يتحسّن عمل الفرق العالمية كلما تعرف أعضاؤها إلى بعضهم أكثر، لأن ذلك يساعدهم في أن يصبحوا أكثر تقبّلاً لزملائهم، وأن يكونوا مرتاحين في مكالمتهم عبر الهاتف عندما تطرأ أي مسألة، وأن يتعاونوا بفعالية أكبر. ولكن نظراً إلى محدودية ميزانيات السفر، وزعزعة التوازن بين العمل والأسرة، والبصمة الكربونية الكبيرة الناتجة عن السفر في العالم، فإن فرصة لقاء أعضاء الفريق وجهاً لوجه لا تكون ممكنة دائماً. لذا، ينبغي لك أن تفكر استراتيجياً حول الوقت الذي يمكن لأعضاء فريقك أن يجتمعوا فيها معاً وكيفية فعلهم لذلك من أجل تعزيز الزيارات الميدانية لفريق العمل.
يختار الكثير من القادة أن يكون لديهم موقع خارج الشركة يجتمع فيه فريق العمل في وقت مبكر من المشروع، بغرض إقامة علاقات قوية فيما بينهم. وفي حين تُعدّ المواقع الخارجية مفيدة، وتنمّ عن نية حسنة، تُظهر الأبحاث التي أجريتها في عدد من الدراسات أنّ أفضل ما يمكن فعله مع أموال السفر المخصصة للفرق العالمية الانتشار هو الاستثمار في الزيارات الميدانية.
الزيارات الميدانية لفريق العمل
توصّلت البيانات في الدراسة التي أجريتها بالتعاون مع مارك مورتنسن، إلى أن التأثير الذي تتركه المواقع الخارجية لا يدوم طويلاً، بينما تساهم الزيارات الميدانية في تحسين التعاون على المدى الطويل، خصوصاً إذا تضمنت زيارة أعضاء الفريق لمواقع زملائهم، حيث يعملون معاً ويتعرفون أكثر على بعضهم، وعلى طريقة تفكير كل منهم في عمله.
لمَ الزيارات الميدانية أفضل؟
وجدنا في دراسة، عملتُ عليها مع كاثرين كرامتون، أن الزيارات الميدانية تتفوّق في ثلاثة مجالات: أولاً، وجدنا أن الموظفين ازدادت مناقشتهم للأمور المتعلّقة بالعمل. ففي حين يعتمد زملاء العمل عادةً على بعض التقنيات لإجراء الاجتماعات والمحادثات وإرسال الرسائل الإلكترونية، وغيرها، رأينا أنّ التواصل خلال الزيارات الميدانية يكون أسرع ومتّسقاً أكثر، فيطرح الزملاء الأسئلة ويجيبون عنها في اللحظة نفسها التي يعملون فيها على مهمة مشتركة. وكانت النتيجة أن أصبحتْ مقارباتهم للأمور وطرق تفكيرهم شفافة أكثر، كما فهموا على نحو أفضل أساليب عمل بعضهم وقدراتهم.
اقرأ أيضاً: كيف يقود المدراء الجدد فريقاً أعضاؤه في عدة دول؟
وثانياً، لاحظنا أن الموظفين يكشفون، خلال الزيارات الميدانية، معلومات شخصية أكثر ويتواصلون اجتماعياً أكثر. يحصل الأمر نفسه خلال الزيارات خارج مواقع الشركة، ولكنّ فرصة تفاعل الزملاء من فرد إلى فرد خلال الزيارات الميدانية تكون أكبر، مثل أن يجتمع اثنان على الغداء أو على فنجان فهوة. كما أنّ الأشخاص يتفاعلون اجتماعياً أيضاً خارج العمل، فقد يصطحب الموظف المقيم زميله الزائر إلى منزله لتناول العشاء، أو إلى نشاط رياضي، وقد يخبره عن الثقافة المحلية وطريقة عيش الناس في المكان الذي يقيم فيه. لقد وجدنا أنّ الزملاء، بعد الزيارات الميدانية، يمتلكون فكرة أفضل عن طريقة عيش الآخرين وعن الأمور المهمة بالنسبة لهم، وكيف يمكن أن يتعاونوا معهم بطريقة أفضل.
ثالثاً، تبيّن أن الموظفين الزوار يتصرّفون مثل علماء الأنثروبولوجيا، فيلاحظون سلوكيات زملائهم في السياق الاجتماعي الذي يعيشون فيه. على سبيل المثال، من المزايا الكبيرة للزيارات الميدانية أنّ الزملاء البعيدين يُكوّنون فكرة عن الطريقة التي يُنظر بها إلى زملائهم من قبل الآخرين في السياق المحلي. عندما يتحدثون، هل يستمع الآخرون لهم بإمعان أم يُعبّرون عن امتعاضٍ لا يظهر إلا في أعينهم؟ ممّن طلب الزملاء المحليون النصيحة؟ لعبتْ هذه الإشارات كلّها دوراً حيوياً لفهم كيفية انسجام الموظفين مع النسيج الاجتماعي للموقع المضيف ومستوى نفوذهم وأدوارهم، ما أدّى إلى أن يُكوّن الموظفون فكرة عن شخصية زملائهم. في إحدى الحالات، أخبرَنا أحد المطورين الهنود عما كان يواجه من صعوبة في التعامل مع زميله الألماني، لأنّ الأخير لم يكن يحترمه على ما يبدو، ولكن بعد أن رأى كيف يتعامل زميله الألماني مع مواطنيه خلال زيارة ميدانية فهم ألا شيء شخصياً بينهما، إنّما هذه شخصيته. أما المواقع الخارجية فهي لا تُركّز على العمل المشترك بين الزملاء بشكل عام من أجل إنجاز مهام يومية، ما يُفقدها الكثير من هذه الفوائد.
وجدنا - كرامتون وأنا - أنّ الزملاء الذين أمضوا الوقت معاً خلال زيارة ميدانية كان تجاوبهم أسرع، لأن القلق لديهم من أن يُساء فهمهم أو أن يضروا بالآخرين كانت نسبته أقلّ. وبعد الزيارات الميدانية التي قام بها الموظفون سابقاً، وجدنا أنّهم تكلّموا مع بعضهم البعض أكثر من العادة، وتواصوا عبر الهاتف، وكانوا مرتاحين أكثر للتواصل سوياً خارج ساعات العمل، كما كانت أحاديثهم أطول، فناقشوا مواضيع شائكة أكثر (كانوا يتجنبونها في العادة)، وتبادلوا معلومات شخصية أكثر. ظهرتْ نتائج مشابهة في دراسة لم تُنشر بعد، أجريتها بالتعاون مع نينا نورمي، لصالح شركة هندسية متعددة الجنسيات. وجدنا أنّ الزيارات الميدانية التي ساهمتْ في تعرّف الموظفين إلى شخصيات زملائهم وممارساتهم الوظيفية وأساليب الاتصال التي يعتمدونها، ساهمت في زيادة التقارب بينهم، وزيادة مستوى فعالية التعاون والتجاوب، حتى أننا لاحظنا مستويات أعلى من الرضا الوظيفي نتيجة لهذه الزيارات.
في دراسة شملت عاملين في شركة كيميائية عالمية، وجد تسيدال نيلي ومارك مورتنسن أن الزيارات الميدانية ساعدت الموظفين في زيادة مغرفتهم ببعضهم البعض كما ساعدت الزائرين منهم على زيادة معرفتهم التأملية فتحسّنت معرفتهم بموقع عملهم بفضل زملائهم البعيدين. على سبيل المثال، إذا كنتَ في ألمانيا وتعمل مع أعضاء فريق من الهند، قد تتعلم خلال إحدى الزيارات الميدانية أنّ الموجودين في الهند يرون أن أولئك الموجودين في ألمانيا يتسمون بالفظاظة، ولكنك في الوقت نفسه تخوض تجربة غنية بالتفاعلات المنفتحة والودية التي تحدث في مكتب الهند. تكتشف نتيجة لذلك أن تفسيرهم لردود فعل الألمان على أنّه سلوك فظّ هو تفسير منطقي، وبالتالي بتّ تفهم أكثر كيف تُرى سلوكياتك في ألمانيا من قبل أعضاء فريقك في الهند. وقد جد الباحثان نيلي ومورتنسن أنّ المعرفة التأملية تدفع إلى مستويات أعلى من الثقة والتعاون المعزّز.
إذاً، مَن الذي ينبغي له أن يسافر، وإلى أين، وكم مرة؟
تقترح هذه النتائج عدة أمور ينبغي الالتفات إليها عند توزيع ميزانيات السفر الضيقة. أولاً، وجدنا أنّه من الأهمية أن يقوم بالرحلة كل من القادة وأعضاء الفريق. هذا لا يعني أن يسافر أعضاء الفريق بالكامل، ولا حاجة لأن يسافروا ضمن مجموعة (ومن الأفضل ألّا يفعلوا ذلك في الواقع)، ولكن يجب أن يُمنح أعضاء الفريق من كل المواقع فرصة للتعرف إلى مواقع العمل البعيدة وزملاء العمل هناك. لذا، إذا كان لديك فريق يعمل في ثلاثة أماكن مختلفة، سيكون من المثالي أن يسافر زملاء العمل من كل موقع إلى الموقعين الآخرين. نرى المؤسسات تركّز في العادة على سفر الموظفين إلى مقرها الرئيسي، وهذا إن كان يساعد في فهم كيفية سير الأمور في المقر الرئيسي على نحو أكبر، غير أنه يفشل في مساعدة الموظفين في المقر الرئيسي على فهم مواقع العمل البعيدة، علماً أنّ هذا الأمر مهم أيضاً لتعزيز التعاون العالمي. أما بالنسبة إلى عدد الزيارات، فهو لا يزال سؤالاً معقداً لم يقدم أي بحث إجابة محددة عنه حتى الآن. افترضتُ - من خلال البحث الذي أجريته وكاثرين كرامتون - أنّ السفر إلى كل موقع من المواقع مرة كل 9 أو 12 شهراً هو العدد المناسب، ولكن قد تكون هناك حاجة إلى تكرار السفر خصوصاً في المشاريع المتقلبة أو عندما يتغيّر أعضاء الفريق باستمرار.
ما يهم في النهاية هو أن يُكوّن الزملاء علاقة شخصية، وألّا يتحفظوا على التواصل مع زملائهم البعيدين، خصوصاً عندما تنشأ المشاكل، ويجب التنبيه إلى أن الأنشطة الموضحة أعلاه ضرورية، مثل العمل معاً ومراقبة بعضنا البعض من أجل تعزيز الزيارات الميدانية لفريق العمل. عندما لا يُستضاف الزائرون جيداً ولا يختلطون بزملاء العمل في الموقع البعيد ولا يشعرون بالترحيب، يمكن أن تتصاعد التوترات وأن تصبح الزيارات الميدانية أمراً سيئاً، غير أنّ الزيارات الميدانية المحضّر لها جيداً تساهم مساهمة كبيرة في وضع أساس يمكن للفرق أن تبني عليه.
اقرأ أيضاً: