الأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب هم قادة أكفاء

4 دقيقة
قادة أكفاء
shutterstock.com/Harish Marnad

أجرى فرانسيس فلين وهو أستاذ كرسي بول هولدن لمادة السلوك التنظيمي في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد اختباراً نفسياً قياسياً لتحديد الميل إلى الشعور بالذنب على نحو 150 موظفاً في القسم المالي لشركة مصنفة في قائمة فورتشن 500 (Fortune 500)، ثم قارن نتائج الاختبار مع مراجعات الأداء الخاصة بهم. ولاحظ أن الموظفين الأكثر شعوراً بالذنب تلقوا من رؤسائهم تقييمات أعلى من حيث الأداء، وأظهرت الدراسات ذات الصلة أيضاً أنهم أكثر التزاماً تجاه مؤسساتهم، كما أن أقرانهم ينظرون إليهم على أنهم قادة أقوى. الخلاصة: الأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب هم قادة أكفاء.

أستاذ فلين، دافع عن بحثك العلمي

فلين: من وجهة نظر باحث، تبدو العلاقة الترابطية مذهلة. فثمة "مسافة" كبيرة تفصل بين اختبار توسكا (TOSCA) (اختبار تأثير الوعي الذاتي المستخدم في تقييم الميل للشعور بالذنب) وقياس الأداء، إنهما مستقلان تماماً عن بعضهما. غير أن البحث الذي أجريته بالتعاون مع زميلتي، ريبيكا شومبيرغ، يشير إلى صلة واضحة بين الشعور بالذنب والأداء. ولا يقتصر الأمر على هذا، ففي دراسة لاحقة وجدنا أن مستوى الشعور بالذنب يتناسب طرداً مع مستوى الالتزام؛ فمن يميلون إلى الشعور بالذنب عملوا بجدّ أكبر، كما كانوا أقدر على الارتقاء بالمؤسسة بالمقارنة مع غيرهم. ومن النتائج المفاجئة أن الأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب من غيرهم كانوا أكثر تقبّلاً لعمليات التسريح واستعداداً لتنفيذها.

لماذا يُعد الشعور بالذنب جيداً في الواقع?

قد يكون الموظفون الذين يميلون إلى الشعور بالذنب أفضل من العناصر التي حظيت بها مؤسستك يوماً، وقد كشفت دراسات فلين أن الأشخاص المعرضين للشعور بالذنب هم أكثر ميلاً من غيرهم إلى أن يكونوا:

  • موظفين مُجتهدين
  • قادة أفضل
  • أكثر إيثاراً واستعداداً لمساعدة الآخرين
  • أفضل أداءً
  • أكثر التزاماً بالمؤسسات التي يعملون بها
  • أكثر قدرة على رؤية الصورة الكاملة

هارفارد بزنس ريفيو: ألن يكون شعور هؤلاء الأشخاص بالذنب تجاه فقدان الآخرين وظائفهم شديداً لدرجة تؤثر في قدرتهم على إدارة عمليات التسريح؟

لا أقول إنهم لا يشعرون بالذنب تجاه تسريح الموظفين، ولكن يشعرون بأن عليهم دعم مؤسستهم فيتقبّلون عمليات التسريح هذه بوصفها وسيلة لخفض التكاليف، ويشعرون بأن من واجبهم أن يكونوا "جنوداً مخلصين"؛ وإذا كان هذا يقتضي تسريح عدد قليل من الموظفين لحماية مصالح عدد كبير من الموظفين الآخرين، فهم مستعدون لتنفيذ هذه المهمة. باختصار، هم يراعون الأهداف العامة للشركة أكثر من غيرهم ويستطيعون رؤية الصورة الكلية.

إذاً، فالأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب هم أصحاب الأداء المتميز الذين يعملون بجد ويؤمنون بالمؤسسة ويستطيعون رؤية الصورة الكلية؛ بعبارة أخرى، إنهم يحملون صفات القادة.

بالضبط. في دراسة أخرى، طلبنا من نحو 200 طالب في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال إجراء اختبار توسكا، وطلبنا من زملائهم السابقين تقييمهم من حيث السلوكيات القيادية مثل القدرة على قيادة الفِرق، وأشارت النتائج إلى أن الطلاب الأكثر شعوراً بالذنب حصلوا على تقييمات بأنهم قادة أفضل. وجهة النظر التي توصلنا إليها هي أن الشعور بالذنب يحفز لدى الفرد شعوراً بالمسؤولية تجاه أفعاله، لكنني أتساءل: هل الشعور بالذنب يجعل الناس قادة أفضل، في حين يجعلهم في الوقت نفسه ينفرون من تولي مناصب قيادية بسبب هذا الشعور بالمسؤولية؟ لا نعرف هذا بعد.

ما الغاية من دراسة الشعور بالذنب؟

سألت نفسي: "ما الصفات المميزة غير البديهية التي تجعل الشخص موظفاً جيداً؟" لقد أشبعنا الميزات المُتَوَقعة والبديهية بحثاً ودراسة، ويعلم الجميع أن من يمتلكون ضميراً حياً هم موظفون جيدون، لكن هل يمكننا أن نفترض أن الشعور بالذنب جزء من التركيبة السرية للموظف المثالي؟ من المرجح أن هذا لن يحدث.

هل خضع الشعور بالذنب إلى دراسات واسعة النطاق؟

في علم النفس، نعم. غير أنه غائب على نحو ملحوظ في الأبحاث المتعلقة بالمؤسسات، وهو أمر مفاجئ، لأن المؤسسات تضع توقعات عالية المستوى للأداء ولكننا لا ندرس رد الفعل العاطفي لدى الموظفين الذين يفشلون في تلبية هذه التوقعات. يبدو هذا الأمر رقابة حقيقية، ومن المحتمل أن باحثون كثيرون في مجال المؤسسات يفترضون ببساطة أن الشعور بالذنب لا يمكن أن يكون عنصراً بنّاءً.

إذا بدأت المؤسسات تثير الشعور بالذنب في نفوس موظفيها، فهل ستحصل في نهاية المطاف على موظفين أكثر ولاءً وجدية في العمل؟

قد تؤدي إثارة الشعور بالذنب إلى أثر عكسي أحياناً لأنها تثير الاستياء، لكنها قد تكون فعالة للغاية أيضاً؛ وإلا لما لجأت الأمهات إليها مع أبنائهن. هذا لا يعني أن على المدراء أن يثيروا الشعور بالذنب عمداً لدى موظفيهم، أو أن هذا النهج ناجع على المدى البعيد؛ فمن الأمور التي لم نذكرها أنه على الرغم من فوائد الشعور بالذنب فمن المحتمل أن تكون له تكاليف أيضاً.

ما التكاليف؟

في الواقع، لم نعثر على التكاليف التي كنا نتوقعها، خطرت لنا فكرة أنهم يعملون بجد ربما أن مستوى الرضا الوظيفي لديهم منخفض، لكن هذا لم يكن صحيحاً. ففكرنا أن مستوى التوتر لديهم أعلى، ولكنه لم يكن كذلك. يبدو أن الأشخاص المعرضين للشعور بالذنب بارعون في تخفيف مشاعرهم السلبية، لكننا ما نزال نعتقد أنه ثمة تكاليف محتملة مرتبطة بالشعور بالذنب. علينا فقط استكشاف المساوئ المحتملة الأخرى، وقد تتمثل إحدى الطرق في النظر خارج إطار العمل: يعمل الأشخاص المعرضون للشعور بالذنب بجدّ، لكن هل يمتد هذا الالتزام إلى حياتهم الشخصية فيقلل قدرتهم على الاسترخاء في المنزل؟

عاملون مجدّون. قادة رائعون. لا يشعرون بالتوتر. قادرون على إدارة مشاعرهم. يبدو أن الأشخاص المعرضين للشعور بالذنب يحملون مواصفات المواطن المثالي!

إضافة إلى ما سبق، قد يكونون أكثر إيثاراً أيضاً، فقد لاحظنا ترابطاً واضحاً بين الميل إلى الذنب والسلوك الإيثاري؛ الأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب يميلون إلى تقديم إسهامات خيرية ومساعدة الزملاء عند الحاجة، ويبدو أنه ثمة صلة بين الشعور بالذنب والسلوك الاجتماعي الإيجابي.

نشأنا كلانا على القيم الدينية التقليدية، فلماذا لم نصل حتى الآن إلى مناصب قيادية في إدارة شركات كبرى ومؤسسات خيرية مهمة حتى الآن؟

لقد تعمدنا استبعاد الجانب الديني في هذا البحث، فنحن لا نمتلك أي أدلة تجريبية على وجود صلة بين الشعور بالذنب واعتناق توجهات دينية معينة.

ما الأمور الأخرى التي ترغب في دراستها بخصوص الشعور بالذنب؟

حالياً، ندرس الشعور بالذنب والميل إلى التغيب عن العمل. لنأخذ قطاع تجارة التجزئة مثالاً، فانخفاض الشعور بالذنب قد يمثل مؤشراً جيداً على ميل الموظفين إلى التغيب عن العمل من أجل ممارسة نشاط ترفيهي، وفي المقابل قد يفضل الأشخاص الأكثر شعوراً بالذنب الحضور إلى العمل مهما كان الثمن، حتى لو كانوا مرضى. نحن مهتمون أيضاً بالطرق التي يتبعها الأفراد للتوفيق بين أكثر من سبب للشعور بالذنب: فماذا سيحدث عندما يشعر مدير ما بأنه مضطر إلى البقاء حتى وقت متأخر للتأكد من إنجاز مشروع مهم في المهلة المحددة، لكنه يشعر أيضاً بأنه ملزم بالعودة إلى المنزل وقضاء المزيد من الوقت مع أطفاله؟

استقصاء توسكا مصمَّم بحيث يصعب على المشاركين معرفة الهدف الحقيقي منه، لذا لم يعرف الموظفون الماليون الذين أجريت عليهم هذا الاختبار ما كنت تدرسه بالضبط. قل لي بصدق: ألم تشعر بشيء من الذنب تجاه هذا الأمر؟

كنت جالساً مع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في الشركة، وكان يقرأ أسئلة توسكا والحيرة بادية على وجهه، وقال لي: "هل تعتقد فعلاً أن هذا الاختبار قادر على أن يتنبأ بأي شيء فعلياً؟" شعرت بالذنب نوعاً ما لأني رأيت بوضوح أنه كان يعتقد أن الاختبار مضيعة للوقت، كان يحدق بي بريبة وكأنني مجرد أكاديمي سخيف، وقد كنت كذلك بالطبع. لكنه سمح لي بإجراء الاختبار وتوصلنا في نهاية المطاف إلى نتائج مذهلة، ولهذا ليس عليّ أن أشعر بالكثير من الذنب بعد الآن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .