هل يجب أن تعمل ساعات إضافية يومياً حتى تنجح في وظيفتك؟

5 دقائق
ساعات العمل الطويلة
shutterstock.com/Anatolir

ملخص : في الماضي كان الموظف يعمل بجد في المهن الإدارية والمكتبية في بداية مساره المهني من أجل الحصول على المكافآت المستقبلية وضمان الأمان الوظيفي والترقية إلى مناصب أعلى. لكن ذلك تغير اليوم! إذ يعمل العديد من كبار القادة ساعات أكثر ويبذلون جهداً أكبر مما كانوا يفعلون في الماضي، يدفعهم إلى ذلك انعدام الأمن في المقام الأول! بل إن المؤسسات المهنية المرموقة صارت تتعمد البحث عن هؤلاء فائقي الإنجاز غير المطمئنين لتوظفهم؛ فهم يتمتعون بقدرات استثنائية وطموح كبير، ولكنهم في الوقت ذاته لديهم إحساس عميق بعدم كفاءتهم! فإذا كنت تشعر أن ذلك ينطبق عليك، فحاول ألا تعمل لساعات إضافية كثيرة إلا عند الضرورة أو عندما ترغب أنت، وافعل ذلك بوعي ولمدد زمنية محددة ولتحقيق أهداف واضحة، ولا تدع ذلك يصبح عادة تمنعك من سلوك طرق أخرى للعمل أو الحفاظ على نمط حياة متوازن.

تخبرنا إحدى المديرات التي تعمل في شركة محاسبة بأنها صارت ترى نفسها روبوتاً! فهي تعمل وزملاؤها لساعات كثيرة، تقول: “حسبتُ أن الأمر طبيعي! فهو أشبه بغسل الدماغ! تشعر أنك محاصر بنظام عقلي تتعرض فيه لدورة متزايدة من المطالب، وتقول لنفسك لا مشكلة سأستريح بعد ذلك، لكن تلك اللحظة لا تأتي أبداً”!

سمعت في أثناء بحثي هذا قصصاً مثل هذه القصة مراراً وتكراراً من موظفين يعملون في شركات للمحاسبة والمحاماة والاستشارات وغيرها من الوظائف الإدارية والمكتبية؛ فلا أحد ينكر أن العمل الإضافي المستمر يضر بالصحتين العقلية والجسدية، بل يمكنه أن يعرّض جودة عملنا للخطر بوجه كبير! ونحن نتمنى لو نستطيع تغيير طريقة عملنا، لكننا لا نعرف حقاً كيف نحقق ذلك!

تشيع ساعات العمل الإضافية في الوظائف الإدارية والمكتبية شيوعاً أكثر من المهن الأخرى، وهي ظاهرة حديثة. ففي الماضي كان الموظف يعمل بجد في المهن الإدارية والمكتبية في بداية مساره المهني من أجل الحصول على المكافآت المستقبلية وضمان الأمان الوظيفي والترقية إلى مناصب أعلى. وفي المؤسسات المهنية، مثل شركات المحاماة والمحاسبة وشركات الاستشارات الإدارية والبنوك الاستثمارية، كان الهدف النهائي للموظفين أن يصبحوا شركاء في الشركة. وكانت المنافسة على الشراكة شرسة، ولكن بعد أن يصل الموظف إليها كان يحوزها للأبد. ويتمتع الشركاء في هذه الشركات بالاستقلالية في اختيار جداول أعمالهم ومهماتهم. ولا يضرهم قضاء قدر كبير من الوقت المخصص لتطوير الأعمال في أنشطة ترفيهية؛ وذلك لأنهم كانوا قد استبقوا ذلك بتقديم إسهامات كبيرة لمؤسساتهم!

لكن ذلك تغير اليوم! فقد أخبرني مدير الموارد البشرية في شركة محاسبة رائدة أن مدير إدارة التدقيق يعمل في المكتب بانتظام من الساعة 5:30 صباحاً حتى الساعة 10 مساءً، ولا يحظى بأي عطلة أسبوعية! وكذلك أمر شريكه الإداري في الشركة. وأضاف: “إن العمل لساعات إضافية كثيرة ليس استثنائياً في شركتنا؛ إذ ينتهج الموظفون العاديون نهج الموظفين الكبار فيمضون ساعات أكثر في العمل”.

ويُظهر بحثي المنشور في كتابي الجديد الذي يتحدث عن القيادة في المؤسسات المهنية، أن ميلنا إلى حمل عبء عمل أكبر مما نطيق وإرهاق أنفسنا يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل المعقدة التي تشمل مهنتنا ومؤسستنا وسماتنا الشخصية. ويُعد الشعور بانعدام الأمن عاملاً رئيساً في هذا الاتجاه؛ فقد أخبرني أحد كبار قادة وحدات الأعمال في شركة محاماة قائلاً: “فور دخولي إلى المكتب أعمل بجد قدر المستطاع طوال الوقت. إنني أشعر أن أدائي جيد، لكن من الصعب قياسه! هذه هي طبيعة عملنا؛ تتميز بساعات من النشاط المكثف تليها فترات من الخمول النسبي. إننا نشعر جميعاً تقريباً بانعدام الأمن، وهذا يبقينا في حالة تخوف مستمر”!

لقد أجريت 500 مقابلة شخصية من أجل كتابي، وكشفتْ هذه المقابلات عن نمط مشترك بين الموظفين؛ إذ يشعر الموظفون في المهن المعرفية بانعدام الأمن بسبب الطبيعة غير الملموسة لعملهم، ويواجهون تحدياً في إقناع عملائهم بخبرتهم الجديرة بالاهتمام وتبرير الأجور المرتفعة التي يتقاضونها لقاء خدماتهم. ويتفاقم انعدام الأمن الذي يشعر به هؤلاء الموظفون بسبب أنظمة الترقية التنافسية (التي تفرض على الموظف أن يترقى أو يغادر) والتي يمارسها العديد من المؤسسات المهنية المرموقة، التي تضع الزملاء في مواجهة بعضهم لبعض وتدفعهم للمنافسة؛ إذ يتعين على الموظفين في هذه الحالة إثبات قيمتهم لمدرائهم وإقناعهم بأنهم يتفوقون على زملائهم الآخرين؛ فلذلك هم لا يستطيعون الاعتماد على إنجازاتهم السابقة أو أخذ فترات للاستراحة من عملهم!

وما يزيد الطين بلة أن المؤسسات المهنية المرموقة تتعمد البحث عن “فائقي الإنجاز غير المطمئنين” وتوظيفهم لديها، بل إن بعض المؤسسات المهنية الرائدة تستخدم هذا المصطلح صراحةً لوصف هؤلاء الموظفين، ولكن ليس علناً. ويتمتع فائقو الإنجاز غير المطمئنين بقدرات استثنائية وطموح كبير، لكنهم في الوقت ذاته يغمرهم إحساس عميق بعدم كفاءتهم! وتنبع مشاعر النقص هذه عادةً من تجارب الطفولة، وقد تنتج عن عوامل مختلفة أيضاً، مثل تجربة الحرمان المالي أو الجسدي، أو الاعتقاد بأن حب الأبوين لهم كان مشروطاً ويتوقف على ما إذا كان سلوكهم حسناً وأداؤهم في المدرسة جيداً أو لا.

وأخبرني مسؤولو التوظيف الذين قابلتهم أن المؤسسات المهنية المرموقة تسعى بشدة وراء هؤلاء الأفراد؛ لأنهم يتمتعون بالتحفيز والانضباط الذاتيين. وتُغري هذه الشركات فائقي الإنجاز غير المطمئنين بالإيحاء إليهم أنها الأفضل في هذا المجال، وأنهم بانضمامهم إليها سيصبحون متميزين أيضاً. ولكن فائقي الإنجاز غير المطمئنين يكتشفون عند انضمامهم إلى الشركة أن سياسة الترقية الصارمة تزيد من شعورهم بانعدام الأمن ومن خوفهم أن يُنظر إليهم على أنهم ليسوا أكْفاء، ومن ثَم يواجهون الرفض في وظائفهم في نهاية المطاف.

إن فائقي الإنجاز غير المطمئنين يقدمون مستويات أداء عالية؛ فقد أخبرني رئيس مجلس إدارة شركة استشارية في إحدى المقابلات أنه يعتقد أن موظفيه الأفضل في بناء العلاقات مع العملاء يشعرون بانعدام الأمن، وأضاف: “لدى هؤلاء الموظفين دوافع عالية لإرضاء عملائهم لدرجة أنهم مستعدون للعمل ساعات إضافية من أجل ذلك، فيشعر العملاء بشغفهم وتفانيهم فيتجاوبون معهم”.

وتعزز ثقافة الرقابة الاجتماعية القوية التي أنشأتها المؤسسات المهنية المرموقة ميل الموظفين إلى العمل الجاد؛ إذ توفر هذه الثقافة للموظفين إحساساً بالطمأنينة؛ فبعض المهنيين الذين درَسْتُهم يشبِّهون شركاتهم بعائلتهم أو بشيء أكثر عمقاً! ويقول أحد المستشارين واصفاً شركته: “شعرت في البداية أن الشركة أشبه ببيتي، وبعد أن أمضيت بعض الوقت وجدت الأمور تسير على نحو إيجابي”. ويمكن أن يؤدي شعور فائقي الإنجاز غير المطمئنين في أقصى حالاته إلى الالتزام بالخضوع المفرط وإلى تطبيع السلوكيات غير الصحية!

ومن المفارقات أن الموظفين الذين درَسْتُهم لا يزالون يعتقدون أنهم يتمتعون بالاستقلالية، وأن اختيارهم العمل الإضافي اختيار شخصي نابع منهم! وهم لا يحمّلون مؤسساتهم المسؤولية عن ساعات عملهم الكثيرة! فهذه الساعات عُوِّضت فيما بعد في مبادرات التوازن بين العمل والحياة وبرامج الاهتمام بالصحة والعافية. بل إنهم فوق ذلك يرون أن أداءهم في عملهم الإضافي دون المستوى المطلوب! وينظرون إلى زملائهم فيرون أنهم يتأقلمون ولا يصدر منهم حديث عن أي مشكلة، فيعدّون ذلك دليلاً إضافياً على عدم كفاءتهم ويزداد شعورهم بالنقص أمام غيرهم. وإذا عانَوا الاحتراق الوظيفي فإنهم يلومون أنفسهم على ذلك، ويُعفون مؤسساتهم وقيادتها من المسؤولية عن ساعات العمل الكثيرة، لذلك لا شيء أساسي يتغير لمعالجة هذه القضايا.

وعليه عندما يصعد فائقو الإنجاز غير المطمئنين في نهاية المطاف إلى الأدوار القيادية داخل مؤسساتهم، فإنهم يعيدون عن غير قصد إنتاج أنظمة الرقابة الاجتماعية والعمل الإضافي التي أسهمت في نجاحهم.

فإذا وجدت نفسك بصفتك قائداً تسأل لماذا تعمل بجد أكثر من أي وقت مضى، فتأمل نفسك جيداً وفكر في المؤسسة التي أنشأتك والممارسات التنظيمية التي تعمل على إدامتها؛ إذ يمكن للعمل الجادّ أن يجلب الرضا والإثارة! ولكن من المهم أيضاً أن تعيد تقييم نمط حياتك! ولذلك انتبه للحالات التي تدفع فيها نفسك وموظفيك بشدة، وتعلَّم كيف تساعد نفسك وزملاءك على التراجع ومنع الإرهاق والاحتراق الوظيفي.

ربما ساعدك الشعور بانعدام الأمن على الوصول إلى ما أنت عليه اليوم، ولكن هل ما يزال هذا مفيداً لك؟ أما حان الوقت لتعترف بأنك نجحت بتحقيق طموحك ولتبدأ بالاستمتاع بثمار عملك أكثر قليلاً؟ إذا كان مديرك من فائقي الإنجاز غير المطمئنين، فافهم كيف تنعكس مخاوفه عليك، كيف يجعلك تشعر بانعدام الأمن لعجزك عن مواكبة وتيرته!

اعمل لساعات كثيرة عند الضرورة أو عندما ترغب في ذلك، ولكن افعل ذلك بوعي ولمدد زمنية محددة ولتحقيق أهداف واضحة، ولا تدع ذلك يصبح عادة تمنعك من سلوك طرق أخرى للعمل أو الحفاظ على نمط حياة متوازن.

ولاحظ كيف تحكم على الزملاء الذين يعملون بجهد أقل منك، فربما اكتشفوا نهجاً أكثر فعالية تحتاج إلى تعلّمه.

وإذا كنت قائداً، فأنت من يتحمل المسؤولية، ليس عن شركتك فحسب، بل عن الموظفين الذين يعملون فيها أيضاً. لذا ساعد زملاءك على تحقيق إمكاناتهم الكاملة، ولكن لا تسمح لنفسك باستغلال مخاوفهم وزيادتها، وتذكّر أن مسؤوليتك الأساسية هي الاعتناء بنفسك!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .