لماذا يتوقع مسؤولو الشركات العربية أن الفساد والرشوة في ازدياد؟

4 دقيقة
الفساد والرشوة
shutterstock.com/PreciousJ

صدر قبل يومين التقرير السنوي لشركة الاستشارات العالمية "كرول" (kroll) حول مكافحة الرشوة والفساد في العالم. هذا التقرير الذي يعتمد على استبيانات يجريها خبراء المخاطر في شركة كرول مع مئات المسؤولين التنفيذيين في الشركات حول العالم. النتيجة هذا العام لافتة للنظر على مستوى الشرق الأوسط تحديداً. تشير خلاصة ما توصل إليه التقرير بأن المسؤولين التنفيذيين في الشركات العربية يرجّحون احتمال تزايد حالات الفساد والرشوة في الأشهر الـ 6 أو الـ 12 القادمة. 

ليست النتيجة هي الأمر المثير للاهتمام بمقدار الأسباب. فما هي الأسباب التي تجعل الظروف الحالية في الشركات العربية تتوقع الفساد والرشوة خلال معاملاتها التجارية، أو حتى خلال معاملاتها مع المؤسسات الرسمية؟ إليكم عدة أسباب يوردها التقرير وأجدها غير تقليدية في المنطقة العربية. وقد مثل المنطقة العربية في هذا الاستطلاع مسؤولون تنفيذيون من شركات إماراتية وسعودية. وكانت الأسباب الرئيسية التي تزيد من احتمالات الفساد والرشوة في المنطقة العربية حسب التقرير، تزايد اختراقات الأمن السيبراني لبيانات الشركات العربية وأنظمتها، حيث تعتقد وكالة ستاندرز آند بورز جلوبال على سبيل المثال، أن الهجمات السيبرانية هي أكبر خطر يهدد البنوك الخليجية. ولكن لماذا تشكل الهجمات السيبرانية خطراً يمهد للفساد والرشوة؟ يتخوف مسؤولو الشركات وبناءً على الحوادث المتكررة من أن ازدياد هذه الهجمات سُيدخل الشركات رغماً عنها في مفاوضات مع المخترقين ودفع فدية أو رشوة لهم، وهو ما يهدد حوكمة الشركات.

ومن أسباب التخوف من ازدياد الرشوة والفساد المثيرة للاهتمام أيضاً،  أن مسؤولي الشركات يعتقدون أن نظام العمل عن بعد وعدم مركزية الإدارة قد يزيد من هذه المخاطر. لماذا؟ لأن العمل عن بعد يعني استخدام إيميل الشركة وسحابة التخزين الخاصة بالشركة وأنظمة عمل الشركة الأخرى، والدخول إليها عبر الإنترنت المنزلي أو الإنترنت العام المتاح في المقاهي والفنادق، وهذه ثغرة يعتقد مسؤولو الأمن الإلكتروني أنها خطيرة، وتحتاج لإجراءات مضاعفة وتدريب الموظفين العاملين عن بعد للعمل على تلافيها. وما يزيد هذه المهمة صعوبة هو أن الإدارة أصبحت لا مركزية في كثير من الشركات التي باتت تعتمد نظام العمل الهجين، ويصعب مع هذا النموذج تحقيق التواصل اللازم لنقل ثقافة وتدريب موحد وكافٍ للموظفين. ومع احتمال تعرض الشركات للاختراقات عبر الموظفين، تزداد احتمالية انخراط الموظفين أنفسهم في حالات الفساد والرشوة مع المخترقين، أو التسبب في إدخال الشركة في هذا النوع من المخاطر.

وإذا كنا قد سمعنا بهذه التحذيرات الخاصة بالأمن السيبراني خلال جائحة كورونا، فالإضافة الجديدة اليوم، هي أنها قد تصبح مصدراً لخلق ثقافة فساد مستمرة في الشركة. ومع ذلك، تعالوا معي لنتعرف على الأسباب الجديدة التي يعتقد المسؤولون التنفيذيون في الشركات بأنها ستزيد احتمال الرشاوى والفساد. إنها الضغوط المالية التي تعاني منها الشركات بسبب التضخم الحالي وبسبب أزمة سلاسل التوريد العالمية. ولكن، كيف تترجم ضغوط الشركات المالية واضطرارها لتدبر حاجتها من الاستيراد في ظل أزمة سلاسل التوريد؟ الجواب: هذه هي الوصفة المثالية لبيئة الفساد والرشوة؟ في هذه الحالة ربما تضطر الشركات، في سعيها لتخفيض تكاليفها وإيجاد المصادر البديلة لسلاسل التوريد، للبحث في الأبواب الخلفية والأسواق السوداء والالتفاف على العقوبات، وغيرها من الأفعال التي تندرج ضمن منظومة الفساد والرشوة. وينظر المسؤولون الذين أجابوا عن أسئلة هذا الاستطلاع السنوي إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا، وتأثيرها المباشر على سلاسل التوريد والحاجات الرئيسية للعالم والمنطقة العربية من قمح وزيوت وغيرها، زادت من احتمال التورط في هذا النوع من الممارسات الفاسدة، وينبه التقرير دول المنطقة التي لديها الكثير من المغتربين الروس من أصحاب الأموال، أن تقوم بعمل البحث والتقصي الكافي عن هذه الشخصيات منعاً من تسرب معاملات الشخصيات الخاضعة للعقوبات الغربية جراء الحرب الروسية.

والسبب الآخر الذي أجده مثيراً للاهتمام، وربما لا ينتبه إليه الكثيرون وقد يكون سبباً لانتشار الفساد في الشركات خلال الفترة الحالية والقادمة في المنطقة العربية، هو أن تسارع العديد من الشركات العربية للتحول إلى الاكتتاب العام والإدراج في البورصات قد يجعل بعض الشركات تستعجل في تحضير ملفاتها والانتقال لنظام الحوكمة في الأسواق المالية، ما قد يتسبب في ارتكاب مخالفات بسبب هذا الاندفاع والتسرع. هذا السبب الذي أشار إليه المسؤولون التنفيذيون من الإمارات والسعودية، وهم يمثلون في إجاباتهم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب التقرير، يتطابق مع العديد من التقارير التي أشارت، وعلى مستوى العالم، إلى أن محاولات الشركات الإسراع بتطبيق معايير الحوكمة أو الاستدامة بضغط من الحكومات يؤدي عادة لزيادة ارتكاب المخالفات والفساد وما يسمى الغسيل الأخضر. 

لكن ما هو الإجراء الرئيسي الذي تحتاج الشركات في منطقتنا للاهتمام به على وجه السرعة؟ يشجع التقرير حسب الخبراء على إطلاق وتفعيل برامج "مطلقي الصفارة" في الشركات. ونظام مطلقي الصفارة، أو "Whistleblower Program"، هو نظام مكافأة وتشجيع المبلغين عن المخالفات من داخل الشركات. (وأدعوكم هنا لقراءة مقال سابق لي بعنوان: لماذا على الشركات والحكومات الاهتمام بتوظيف من يتدخل فيما لايعنيه؟). ففي هذا المقال تجدون أن نظام مطلقي الصفارة أصبح إلزامياً في أوروبا منذ عام 2021، أي أن على الشركات التي يزيد عدد موظفيها على 50، أن تضع برنامجاً يشجع مبلغي المخالفات سواء لإدارة الشركات أو للسلطات الرسمية، بل ومكافأتهم على ذلك. 

طيب، وما هو الحال في المنطقة العربية؟ حسب المسؤولين التنفيذيين الذين أجابوا على الاستبيان، أكد 60% من مسؤولي الشركات السعودية أن لديهم أنظمة إبلاغ عن المخالفات، و62% من مسؤولي الشركات الإماراتية أكدوا وجود هذا النظام في شركاتهم. ويعتقد الخبراء الذين أعدوا هذا التقرير، أن هذه النسبة تحتاج للزيادة في الشركات العربية لأنها أقل من المعدل العالمي، حيث إن 72% من الشركات العالمية لديها أنظمة إبلاغ. 

قد نستغرب في ثقافتنا العربية التي تطلق عبارة "فسّاد" على من يبلغ عن "الفساد"، بأن برامج تشجيع ومكافأة المبلغين عن المخالفات، هو من أجدى أنظمة حوكمة الدول والشركات حول العالم وضمان شفافيتها. ولهذا فإنكم تجدون بأن الدول التي تسير في قوانينها على أحدث المعايير العالمية ودراسات العلوم السلوكية، مثل الإمارات، تستبق صدور قانون الضريبة المتوقع في العام 2023، بإصدار نظام "رقيب" وهو نظام متكامل لتشجيع ومكافأة المخبرين عن المخالفات والتهرب الضريبي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي