كيف يستخدم القادة الرعاية الذاتية لتعزيز مهاراتهم؟

11 دقيقة
العناية بالنفس
الرسم التوضيحي: كيارا غيغليازا

منذ بداية جائحة كوفيد-19، ازداد اهتمام وسائل الإعلام بتعزيز الرفاهة والقدرة على التحمل، وعلى الرغم من ذلك فالكثير من القادة يستصعبون تطبيق ممارسات العناية بالنفس. استناداً إلى الأبحاث، والخبرة، والأدلة المتناقَلة، صرنا نعرف أن على القائد الاهتمام بنفسه حتى يقدم الأداء الأمثل ويتمتع بصحة وكفاءة أعلى، ولكن القول أسهل من الفعل. دربت مؤخراً 30 قائداً في قطاع التعليم من 21 دولة مختلفة مدة أسبوع، وتبين لي ألا أحد منهم يمارس العناية بالنفس بانتظام وألاحظ الأمر ذاته بين عملائي من القادة على اختلاف خلفياتهم وقطاعاتهم ومناطق عملهم، إذ تمثل ممارسة العناية بالنفس تحدياً لهم.

هناك العديد من الأسباب، الشخصية والهيكلية، التي تجعل بعض القادة يستصعبون منح العناية بالنفس الأولوية اللازمة. يبذل القادة جهداً لإدارة عواطفهم في العمل، وهذا وحده كفيل باستنزاف طاقاتهم، ويتعامل كل فرد مع مسألة العناية بالنفس وفق منظوره والتحديات التي يواجهها، بناء على شخصيته وتجاربه وتنشئته الاجتماعية وظروفه العائلية. كشف أحد العملاء أنه من البديهي بالنسبة إليه أن يقلق على صحة موظفيه وليس على صحته، في حين قالت أخرى إن الوقت الذي تخصصه لنفسها يعد نوعاً من الكسل وعدم تحمل المسؤولية في ثقافة عائلتها الكبيرة. تؤثر العوامل الثقافية والمجتمعية والتنظيمية أيضاً في عناية القادة بأنفسهم، فالبعض يعتبرها غريبة عن ثقافته، إضافة إلى أن بعض الثقافات التنظيمية تعطي أولوية لما يسميه أحد العملاء "القوة والبطولة" (كناية عن التفاني والعمل الجاد) على حساب العناية بالنفس. وبحسب القادة، ثمة عقبتان رئيسيتان أيضاً فيما يتعلق بممارسة العناية بالنفس، وهما ضيق الوقت وعدم توفر المعرفة اللازمة باستراتيجياتها.

إذاً، كيف يمكن للقادة أن يجعلوا العناية بالنفس جزءاً من ممارسة القيادة المرنة والمستدامة ويكونوا قدوة للآخرين في ذلك؟ يتطلب الأمر تغييراً في السلوك الذي يتطلب بدوره تغييراً في العقلية، ثم يمكن للقائد اعتماد استراتيجيات عملية لوضع هذه الأفكار موضع التنفيذ.

جهّز نفسك للنجاح

قبل أن تبدأ، هيّئ نفسك للنجاح من خلال تبني عقلية تتيح لك ما يلي:

تعزيز العناية بالنفس والتعاطف مع الذات.

ما الذي يمنعك من الاهتمام بنفسك؟ مهما كان السبب، عليك أن توازن بينه وبين أهمية التمتع بصحة جيدة من أجل تقديم الأداء الأمثل، هيئ لنفسك الظروف اللازمة لممارسة القياد الصحية في مؤسستك وكن قدوة للآخرين في ذلك.

ابدأ بما هو متاح.

إذا كانت أفكار العناية بالنفس والقيادة الصحية تبدو غير مألوفة وغير واقعية، فيمكنك تعزيز الممارسات الحالية. أجر الفحص البدني السنوي لمراجعة صحتك، وتحديد التحسينات التي يجب أن تجريها على نمط حياتك مثل تحسين النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية عند السفر، أو اغتنم اجتماع الفريق التالي لتحديد الجوانب التي يمكنك طلب المساعدة والدعم من الآخرين فيها.

تجنب عقلية كل شيء أو لا شيء.

إذا اعتدت عدم ممارسة العناية بالنفس، فلا يمكنك تبني عاداتها جميعاً فجأة وممارستها على أكمل وجه، فالعناية بالنفس عملية دائمة التطور يتخللها الفشل كما النجاح، وهذا أمر طبيعي. عندما يمر يوم دون أن تتمرن أو تحصل على قسط كاف من النوم بسبب التزامك بالموعد النهائي لتسليم مشروع ما، يمكنك أن تعيد ضبط نظامك في اليوم التالي.

تعلم من زملائك.

يتحدث العديد من عملائي بمزيج من الإعجاب والإحباط عن رغبة الآخرين في إعطاء الأولوية للعناية بالنفس من خلال المطالبة بوضع حدود لمسؤوليات العمل وأخذ الإجازات، ومنها إجازات الاهتمام بالصحة النفسية. تعلم من زملائك، وتعلم منهم ما يلائمك من أفكار العناية بالنفس.

واظب على التغييرات الصغيرة.

حدد تغييراً صغيراً أو اثنين يمكنك إجراؤهما هذا الأسبوع والتزم بتنفيذهما بانتظام، واعلم أن المواظبة هي أساس القدرة على تغيير السلوك. على سبيل المثال، اصعد السلالم في العمل بدلاً من ركوب المصعد لتحسن نشاطك البدني، واستمع إلى الموسيقى خلال استراحة الغداء بدلاً من مواصلة العمل.

اطلب من شخص مقرب تشجعيك.

قد ترغب في تخصيص وقت للتنمية الشخصية لكنك تستصعب ذلك، فربما تتكاسل بعد العمل 80 ساعة أسبوعياً، لذا أحد الحلول التي يمكنك اللجوء إليها هو أن تطلب من زميل عمل أو فرد من عائلتك تثق به أن يذكرك بتخصيص ساعة في نهاية كل أسبوع للتأمل أو تعلم مهارة جديدة.

استمتع بما تحققه.

هنّئ نفسك على كل جهد تبذله، واستمتع قدر الإمكان بالإبداع الذي تحققه والرضا الذي تشعر به قبل أن تبدأ العمل على المهمة التالية في قائمتك.

قائمة المراجعة

بعد أن جهزت نفسك ذهنياً، إليك قائمة مراجعة بسيطة تشمل 5 مكونات رئيسية للعناية بالنفس وهي: الاهتمام بجسدك وعقلك وعلاقاتك، وزيادة قدرتك على الاختيار وتعزيز نموك، وقد استخدمت هذه القائمة مع مئات القادة.

خصص 15 دقيقة كل أسبوع للتفكير في صحتك في كل مجال من هذه المجالات، مع تحديد ما كان فعالاً منها وما يحتاج إلى تعديلات.

1. موازنة طاقة الجسم

تشير أستاذة علم النفس ليزا فيلدمان باريت إلى ما تسميه موازنة طاقة الجسم (Body Budgeting)، وهو أن عقلك يتنبأ دائماً باحتياجات جسمك من الطاقة فيحدد ما هو مطلوب لتبقى على قيد الحياة وتزدهر، من خلال الاستناد إلى التجارب السابقة. أنت تستهلك الطاقة عندما تحرك جسدك، وتجددها عندما تأكل وتشرب وتنام، كما تقلل استهلاكها عندما تسترخي. ثمة عوامل أخرى تؤثر في مستوى طاقتك وجودة حياتك أحياناً، مثل الأحداث غير المتوقعة أو عبء العمل الاستثنائي أو أوقات التوتر.

ضع في اعتبارك أن موازنة الطاقة في جسمك تتأثر بالنظام الغذائي والتوتر وممارسة الرياضة والنوم. قيم نفسك من حيث ممارسة التمارين الرياضية وجودة النوم والنظام الغذائي (في المنزل وخارجه) بمقياس من 1 إلى 5 ثم ابحث عن سبل لتحسين تقييمك. على سبيل المثال، إذا كنت تسافر دون توقف ولا تمارس الرياضة وتفوتك وجبات الطعام على الطريق ولا تحصل على قسط كافٍ من النوم، فهذا يعني أنك ستحصل على 1 من أصل 5 في ممارسة الرياضة والنظام الغذائي والنوم، وأن عليك معرفة كيفية رفع درجاتك في الأسبوع التالي.

فيما يلي بعض النصائح المفضلة لدي التي جربها القادة، للحفاظ على موازنة طاقة جسمك خلال العمل:

  • قلل عدد اجتماعات زووم التي تعقدها في وقت متأخر من الليل أو في الصباح الباكر أو قلل سفرك الدولي حتى تجدد طاقتك بصورة كافية، وهي فرصة لتفويض زميل آخر بالسفر بدلاً منك إن أمكن.
  • خطط لوجباتك قبل السفر أو حدد المطاعم المناسبة حتى تحافظ على عادات الأكل الصحية سواء كنت في المنزل أو في المكتب أو على الطريق. كما يجب أن تحافظ على رطوبة جسمك، لذا لا تغادر المنزل دون أن تأخذ معك قارورة ماء.
  • مارس تمارين بسيطة خلال اليوم. قال العملاء إنهم استخدموا تطبيقات لممارسة تدريبات متقطعة مكثفة أو رياضة البيلاتس مدة 15 دقيقة في مكاتبهم، أو كانوا يصعدون السلالم عدة مرات في اليوم، أو يتناولون القهوة أو المياه في طابق آخر في أثناء اليوم لزيادة الحركة. وظف مدرباً شخصياً، أو اذهب إلى الاجتماعات سيراً على الأقدام عندما تستطيع ذلك، أو حدد موعداً لممارسة التمارين في جدول مواعيدك.
  • خطط لممارسة التمارين الرياضية خلال السفر، تحقق إذا كان الفندق الذي تقيم فيه يضم صالة ألعاب رياضية، كما يمكنك صعود السلالم أيضاً. اشترك مسبقاً في دورات للياقة البدنية أو اليوغا أو الرقص، واستخدم تطبيق التمارين الرياضية المفضل لديك، أو استعن بمقاطع التمارين الرياضية على يوتيوب.
  • لا تكثر من تناول المنبهات، سواء خلال سفرك أو في قاعات المطار أو خلال اجتماعاتك مع العملاء، وأكثر من شرب الماء والعصير بدلاً منها.

يذكر عملائي دائماً أن إعطاء أولوية للنظام الغذائي وممارسة الرياضة والنوم على الرغم من أي تحديات، يعود عليهم بمنافع نفسية وجسدية كبيرة ويحسن مزاجهم وأداءهم في العمل. كما أن القائد الذي يلتزم بهذه السلوكيات الصحية يصبح قدوة للآخرين ويشجعهم على أن يحذوا حذوه.

2. الصحة العاطفية

تبين لي خلال التعاون مع العملاء أنه ثمة جانبين رئيسيين يؤثران في الصحة العاطفية للقادة وهما: القدرة على تنظيم المشاعر والقدرة على الاسترخاء.

يأتي العديد من القادة إلى التدريب وفي أنفسهم مشاعر شديدة تجاه مسألة ما، فقد يصرح أحدهم مثلاً: "أصر فلان على أخذ إجازة نهاية الأسبوع في خضم الأزمة التي نواجهها في قسم العلاقات العامة، وأنا غاضب جداً بسبب ذلك". تستهلك هذه المشاعر نسبة عالية من الطاقة وغالباً ما ترافقك إلى المنزل إذا لم تتبع استراتيجيات للتعامل معها، وأنا أستخدم إطار عمل بسيطاً من 3 خطوات لمساعدة القادة على معالجة الانفعالات العاطفية الشديدة:

  • التحلي بالوعي. ماذا يحدث عندما تنفعل بشدة؟ فيمَ تفكر؟ وبما تشعر؟ وما الذي تفعله؟ هل يمكنك الاستعانة بتفكيرك الإبداعي وقدرتك على حل المشكلات وأنت في هذه الحالة؟
  • تحديد المشاعر بدقة. اسبر أغوار نفسك، حتى تعرف السبب الحقيقي الكامن خلف هذا الانفعال الشديد، اسأل نفسك: "كيف يمكنني تحديد شعوري أو العواطف التي لاحظتها على الآخرين بدقة أكبر حتى أفهم ما يحدث فهماً أفضل؟". مثلاً في حالة المدير الغاضب، أظهر التعمق في مشاعره أنه شعر بإحباط كبير بسبب موظفه الذي لم يحضر خلال الأزمة، والإحباط هو شعور مختلف عن الغضب، وفي هذه الحالة، يشير شعور المدير بالإحباط إلى الحاجة للتواصل بطريقة مختلفة مع موظف جديد.
  • التواصل. ما هي المحادثة التي تريد إجراءها؟ ومع من؟ غالباً ما أجد أن على القائد إجراء محادثتين: المحادثة الضرورية مع شخص ما (على سبيل المثال، مرؤوس مباشر لم يحضر خلال الأزمة) والمحادثة التي يجريها مع نفسه حول دوره في هذا الموقف للتعرف إلى أفكاره ومشاعره (على سبيل المثال عدم الاعتراض وكبت استيائه)، وتحديد كيف يرغب أن يتعامل مع مواقف مماثلة مستقبلاً.

تمثل القدرة على الاسترخاء جانباً مهماً آخر في الرفاهة، وقد أفاد بعض عملائي أنهم لا يستطيعون تذكر آخر مرة شعروا فيها بالاسترخاء. تشير الأبحاث إلى أن قضاء الوقت في الطبيعة، والتواصل الجسدي ومداعبة الحيوانات الأليفة وممارسات الامتنان، هي كلها سبل ممتازة للوصول إلى حالة الاسترخاء. أفاد عملائي أنهم يحبون ممارسة لعبة المصارعة مع أطفالهم أو مشاهدة مقاطع فيديو على يوتيوب حول ميكانيكا الكم، أو إعداد مأدبة عائلية، وهي أنشطة تسمح لهم بالاسترخاء والعودة إلى العمل بانتعاش وطاقة متجددة.

حتى تعرف الممارسة التي تساعدك على الاسترخاء، حدد معنى الاسترخاء بالنسبة إليك، وتخيل كيف ستستهل أسبوع العمل الجديد أو كيف ستقدم العرض التقديمي المنتظر في اجتماع مجلس الإدارة إذا كنت مسترخياً.

بعد أن اكتشف القائد الغاضب ما يكمن خلف غضبه، تمكن من التعرف إلى شعوره بالإحباط وتحديد بعض السبل لإدارة مشاعره بفعالية، عندما يحدد القادة الأنشطة التي تسمح لهم بالاسترخاء ويمارسونها، فإنهم يتعاملون بطريقة أفضل مع التوتر، ويتمكنون من موازنة طاقتهم الجسدية.

3. العلاقات والعمل التعاوني

راجع علاقاتك مع الآخرين من خلال التركيز على 3 جوانب رئيسية وهي: تبادل الدعم والتعاون والتأثير. وفقاً للعلم، فإن دماغك يتعاون مع أدمغة الآخرين، ويؤثر هذا التعاون في عملية ضبط الخلايا العصبية لديك ويعزز اتصالات عصبية معينة لتنظيم وظائفك الجسدية مع وظائفهم الجسدية (مثل مطابقة التنفس ونبض القلب)، كما أنه يؤثر في رفاهتك وموازنة طاقة جسمك.

نحن كائنات اجتماعية، والقيادة تتمحور حول العلاقات والمجتمع، ما يزيد من أهمية تقديم نموذج يحتذى به للعلاقات الإيجابية والتعاون الهادف.

أخبرني أحد القادة في مجال التكنولوجيا مؤخراً أنه كلما انضم أعضاء الفريق المنهكون إلى اجتماع جديد عبر الإنترنت، دائماً ما يلقي أحد الزملاء التحية بحماس شديد، وعلى الفور، تصبح أجواء الاجتماع حماسية وتصبح نبرة الحاضرين إيجابية.

اسأل نفسك:

  • ما نوع التعاون الذي تريد أن تقدمه نموذجاً يحتذى به بوصفك قائداً؟ وكيف يمكنك تسهيل ذلك؟
  • ما نوع الدعم الذي تريده في علاقاتك؟ على سبيل المثال: الاستعانة بمدرب أو معالج أو مرشد أو مجموعة من الأشخاص الذين يشجعونك على الخروج من منطقة الراحة، أو دائرة دعم.
  • ما هي العلاقات التي تريد التخلي عنها؟
  • كيف تريد التواصل مع أحبائك؟

على الرغم من أن إلقاء التحية بحماس لن يحل جميع تحديات القيادة التي تواجهك، فإن ذلك يذكرنا بأن العواطف معدية، وأننا نستطيع التعاون وبناء العلاقات بمزيد من الوعي. ويشمل الوعي أيضاً مراجعة علاقاتك بانتظام لتحديد الناجحة والفاشلة منها، وتحديد الدعم المطلوب لتنفيذ مهمتك وإدارة طاقتك.

4. القدرة على الاختيار

يوضح البحث أن البشر يتوقون إلى الاستقلالية التي تقتضي القدرة على الاختيار. خلصت دراسة إلى أن الاستقلالية والقدرة على الاختيار هما ركيزتا السعادة، ويمكن للمرء أن يمتلك السيطرة على حياته من خلال إدراك الخيارات المتاحة، ويشمل ذلك اختيار طلب المساعدة أو عدم طلبها أو خوض محادثة شائكة أو عدم خوضها. يمكننا زيادة خياراتنا إلى أقصى حد من خلال التأكد من أن قراراتنا تستند إلى أهدافنا وقيمنا، وتحدد خياراتنا وخيارات الآخرين مدى قدرتنا على التعبير عن حاجاتنا، وتحدد عواقب اتخاذنا الإجراءات أو امتناعنا عن اتخاذها، وهي تساعدنا على التصرف بوعي لتحقيق قيمنا وأهدافنا. .

على سبيل المثال، ذكر بعض القادة الذين أدربهم الأسباب التي تجعلهم يستصعبون طلب المساعدة وهي: خوفهم من أن يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء، أو عدم الرغبة في تحميل الآخرين عبئاً، أو الرغبة في إرضاء الآخرين، أو عدم معرفة كيفية طلب المساعدة، أو عدم تقبل فكرة إجراء تقييم أداء تصحيحي، أو ضيق الوقت. يشغل أحد عملائي منصب النائب الأول للرئيس في شركة للحوسبة السحابية، وقد ذكر أنه يتحقق بصورة روتينية من توازن طاقة موظفيه وتمتعهم بالكفاءة اللازمة، ولكنه لم يفعل ذلك لنفسه مطلقاً، واختار أن يؤدي المزيد من العمل لتخفيف العبء عن موظفيه. وتقول مديرة تنفيذية مالية إنها لا تفوض المهام لأنها تستطيع تنفيذها بصورة أسرع بنفسها وإن الأمر لا يستحق الاستثمار والجهد، وبسبب افتراضاتها حول قيمة استثمار وقتها، وخيارها، فهي تعمل أكثر حتى وقت متأخر من الليل.

إذاً، كيف يمكن للقادة اتخاذ خيارات صحية أكثر؟

  • اسأل نفسك: ما الحدود التي من شأنها أن تدعم رفاهتي في هذا الوقت؟ ‎نصيحة: عادة ما تشير مشاعر الإرهاق أو الاستياء إلى الحاجة إلى وضع نوع من الحدود.
  • حدد ثلاث مهام يمكنك تفويضها لتتمكن من إدارة وقتك بصورة أفضل وتمنح مرؤوسيك المباشرين فرصة للنمو. إذا كنت ترفض تفويض المهام ففكر فيما يمنعك من ذلك. على سبيل المثال: هل هو عدم ثقتك بقدرة الآخرين على تقديم المطلوب، أم اعتقادك بأن عليك تنفيذ المهام كلها بنفسك، أم عدم ثقتك بقدرتك على تقديم الملاحظات المطلوبة؟ من خلال تحديد ما يمنعك من تفويض المهام ستتمكن من معرفة المجالات التي عليك تحسين مهاراتك فيها والخطوات التي يجب أن تتبعها لتحقيق ذلك.
  • استخدم التكنولوجيا. إذا كانت إدارة الوقت صعبة عليك فبإمكانك تتبع نشاطك إما يدوياً من خلال تسجيل ما تفعله على مدار الأسبوع وإما باستخدام تطبيقات تتبع الوقت أو الإنتاجية مثل تطبيق توغل (Toggl) أو ريسكيو (Rescue) أو تايم (Time) أو تايم دكتور (Time Doctor). يمكن أن يساعدك هذا على فهم كيفية قضاء وقتك، وتحديد الأنماط والحدود التي يمكن أن تعزز إنتاجيتك ورفاهتك.
  • طور نفسك. يتيح لك تلقي التدريب المهني والعملي واستخدام منصات التنظيم عبر الإنترنت تعزيز مهارتك في تفويض المهام وتتبع التقدم وضمان المساءلة.

تتضمن كل خطوة تقريباً عنصر الاختيار، وقد تمكن عميلي الذي يشغل منصب النائب الأول للرئيس والذي يعاني الإرهاق من تحديد بعض الخيارات القيمة لنفسه: تلقي تدريب على القيادة، وممارسة التفويض وأخذ إجازة، وتؤدي الممارسة الواعية للاختيار إلى تعزيز مرونة القادة.

5. النمو وتغذية الروح

يتمحور النمو حول تحقيق الذات من خلال ممارسة الأنشطة التي تغذي روحك في هذه المرحلة من حياتك المهنية والشخصية. يفضل بعض القادة الشباب الذين دربتهم تخصيص وقت لتربية الأطفال أو التعلم، أو حشد الجهود المجتمعية، أما عملائي الذين هم في منتصف حياتهم المهنية فيفضلون أنشطة مثل الغناء وزيارة الجامعة وممارسة اليقظة الذهنية وقضاء الوقت مع الوالدين.

وفقاً لعلم الأعصاب، يحسّن التعلم المرونة العصبية في الدماغ، ويعيد تشكيل بنيته ويطور وظائفه، كما أن الإبداع أيضاً يبني شبكات عصبية في الدماغ ما يحفز نشاطه ويعزز أداءه، ويعزز التأمل أيضاً المرونة العصبية، ما يؤدي إلى تحسين الذاكرة والرفاهة.

تثير ممارسات العناية بالنفس هذه الحماسة والنفور في الوقت ذاته لدى الكثير من عملائي، فكثيراً ما يكررون: "تعجبني فكرة ممارسة كذا، لكن كيف سأجد وقتاً له؟" ومع ذلك، يوضح علم الأعصاب أن هذه الممارسات تزيد معرفتك بعواطفك وتسهم في الحفاظ على موازنة طاقتك الجسدية.

حتى لو شعرت أن وقتك ضيق يجب أن تعي أن هذه الممارسات مهمة لصحتك ورفاهتك وأنها قد تسهم في تعزيز كفاءتك. يمكنك البدء بالتدريج، على سبيل المثال قرر أحد الرؤساء التنفيذيين مثلاً، معاودة العمل بطريقة جديدة على رواية كان قد بدأ كتابتها منذ سنوات ولم يتمكن من إنهائها. فبدلاً من العمل عليها فقط عندما يكون لديه متسع 3 ساعات من الوقت، التزم بالكتابة على الأقل 4 فترات خلال الأسبوع مدة كل منها 15 دقيقة، وإذا تمكن من زيادة المدة فهذا إنجاز إضافي.

فكر في الفوائد التي ستجنيها عندما تخصص وقتاً كل أسبوع لممارسة نشاط يغذي روحك، بالنسبة للبعض قد يكون ذلك تعلم لغة جديدة أو ممارسة كرة القدم أو تعلم الطبخ أو الرسم أو البناء أو ممارسة روحية، المهم أن يتوفر عنصران اثنان:

  • إثارة الشغف. حدد ممارسة تثير شغفك وتغذي روحك وإذا لم تتمكن من ذلك فاسأل نفسك: إذا كنتُ أمتلك كل ما أتمناه من مال وجاه فكيف أرغب في قضاء وقتي؟
  • التركيز على القيم. ما هي قيمك الأساسية التي يجب أن تهتم بها أكثر؟ ضع قائمة بقيمك وحدد أهم 3 منها وقيّم مدى توافق أسلوب حياتك معها، فهذه طريقة رائعة لمعرفة معنى عيش حياة تعتمد على القيم.

من خلال النمو وتغذية الروح، يحافظ القادة والأفراد على موازنة طاقة الجسم ويتمتعون بعقلية أشمل. بالنسبة لعميلي، فهو لم ينهِ روايته فحسب، بل أنشأ أيضاً مجموعة كتابة للموظفين في شركته الناشئة المختصة بالتكنولوجيا، وكان الحضور مرتفعاً منذ الاجتماع الأول.

هيّئ لنفسك الظروف المناسبة لممارسة العناية بالنفس وتذكّر أنه ليس هناك طريقة مثالية لفعل ذلك، ستساعدك قائمة المراجعة هذه على تخطيط الروتين الملائم لك حتى تتخذ خيارات قيادية سليمة أكثر وتغذي روحك وتهتم بها، وهو أمر مهم لصحتك ورفاهتك وعنصر من عناصر القيادة الذكية.

بغض النظر عن موقفك من العناية بالنفس، فإن علم وظائف الأعضاء يؤكد أن التوازن بين العقل والجسد مهم لرفع سوية حياتك الشخصية وحضورك المهني ومن ثم تعزيز قدرتك على ممارسة القيادة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي