شعرتُ بإحباط فواز في بداية مكالمتنا الهاتفية؛ بدا غاضباً للغاية من زميلته ليلى التي تشرف على فريق يرتبط عمله ارتباطاً وثيقاً بعمل فريقه، حضر كل من فواز وليلى اجتماعاً لفريق عمل متعدد التخصصات في وقت سابق من الأسبوع؛ إذ شاركت ليلى مجموعة جديدة من المعايير والخطوات اللاحقة للعمل مع أحد مورِّديهم الأساسيين. شعر فواز بالارتياح عندما سمع ليلى أخيراً تتبنى موقفاً أكثر حزماً، لكن بعد عدة أيام تلقى رسالة إلكترونية منها تشير إلى مسار عمل رآه مختلفاً عمّا اتفقا عليه سابقاً وأقل ملاءمة منه.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يشهد فيها فواز تخبّط آراء ليلى وتراجعها عن قراراتها، فبدأ يشكك في نزاهتها ومصداقيتها وتطابق أقوالها مع أفعالها بصورة عامة. بعد شعوره بالغضب والاستياء، كتب رداً قوياً على رسالتها الإلكترونية وكان على وشك إرساله.
قد يكون العمل مع زميل لا يفي بوعوده ويغيّر رأيه باستمرار أمراً مرهقاً، ففي الوقت الذي نعتقد فيه أننا توصلنا إلى حل أو اتفاق تصلنا رسالة إلكترونية تشير إلى أن زميلنا غيّر موقفه أو أعاد فتح مسألة معقدة اعتقدنا أننا أنهيناها؛ فكيف يجب أن تتصرف عندما يحدث ذلك؟
ركّز جهدك على ما يستحق
قبل إرسال الرسالة أو قول شيء قد تندم عليه، توقف قليلاً وفكِّر فيما إذا كانت هذه المواجهة تستحق العناء، ففي كثير من الأحيان يكون ضرر ردود فعلنا اللاإرادية السريعة أكبر من نفعها على المدى الطويل. عندما فكر فواز في العلاقات الأوسع نطاقاً التي يمكن أن تتأثر سلباً بسبب هذا الموقف، أدرك أن كلاً من مديره وفريقيهما يتوقعون منه ومن ليلى التعاون والعمل معاً بطريقة جيدة وفعالة.
لتحديد أثر هذه المواجهة إيجاباً أو سلباً على النتيجة النهائية؛ يجب تقييم الموقف بموضوعية:
- هل هذا الموقف استثنائي أو يتكرر باستمرار؟
- ما تأثيره على العمل وعلى الفريق وعليك شخصياً؟
- ما المخاطر المترتبة على عدم التواصل والحوار؟
- ما المخاطر المحتملة في حال إجراء حوار؟
أدرك فواز ضرورة اتخاذ إجراء ما، إذ لاحظ تكرار هذا النمط ولا سيما في المسائل المتعلقة بالعلاقات مع جهات خارجية أو نقل الموظفين، وشعر بضرورة أن تتخذ ليلى موقفاً أقوى وأكثر ثباتاً، فقد أدت رسائلها المتضاربة وتغيير آرائها إلى إرباك فريقه وإبطاء عمله. في نهاية المطاف، قرر اتباع أسلوب إيجابي أكثر من خلال التحدث مع ليلى مباشرة بدلاً من تبادل الرسائل الإلكترونية.
احرص على مشاركة ملاحظاتك واسعَ إلى فهم وجهات النظر الأخرى
عند الشروع في خوض محادثة صعبة ابدأ بافتراض حسن نية زميلك، فمعظم الأشخاص لا يتعمدون الكذب بل يريدون النجاح فيما يفعلونه. تجنَّب افتتاح الحوار بتوجيه أحكام وتصنيفات إلى الشخص الآخر، لأنها ستدفعه إلى اتخاذ موقف دفاعي يمنعكما من التوصل إلى أي نتيجة من الحوار.
تجنَّب قول عبارات مثل:
- "لم تكن صادقاً عندما قلت كذا"
- أو "يفتقر ذلك إلى النزاهة"
- أو "أشعر بالإحباط الشديد من كذا"
- أو "هل يمكنك الالتزام بالقرارات التي تتخذها؟"
بدلاً من ذلك، حاول البدء بملاحظاتك وطرح سؤال. في حالة فواز، قال: "تلقيت رسالتك الإلكترونية عن وضع المورّد ورأيت أن المسار المقترح اختلف عمّا ناقشناه في البداية، هل يمكنكِ مساعدتي في فهم ما الذي تغير في تفكيرك منذ آخر اجتماع؟". اتخذ فواز موقفاً أظهر فيه الانفتاح والفضول والاستعداد للاستماع بدلاً من السخرية والتهكم، وسأل عما يلي: هل تغير شيء منذ الاجتماع الأخير؟ هل تحدثت ليلى إلى أشخاص آخرين؟ ما الحقائق الجديدة أو التفسيرات أو المشاعر التي تبدلت لدى ليلى وأدت إلى تغيير رأيها؟
وبذلك مهّد فواز الطريق لإجراء محادثة أكثر فعالية مع ليلى بدلاً من أن يستجوبها أو يضعها في موقف صعب، وحين شعرت ليلى براحة أكبر أشارت إلى أنها تحدثت إلى أعضاء فريقها الذين وضحوا لها أنهم يرون المعايير صارمة جداً وعليها إعادة النظر فيها. مع استمرار مناقشتهما، أدركت ليلى أنها لم تتوصل فعلياً إلى قناعة داخلية بشأن ما يجب فعله؛ إذ كانت وجهة نظرها تتغير مع كل محادثة لاحقة.
قدّم اقتراحات حول كيفية معالجة الموقف
من خلال الحوار الأكثر انفتاحاً وتفهماً للافتراضات المطروحة يمكننا الانتقال إلى اقتراح حلول لمعالجة الموقف: وضّح فواز أنه فهم حقاً رغبة ليلى في تحقيق الإجماع على القرار من خلال التماس آراء مختلفة والتفكير في وجهات النظر المتعددة ودراستها، ثم اقترح عليها طرقاً تتيح لها تحقيق رغبتها مع معالجة حالة الارتباك التي أصابت فريقه، فقال:
"لتفادي الارتباك في المستقبل، سيكون من المفيد لي ولفريقي أن تحددي موقفك بوضوح في عملية صناعة القرار. على سبيل المثال: 1) هل تطلبين آراءنا لفهم الخيارات المحتملة؟ 2) هل حددتِ بالفعل اتجاهاً محتملاً وترغبين في معرفة وجهات نظرنا بشأنه؟ 3) هل توصلتِ إلى قرار بالفعل وتبلغين فريقنا كيفية تنفيذه؟".
وأشار إلى أنه في كثير من الأحيان كان يشعر بأن ليلى تتحدث كما لو كانت في السيناريو الثالث، لكنها كانت في الواقع في المراحل الأولى من عملية صناعة القرار.
ثم قدم طلباً إلى ليلى وقال: "بالإضافة إلى ذلك، إذا حدث أي تغيير بعد آخر محادثة بيننا، فسيكون من المفيد شرح سياق هذه التغيرات وأسبابها حتى نتمكن من فهم ما حدث".
قدّم فواز أيضاً عرضاً إضافياً للمساعدة: "يمكنني أيضاً اتخاذ خطوة إضافية بعد اجتماعاتنا، فأسجل ما اتفقنا عليه أو ناقشناه لضمان تطابق فهمنا للمواضيع التي ناقشناها واستنتاجاتنا بشأنها".
ابتكر طرقاً جديدة للتفاعل والمشاركة
بعد المحادثة، فكر ملياً في الأشياء التي تعلمتها عن نفسك وعن زميلك وكيفية العمل معه بطريقة فعالة.
بعد انتهاء المحادثة، فهم فواز ليلى وأسلوب عملها بوضوح أكبر، وتبيّن له أنها لم تكن شخصية متقلبة الآراء أو غير صادقة في سلوكها كما ظن في البداية، بل كانت قائدة منفتحة بطبيعتها على وجهات النظر المختلفة ولكنها تحتاج إلى وقت لاستيعاب الأمور، وبسبب قدرتها الطبيعية على التعاطف مع الآخرين، كانت تغيّر وجهة نظرها لتتناسب مع وجهات نظرهم، ما يعطي انطباعاً بموافقتها لهم أو بأنها غير قادرة على اتخاذ قرار حازم.
اتضح له الآن سبب الخلافات المتكررة بينهما، فهو شخص حازم بطبيعته يتخذ قراراته بسرعة ويتحمل المسؤولية دائماً عند تغير الأمور، وكان يتوقع من الآخرين أن يتمتعوا أيضاً بالدقة والتنظيم في عملية صناعة القرار، في المقابل كانت ليلى بحاجة إلى مساحة أكبر للحوار وجمع الأفكار والتخطيط.
أدركت ليلى أن رغبتها في تحقيق الإجماع والحفاظ على الانسجام كانت تؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية بسبب تغيير رأيها باستمرار وترك معلومات مهمة غير واضحة، فتعهدت بقضاء مزيد من الوقت لتحضير أفكارها حول أي مسألة معينة قبل الدخول في مناقشات حولها. أدركت أيضاً أنها كانت تتجنب النزاعات بطبعها، لذلك لم تكن صارمة بما يكفي في تعاملها مع المورّدين أو الموظفين ذوي الأداء الضعيف.
اتفقت ليلى مع فواز على استخدام الأسئلة والطلبات لتجاوز الاختلافات بين أسلوبيهما في العمل في المستقبل.
أسئلة وطلبات للتعامل مع زميل يغيّر رأيه باستمرار:
- ما عملية الحوكمة أو صناعة القرار المتبعة في هذا الموضوع، وما دورك فيها؟
- ما التحديات التي تواجهك في سعيك لفهم الأمور بوضوح؟
- ما المعلومات أو الدعم الذي تشعر بالحاجة إليه كي تتخذ قراراً نهائياً بشأن هذا الموضوع؟
- على مقياس من 1 إلى 10، ما مدى ثباتك على موقفك؟
- هل يمكنك أن تعاود الاتصال بي قبل يوم الأربعاء، بعد انتهاء وقت العمل وبعد أن تأخذ الوقت الكافي لاستيعاب المسألة؟
أسئلة وطلبات إذا كنت شخصاً يغير رأيه باستمرار:
- هل بإمكاني مناقشة أفكاري معك كي أحصل على ملاحظاتك؟ فأنا أحتاج إلى التعبير عن أفكاري بصوت عالٍ.
- من المهم تقييم أثر هذا القرار على الموظفين ودراسة طريقة تنفيذه قبل المضي قدماً.
- هذا سؤال رائع. أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير في المسألة بعناية، وسأرد عليك لاحقاً.
- أريد أن أرى كيف ستسير الأمور طبيعياً. ما أفضل طريقة لإبقائك على اطلاع دائم بالمستجدات أو كيف يمكنني تقليل الأثر عليك وعلى فريقك في أثناء متابعتنا لتطور الأحداث؟
- ما الذي تبحث عنه بالضبط، ومتى تحتاج إليه؟
في نهاية المطاف، من خلال تنفيذ أفضل الإجراءات التي تصب في مصلحة العمل والسعي إلى فهم الآخرين ووضع قواعد أوضح للمشاركة، يمكننا بناء علاقات أفضل مع الآخرين والحفاظ عليها والاستفادة منها أكثر. كلما زادت الثقة زادت سهولة التواصل المباشر والتحدث بوضوح والتعرف إلى أفكار الآخرين ومشاعرهم بلطف وانفتاح وتعاطف أكبر.