هل الكاريزما الزائدة تجعل القادة يبدون أقل تأثيراً؟

4 دقائق

تقول الحكمة التقليدية أن القادة الأكثر شعبية هم الأفضل. فالقادة أصحاب الكاريزما قادرون على إلهام الآخرين لتقديم أداء أفضل وغرس قدر كبير من الالتزام والثقة والرضا. ونتيجة لذلك، ينظر إليهم مرؤوسوهم على أنهم أكثر تأثيراً من القادة الأقل شعبية.

لكن بحثنا يظهر أنه على الرغم من أهمية التمتع بمستوى معتدل من الكاريزما، قد تمنع الكاريزما الزائدة قدرة القائد على التأثير. أجرينا 3 دراسات، تضمنت هذه الدراسات 800 قائد شركة من أنحاء العالم وحوالي 7,500 من رؤسائهم وأقرانهم ومرؤوسيهم. كان هؤلاء القادة يشغلون مناصب إدارية بمستويات متفاوتة من مشرفين إلى مدراء عامين. ونُشرت هذه الدراسات في "مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (Journal of Personality and Social Psychology).

ما الذي تعنيه الكاريزما؟

من المهم أولاً فهم ما تعنيه الكاريزما. تنص النماذج التقليدية للقيادة الكاريزمية على أن الكاريزما ليست صفة شخصية، بل تراها عين المشاهد فقط. بمعنى آخر، تُنسب الكاريزما إلى أحدهم بدلاً من أن تكون متأصلة في شخصيته.

ولكن الملاحظة التي تقول إن الناس يميلون إلى الاتفاق على تصوراتهم لمستويات الكاريزما التي يتمتع بها الآخرون تشير إلى أن وجود الكاريزما ليس مسألة نسب وحسب، بل قد يكون هذا الاتفاق ناتج عن أساس مبني على الشخصية والذي بنيت عليه هذه التصورات. ولهذا كان الهدف الأول لبحثنا هو إنشاء مقياس للشخصية الكاريزمية.

أعطينا القادة استبيان "هوجان للتطور الوظيفي" (Hogan Development Survey)، وهو قائمة جرد للشخصيات صُممت خصيصاً لتطبيقات العمل، ثم نظرنا إلى الدرجات التي أحرزوها لكل من هذه الاتجاهات الشخصية: اتجاه الشجاعة واتجاه الحيوية والاتجاهات المؤذية والاتجاهات الإبداعية. أحرز القادة أصحاب الكاريزما العالية نقاطاً أعلى لهذه الصفات، والتي انعكست في ثقتهم العالية بأنفسهم والذوق الدرامي والاستعداد لاختبار الحدود والفكر المستنير الواسع.

أجرينا بعد ذلك دراسة لتأكيد أنه يمكن اعتبار مجموعة الصفات هذه مقياساً صحيحاً للشخصية الكاريزمية. باستخدام عينة من 204 من قادة الشركات، وأثبتنا ارتباط الشخصية الكاريزمية بتصورات المرؤوسين للقيادة الكاريزمية. فالقادة أصحاب الشخصيات الكاريزمية العالية وفقاً لاستبيان هوجان، يعتقد مرؤوسوهم أيضاً أنهم ذوو كاريزما عالية. وباستخدام مجموعة بيانات أرشيفية من عام 1998 على عينة من 156 شخصاً، أظهرنا أيضاً أنه يمكن التنبؤ بمستويات الكاريزما وفقاً لاستبيان هوجان من خلال سلوكيات الناس الكاريزمية (أن يكونوا نشيطين مثلاً وحازمين ومثيرين للحماس).

كان هدفنا الثاني البحث في العلاقة بين الشخصية الكاريزمية وتأثير القائد. في الدراسة الثانية، قدّم 306 قادة (65% منهم رجال) تقييماً ذاتياً وفقاً لاستبيان هوجان للتطور الوظيفي لشخصيتهم الكاريزمية، بينما قدم زملاؤهم تقييماً لتأثيرهم العام باستخدام مقياس من 10 نقاط، حيث يمثل الرقم 5 درجة مقبول ويمثل الرقم 10 درجة التميز. وقد بلغ مجموع المشاركين في هذه الدراسة 4,345 زميلاً من زملاء القادة: 666 رئيساً و1659 قريناً و2,020 مرؤوساً. وقيّم 14 شخصاً وسطياً كل قائد من حيث تأثيرهم العام.

توصلنا إلى نتائج تتفق مع توقعاتنا تفيد بأنه مع ازدياد الكاريزما، يزداد أيضاً التأثير المتصور ولكن إلى حد معين فقط. ومع استمرار تزايد درجات الكاريزما إلى ما بعد النسبة المئوية الستين، وهي أعلى بقليل من متوسط الدرجات مقارنة بعموم عينة البالغين العاملين، بدأ التأثير المتصور بالانخفاض. كان هذا الاتجاه متسقاً بين مجموعات المراقبة الثلاث (المرؤوسون والأقران والرؤساء).

طلبنا أيضاً من القادة تقييم تأثيرهم. ومن الظاهر أدناه، كلما كانت كاريزمية القادة أعلى، كان تقييمهم لتأثيرهم أعلى أيضاً. يتماشى هذا التناقض بين التصورات الشخصية وتقييمات المجموعات المراقبة مع بحث آخر يظهر أن القادة الذين يقدرون ذواتهم كثيراً عادة ما يبالغون في تقدير أدائهم وفقاً لعدة معايير.

تأثير الكاريزما الزائدة على القادة

وفي دراسة ثالثة، بحثنا إمكانية تفسير تأثيرات الشخصية الكاريزمية على فعالية القائد بمراقبة سلوكيات معينة لديه. لإجراء هذا الاختبار، طلبنا من 287 قائد شركة (81% منهم رجال) تقييم شخصيتهم الكاريزمية، وطلبنا من 11 زميلاً لهم في المتوسط، (بما في ذلك الرؤساء والأقران والمرؤوسون)، تقييم التأثير العام لكل قائد. بالإضافة إلى ذلك، قيم الزملاء القادة وفقاً لزوجين من الأبعاد المتعارضة المتعلقة بسلوك القادة: درجة الحزم والتمكين التي يتمتعون بها (بالتطرق إلى أبعاد السلوك الشخصي، أو أسلوب القيادة)، ودرجة تمسكهم بالسلوك الاستراتيجي والتشغيلي(تمثل الأبعاد المؤسسية أو الأمور التي يتولون قيادتها).

الكاريزما وأبعاد السلوكيات الشخصية

ومع أننا لم نجد روابط مهمة بين الكاريزما وأبعاد السلوكيات الشخصية، وجدنا أنه يُنظر إلى القادة أصحاب الكاريزما العالية على أنهم أكثر انخراطاً بالسلوك الاستراتيجي من التشغيلي. ولكن كيف يمكن لهذا أن يفسر التقييم المنخفض لتأثير القادة الأكثر كاريزمية؟

أحد هذه التفسيرات هو أن المساوئ المرتبطة بالصفة المطلوبة (الكاريزما) تفوق فوائدها. بالنسبة للقادة ذوي الكاريزما العالية، توقعنا أن تفوق مساوئ الافتقار إلى السلوك التشغيلي فوائد السلوك الاستراتيجي عند تجاوز مستوى معين من الكاريزما. وهذا بالضبط ما وجدناه: قد يكون القادة أصحاب الكاريزما العالية طموحين من الناحية الاستراتيجية ولكن على حساب تنفيذ النشاطات اليومية بطريقة صحيحة، والذي قد يضر بالتأثير المتصور. فقد فشلوا على سبيل المثال في إدارة العمليات اليومية اللازمة لتنفيذ رؤيتهم الاستراتيجية الأشمل وفي اتباع طريقة منهجية لإنجاز الأمور في المدى القريب. وأظهر تحليل آخر أن العكس كان صحيح بالنسبة للقادة ذوي الكاريزما المنخفضة: إذ وجد أنهم أقل تأثيراً لافتقارهم إلى السلوك الاستراتيجي. على سبيل المثال، لم يخصصوا وقتاً كافياً للتخطيط طويل المدى، وفشلوا في مراعاة المنظور المتعلق بالصورة الشاملة وفي التحقيق عما يجري في الوضع الراهن وفي تشجيع الابتكار.

وفيما يتعلق بالتداعيات العملية، تشير نتائجنا إلى أنه ينبغي على القادة إدراك المساوئ المحتملة المصاحبة للكاريزما العالية. على الرغم من صعوبة وضع خط فاصل بين المستوى "المعتدل" و"الزائد" من الكاريزما، تعد هذه بعض الصفات التي تجدر العناية بها لاحتمال تأثيرها على تأثير الشخص. فقد تتحول الثقة بالنفس مثلاً إلى ثقة مفرطة أو نرجسية في القادة ذوي الكاريزما العالية، في حين قد تترجم القدرة على تحمل المخاطر والإقناع إلى سلوك مراوغ. وفضلاً عن ذلك، قد تتحول الطبيعة الحماسية والممتعة للكاريزما إلى سلوكيات ساعية لجذب الانتباه والتي تصرف انتباه المؤسسة عن تحقيق مهمتها، كما قد يدفع الإبداع المفرط بالقادة ذوي الشخصية الكاريزمية إلى التفكير والتصرف بطريقة خيالية وغريبة الأطوار.

بالنسبة لمن يتمتع بدرجة كاريزما تفوق المستوى الأمثل، قد يفيده الانضمام إلى البرامج التدريبية والتطويرية التي تهدف إلى إدارة العيوب التشغيلية المحتملة وتحسين الوعي والتنظيم الذاتيين. كما قد يستفيد القادة أصحاب الكاريزما العالية من الحصول على آراء زملائهم عن تأثيرهم. وبهذه الطريقة ستتضح أي فجوة بين تصورهم الشخصي وتصورات الآخرين. وفي المقابل، تركز برامج تدريب القادة ذوي الكاريزما المنخفضة على تعزيز سلوكهم الاستراتيجي.

خلاصة القول، وجدنا ما يدعم فكرة أن القائد قد يتمتع بكاريزما زائدة عن اللازم، حيث تشير نتائجنا إلى أنه ينظر إلى القادة ذوي الكاريزما العالية على أنهم أقل تأثيراً، وهذا لا يتعلق بأسباب شخصية مثل الثقة بالنفس بل لأسباب تتعلق بالعمل وترتبط تحديداً بافتقار القائد إلى السلوك التشغيلي.

نود الإشارة إلى أن دراستنا لم تشمل العوامل الظرفية والتي قد تؤثر على قوة العلاقة بين كاريزما القائد وتأثيره وعلى شكل هذه العلاقة. في ظل ظروف معينة، مثل الحالات التي تتسم بانخفاض التوتر، قد تكون هذه العلاقة خطية تماماً ("كلما زادت الكاريزما كان أفضل"). وعلى أي حال، تعد الحالات التي تتسم بتوتر وضغط عاليَين عادية إلى حد ما ضمن سياق القيادة "النموذجي"، ما يزيد احتمالية تحقق ما يسمى بالتأثير المبالغ فيه من أمر جيد ما. من المهم إجراء المزيد من الدراسات للبحث أكثر في الظروف التي تكون فيها الكاريزما مرغوبة أو غير مرغوبة بالنسبة للقادة أصحاب الكاريزما.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي