كيف تتخذ قرارات ذكية وسط الغموض؟ ابدأ بطرح هذه الأسئلة

7 دقيقة
اتخاذ القرارات
مايكل برينس/غيتي إميدجيز

في خضم عدم الاستقرار الجيوسياسي والصدمات المناخية والاضطرابات التي يسببها الذكاء الاصطناعي وعوامل أخرى، نجد أن قادة اليوم لا يتعاملون مع أزمات عرضية، بل يعيشون حالة من الأزمات الدائمة.

عندما يستمر المشهد بالتغير، قد تفقد القرارات التي تعتمد على الافتراضات القديمة فعاليتها بسرعة؛ فالقرارات التي كانت سديدة لن تجدي نفعاً بعد الآن.

في زمننا هذا، يعدّ طرح الأسئلة الصحيحة من أكثر الإجراءات التي يمكن أن يتّخذها القادة فعالية، وذلك لأن الأسئلة الذكية لا تساعد فقط على التوصل إلى إجابات، بل توسّع المدارك وتتيح محاكمة الخيارات من وجهات نظر جديدة.

تهدف الأسئلة التقليدية إلى خفض الغموض، مثل: "ما هو العائد على الاستثمار؟" و"ما هو جدولنا الزمني؟" و"كيف سنحدد المراحل الرئيسية؟" لكن عندما يكون التقلب هو الوضع الطبيعي، قد تؤدي هذه الأسئلة إلى التركيز على تفاصيل ضيقة قبل اتضاح الصورة الكاملة، ما يؤدي بالفِرق إلى اتخاذ قرارات نهائية قبل أوانها أو تجاهل التغييرات الكبيرة في السياق أو تأخير التحركات الحاسمة. من الطبيعي أن يركز الإنسان على ما يألفه حين يتعرض للضغط، فهذا السلوك الغريزي قد يخلق وهم السيطرة، ما يعمي الإنسان عن المخاطر الجديدة أو يحجب الفرص القيّمة عنه أو يقيده بمنطق الأمس في حين يتقدم العالم من حوله بسرعة.

في الظروف التي يسودها عدم اليقين، يجب أن يطرح القائد أسئلة توسّع منظوره وتولد لديه رؤى جديدة وتحفّزه على الإبداع. لا تساعدك الأسئلة الصحيحة على تجنب العثرات فحسب، بل إنها تفتح لك آفاقاً جديدة.

سأتحدث في هذا المقال عن الأسئلة الأربعة التي أستخدمها لمساعدة عملائي على التكيف مع الغموض والتغلب عليه. أجوبة هذه الأسئلة ليست تنبؤات بالمستقبل، بل إنها تساعدك على التفكير بوضوح أكثر في الوقت الحالي وعلى التركيز على ما يهمك وكشف النقاط التي فاتتك وتحفيزك حين تشعر بأنك عاجز عن التقدم.

1. ما هي القرارات الحالية التي ستظل منطقية بعد سنة من الآن؟

من السهل اتخاذ القرارات التي تحل المشكلات الفورية ولكنها تؤدي إلى عواقب لاحقة، يجبر طرح هذا السؤال القادة على التأني وتقييم استمرارية خياراتهم، ما يدفعهم إلى التفكير على المدى الطويل في الاضطرابات القائمة على المدى المنظور.

لا تتطلب الإجابة عن هذا السؤال التمتع ببعد نظر مثالي، ولكنها تتطلب الوضوح في التفكير. يجب أن تجيب عن أسئلة مثل: "ما هو التوجّه الذي نلتزم به حقاً؟" و"ما هي القيم التي نريد أن يظهرها هذا القرار؟" و"ما هي المخاطر التي يمكننا تحملها في المستقبل؟"  يساعد هذا السؤال الفِرق على تجاوز حالة الذعر أو الضغط واتخاذ قرارات تتوافق مع الأهداف التي تريد تحقيقها بدلاً من تحسين حالتها الحالية من خلال فرز المعطيات، فتمنح الأولوية للقدرة على التحمّل بدلاً من المكاسب السريعة، وللاستراتيجية بدلاً من التخبّط.

كانت لانا، وهي من كبار القادة في إحدى العلامات التجارية الاستهلاكية العالمية، تتعرض لضغط من أجل خفض التكاليف بعد ربع سنوي مخيب للآمال. قدّم فريقها المالي حلاً مباشراً، وهو إلغاء مبادرات الاستدامة في الشركة. ستؤدي هذه الخطوة إلى خفض التكاليف بسرعة وبالحد الأدنى من الاضطراب التشغيلي، وهو ما بدا أن التقرير الفصلي يدعو لتحقيقه. مع ذلك، تأنّت لانا في تطبيق الإجراء لسبب ما يتعلق بالتوصية نفسها.

بعد أن سألت لانا نفسها: "ما هو القرار الذي سيظل منطقياً بعد سنة من الآن؟"، أخذت منظوراً أشمل ونظرت في العواقب الطويلة الأجل لهذا الإجراء. أصبحت الاستدامة جزءاً أساسياً من هوية العلامة التجارية، خاصة لأنها تتمتع بقاعدة عملاء سريعة النمو تتألف من المستهلكين الأصغر سناً الشديدي الاهتمام بالمسؤولية البيئية والاجتماعية. قد يساعد إلغاء برامج الاستدامة على زيادة هوامش الربح في الربع السنوي الحالي، لكنه يوصل فكرة خاطئة للسوق ويعرّض العلامة التجارية لخطر الإضرار بالثقة التي اكتسبتها بشق الأنفس.

بدلاً من إلغاء البرامج تماماً، حددت لانا جهود الاستدامة الأبرز والأهم، مثل شراكات التوريد الأخلاقي التي أقامتها الشركة. مكّنها ذلك من الحفاظ على أهم المبادرات وإيقاف الجهود التي ليس لها أثر مباشر في المستهلكين، أو إعادة هيكلتها. شرحت لانا هذا القرار بشفافية للموظفين، ما عزز التزام الشركة به على المدى الطويل مع الاعتراف بالقيود القصيرة الأجل.

ساعد هذا السؤال لانا على مقاومة اتخاذ قرار تفاعلي واختيار قرار يوازن بين الاحتياجات الفورية والمكانة الطويلة الأجل.

2. إذا جسّد هذا القرار بعد سنة من الآن مثالاً على قدراتنا القيادية، فماذا سنتعلم منه؟

في الفترات التي يسودها عدم اليقين، عندما تكون المعلومات منقوصة ويصعب التنبؤ بالنتائج، يساعد هذا السؤال القادة على اتباع عقلية العمل الهادف المدروس بدلاً من عقلية حل المشكلات التفاعلي.

هذا السؤال ليس مجرد سؤال للتأمل، فهو ضروري لتوسيع منظورك؛ إذ إنه يدفعك إلى طرح أسئلة مثل: "ما هي تبعات قراراتنا على صورتنا؟" و"ماذا سيكون رأي الآخرين بنا، ليس بما حققناه فقط بل بسلوكنا وأسلوبنا في التعامل مع الموقف أيضاً؟".

على عكس الأسئلة التي تركز على التحقق من أن نتائج القرار مستدامة، يتعلق هذا السؤال بالصورة التي تعكسها قراراتك عنك، وعن أولوياتك وشجاعتك ووضوحك. هذا سؤال استراتيجي لأنه يدفع القادة إلى تبنّي منظور أوسع والأخذ في الاعتبار كيف تعكس خياراتهم الثقافة التي يبنونها والمثال الذي يقدمونه ليحتذي الآخرون به.

خذ جبران مثالاً، وهو نائب رئيس في شركة تكنولوجيا سريعة النمو يقود عملية إطلاق منتج عالي المخاطر؛ أثار أحد أعضاء الفريق مخاوف أخلاقية بشأن خطر كشف بيانات المستخدم، فعلى الرغم من أن الفريق القانوني وافق على إطلاق المنتج، ما زالت ثمة مخاوف لم تحسم بعد، ولكن سيؤدي تأخير إطلاق المنتج في هذا الحالة إلى عدم الوفاء بموعد التسليم الذي حدده أحد أهم المستثمرين، ما تسبب في انقسام الفريق بين مؤيد ومعارض.

أدى طرح السؤال "إذا جسّد هذا القرار بعد سنة من الآن مثالاً على قدراتنا القيادية، فماذا سنتعلم منه؟" إلى إحداث تغيير جذري في الجدال؛ إذ إن الإجابة في هذه الحالة لم تعد تتعلق فقط بالجداول الزمنية أو المخاطر، بل أصبحت تتعلق بالقيم الشخصية والنزاهة. ما هو المبدأ القيادي الذي أرادت القيادة أن يبيّنه هذا القرار؟ ما هي العبرة التي رغبت القيادة في أن يتذكرها الفريق ومستخدمو المنتج؟ قرّر جبران تأخير الإطلاق أسبوعين لتصميم آليات حماية أكثر فعالية للبيانات وتوضيح سبب تغيير الموعد علناً.

بالنتيجة، فوتت الشركة الموعد النهائي ولكنها اكتسبت ثقة فِرقها واحترام الشركات الأخرى وثقة المستثمرين. بعد مرور سنة، طُرح هذا القرار باعتباره مثالاً مميزاً على القيادة النزيهة.

3. ماذا لو كانت هذه الأزمة غير مؤقتة، بل الوضع الطبيعي الجديد؟

يقلب هذا السؤال مفهوم القادة عن الاضطرابات رأساً على عقب؛ فبدلاً من التعامل مع التقلبات على أنها ظرف مؤقت سيزول بعد فترة، يدفعك السؤال إلى أخذ احتمال أن يكون الاضطراب هو الوضع الطبيعي الجديد في الاعتبار.

هذا التحول هو أكثر من مجرد تحول دلالي، فهو تحول استراتيجي يدفعك إلى مقاومة الرغبة العفوية في التأخّر والتأجيل أو اتخاذ القرارات بناءً على وهم أن الاستقرار سيعود، ويدعوك إلى التوقف عن التركيز على التعافي من تبعات الأزمة والبدء بالاستعداد لتعزيز الاستدامة والقدرة على التحمّل. يشجعك هذا التحول على التركيز على الأنظمة والثقافة والقدرات الفعالة في الأزمات. من خلال مواجهة حالة عدم اليقين مباشرة، ينتقل القادة من حالة رد الفعل إلى حالة المقاومة والصمود، ويتخذون خيارات لا تؤدي إلى حل المشكلات الحالية فحسب، بل تناسب الظروف المستقبلية.

كان وائل، الرئيس التنفيذي للعمليات في إحدى شركات السلع الاستهلاكية، يعاني مشكلة مع أحد مورّدي مواد التغليف الرئيسيين. كانت عمليات التسليم تتأخر والجودة تتراجع. مع ذلك، شعر وائل بأن تغيير المورّد خطير؛ إذ إن الشركة تتعامل معه منذ سنوات، وهو على دراية بالمواصفات التي تفضلها ويعرض أسعاراً مناسبة. لذلك، طالب وائل باستمرار بحل هذه المشكلة على أمل أن تكون مؤقتة.

خلال اجتماع أجراه وائل مع فريقه لمناقشة سلسلة التوريد، سأله قائد التوريد: "ماذا لو كانت هذه المشكلة غير مؤقتة، بل هي الوضع الطبيعي الجديد؟".

قلب السؤال المحادثة رأساً على عقب؛ فبدلاً من التعامل مع مشكلة المورد على أنها اضطرابات قصيرة الأجل، أدرك وائل نمطاً أعمق: على الرغم من أن العلاقة كانت ناجحة عبر سنوات عدة، فإنها لم تكن ناجحة خلال العام الماضي، وهي الفترة التي توسعت فيها شركة وائل لتشمل الأسواق الدولية. ربما المشكلة التي عاناها وائل لم تكن ناتجة عن أخطاء مؤقتة، وربما المشكلة التي يواجهها الفريق هي أن المورد لم يعد بإمكانه تلبية احتياجاته المتزايدة. لم تكمن المخاطرة في تغيير المورد، بل كانت تكمن في الإخلاص لعلاقة لم تعد تخدم الشركة.

أطلق وائل خطة مزدوجة المسار؛ إذ إنه بدأ بإعداد مورد جديد ومنح المورد الأساسي مهلة أخيرة تبلغ 90 يوماً لتحسين جودة خدماته مع توفير معايير واضحة. كان وائل مستعداً لتغيير المورد إذا استمرت المشكلة.

بالنتيجة، لم تحدث حالات التأخير بالقدر نفسه وأصبحت جودة المواد أفضل، وتعززت ثقة تجار التجزئة بالشركة. منع سؤال قائد التوريد شركة وائل من انتظار أن "تعود الأمور إلى نصابها". لم يقدم السؤال تنبؤاً، بل طرح إطاراً جديداً للمشكلة أدى إلى اتخاذ إجراء فعّال.

4. ما هي عواقب الانتظار؟

في الأزمات، قد تبدو الرغبة الغريزية في التريث بانتظار  المزيد من البيانات واتضاح المعالم والصورة كأنها تعكس الحكمة وحس المسؤولية. يتعلّم القادة تجنّب التسرع وخفض المخاطر واتخاذ القرارات بناءً على الأدلة.

لكن في الظروف المتقلبة، يؤدي السعي لكشف الصورة الكاملة تماماً إلى عواقب خفية، وهي عواقب عدم اتخاذ أي إجراء. هذا ما يجعل هذا السؤال استراتيجياً بامتياز؛ فهو لا يجبر القادة على الأخذ في الاعتبار عواقب اتخاذ الإجراءات قبل أوانها فقط، بل أيضاً عواقب اتخاذ الإجراءات بعد فوات الأوان، التي لا تقل خطورة.

يدفع هذا السؤال القادة إلى التركيز في عملية اتخاذ القرارات على الإجراءات المتمحورة حول الفرص بدلاً من التأجيل المدفوع بالخوف؛ فهو يشجعهم على أخذ عواقب التردد في الاعتبار، مثل فقدان الزخم أو المكانة في السوق أو تراجع معنويات الفريق أو تفويت فرص الابتكار أو فرصة جعل مؤسساتهم رائدة بدلاً من أن تتخلف عن الركب. لا يؤدي هذا السؤال إلى تجاهل المخاطر، بل يضمن موازنتها مع مخاطر فوات فرصة اتخاذ الإجراءات. التوقيت مهم أكثر من الدقة غالباً في الأزمات، وقد يؤدي انتظار اتضاح الصورة إلى فوات فرصة اتخاذ أفضل الإجراءات.

واجهت منى، وهي الرئيسة التنفيذية للاستراتيجية في شركة خدمات مالية صغيرة، قراراً صعباً بشأن توظيف شخص في منصب كبير مسؤولي التسويق خلال فترة كانت تسودها التقلبات وظروف عدم اليقين الاقتصادي في سوق الأسهم. اعتقدت منى في البداية أنه من الأفضل الانتظار 6 أشهر لجمع البيانات واستقرار السوق أكثر وظهور مستثمرين مهتمين بالمنتجات المالية الجديدة.

لكن في اجتماع للقيادة، سألت المجتمعين قائلة: "ما هي عواقب الانتظار؟"

اكتشف الفريق في أثناء النقاش مخاطر حقيقية للانتظار، وهي الفشل في عرض اسم الشركة ومنتجها للمستثمرين المحتملين وعدم الوصول إلى العملاء الذين سيستفيدون من المنتج والخسارة أمام المنافسين والتسبب بتراجع الزخم في الشركة بعد أشهر من العمل. أدرك الفريق أيضاً أن انتظار استقرار السوق سيؤدي على الأرجح إلى تفويت فرصة توظيف كبير مسؤولي التسويق من بين المرشحين العديدين المتاحين الذين يتمتعون بمؤهلات عالية، وهو خطر لا يقل أهمية عما سبقه.

من خلال التخلص من الخوف من التحرك والتفكير في عواقب عدم اتخاذها، قرر الفريق التوصل إلى توازن بين الإجراءات الشجاعة والحذرة، ووظف شخصاً في المنصب المعني وأعاد تصميم هيكل التعويضات بطريقة تضمن تقديم مكافآت سخية لجذب الاستثمارات الجديدة. لم يُبدد هذا السؤال حالة عدم اليقين، لكنه ساعد الفريق على اتخاذ الإجراءات على الرغم من هذه الحالة، مع الوعي بالعواقب.

الانتقال من التردد إلى العمل الهادف

في عالمنا اليوم الذي تسوده الأزمات الدائمة، تبدو عودة حالة الاستقرار مستحيلة. عندما تشعر بأن كل ما حولك غير مستقر، فسيمنحك استخدام هذه الأسئلة الأربعة على أنها أدوات استراتيجية القدرة على تحليل المواقف بكفاءة أكبر وإعادة تأطير المخاطر وتعزيز قدرتك على اتخاذ القرارات

لست بحاجة إلى التمتع ببصيرة مثالية لتكون قائداً جيداً في الفترات التي يسودها عدم اليقين، لكن طرح الأسئلة التي يجب طرحها له أثر كبير في تحديد استجابتك؛ إذ إنها تكشف الافتراضات الخاطئة وتسلط الضوء على الفرص الخفية وتساعدك على التركيز على العوامل التي تستطيع السيطرة عليها. لا يتعلق اتخاذ القرارات الاستراتيجية بامتلاك الإجابات جميعها، بل بطرح الأسئلة التي تدفعك نحو تحقيق نتائج أكثر حكمة واستدامة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي