الثقة هي واحدة من أهم الخصائص الأساسية لفريق عالي الأداء - بل ربما هي أهم ميزة على الإطلاق. أي شخص عمل ضمن فريق يعلم جيداً أن أعضاء الفريق يجب أن يكونوا قادرين على الثقة ببعضهم البعض لإنجاز المهمة، وأن يكونوا ملتزمين بالصالح العام للمجموعة. من الصعب خلق أو ضمان استمرارية الثقة بين أفراد أي مجموعة، وقد يزداد الأمر صعوبة إذا كان الفريق متعدد الثقافات، وذلك لعدد من الأسباب المتنوعة والمختلفة.
بداية، تختلف سبل التواصل عبر الثقافات. لذا، يتفاوت مدى الاختلاط الاجتماعي أو البدء المباشر في العمل في بداية الاجتماع. ويوجد اختلاف في مفاهيمهم حول الوقت، وتقديم الملاحظات، والمعارضة العلنية. الفرق متعددة الثقافات عرضة للخلاف بسبب تعصب البعض، حيث يشعر الأقلية من أعضاء الفريق بالتجاهل أو عدم أخذ أفكارهم على محمل الجد.
كيف يمكن لقادة الفرق متعددة الثقافات الاستفادة من هذا التنوع دون الوقوع فريسة للتحديات التي تلازمه؟
في تجربتنا الجماعية بالعمل مع مئات الأفراد في الفرق متعددة الثقافات حول العالم، وجدنا أنه يمكن لقادة تلك الفرق استخدام النصائح الخمس التالية لبناء الثقة بين أعضاء الفريق.
هيكلة الفريق لتحقيق النجاح
عالم السلوك التنظيمي العظيم ريتشارد هاكمان اعتاد تأييد فكرة أن أفضل طريقة لضمان إيجابية الأداء في الفريق هي تهيئة الظروف الأولية التي تُعِدّ الفريق للنجاح. وهذا يعني التأكد من أن الفريق متعدد الثقافات يملك اتجاهاً واضحاً ومُلزماً، ويمكن لأعضائه الوصول إلى المعلومات والموارد التي يحتاجون إليها لتنفيذ العمل بنجاح، ويكون فيه أصحاب المصلحة في مختلف المناطق والوظائف على علم بجدول أعمال الفريق، ويكون الفريق قد تم تشكيله بحكمة - بتعيين من لديهم المهارات التقنية المطلوبة والذكاء الثقافي والبراعة العالمية. نظراً للتحديات التي تواجهها هذه الفرق في بداية العمل، فمن الضروري تزويدهم بأكبر عدد ممكن من الأعضاء محبي الاطلاع وذوي المرونة الذين يهتمون بمراعاة مواقف الآخرين وأولئك الذين يتمتعون بقدر من الاستقرار العاطفي.
افهم التركيبة المتنوعة لثقافات فريقك
يحتاج قائد أي فريق متعدد الثقافات إلى فهم الثقافات المختلفة والاختلافات اللغوية و"خطوط الصدع" داخل الفريق، بالإضافة إلى احتمالية سوء الفهم وسوء التواصل. على سبيل المثال، إذا كان الفريق يتألف من ثلاثة ألمان وثلاثة كوريين، فقد تخمن أن التعليقات ستكون رحلة عبر الثقافتين. إذ يُعرف الألمان بارتياحهم لإبداء آرائهم بشكل مباشر ومن دون تزيين العبارات، في حين أن الحال عادة في كوريا هو العكس ما لم يكن الحوار بين الزملاء الكبار والصغار. تدوين مثل هذه المواقف يمكن أن يساعدك على توقع التحديات المحتملة وحلها بسرعة وفعالية.
ومع ذلك، يجب على القادة أيضاً فهم الشخصيات الفردية. فماذا لو ذهب جميع أعضاء الفريق الكوري الثلاثة إلى المدرسة في الولايات المتحدة، وعاشوا وعملوا في أوروبا، وكانوا بعيدين كل البعد عن شخصية الفرد الكوري التقليدية في أسلوبهم الثقافي؟ ذلك الاختلاف من شأنه أن يغير مجموعة التنبؤات حول ديناميات المجموعة.
ضع معايير واضحة للغاية والتزم بها
سيقوم أعضاء الفريق متعدد الثقافات حتماً بتقديم مجموعة متنوعة من أنماط العمل المختلفة والتفضيلات الشخصية إلى الطاولة. يجب على قائد الفريق أن يضع معايير يلتزم بها الجميع - بغض النظر عن تفضيلاتهم الشخصية. بدلاً من فرض الأسلوب الذي تفضله، خذ بعين الاعتبار ما سيعمل بشكل أفضل لصالح الفريق ككل، وفكر في دمج الممارسات المجدية من الثقافات الأخرى. على سبيل المثال، إذا كنت تقوم عادة بتعيين مسؤوليات لكل فرد على حدة، ولكن العديد من أعضاء الفريق يفضلون العمل في مجموعات المشروعات الصغيرة، فيمكنك تعيين مهام معقدة لمجموعات صغيرة.
اجعل المعايير واضحة، ولكن كن على دراية بأعضاء الفريق الذين قد يصعب عليهم تلبية هذه التوقعات بسبب خلفياتهم الثقافية. ربما تحتاج إلى تواصل إضافي مع أولئك الأعضاء. على سبيل المثال، إذا قررت أن على أعضاء الفريق الوصول إلى الاجتماعات في الوقت المحدد لضمان البدء الفوري (الالتزام بالمواعيد على النمط الغربي)، فستحتاج إلى تعزيز هذه القاعدة باستمرار لكل أفراد المجموعة. وينطبق الأمر ذاته على أنماط التواصل. يستفيد أعضاء الفريق متعدد الثقافات من معرفة نوع المعلومات التي سيحصلون عليها ومتى يمكنهم الحصول عليها، ومن وجود نسق منتظم لمؤتمرات الفيديو والمؤتمرات عن بُعد وتحديثات البريد الإلكتروني والمناقشات التي تتم بشكل فردي. وهذا من شأنه أن يخلق الظروف وإمكانية التنبؤ التي تساعد على تعويض الحالات التي يكون أعضاء الفريق فيها بعيدين عن بعضهم البعض. وبالطبع فإن الأشياء تتغير أحياناً ويصبح تعديلها مطلوباً، ولكن بشكل عام، يعد الحفاظ على هيكل ثابت وواضح فيما يتعلق بأساليب العمل والتوقعات طريقة حاسمة لخلق ثقافة جماعية مشتركة.
ابحث عن طرق لبناء الروابط الشخصية بين أعضاء الفريق
لقد وجد كلانا أن من أقوى أدوات تخفيف الصراع المحتمل بين أعضاء الفريق إقامة علاقات شخصية بينهم. تعتبر الثقافات العالمية المختلفة، بطبيعة الحال، ذات معايير مختلفة فيما يتعلق ببناء العلاقات. في بعض الثقافات، كما هو الحال في المملكة المتحدة، يستغرق الناس وقتاً طويلاً لبناء علاقة صداقة؛ وفي ثقافات أخرى، مثل البرازيل، يبدو أن الصداقة تحدث بين عشية وضحاها. بالنظر إلى ذلك، قد لا تتمكن من تشجيع العلاقات الشخصية العميقة - ولكن يمكنك تعزيز العلاقات والروابط الفردية. ربما تكتشف أن شخصاً له خلفية مختلفة تماماً عنك هو مصور هاو مثلك، أو أن لدى كل منكما أطفال يعزفون البيانو. ستندهش من قوة هذه الروابط الشخصية، خاصة في فريق متعدد الثقافات. يجب على القادة تهيئة الظروف لتشكيل هذه الروابط: تنظيم الاجتماعات، أو إقران أعضاء الفريق الهادئين مع الأعضاء محبي الكلام، أو تسهيل التعارف المباشر بين أعضاء محددين يُعتقد أنه ربما يكون بينهم اهتمامات مشتركة مخفية. في الغالب ستعود تلك الأمور بفوائد مباشرة إلى الفريق.
عندما تنشأ النزاعات، قم بمعالجتها على الفور
النزاعات أمر لا مفر منه في أي فريق، وهذا ينطبق على الفريق متعدد الثقافات. إذا نشأ توتر ما، عالجه بسرعة حتى لا يتضخم الأمر الصغير إلى شيء يستحيل إدارته. يحتاج القادة إلى أن يكونوا قادرين على فهم وجهات نظر ثقافية متعددة والعمل كجسر ثقافي بين الأطراف كافة في حالات النزاعات. وقد يتطلب هذا فهماً لأنماط التواصل المباشر وغير المباشر، والاستعداد لإجراء مناقشة جماعية صريحة أو محادثات جانبية سرية، بحسب ما يستدعيه الموقف.
الثقة هي الغراء الذي يرفع من أداء أي فريق، لكنها لا تُبنى بطريقة سحرية، خاصة في حالة فريق يتكون من أعضاء متنوعين ثقافياً. العمل بالنصائح المذكورة أعلاه في ظل وجود الدافعية، سيضعك كقائد في وضع جيد للاستفادة القصوى من التنوع الثقافي لأعضاء فريقك وتقليل التحديات المحتملة بسبب هذا التنوع.