موظفوك يتمتعون بكل القدرات الإبداعية التي تحتاجها فامنحهم الفرصة لإثباتها

5 دقائق

إذا كان بوسع فريقك التوصل إلى أكثر من مائة فكرة إبداعية جديدة، تتراوح من سبل توسيع نطاق الأسواق المربحة إلى سبل تحسين الصحة العامة للموظفين وتقليل تكاليف التأمين العلاجي، فهل كنت ستطلب منهم هذه الأفكار؟ ماذا لو أن جميع هذه الأفكار يمكن، فعلياً، تطبيقها وكان من شأنها التأثير إيجاباً على النتائج المالية للشركة مقابل تكلفة بخسة لا تتعدى، مثلاً، مليونَي دولار؟ أليس هذا ما تريده جميع فِرق الإدارة؟ هو ما تريده قطعاً.

تنطوي القدرات الإبداعية على أهمية لا تخطؤها العين، لكن ما أفضل السبل الكفيلة بتعزيزها؟ يعتبر إيجاد هذه القدرات، في حد ذاته، فعلاً إبداعياً. بيد أن معظم القادة يحاولون تحديد نطاق القدرات الإبداعية بتحديد مسار الإبداع (الأشخاص الذين ينبغي أن يساهموا وكيفية مساهمتهم) بدلاً من تحديد الهدف ومطالبة الجميع بالمساهمة.

وتبرهن الهياكل الحالية للوظائف على هذا الأمر. وقد صنّف بحث "الطبقة المبدعة" الذي ألّفه ريتشارد فلوريدا الوظائف إلى وظائف تتطلب التقييم المستقل للأمور ووظائف تتطلب اتخاذ القرارات ووظائف تتطلب استحداث أفكار، وتوصل إلى أن حوالي 60% من الوظائف في الولايات المتحدة (77% في شتى أنحاء العالم) تتطلب القليل - أو لا تتطلب شيئاً - من هذه الأفعال الإبداعية. ولا يعني هذا أن 60% من الموظفين الأميركيين غير مبدعين، بل يعني بالأحرى أن قدراتهم الإبداعية لا يستفاد منها. ومن الصعب، بالنسبة إلى الكثير من القادة، رؤية الموظف بصفته مساهماً إبداعياً محتملاً. وقد أخبرني المسؤولون التنفيذيون في إحدى الشركات التي عملت معها أنهم كانوا يعتقدون أن إفساح المجال للإمكانيات الإبداعية لجميع الموظفين يمكن أن يكون مدعاة للفوضى.

وإليكم الطريقة التي تغلبوا بها على مصدر القلق هذا:  إذ حققت الشركة مكاسب غير متوقعة بلغت مليوني دولار، أراد مدراء الشركة تخصيصها بصورة تناسبية للميزانيات القائمة، مثلما هو الحال في نهج مكافأة جميع أقسام المؤسسة بالقدر الضئيل نفسه، أو تخصيصها على أساس تفضيلي للمشاريع التي يُنظر إليها باعتبارها ذات أهمية بالغة بالفعل لمستقبل الشركة. واقترحت إجراء بديلاً، بصفتي استشاري الشركة في شؤون الابتكار، يتمثل في إنشاء "هاكاثون" (hack-a-thon)، وهو فعالية تقوم الفِرق المشارِكة فيها بتطوير حلول لمشكلة محددة، أو إنشاء "آيدياثون" (idea-a-thon)، حيث نطلب من جميع الموظفين تقريباً في الشركة طرح فكرة جديدة وإطلاع الإدارة على سبل جدواها.

وقد اعتقد فريق القيادة، في البداية، أن النتيجة الوحيدة التي ستترتب على هذا النهج ستكون فوضى عارمة. وبدا أنهم كانوا يعتقدون أنهم يعرفون مسبقاً الأشخاص الذين يمكن - أو ينبغي - أن يتحلوا بالقدرات الإبداعية، وما هي الفرص الاستراتيجية الممكنة. وكان المسار المحدد، بالنسبة إليهم، أكثر كفاءة بكثير. ومن شأن إفساح المجال للجميع، من وجهة نظرهم، أن يقود إلى الكثير من الطرق المسدودة ويكلف الشركة الوقت الذي يقضيه الجميع في النقاش. وكانت مهمتي تتمثل في إقناعهم بعكس ذلك،

حيث أرسلنا رسالة بريد إلكتروني على مستوى الشركة نوضح فيها أننا نحمل فرصة سانحة للاستثمار في أشياء جديدة، وأردنا أن نعرف طبيعة الأفكار التي سيطرحها الجميع حيال إصلاح هذه الأشياء أو إنتاجها أو حلها، وكان علينا أن نتصرف بسرعة. وقد طلبنا ثلاثة أشياء في غضون ثلاثة أسابيع. أولاً، طلبنا من الأشخاص تشكيل فِرق، وحيث إن التعاون يعزز الابتكار، فقد طلبنا من الموظفين التضافر معاً لتقديم الأفكار. وقد تفادينا بذلك تلقي 38 مقترحاً تكاد أن تماثل بعضها البعض وجعلنا الأفكار ذات الصلة أقوى. ومن ثم، أخبرناهم بوضع خطة. إذ يمكن أن تكون الأفكار مصدراً لتحقيق الإيرادات أو النمو في السوق أو تقليل التكاليف، لكن الأمر يعود إلى الفريق لتحديد كيفية تحديد حجمها. وقد طلبنا من محللي الأعمال المنتشرين في مختلف أنحاء المؤسسة تكريس وقتهم للمساعدة حيثما تسنى لهم ذلك، إذا طُلبت منهم المساعدة. وأردنا من الفِرق، بدلاً من إسناد الأدوار، أن تختار استخدام الموارد. وأخيراً، كان على الفِرق أن تخبرنا عن سبب أهمية الفكرة التي يطرحونها بالنسبة إلى الشركة.

وقدّم الموظفون عروضهم التقديمية فريقاً تلو الآخر. ولم يترتب على العملية أي فوضى. وانبثق الإبداع من أكثر الأماكن التي لم تكن تخطر على البال.

فمثلاً، إحدى الموظفات في قسم أبحاث السوق، كانت تتسم بالتحفظ في الكلام، ودائماً ما ترتدي قميصاً أبيض وبنطالاً خاكي اللون وتتميز بتسريحة شعرها الرخيصة، وعادةً ما تراها تتأبط مجموعة من المجلدات، اقترحت إحداث تغيير جذري في خدمة الكافتيريا. ولم يكن الكثير من زملائها ينظرون إليها باعتبارها من النوع المبدع من الموظفين، لكن دون علم أحد منهم تقريباً، فقد كانت خبيرة بالطعام، حيث تشاهد تقريباً جميع حلقات برامج "توب شيف" (Top Chef) و"غوود إيتس" (Good Eats) والبرامج التي تقدمها خبيرة الطهي، ثمین نصرت، من إنتاج شركة "نتفليكس". وقد كانت تحب إعداد وصفات جديدة كل ليلة وتقديم وجبات صحية ولذيذة لعائلتها. وبعد إطلاق مبادرتنا، وجدت أشخاصاً آخرين لديهم هذه الهواية ذاتها، ومعاً ذهبوا إلى الفريق الميداني المعني بخدمة الطعام وسألوا عما إذا كان بوسعهم إجراء تجربة أو تجربتين في هذا الصدد. وتمثل اقتراحهم الأول في قلب تصميم الكافتيريا بحيث يتم تقديم الأطعمة الصحية قبل الأطعمة الأخرى الصحية بدرجة أقل. وفي البداية، ساور الفريق المعني بخدمة الطعام القلق حيال الربح من هذه العملية - إذ إن المعكرونة أرخص سعراً وتبقى صالحة لفترة طويلة، في حين أن الفواكه الطازجة أعلى سعراً بكثير وسريعة التلف - لكنهم سرعان ما رأوا أن التغييرات أضفت تحسناً في خدمة الطعام دون تكبّد تكاليف كثيرة.

كما اقترح موظف آخر - مستلهماً اقتراحه من مخاوف صحية حديثة - وضع علامات بالقرب من المصاعد لتشجيع استخدام الدرج في وقت تناول الغداء. ومن شأن هذه الأفكار الإبداعية مجتمعة أن تقلل المبالغ التي تدفعها الشركة على التأمين الصحي بنحو 20%، دون إنفاق أموال إضافية. وهذان الاقتراحان ليسا سوى مثالين من الأفكار العديدة التي حُظيت بالتنفيذ نتيجة لمبادرة "آيديا أثون".

وقد مثّلت نتائج المبادرة مفاجأة حقيقية لكبار المدراء التنفيذيين الذين كانوا بالفعل يتحلون بالكفاءة، بل والتمويل لإحداث تغيير هائل وملموس. وعلى الأرجح أن الحال نفسه ينطبق على مؤسستك. لكن كيف يمكنك اقتحام هذا الأمر، على غرار الشركة التي وصفتها؟ إذ إن معظم القادة تم تدريبهم على التركيز على دائرة محدودة بدلاً من توسيع مدارها لتشمل الجميع. ويتطلب التحول من عقلية إلى عقلية أخرى إعادة تقييم ثلاث خرافات بشأن القدرات الإبداعية:

الخرافة رقم 1: ليس بوسع الجميع أن يكونوا مبدعين.

يعتقد الكثيرون أن الإبداع يتطلب خبرة فنية عميقة، أو أنه يتعين عليك توظيف الأشخاص المناسبين. إذ تغربل هذه العملية الأشخاص الذين توجد حاجة إلى الرؤى الجديدة التي يتمتعون بها - والتي لا يتمتع بها سواهم - وتحِد من نطاق النتائج. ويجدر بك إزالة حواجز الأدوار الوظيفية والشهادات والمؤهلات بطرح سؤال على الجميع مفاده: "ما الأمور التي قد تود تغييرها نحو الأفضل؟".

الخرافة رقم 2:  الإجراءات تقتل الإبداع.

ينظر الكثيرون إلى الإجراءات باعتبارها تحِد من القدرات الإبداعية. وهذا صحيح فقط إذا كانت هذه الإجراءات يعتريها خلل. ومن شأن الإجراءات السليمة أن تعمل بصفتها حواجز لتوضيح الأهداف (الإطار الزمني والموارد المتوفرة والنتائج المتوخاة)، بيد أنها تترك مسألة "الكيفية" مفتوحة. وتتيح قدرة المرء على توجيه عمله للفِرق تبادل المسؤولية والتنظيم الذاتي والتوصل إلى أفكار والتعاون فيما بينها.

الخرافة رقم 3: المكافآت المالية تدفع الإبداع.

لطالما اعتقد الكثيرون أنه يتعين علينا مكافأة الإبداع مالياً لدفع المبدعين إلى المزيد من الإبداع. وفي حين أن المال ضروري، إلا أنه لا يشكل حافزاً لأفضل الأشخاص ولا يدفع للحصول على أفضل ما لدى الأشخاص. ويعتبر إيجاد هدف وتحقيقه حاجة إنسانية أساسية بدرجة أكبر من صفته عاملاً محفزاً. وبالتفكير مجدداً في تلك الموظفة، فإن قدرتها على الاستفادة من شغفها بالطعام وتغيير الكافتيريا كان يشكل مكافأة كافية بالنسبة إليها.

يتعين على القادة التخلص من هذه الخرافات وتبديدها وإزالة الحواجز التي تحول دون إظهار القدرات الإبداعية والتحلي، بدلاً من ذلك، بالإيمان في القدرات الأساسية لموظفيهم.

إذ إنه عندما نتيح للموظفين المساهمة بأفكارهم وطاقاتهم في العمل، فإن الشركات تستفيد على المديين القريب والبعيد على حد سواء. وتشير وزارة التعليم بالولايات المتحدة والمنتدى الاقتصادي العالمي وشركة "بلومبرغ" إلى أن الوظائف في المستقبل (التي ستظل موجودة بعد أن تسيطر الروبوتات والذكاء الاصطناعي على المشهد) ستتطلب جميعاً "مهارات الحلول الإبداعية للمشكلات". وإذا كنا سنقوم بعمل أكثر جدوى، أو نقوم بعمل من الأساس، يجب علينا معالجة هذه الفجوة بين ما نقدّره - وهو الإبداع - وبين ما نعززه.

لذا، يتعين علينا البدء في النظر إلى الإبداع باعتباره قدرة يتحلى بها جميع الأشخاص. إذ إن الأفكار لا تأتي من المهارات المتخصصة أو بسبب أساليب الترغيب والترهيب، بل يتمثل منبعها في الابتكار والبراعة والفطرة. وبالتالي، فالإبداع ليس أمراً يقوم به القليل منّا فحسب، أو يوجد في مناصب بعينها، أو تفعله بعض الأقسام الوظيفية مثل الهندسة أو التسويق، بل إن كل شخص منّا يتمتع بمنظور يخصه وحده يتعين إطلاق العنان له. ويمكن القيام بذلك عن طريق استخدام عملية تتيح للأشخاص التماس حلولهم واستراتيجياتهم الخاصة الفعالة. لذا، شجّع الموظفين على إضفاء كامل هويتهم الشخصية على العمل، وليكن في علمك أن أي شغف غير تقليدي أو هواية غريبة يمكن أن تكون مصدر إلهام لأفكار جديدة. وبصرف النظر عن موقعك على السلّم الوظيفي، يمكنك أن تجد لقدراتك الإبداعية موطأ قدم في العمل، بما في ذلك العثور على سبل جديدة للاستفادة من قدرات الآخرين الإبداعية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي