الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

أيهما أهم للحكومة: تحقيق الكفاءة أم الفعالية؟

4 دقيقة
وزارة الكفاءة الحكومية
غيتي إميدجيز/بيست01

يرى الكثير من القادة الناجحين في القطاع الخاص أن على الحكومة اتباع أسلوب الشركات في العمل، والواقع أن العديد من هؤلاء القادة يواصلون مسيرتهم المهنية في المناصب العامة، كما يصبح العديد منهم سياسيين بارعين. ولكن لا يمكن تطبيق المهارات والاستراتيجيات المستخدمة في قطاع الأعمال على القطاع العام مباشرة دون تعديل، وفي واقع الأمر، قد يفشل قادة الشركات الذين تحولوا إلى سياسيين في أدوارهم الجديدة إذا لم يدركوا تماماً أن الأهداف المناسبة والآراء الصائبة في المجال الأول قد تمثل منظوراً ضيقاً في المجال الثاني. لنأخذ فكرة الكفاءة على سبيل المثال، إذ أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن تأسيس وزارة الكفاءة الحكومية، وقد خلق الأمر موجة من الجدل في واشنطن. قد يؤيد العديد من الأميركيين فكرة الحاجة إلى زعزعة البيروقراطية المنتشرة في الحكومة الفيدرالية، وخاصة الذين ربما صوتوا لصالح نائبة الرئيس السابق كمالا هاريس.

لكن السؤال هو: هل نريد للحكومة أن تتمتع بالكفاءة فعلاً؟

تعرّف الكفاءة بأنها القدرة على تحقيق أفضل النتائج بأقلّ الموارد، سواء كانت البشرية أو المالية. وتمثل الكفاءة مفهوماً مهماً في قطاع الأعمال، وهي في الحقيقة جوهر الرأسمالية، فالشركات التي لا تسعى إلى تحقيق الكفاءة ستتخلف عن الشركات الأخرى في السوق الحرة المفعمة بالحيوية.

ولكن الحكومات التي لا تخضع لمثل هذه المنافسة لا تعمل عادة بأسرع ما يمكن وبأقل التكاليف، وهذا قد يكون صحياً.

على سبيل المثال، لا نريد أن توفر الشرطة في استهلاك الوقود خلال مطاردة متهم بارتكاب جرائم عنيفة، ولا نريد للمحاكم التعامل مع قضية هذا المتهم بكفاءة إذا كان ذلك يؤدي إلى انتهاك حقوقه الأساسية؛ كما لا نريد للأطباء في المستشفيات العامة تغليب الكفاءة على الفعالية عند علاج أحد الضحايا غرفة الطوارئ، إذا كانت الكفاءة ستحول دون تقديم الرعاية الواجبة له وإنقاذ حياته. وفي حين أنه من المرجح أن تتمكن وزارة الدفاع الأميركية التي تزيد ميزانيتها على 800 مليار دولار من تعزيز كفاءتها، فالتركيز على الكفاءة قد يمنعها من تطوير التكنولوجيات الجديدة قبل أن تسبقها الحكومات المنافسة إلى ذلك.

من المؤكد أن الأولويات السياسية السائدة اليوم يجب أن تحقق توازناً دقيقاً بين الكفاءة والأمن والحرية والعدالة والمساواة وغيرها من الأهداف في الإدارة العامة، لكن النجاح في تحقيق هذا التوازن بين الأهداف المختلفة على المستوى الحكومي يتطلب الفعالية. أما عقلية تحقيق الكفاءة فهي تهيمن على عالم الشركات الذي يعمل ضمنه الرئيسان المشاركان لوزارة الكفاءة الحكومية إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، وإذا هرعنا إلى تطبيقها فإننا قد نبالغ في إصلاح الترهل الحكومي لدرجة تؤدي إلى عواقب سلبية.

كان أحد الأدوار القيادية الأكاديمية التي أديتها في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية (Blavatnik School of Government) بجامعة أوكسفورد، هو أن أنشئ وأقود برنامجاً لكبار قادة الأعمال الذين يتطلعون إلى توظيف خبراتهم ومهاراتهم لتحسين ممارسات الحكومة. على مدى أكثر من 7 سنوات، استضفنا كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال الأعمال من قطاعات متنوعة مثل الطاقة والتمويل والتكنولوجيا، ومن مناطق جغرافية مختلفة مثل جنوب شرق آسيا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة، بعضهم أسس مشاريع بمليارات الدولارات وآخرون أداروا شركات عريقة تحقق إيرادات تقدر بمئات المليارات.

لفتت انتباهي 3 أمور حول قادة الأعمال الذين أصبحوا قادة فعالين في القطاع العام:

أولاً، يعزز القادة الفعالون في القطاع العام ممارسة المشاركة الفعالة، التي تتضمن خلق بيئة مفتوحة تسمح بطرح وجهات نظر سياسية متنوعة حول أي قضية ومناقشتها دون خوف أو محاباة، وحتى لو كان القائد يود اتباع سياسات معينة فهو يشجع على طرح وجهات النظر المتنوعة عندما يحافظ على ثقافة المشاركة الفعالة.

يأتي هذا من الوعي الذاتي لدى القائد، إذ يعرف أن الحكومة، بعكس الشركات، يجب أن تخدم الناس جميعاً، بما فيهم من تختلف حياتهم عن حياته والذين لم يصوتوا له. فالحكومة لا يمكنها اختيار عملائها، لذلك تسمح المشاركة الفعالة بأخذ التجارب المعاشة في الاعتبار خلال عملية صناعة القرار.

ثانياً، يتبنى القائد عقلية التجريب فيستخدم الابتكار التدريجي والتعلم لتعزيز السياسات. غالباً ما يخوض القادة الناجحون في مجال الأعمال مجازفات كبيرة تؤتي ثمارها، وعلى الرغم من ذلك عليهم أن يدركوا أن الحكومة لا يمكنها تحمل مجازفات كبيرة لأنها، على عكس قطاع الأعمال، لا تحتمل التعرض إلى فشل كبير. لا شك في أن الفشل في قطاع الأعمال يؤدي إلى ضرر لكن احتواءه ممكن، أما عندما تفشل الحكومة فستكون الأضرار واسعة النطاق وقد تؤدي العواقب إلى العنف وما هو أسوأ. لا شك في أن أي حكومة تخاطر وتفشل لكي تتعلم، ولكن الفشل يجب أن يكون قابلاً للاحتواء، ومن هنا جاءت عقلية التجريب في مجال تعزيز السياسات.

ربما يكون تحقيق العنصر الثالث في التحول من قائد أعمال إلى قائد في الحكومة هو الأصعب؛ لكي تنجح في مجال الأعمال عليك أن تخلق القيمة وتحصل على مكاسبها، ولكي تنجح في العمل الحكومي عليك أن تخلق القيمة وتترك مكاسبها للآخرين.

تتأثر القيمة التي تولدها الشركات بقدرتها على تحقيق الأرباح من أنشطتها، ومن خلال هذا المفهوم تتحدد تلقائياً المشكلات التي تريد التركيز على حلها. على سبيل المثال، غالباً ما يتردد الرؤساء التنفيذيون للشركات الربحية في تمويل الأبحاث الأساسية التي لا يمكن الحصول على براءة اختراع لها، في حين أن توليد القيمة على المستوى الحكومي لا يتحدد بالعوائد المالية بل يكون مدفوعاً برؤى المعنيين، ومن ثم تواجه الحكومة قيوداً أقل فيما يخص معالجة المشكلات، ما يتيح مجموعة أوسع من الحلول والأساليب ويحقق رضا فكرياً وعاطفياً أكبر للمعنيين؛ فجوهر الحكومة هو خدمة الآخرين.

تتحمل الحكومات مسؤوليات في مجالات لا يمكن للأسواق تحملها، ومنها مثلاً توفير التعليم الأساسي أو صيانة الطرق السريعة أو حماية الحدود الوطنية. عادة ما تكون مشاركة الحكومة في قطاع ما في حد ذاتها مؤشراً على أن الكفاءة وحدها لا تكفي لتقديم الخدمات العامة، وخاصة في بلد مثل الولايات المتحدة، حيث ثمة ميل عام لتقليل المشاركة الحكومية (على النقيض من فرنسا على سبيل المثال).

يجلب القادة الناجحون عادة التميز إلى الحكومة، ولكن نجاحهم في العمل الحكومي يعتمد على تفهمهم لاختلاف التميز من مجال إلى آخر. من الضروري تحسين ممارسات الحكومة الأميركية، وربما يكون ماسك ورامسوامي الشخصين المناسبين لهذه المهمة، ولكن ما ينبغي لنا أن نسعى إلى تحقيقه هو إنشاء وزارة الفعالية الحكومية وليس وزارة الكفاءة الحكومية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي