كيف ينظر مارك زوكربيرغ إلى الغرض من تأسيس الشركة؟

3 دقائق

دافع مارك زوكربيرغ بمقال نشره عن العولمة وآلية عمل "فيسبوك". ففي رسالته التي قاربت 6,000 كلمة قدّم مارك حججه المقنعة بأن "فيسبوك" يزدهر في ظل منظومة اقتصادية اجتماعية تعتمد على العولمة، حينما تكون العوائق أمام المعلومات، والعمالة، ورأس المال والمنتجات في حدودها الدنيا.

وأظهرت بحوث أجريتها أنا وآخرون، أن المؤسسات التي تمتلك توجهاً هي مؤسسات متفوقة في أدائها على المؤسسات المنافسة، لقد رسم زوكربيرغ في رسالته مجموعة معالم واضحة للأغراض التي يقوم بسببها الفيسبوك. ولكن بنفس الوقت تُبين البحوث أن الأشخاص يسخرون بشدة من قادة الأعمال الذين يتحدثون عن الغرض من وراء شركاتهم.

كما تميل الإدارات العليا لأن تتمتع بحس مسؤولية أعلى تجاه الغرض من الشركة مقارنة بالإدارات الوسطى، والتي تتمتع بحس مسؤولية أعلى منه مقارنة بالمستويات الدنيا من الموظفين.

تسعى الإدارات العليا في كثير من الأحيان إلى تنمية حس المسؤولية تجاه الغرض من الشركة، ولكن غالباً ما يتجه الموظفون إلى شراء منتجات الشركات المنافسة.

توفر رسالة زوكربيرغ درساً في كيف يمكن للمؤسسة إيصال الغرض من تأسيسها بموثوقية وصراحة. كما تقدم مقالته أموراً أخرى تتضمن: جعل غرض ما محدداً للمؤسسة، وتوضيح كيف يمكن فعل ذلك، والإشارة إلى الفجوات الممكن ملؤها في السوق، وأهمية المكانة التنافسية التي تختارها المؤسسة، وقياس المؤشرات اللازمة، والالتزام بالإتقان والتقدم المستمر، والاعتراف بالتحديات.

حتى تكون عبارة الغرض من المؤسسة جيدة فيجب:

أن يكون الغرض خاصاً بالمؤسسة. لا تحقق مجموعة القيم ورسائل الكثير من الشركات إلا قدراً ضئيلاً من الوضوح والتمايز، مقارنة بالشركات الأخرى. تظهر كثيراً كلمات مثل: العمل الجماعي، والابتكار، والنزاهة، والقيادة والتنوع في هذه الرسائل. ورغم جودة معناها، فإنها توصل القليل من المعلومات حول سبب أن تكون هذه الشركة فريدة من نوعها، كما أنها تعكس القليل عن واقع هذه الشركات. وجدت البحوث أن مثل هذه الرسائل لا ترتبط بالأداء العالي، بل إنها كلام مبتذل ومكرر.

يتجاوز الغرض الذي وضعه زوكربيرغ لـ "فيسبوك" هذه العيوب. عندما يقول: "إن أهم شيء يمكننا عمله خلال "فيسبوك" هو تطوير بنية اجتماعية لتمكين الأشخاص من بناء مجتمع عالمي يعمل لمصلحتنا جميعاً"، والذي هو غرض لا يمكن أن تطمح له الكثير من المؤسسات.

توضيح كيف يمكن فعل ذلك. إلى جانب إشكالية أن غرض الكثير من الشركات مكرر، فهو أيضاً وفي كثير من الأحيان يفتقد الآلية الواضحة لتحقيقه. يحدد زوكربيرغ الكيفية من خلال خمس ركائز وهي: دعم تجارب الحياة من خلال بناء المجتمعات، والحفاظ على سلامة الأفراد، وزيادة المعلومات كماً ونوعاً، وزيادة مشاركة المجتمع المدني، وخلق مجتمعات شاملة أكثر.

الإشارة إلى الفجوات التي يمكن إغلاقها في السوق. تُتهم الكثير من الشركات في عالم اليوم بأنها تخلق الطلب على سلع وخدمات غير ضرورية، نتيجة لذلك، من الضروري للشركة تحديد الفراغ السوقي الذي تأمل بملئه. ما الذي يتأمله الأشخاص من غايات لتحققها لهم تلك الشركة؟ يحدد زوكربيرغ ذلك بقوله إنه يمكن للمجتمعات الداعمة ردم الفجوة الناجمة عن تراجع الهياكل المجتمعية للمجتمعات المحلية خلال العقود الماضية.

شرح المكانة التنافسية. يجب على قادة الأعمال أن يتساءلوا لماذا تحتل شركاتهم مكانة جيدة تساعدهم على تحقيق الغرض منها؟ وفي حالة "فيسبوك"، تحتل الشركة مكانة فريدة في منع الأذى وتقديم المساعدة خلال الأزمات أو المساهمة في إعادة البناء لاحقاً، وكل ذلك نتيجة كمية التواصل عبر شبكاتها بالتوازي مع قدرتها على الوصول السريع للأشخاص حول العالم. وبشكل مشابه، فهي قادرة، نتيجة حجمها، على زيادة مشاركة المجتمع المدني عبر مساعدة المزيد من الأشخاص على ممارسة حقوقهم السياسية والتصويت لمرشحيهم. وقد شهدنا ذلك في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، حين ساعد "فيسبوك" مليوني شخص على التسجيل والتصويت، وقارب المسافة بين الناخبين وممثليهم مع إمكانية عمل "تاغ" لأسماء السياسيين في محادثات "فيسبوك".

توفير طريقة لقياس النجاح. يساعد تحديد ما نريد قياسه الشركات على فهم مدى فعالية أنشطتها إضافة إلى إدراك ما إذا كانت هذه الأنشطة يتم قيادتها بطريقة منتجة أم لا. تفتقد الكثير من الشركات بشدة المقدرة على قياس التقدم تجاه الغرض منها، ويكمن الحل في تطوير مقاييس موضوعية للنجاح تتماشى مع أغراض الشركة. فعلى سبيل المثال، قررت إدارة "فيسبوك" مراقبة التقدم تجاه غرض بناء مجتمعات داعمة بقياس عدد الأعضاء في المجموعات ذات المغزى بدلاً من قياسها في المجموعات بشكل عام. وكان قياس عدد الأشخاص الذين سجلوا ليقوموا بالتصويت أو المشاركين بحوارات مع ممثليهم السياسيين عبر "فيسبوك" مقياساً لزيادة مشاركة المجتمع المدني.

التفكير بالغرض كعملية مستمرة. إن نصف الشركات تعتبر أغراضها أهدافاً نهائية محددة، أو أشياء تم تحقيقها مسبقاً. إلا أنه من الأفضل التفكير في الغرض باعتباره عملية تقدم مستمرة وكأنه بحث مستمر. هناك دوماً مجال ما للتقدم، حيث يقول زوكربيرغ في كتاباته قائلاً: "إن فيسبوك في حالة عمل وتطوير مستمر ونحن حريصون على التعلم والتطوير".

اعترف بالتحديات. وأخيراً، يجب أن يكون هناك تحديد واضح للتحديات التي ستظهر أمامنا نتيجة سعينا وراء هذا الغرض. في حالة "فيسبوك"، فإن الغرض منه يواجهه الاستقطاب المستمر للآراء رغم تجانس الرأي العالمي والمؤلف من مستخدمين معرضين لهذا الاستقطاب. تطرق زوكربيرغ إلى هذه التحديات مسبقاً، وبنفس الوقت يصف أفعالاً قد تسهم في تقليل احتمالات حدوث هذه التحديات أو أثرها مثل إظهار آراء إضافية أو نشر تقارير تحقق من المعلومات أو ترتيب أولية القصص بناء على أن الشخص الذي يشاركها قد قرأ القصة فعلاً.

يكون الغرض من المؤسسة أكثر من مجرد مجموعة من الجمل المرتبة فيما لو تم عمله بشكل صحيح، فهو سيكون مُحفزاً للموظفين، وسيكون طريقة لتمييز نفسك عن المنافسين، وركيزة استراتيجية. ولكن فقط عندما يكون هذا الغرض حقيقياً وموثوقاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي