضافة إلى بعض الاستدلالات البسيطة، إلى اتخاذ القرارات بشكل أسرع، وقد تكون دقيقة أيضاً، خاصة إذا اتخذها مَن يمتلكون الخبرة المطلوبة.