كنت الرئيس التنفيذي لشركة تضم بضع مئات من الموظفين، وأنا في التاسعة والثلاثين من عمري. أعتقد أنني أحصل على درجة تتراوح من 0 إلى 7 على مقياس “القسوة” (إذ تعني 10 أن الشخص مستبد)، بحسب اليوم والموظف الذي تسأله. ربما كنت أحصل على 4.5 أو درجة قريبة منها. أشك في أن أي موظف يمكن أن يمنحني 10، فهذا يتطلب تصرفات خبيثة من نوع معين. لم أكن أصل إلى حالة غضب وهياج، إلا في مرة واحدة تعرضت فيها حياة المشاركين في رحلة بالدراجات لجمع تبرعات للقاحات الإيدز في ولاية مونتانا (1,500 شخص يركبون درجات مدة 7 أيام عبر جبال روكي من أجل مكافحة المرض) للخطر بسبب هبوب رياح عاصفة دمرت مدينتنا المؤقتة حرفياً. ولكن كنت صارماً وجاداً إلى حد ما في الأيام العادية.

قصص الرئيس التنفيذي الغاضب والشديد الاهتياج مشهورة جداً، من الرئيس التنفيذي لشركة أميركان أباريل (American Apparel)، دوف تشارني، الذي اتُهم بخنق موظف بكلتا يديه، إلى والت ديزني، الذي حذَّر مرؤوسوه بعضهم بعضاً من أنه يكرر هذه الجملة من فيلم بامبي “الإنسان في الغابة!”. واشتهر بيل كلينتون بنوبات غضبه. حتى الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، الذي كان يبدو لطيفاً، يرعب الموظفين. كتبت يوكاري إيواتاني كين، في كتابها الذي عن الرئيس التنفيذي: “عندما لا يتمكن شخص ما من الإجابة عن سؤال، كان كوك يجلس ملتزماً الصمت بينما يحدق الأشخاص في الطاولة ويتحركون من مقاعدهم. يمكن أن تكون فترة الصمت طويلة ومزعجة للغاية لدرجة أن يريد كل شخص في الغرفة المغادرة. وفي بعض الأحيان كان يُخرج لوح طاقة من جيبه ويتناوله بينما ينتظر إجابة، ولا يكسر هذا الصمت إلا صوت طقطقة الغلاف”.

هل السبيل الوحيد لبناء شركة عظيمة حقاً هو الخوف والترهيب؟ هل يؤدي الرفق إلى رداءة الأداء؟ إنه سؤال صعب. لا داعي إلى أن نخدع أنفسنا ونقول إننا بارعون في التعامل برفق دائماً. عندما نكون، بوصفنا عملاء، الطرف الذي تعرض لخطأ ارتكبته العلامة التجارية، سواء كان ذلك في شكل مضيف بوابة يتجاهل المسافرين المتأخرين أو تحديث لأحد البرامج تسبب في تعطُّل هاتفنا المحمول، فإننا نتمنى بالتأكيد أن يكون لدى الشركة ديكتاتور في القمة يمنع انتشار ثقافة يمكن أن تحدث فيها مثل هذه الأفعال.

لكن الاختيار بين الرفق وبناء شركة عظيمة هو اختيار خاطئ. أولاً، هناك فرق بين النية الخبيثة والانزعاج الناجم عن القلق. ربما اعتبرني بعض الموظفين قاسياً، ولكنني لم أقصد قط التصرف بهذه الطريقة، باستثناء حالات نادرة. فقد كنت مشغولاً في أغلب الأحيان نظراً إلى ضخامة المسؤولية التي تقع على عاتقي. كان هناك ضغط كبير لإبقاء نفقات فعالياتنا الخيرية منخفضة، والتأكد من أن الفعاليات آمنة وأن المشاركين يحظون بتجربة مثالية. وكان مستقبل شركتي متوقفاً على تحقيق التوازن بين جميع هذه الأمور. شعرت أنني تحت ضغط لحاجتي إلى إبقاء التكاليف منخفضة مع زيادة رواتب موظفينا الموهوبين. وهناك عملاء مزعجون مَدينون لنا بمبالغ كبيرة، ما يهدد التدفق النقدي. وكان هناك طلب مستمر لمواصلة الابتكار والنمو. ربما يستطيع بعض القادة التعامل مع هذا الضغط بطريقة ألطف مما فعلت، لكن هذا لا يغير حقيقة أنني عندما تصرفت بطريقة سيئة، لم يكن ذلك عن سوء نية. قال صديق لي، وهو مسؤول تنفيذي شهير في قطاع الترفيه: “أتقاضى راتباً للقلق”. أحد الأسباب في أن بعض الأشخاص يستطيعون القيادة بينما لا يستطيع آخرون هو فكرة أن تكون على أهبة الاستعداد لأي شيء. ونادراً ما يسفر الشعور بالقلق عن التصرف بلطف.

ثمة تمييز أهم يجب مراعاته: هناك فرق بين الرفق واللطف. لم يكن فينس لومباردي شخصاً لطيفاً، لكنه قاد لاعبيه ليقدموا أفضل ما لديهم، وأدركوا متأخراً أنهم أحبوه بسبب ذلك. أفضّل اللعب تحت قيادة مدرب يؤمن بإمكاناتي الحقيقية ومستعد للتضحية بنظرتي إليه على المدى القصير مقارنة بمدرب أكثر اهتماماً بأن يكون محبوباً. بمعنى أنني أفضّل العمل لدى شخص يحبني لا شخص لطيف معي.

يكمن السر في الحصول على الإذن؛ إذ ليس من الرفق أن تدفعني لأن أكون في أفضل حالاتي عندما لا تكون لدي رغبة في ذلك، ولم أطلبه.

لا يتعلق الأمر في نهاية المطاف بالاختيار بين الرفق وبناء شركة عظيمة، بل بين خلق بيئة معينة أو نبذها. يجب عليك خلق بيئة يُتوقع فيها أن يتطور الأشخاص، وتكون لديهم رغبة في ذلك، ليكونوا في أفضل حالاتهم على الإطلاق؛ بيئة يمنحك فيها الأشخاص إذناً صريحاً لدفعهم إلى خارج مناطق راحتهم. والعوامل الأساسية لتحقيق ذلك هي:

  • أخبِر جميع الموظفين المحتملين أنهم سيتعرضون لضغوط في شركتك وأن العمل بها سيكون أفضل تجربة في حياتهم.
  • تأكد من أنهم يوافقون على ثقافة “بناء شركة عظيمة” والبيئة اللازمة لذلك قبل انضمامهم.
  • احرص على توظيف أشخاص مسؤولين فقط عن الحفاظ على هذه البيئة على جميع المستويات.
  • ساعد الموظفين على التمييز بين التخويف بنية خبيثة والحب الممزوج بالقسوة. سيبدو الأمر فوضوياً، ولكن عندما تكون النية حسنة، سيشعر الموظفون بذلك.
  • ضع سياسة تنصُّ على عدم التسامح مطلقاً مع السلوكيات الخبيثة.
  • الموظفون بشر؛ وبالتالي ستكون هناك نوبات غضب أو أنانية أو عجرفة. وعندما يحدث ذلك، تأكد من وجود أنظمة ومتخصصين لمساعدتهم على مناقشة الأمر باستفاضة لحل أي مشكلة.

يمكنك الآن إرساء ثقافة قوامها الرفق ولكنها تجعل الشركة عظيمة، ثقافة قوامها المحبة ولكنها قوية وفعالة. ولكن لن يكون اللطف سائداً على الدوام.