هل يرفع العمل من المنزل الإنتاجية أم يُخفّضها؟ دراسة علمية تُجيب

4 دقيقة
العمل من المنزل
shutterstock.com/Sharomka
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 2013 أثار قرار الرئيسة التنفيذية لشركة ياهو (Yahoo) في ذلك الوقت ماريسا ماير بحظر العمل من المنزل في الشركة جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام حول المحاسن والعيوب في هذا النوع من العمل الذي ينمو بسرعة. انقسم الناس بين رأيين، هل تشجع سياسات العمل من المنزل الموظفين على “التهرب من العمل” أو أنها وسيلة أساسية لنجاح حياتنا العملية الحديثة؟

للإجابة عن هذا السؤال بطريقة منهجية وعلمية، أجرينا مع اثنين من طلابنا تجربة في شركة سي ترب وهي أكبر وكيل سفر في الصين. أرادت شركة سي ترب اختبار سياسة العمل من المنزل لخفض نفقات المكاتب (التي كانت تمثل نسبة عالية متزايدة من إجمالي التكاليف بسبب ارتفاع الإيجارات في مقر الشركة في شنغهاي) ولخفض المعدل السنوي المرتفع لدوران الموظفين في الشركة الذي بلغ 50%. لكن إدارة الشركة تخوفت من أن السماح للموظفين بالعمل من المنزل قد يؤثر سلباً في أدائهم، لذلك أرادت اختبار هذا النظام قبل تعميمه على الشركة برمتها.

للتوضيح، كان المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة سي ترب، جيمس ليانغ، أحد أعضاء فريقنا البحثي، وذلك وفر لنا فرصة رائعة لا تتوافر دائماً للوصول إلى كل من البيانات التجريبية ووجهات نظر الإدارة حول العمل من المنزل. قدمت لنا التجربة على هذا النحو بعض الأفكار المهمة حول طريقة تبنّي الشركات الكبيرة المدرجة في البورصة للممارسات الإدارية الجديدة، وساعدت في تسليط الضوء على سبب إخفاق العديد من الشركات في تبني ممارسات إدارية ذات فائدة محتملة.

قررت شركة سي ترب إجراء تجربة مدتها 9 أشهر في قسمي تذاكر الطيران والفنادق في مركز الاتصال الرئيسي للشركة في شنغهاي. فعرضت على الموظفين الذين تتجاوز خبرتهم 6 أشهر من العمل لديها خيار العمل من المنزل مدة 4 أيام في الأسبوع. قَبِل العرض 255 موظفاً من أصل 508 موظفين مؤهلين للعمل من المنزل، وبعد إجراء قرعة، اختير الموظفون الذين يتألف تاريخ ميلادهم من أرقام زوجية للعمل من المنزل في حين بقي الموظفون الذين يتألف تاريخ ميلادهم من أرقام فردية في المكتب ليشكلوا مجموعة ضبط.

عمل الموظفون من المنزل والموظفون في المكتب في ورديات العمل نفسها، وفي مجموعات العمل نفسها، وتحت إشراف المدراء أنفسهم كما في السابق، وسجلوا الدخول إلى نظام الكمبيوتر نفسه، وبالمعدات نفسها، وتسلسل أوامر العمل نفسه. كان الاختلاف الوحيد بين المجموعتين هو الموقع الذي تعملان فيه. تحتفظ شركة سي ترب بسجلات محوسبة شاملة للأوقات التي يعمل فيها الموظفون، والمبيعات التي يحققونها وجودة تعاملهم مع العملاء، وقد أتاحت لنا هذه البيانات مقارنة أداء الموظفين في المنزل بأداء الموظفين في المكتب.

فماذا كانت نتائج التجربة؟ أولاً، ارتفع أداء العاملين من المنزل بدرجة كبيرة، إذ ارتفع بنسبة 13% على مدار الأشهر التسعة. وجاءت هذه الزيادة في الإنتاج نتيجة لارتفاع عدد دقائق العمل خلال ورديات العمل بالدرجة الأولى، وذلك بسبب انخفاض عدد الاستراحات والإجازات المرضية التي حصل الموظفون عليها. كما كان العاملون من المنزل أكثر إنتاجية بالدقيقة، وسبب ذلك كما أخبرنا الموظفون (في استطلاعات مفصلة) هو ظروف العمل الأكثر هدوءاً في المنزل.

ثانياً، لم يطرأ أي تغيير على أداء مجموعة الضبط (ولم تظهر أي آثار سلبية من البقاء في المكتب). ثالثاً، انخفض معدل دوران الموظفين انخفاضاً حاداً بالنسبة إلى العاملين من المنزل، إذ انخفض بنسبة 50% تقريباً مقارنة بمجموعة الضبط. كما أبلغ العاملون من المنزل عن مستويات أعلى بكثير من الرضا عن العمل وأقل من “إرهاق العمل” في استقصاء للمواقف النفسية من العمل.

في نهاية التجربة أُعجب أعضاء فريق إدارة شركة سي ترب بنجاح سياسة العمل من المنزل لدرجة أنهم قرروا تعميمها على الشركة برمتها. كما قدموا لكل من العاملين من المنزل ومجموعة الضبط خياراً جديداً من ترتيبات العمل.

وكانت المفاجأة أن نصف العاملين من المنزل غيّروا رأيهم وعادوا إلى المكتب، وقرر ثلاثة أرباع مجموعة الضبط الذين طلبوا جميعهم في البداية العمل من المنزل البقاء في المكتب أيضاً. السبب الرئيسي على ما يبدو هو أن الموظفين الذين عملوا من المنزل كانوا يشعرون بالوحدة. تكشف هذه النتيجة غير المتوقعة أن الآثار المحتملة لهذه الأنواع من السياسات الإدارية تكون غير واضحة للموظفين والمدراء قبل تنفيذها، وتساعد أيضاً في تفسير البطء المعتاد في تبنّي مثل هذه الممارسات.

هل تتوافق نتائجنا مع نتائج الأبحاث السابقة؟ ثمة مجموعة كبيرة من دراسات الحالة الفردية عن شركات اعتمدت برامج العمل من المنزل، وهي تظهر آثاراً إيجابية كبيرة. (راجع الدراسات هنا) لكن من الصعب تقييم مدى دقة هذه النتائج بسبب الطبيعة غير العشوائية للبرامج، سواء من حيث اختيار الشركات أو اختيار الموظفين الذين عملوا من المنزل. يتضح تأثير الاختيار الذاتي في حالة شركة سي ترب أيضاً، فعندما سمحت الشركة بتعميم العمل من المنزل، اختار الموظفون ذوو الأداء العالي عموماً العمل من المنزل، في حين اختار الموظفون ذوو الأداء المنخفض العودة إلى المكتب. وأغلب ظننا أن الموظفين الأكثر حماسة كانوا أكثر استعداداً للعمل من المنزل، لعلمهم أنهم يستطيعون الحفاظ على تركيزهم بعيداً عن المكتب، في المقابل يميل الموظفون الذين يسهل تشتيت انتباههم إلى التخوف من عواقب الجلوس طوال اليوم بالقرب من الثلاجة والتلفاز وهما من أكبر أعداء العمل من المنزل.

ما الذي تكشف عنه تجربتنا بشأن ما يمكن أن تتوقعه الشركات الأخرى إذا سمحت لموظفيها بالعمل من المنزل؟ من الواضح أن مراكز الاتصال في شركة سي ترب تختلف عن العديد من بيئات العمل الأخرى، فمن السهل تتبع السلوك والأداء في الشركة، وتشكل المكافآت نصف الرواتب تقريباً، ويمكن إنجاز العمل على أساس فردي مع حاجة محدودة للتعاون أو الابتكار. وفي حين أن العديد من الشركات التي تعتمد على الابتكار لا تشجع على العمل من المنزل لرغبتها في تعزيز التفاعل بين الموظفين، يتسم العديد من الوظائف بالخصائص نفسها التي تتسم بها الوظائف في شركة سي ترب، مثل الترميز البرمجي والدعم الفني والمبيعات عبر الهاتف ومهام المحاسبة الأساسية. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن تنطبق فائدتان من فوائد العمل من المنزل على العديد من الوظائف، وهما زيادة الإنتاجية بسبب الهدوء والسكينة في المنزل، والانخفاض الكبير في معدلات دوران الموظفين بسبب ارتفاع مستوى الرضا الوظيفي.

لذلك ننصح الشركات بأن تسمح لموظفيها بالعمل من المنزل من حين لآخر على أقل تقدير، وذلك للسماح لهم بالتركيز على المشاريع والمهام الفردية. ونشجع الشركات على إجراء التجربة حين تسنح الفرصة في أوضاع مثل سوء الأحوال الجوية أو الازدحام المروري الناجم عن أعمال إنشائية كبيرة في المدينة أو حدث مزعزع (مثل استضافة المدينة لدورة الألعاب الأولمبية أو كأس العالم) لإجراء هذه التجربة مدة أسبوع أو أسبوعين.

نعتقد أن العمل من المنزل يمكن أن يشكل تجربة إيجابية للشركة وموظفيها على حد سواء كما أظهرت تجربتنا في شركة سي ترب. ننصح الشركات بتجربة ذلك، وننصح شركة ياهو بأن تمنح العمل من المنزل فرصة ثانية، فهو ضروري للاحتفاظ بموظفيها الرئيسيين وتحفيزهم، وهو جزء أساسي من العمل في القرن الحادي والعشرين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .