أعظم القادة هم من يجعلون الآخرين يشعرون بأنهم مهمون

6 دقيقة
شون جستس/غيتي إميدجيز

عملت عام 2024 مع طاقم تنظيف في شركة طيران كبرى في مطار مزدحم. زمن إكمال المهمة في قطاع الطيران هو العامل الأهم؛ فعندما يغادر الركاب الطائرة، يبدأ العمال بتعقيم الحمامات والمقاعد والأرضيات، ويعملون تحت ضغط مستمر. تمتع الفريق الذي راقبته في ذلك اليوم بأعلى درجات النظافة في شركة الطيران، وكان السبب واضحاً.

لانا هي منسقة دعم النظافة التي تدقق حالة الطائرات، وهي مسؤولة عن فريق التنظيف في هذه الشركة، اصطحبتني عندما التقيتها إلى الموظفة التي تعمل على مكتب البيع لتعطيني بطاقة الصعود على متن الطائرة.

قالت لانا: "أليست ابتسامتها جميلة؟"، ثم أخبرتني بفترة عمل هذه الموظفة والتفاصيل المفضلة لديها في العمل معها. بعد ذلك، وبينما مررنا بقسم الأمن، صادفنا أحد ضباط أمن النقل فسألته لانا عن إجازته وعن أطفاله بأسمائهم.

نزلنا إلى الردهة المزدحمة في مستوى المدرج، التي كانت تعج بالموظفين الذين يدخلون إليها ويخرجون منها لمقابلة المسافرين. توقفت لانا وسألت عامل نظافة مررنا به عن حال ابنته؛ فعرض عليها صورة في هاتفه مبتسماً، ثم طرحت عليه لانا سؤالاً طرحته على الجميع في ذلك اليوم: "هل هناك ما يمكنني أن أخدمك به؟".

أخبرني المشرف على لانا بأنها من أفضل 10% من القادة في المؤسسة، فهي تجعل الجميع يشعرون بأهميتهم في مهنة غير بارزة غالباً؛ إذ تلاحظ وجود الآخرين، وهي مهارة قيادية مهملة ولكنها أساسية ويزداد الطلب عليها في زمننا هذا.

أثر ملاحظة وجود الآخرين وأهميتها

أبلغت مؤسسة غالوب في يناير/كانون الثاني 2025 أن اندماج الموظف وصل إلى أدنى مستوياته منذ عقد من الزمن. خلال الفترة الزمنية نفسها، أصبحت خدمات تحسين الاندماج قطاعاً بقيمة مليار دولار، واستثمرت المؤسسات الملايين في برامج الرفاهة وامتيازاتها. ومع ذلك، يشعر 7 من أصل كل 10 موظفين بالانفصال عن العمل. ما هو سبب ذلك؟

ثمة معلومة لافتة: وافقت نسبة 39% فقط من الموظفين بشدة على أن هناك شخصاً في العمل يهمه أمرهم شخصياً. هذه البيانات متطابقة مع النتائج التي توصلت إليها شركة إدارة رأس المال البشري، وورك هيومان، عام 2023، التي تبين أن 30% من الموظفين يشعرون بأنهم "غير مرئيين" و27% يشعرون بأنهم "يتعرضون للتجاهل".

إذا لم يشعر الموظفون أولاً بأنهم موضع اهتمام، فلن يهتموا بالعمل ولن يتمكنوا من الاندماج. شعورنا بأن الآخرين يلاحظون وجودنا ضروري لإشباع حاجتنا الأساسية للأهمية، وهو شرط أساسي للحفاظ على حافزنا وتعزيز رفاهتنا واندماجنا الدائم. ملاحظة وجود الموظفين هي الحرص المتعمد على الانتباه إلى تفاصيل حياة شخص ما وعمله وأنماط سلوكه.

عندما سألت لانا عن طريقتها لتطوير نهجها في التعامل مع الموظفين، أخبرتني بأن مشرفها، وهو قائد على مستوى الإدارة، يدعمها باستمرار؛ إذ إنه يشعرها بأن الآخرين يلاحظون وجودها، وهي تتبع السلوك نفسه مع فريقها. عندما يتبع القادة سلوك ملاحظة وجود الجميع في التفاعلات اليومية، يزداد احتمال أن يتبع مرؤوسوهم السلوك نفسه مع الفرق التي يقودونها. هذا تذكير بالغ الأهمية بالتأثير المتعاقب لملاحظة وجود الآخرين، خاصة فيما يتعلق بسلوك كبار القادة.

كيف يلاحظ القادة وجود الآخرين؟

كيف نعزز قدرتنا على ملاحظة وجود الآخرين؟ سنتحدث فيما يلي عن 3 طرق يستطيع القادة تطبيقها سواء كانوا يقودون فرقاً صغيرة أو مؤسسات بأكملها:

حدد المعوقات التي تحول دون ملاحظة الآخرين

وقت القادة ضيق دائماً، والمعوق الأول الذي يحول دون ملاحظة وجود الآخرين هو العجلة. بينما كنت أبحث عند تأليف كتابي بعنوان "قوة الشعور بالأهمية"، شاركت موظفة اسمها سونيا القصة التالية: كنا نجتمع أنا ومديرتي أسبوعياً، وكانت تنضم غالباً إلى الاجتماع قبل 5 دقائق من نهايته وتغادر فور انتهائه؛ وتقول: "أنا آسفة، انشغلت مجدداً".

كانت سونيا جديدة في منصبها، وقد أنجبت منذ فترة قصيرة، لذلك كانت بحاجة إلى الدعم. قالت سونيا: "كان ذلك فظيعاً جداً. وصلت إلى حالة كنت أكتب فيها يومياتي ثم أبكي وأواصل العمل كالمعتاد".

العجلة والاهتمام بالآخرين لا يترافقان؛ إذ إن ملاحظة وجود الآخرين تحتاج إلى الوقت. عندما يتعجل القادة، يصبح إلغاء الاجتماعات الثنائية أو نسيان الاطمئنان على موظف يمر بفترة صعبة، أو الرد على بعض الرسائل الإلكترونية بدلاً من التواصل مع أحد أعضاء الفريق سهلاً.

تتطلب ملاحظة وجود الآخرين أيضاً الانتباه، وتراجع قدرتنا على الانتباه هو معوق آخر يحول دون ذلك. تبين الأبحاث التي أجرتها عالمة النفس، غلوريا مارك، أن متوسط مدة الانتباه لنشاط واحد انخفض من أكثر من دقيقتين عام 2004 إلى 47 ثانية فقط حالياً. يعود ذلك إلى زيادة عدد المشتتات وعبء المعلومات.

إحدى نتائج تراجع الانتباه هي أن التفاعلات تصبح تلقائية؛ فتتطابق بدايات التفاعلات الثنائية جميعها، وتصبح تقييمات الأداء آلية، بينما ينقلب اجتماع الفريق الأسبوعي إلى سلوك اعتيادي. يتحول المشي في الردهة إلى مشي سريع نحو غرفة الاجتماعات نتجنب فيه أن تلتقي عيوننا بعيون من نمر بهم. يمكن أن تدفعنا هذه الطبيعة الآلية للانتباه إلى تفويت الإشارات المهمة، مثل امتناع بعض الموظفين عن خوض الأحاديث كما كانوا يفعلون سابقاً أو تغير نبرة البعض أو انخفاض نشاطهم عما كان عليه من قبل.

لحسن الحظ، يمكننا التخلص من الطبيعة الآلية للانتباه من خلال "تحديد نوايانا بدقة"؛ أي أن نحدد أهدافنا المتعلقة بانطباع الآخرين عنا في تفاعلاتنا معهم على نحو هادف، وذلك حتى نضمن أن نشعر الآخرين بأننا نلاحظ وجودهم. الخطوة الأولى هي اتخاذ قرار واع بالامتناع عن الاستعجال وإفساح المجال للتواصل واستغلال الوقت لإيلاء اهتمام أكبر بالآخرين.

إفساح المجال للتواصل واستثمار الوقت فيه

يجب أن يفسح القادة المجال للتواصل ويخصصوا الوقت له على نحو استباقي. لا يعني ذلك إجراء المزيد من الاجتماعات؛ فلانا مثلاً قائدة مشغولة في وظيفة مليئة بالأشغال، لكنها تتبع سلوكاً لاحظت أن العديد من القادة المحبوبين يتبعونه، وهو تحسين التفاعلات التي تخوضها بالفعل.

فيما يلي بعض الطرق التي تساعدك على ذلك:

  • استخدام تفاعلات الوقت الحقيقي لبناء العلاقات. قول "يمكن اختصار أغلبية الاجتماعات من خلال الرسائل الإلكترونية" المأثور شائع، لأن أغلبية الاجتماعات والتفاعلات في العمل تهدف إلى تبادل المعلومات. احرص على تبادل المعلومات من خلال البريد الإلكتروني ومنصات التراسل الأخرى المعتمدة على النصوص فقط. أما التفاعلات التي لا يمكن إجراؤها باستخدام الرسائل الإلكترونية فهي التي تطمئن من خلالها على موظف يواجه مشكلات في مشروع ما أو على حال موظف كان أحد والديه في المستشفى، أو التفاعلات التي تدعم من خلالها شخصاً ما يعاني ضغط العمل. خصص الوقت في تفاعلات الوقت الحقيقي لمناقشة أحوال الناس وليس لمناقشة ما يفعلونه فقط.
  • الاستفادة من اللحظات الفاصلة. كتب الملحن كلود ديبوسي: "تكمن الموسيقى في الفراغ بين النغمات". ينصت المستمع للموسيقى ويشعر بها في اللحظات الفاصلة بين النغمات، وينطبق الأمر نفسه على ما يحصل في المؤسسات. "النغمات" في هذه الحالة هي الاجتماعات الرسمية أو التقييمات أو غيرها من نقاط التواصل المجدولة، لكن التواصل وبناء الثقافة يحدثان في اللحظات الفاصلة؛ أي الدقائق القليلة قبل بدء اجتماع افتراضي أو اللحظات التي تصادف فيها زميلاً في المصعد أو الثواني القليلة بعد إنهاء مكالمة هاتفية. استفد من هذه اللحظات للاطمئنان على الآخرين.
  • انتبه للآخرين واستخدم لغة تعبر عن ملاحظتك لوجودهم. عندما تفسح المجال للتواصل وتخصص وقتاً له، احرص على إيلاء انتباه كبير للآخرين. إحدى الطرق التي يمكنك تطبيقها لزيادة مهارتك في الانتباه بسرعة هي تدوين ما تلاحظه. عملت مرة مع رئيسة الممرضات في غرفة طوارئ تستخدم دفتر مذكرات لتتبع النتائج الإيجابية للمرضى. تبدأ هذه الممرضة اجتماعات فريقها بالحديث عن حالة نتائجها الإيجابية وتحرص على ذكر دور الفريق في تحقيق هذه النتائج. عندما تتحدث عن النقاط التي رصدتها وكتبتها، استخدم لغة تبين للآخرين أنك تلاحظ وجودهم، مثل: "لاحظت كذا" و"دونت كذا"، أو "تذكرت كذا".

جمع البيانات لملاحظة وجود الآخرين

سألت لانا الموظفين عندما مرت بهم قائلة: "هل هناك ما يمكنني أن أخدمك به؟" بالنتيجة، شارك أعضاء الفريق معها تفاصيل عملهم وطرحوا أسئلة حول المهام المقبلة وناقشوا التحديات التي يواجهونها. لو أنها طرحت السؤال: "كيف حالك اليوم حتى الآن؟" أو أي سؤال عادي مثله فمن غير المرجح أن تحصل على التفاصيل التي تحتاج إليها للتعامل مع المشكلات التي يواجهها الموظفون.

يمكنك تطبيق الطرق التالية لجمع معلومات دقيقة تساعدك على ملاحظة وجود الآخرين حقاً:

  • طرح أسئلة هادفة. لا تكتف بعبارات التحية مثل: "كيف حالك؟" أو "كيف حالك اليوم حتى الآن؟"، بل اطرح أسئلة تكشف أجوبتها عن تفاصيل حياة الآخرين وعملهم. يجب أن تكون أسئلتك واضحة ومفتوحة واستكشافية. على سبيل المثال: "ما الذي تركز عليه اليوم؟" أو "ما هو الحدث الذي كان له مغزى أكثر من غيره اليوم؟" أو "ما هي المهام التي تواجه فيها المشكلات؟". اطرح أسئلة لا تقتصر أجوبتها على "نعم" أو "لا". بدلاً من "هل كان الاجتماع جيداً؟"، قل: "ما هي النقطة التي أثارت اهتمامك أكثر من غيرها في الاجتماع؟" أخيراً، كن فضولياً ولا تقيم؛ بدلاً من أن تقول: "ما هو حال المشروع حالياً؟"، قل: "ما هي إنجازاتك في المشروع؟" أو "هل هناك أي معوقات يمكنني أن أساعد على تجاوزها؟".
  • التحقق من نشاط الموظفين وعواطفهم. المعلومات حول نشاط الموظفين وعواطفهم ضرورية أيضاً لقيادتهم بكفاءة أكبر. إحدى الممارسات المدعومة بالأبحاث هي التحقق من نشاط الآخرين وترميز كل مستوى بلون محدد (يعني اللون الأخضر أن الموظف قادر على العمل، بينما يعني الأصفر أنه يتعرض للضغط بعض الشيء، ويعني الأحمر أنه يعاني عبء العمل الزائد). يمكنك أيضاً أن تطرح أسئلة مثل: "ما الذي يعزز نشاطك اليوم؟" و"ما الذي يخفض نشاطك اليوم؟". احرص على ألا تسارع في حل المشكلة التي تلاحظها؛ فإدراكها هو المهم في هذه الحالة. يمكنك أن تقول لاحقاً: "لاحظت أنك كنت تعاني عبء العمل الزائد اليوم، كيف يمكنني أن أساعدك؟".
  • راقب المشكلات المتكررة وعبر عن "تعاطفك الاستباقي". كلما ازدادت قدرتك على ملاحظة الآخرين حقاً، جمعت المزيد من المعلومات عن المشكلات التي يواجهونها. إحدى طرق بناء مهارة التعاطف هي التفكير بانتظام في المشكلات التي تلاحظها. هل هذه المشكلات مرتبطة بموسم أم مشروع أم هدف نهائي معين؟ بعد ذلك، فكر في العلامات التي يمكنك ملاحظتها للتنبؤ بالمشكلة. أخيراً، حدد الموارد المتاحة أو الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لتخفيف عواقب المشكلة. يبين إظهار هذا "التعاطف الاستباقي" للآخرين أنك تلاحظ وجودهم ومتاح لتوفير الدعم لهم.

القيادة تكمن في التفاعلات

قالت لي لانا في نهاية النهار: "بناء العلاقات هو وظيفتي، والنواحي الأخرى جميعها ثانوية، بما فيها جودة العمل".

بالنسبة للقادة على مختلف المستويات، ما يحدد جودة النتائج التي يحصلون عليها من الموظفين هي جودة علاقاتهم بهم. التفاعلات الجيدة هي نواة العلاقات الجيدة، وشعور الآخرين بأنك تلاحظهم هو أحد المؤشرات على مشاعر الثقة، التي تمثل أساس الفرق العالية الأداء. خصص ما يكفي من الوقت لضمان أن تلاحظ وجود الآخرين في بداية كل تفاعل ونهايته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي