أحد الموظفين يتحوّل إلى العمل كمتعاقد مع الشركة، والجميع الآن يريد هذه الميزة

14 دقيقة
العمل كمتعاقد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة جرت في كلية هارفارد للأعمال بعنوان: “بايونيز أوربان: معضلة الاعتناء بشركة ناشئة” وهي دراسة حالة أصلية غير منشورة وُضِعَت في معهد تطوير الإدارة في غورغاون (MDI Gurgaon).

“كانت هذه هي الخطوة الصائبة، ونحن محظوظون الآن لأنه يعمل معنا كمتعاقد لحسابه الخاص”.

كان فير سايني، مدير الخدمات الإبداعية في شركة الإعلانات “بلاك بيرد” يشير بهذا الكلام إلى أحد المصممين لديه، ألا وهو إحسان مسرّة الذي كان قد استقال من الشركة قبل بضعة أشهر ليؤسس وكالته الإعلانية الخاصة. وقد أصبحت “بلاك بيرد” أول عملائه، وكان فير في زيارة إلى مكتب مديرة الموارد البشرية ضيا ماتهور ليطلعها على آخر المستجدات.

في بادئ الأمر، كانت ضيا من المشككين في هذا الاتفاق. لكنها اقتنعت في نهاية المطاف برأي فير القائل إن إحسان كان عازماً على شق طريقه بنفسه وإن الشركة محظوظة بمواصلة العمل معه بأي صفة كانت. كما كان إحسان أيضاً ممتناً جداً لدعمهم. وحتى هذه اللحظة، كانت الأمور تسير على ما يُرام كما يبدو.

“أنا واثق من قدرته على استقطاب زبائن جدد خلال وقت قصير”، قال فير مواصلاً كلامه. “لطالما كان من الواضح أنه لم يكن فناناً خلاقاً من الطراز الرفيع فحسب، وإنما كان بارعاً في إدارة العلاقة مع الزبائن أيضاً. أما هنا، وبسبب ضخامة شركتنا، فإنه لن يكون قادراً أبداً على فعل الأمرين معاً”.

كانت “بلاك بيرد” التي تعمل انطلاقاً من دلهي تضم أكثر من 200 موظف يعملون ضمن ثلاثة أقسام هي قسم خدمات حسابات العملاء، وقسم الوسائط، ومجموعة فير الإبداعية المؤلفة من أكثر من 50 موظفاً، بمن فيهم 12 مصمماً. كانت مهمتهم تتمثل في إنشاء مواقع إنترنت وإعداد مواد ترويجية للعملاء الذين كانوا بغالبيتهم العظمى من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. وعندما كانت المجموعة تستلم مشروعاً ضخماً أو كانت تنشغل، كان فير يلجأ إلى تعهيد1 بعض أعمال التصميم إلى مصممين يعملون لحسابهم الخاص أو إلى وكالات إعلانية صغيرة متخصصة. كان إحسان مسؤولاً عن إدارة هؤلاء المتعاقدين، وكان في بعض الأحيان يشعر بالإحباط من ضعف جودة عملهم، وكان يشعر أن بوسعه تقديم أداء أفضل.

عندما بادر فير إلى طرح فكرة تحويل إحسان إلى متعاقد على ضيا، سوّقها على أساس أنها تحقق مكسباً للطرفين. ففريقه سيكون قادراً على الحصول على مساعدة خارجية موثوقة، بينما سيكون إحسان قادراً على تحقيق حلمه الشخصي المتمثل في بناء مشروعه الخاص. وبعد أن تغلّبت ضيا على شعورها بالتردد الذي انتابها في بادئ الأمر، رأت أن هناك ثمة منفعة إضافية. فدعمهم لإحسان سيبعث برسالة إيجابية إلى الموظفين مفادها أن “بلاك بيرد” تستثمر في مستقبلهم، حتى لو لم يكونوا في الشركة. كما سينضم إحسان إلى شبكة قدامى موظفي الشركة التي كانت “بلاك بيرد” تستعملها كأداة لتعيين الموظفين الجدد.

“ثمة مسألة أخرى أردتك أن تعيها”، قال فير بشيء من الحذر.

فما كان من ضيا إلا أن رفعت حاجبيها بشيء من التعجب.

“هناك أمر معيّن يجب أن نظل نراقبه”، قال فير. “بعض موظفينا الآخرين يبدون مهتمين جداً بالترتيبات التي حصل إحسان عليها. وقد تناهى إلى مسمعي بعض النقاشات الدائرة فيما بينهم. حتى أن أشوك سألني عن الموضوع مباشرة”.

لم ترق هذه الفكرة لضيا التي قالت: “كنت أظن أن حالة إحسان هي حالة خاصة جداً ولن تتكرر. كم واحداً من البقية سيكون قادراً على إنشاء شركته المستقلة بشكل جدي؟ وهل يجب أن نشعر بالقلق من احتمال لجوئه إلى استمالة بعض موظفينا للعمل في شركته؟” قالت هذا الكلام وهي تشعر بشيء من الضيق وعدم الارتياح من هذه الفكرة.

أحد الأمور التي كانت تزعجها خلال الأشهر القليلة الماضية هو عدم وجود سياسة واضحة تنص على عدم السماح للموظفين بالانضمام إلى شركات منافسة بعد تركهم للشركة إلا بعد مرور فترة معيّنة.2 من الناحية التقنية، لم يكن ثمة ما يمنع إحسان من توظيف زملائه السابقين أو العمل مباشرة مع عملاء “بلاك بيرد”. لكنها كانت هي وفير والرئيس التنفيذي لشركة “بلاك بيرد” سيّد علي قد وافقوا على هذه الصفقة مع إحسان لأنهم كانوا يثقون به. كما كانوا قد قرروا أنهم سيضعون بروتوكولات تخص التعاقد مع الموظفين السابقين الذين أنشأوا شركاتهم الخاصة لضمان عدم تحولهم في نهاية المطاف إلى منافسين لشركة “بلاك بيرد”، وذلك بناء على ما تعلّموه من هذه التجربة.

“لطالما كان هذا الموضوع يقضّ مضجعي”، قالت ضيا لفير. “لعل إحسان هو الأول، لكنه لن يكون الأخير ربما”.

العواقب والتبعات

في يوم الثلاثاء التالي، كانت ضيا جالسة في مكتبها تحاول الانتهاء من صياغة تقرير يخص تعيين الموظفين يجب عليها تقديمه إلى مجلس الإدارة يوم الخميس، لكن هاتفها ظل يهتز إيذاناً بورود مجموعة من الإشعارات. فما كان منها إلا أن التقطته لتلاحظ أن فير قد أرسل لها رسائل متكررة:

“أشوك قدّم استقالته ويريد ترتيبات مشابهة لترتيبات إحسان”.

“هل بوسعنا أن نلتقي بعد ظهر اليوم؟”

“ديف وبريشا طلبا التحدث للتو إليّ أيضاً”.

“ما الذي يجري؟؟”

“متى بوسعنا الاجتماع؟؟”

“أنا قلق من أننا نرى تأثير الدومينو يحصل لدينا”.

“آسف جداً. أعرف أنك منهمكة بالتحضير لاجتماع مجلس الإدارة”.

فما كان من ضيا إلا أن بعثت إليه برسالة تسأله فيها ما إذا كان بوسعهما الالتقاء في غرفة الاجتماعات بالقرب من المصعد.

عندما وصلت، كان فير يزرع المكان جيئة وذهاباً واضعاً يده على جيبنه فنظر إليها وقال: “أفكّر في إلغاء الترتيب الذي توصّلنا إليه مع إحسان. أخشى أن نكون قد بعثنا برسالة خاطئة مفادها أن الموظفين سيُكافؤون على تركهم للشركة. ويبدو الآن أن بعض المصممين لدينا يريدون السير على خطا إحسان. لكنهم ليسوا إحسان، وهم لا يتمتعون بذات المهارات أو الإمكانيات. لا نستطيع خسارتهم جميعاً ومن ثم إعطاءهم العمل!”

أخذت ضيا نفساً عميقاً. فقد كان فريق فير في خضمّ إطلاق منتج لأحد أكبر زبائن الوكالة ألا وهي شركة “نيف”، وبالتالي فقد كان الفريق يؤجّل المواعيد النهائية لمشاريع الزبائن الآخرين. فإذا ما غادر عدة مصممين الشركة، فإن الباقين فيها سيُصابون بالإنهاك من ثقل العمل.

“حسناً، بالنسبة للمبتدئين، دعنا نوضح لهم أننا لا نستطيع ضمان تقديم أي عمل لهم”، قالت ضيا.

هزّ فير رأسه وقال: “وماذا لو أرادوا الانضمام إلى إحسان؟”

“هل تعتقد أنه عرض عليهم العمل؟”3 سألت ضيا.

هزّ فير كتفيه وقال: “ثمة أمر آخر أيضاً. سمعت أن بعضاً من المتعاقدين الآخرين معنا قلقون من فكرة تلقّي إحسان لمعاملة خاصة. أعتقد أنهم يشعرون أنهم مهددون، وأظن أن هناك احتمالاً بأن يجتذب بعضاً من أفضل موظفيهم أيضاً في معرض سعيه لبناء وكالته”.

“دعنا لا نستبق الأحداث”، قالت ضيا. “أود التركيز على تهيئة فريقنا ليكون جاهزاً”.

“ماذا عن عقود توظفيهم؟ هل بوسعنا الاستفادة منها بأي طريقة؟” سأل فير.

هزّت ضيا رأسها بالنفي. فحتى الآن، كانت “بلاك بيرد” قد تجنّبت وضع فقرات في عقود التوظيف لديها تنص على عدم السماح للموظفين بالانضمام إلى المنافسين إلا بعد تركهم للشركة بوقت معيّن. وقد كان أحد الأسباب الكامنة وراء عدم وضع هذه الفقرة القانونية في العقود هو صعوبة إنفاذها بموجب القانون الهندي. لكنها كانت لا تتناسب أيضاً مع الثقافة والانطباع اللذين كانت “بلاك بيرد” تحاول تكوينهما.4 فلطالما كانت الشركة تسعى إلى توظيف أشخاص يتمتعون بروح ريادية وتشجيع موظفيها على التطور المهني، حتى لو كان ذلك يقتضي انتقالهم إلى شركات أخرى.

لكن ضيا كانت مضطرة إلى فعل شيء ما لمنع الموظفين من المغادرة – الآن وفي المستقبل.

هل هم خونة؟

كانت الفسحة الزمنية الوحيدة المتاحة في جدول مواعيد سيّد هي وقت الغداء، لذلك اجتمعت ضيا وفير معه في مقهاه المفضّل بالقرب من مكتب “بلاك بيرد”.

لم يكن سعيداً بالأخبار التي نقلاها إليه: “نحن ندرّب هؤلاء الأشخاص، ونعطيهم المهارات التي يحتاجون إليها، ثم يطعنوننا في الظهر؟”5

كانت ضيا معتادة على ردود أفعال سيّد النابعة من انزعاجه، لكنها كانت تعلم أن بالإمكان إقناعه. “إذا ما تحوّل هؤلاء الأشخاص إلى مزوّدي خدمات موثوقين، فذلك لا يعني أنهم يطعنوننا في الظهر”، ردّت عليه ضيا.

“يجب أن يعلموا أنهم يضعوننا في وضع مستحيل، ولاسيما أن موعد إطلاق منتجات “نيف” يحلّ قريباً. هذا التفصيل تحديداً يزعجني”.

“ويزعجني أنا أيضاً”، قال فير.

“أتمنى لو لم أكن قد وافقت على هذه الترتيبات التي اتفقنا عليها مع إحسان برمّتها”، قال سيّد. “لقد بات الموظفون يظنون الآن أن بوسعهم الاستقالة والاستمرار في كسب المال منّا مع إمكانية العمل مع منافسينا أيضاً. كيف يمكننا أن نتأكد من أن إحسان حتّى لا يفعل هذه الشيء؟ أليس من المحتمل حتى أنه يدرس استقطاب بعض أفضل موظفينا ليعملوا لديه؟” فكّر لبرهة ثم مضى قائلاً: “ماذا لو أعلنّا عن إدخال تعديلات على عقد التوظيف بحيث يتضمن فقرة تنص على عدم السماح للموظفين بالانضمام إلى المنافسين بعد تركهم للشركة؟ لن يكون موظفونا الحاليون مُلزَمين بالتوقيع عليه والقبول بالشروط الجديدة، لكنه ربما يجعلهم يفكّرون مرّتين قبل القفز من السفينة. فسوف يدركون أننا لن نعطي جميع الموظفين الباقين ما أعطيناه لإحسان من ترتيبات. سوف تبعث هذه الخطوة برسالة قوية”.

صمتت ضيا لبرهة قبل أن تردّ قائلة: “نحن بحاجة إلى دراسة عواقب الإقدام على هذه الخطوة وتبعاتها، ولاسيما تأثيرها على المعنويات وعلى قدرتنا على تعيين الموظفين”.

هزّ سيّد رأسه ونظر إلى صحنه الموجود على الطاولة أمامه. لم يكن أياً منهم قد لمس طعامه. هنا عاد فير إلى الحديث من جديد قائلاً: “يمكننا عوضاً عن ذلك أن نقدّم شيئاً ما للموظفين لكي يبقوا معنا كأن نعرض عليهم علاوة مالية مثلاً”.6

“وقتها ستجد ضيا نفسها أمام طابور طويل من الموظفين الذين يهددون بترك الشركة لمجرد الحصول على المزيد من المال”، ردّ عليه سيّد غاضباً. ثم صمت لبرهة وأكمل بعدها كلامه قائلاً: “ليس بوسعنا تغيير عقود عملهم، لكن بمقدورنا تغيير سياسات الشركة. باستطاعتنا الإعلان بشكل فوري عن أننا لن نوقّع أي عقد خارجي مع أي موظفين سابقين”.

فتح فير عينيه على وسعهما وسأل متعجباً: “هل هذا يعني أننا سنقطع صلاتنا بإحسان؟”7

“أعلم أن الأمر سيكون مؤلماً، لكننا يجب أن نفعل شيئاً”، قال سيّد.

تقديم المكافآت الصائبة

كانت ضيا قد دعت بريشا كومار، وهي مصممة من المصممات اللاتي أشرن إلى أنهم يدرسون فكرة ترك الشركة، إلى مرافقتها في نزهة خارج أروقة الشركة. فقد أرادت فهم وجهة نظر بريشا لتعرف كيف بوسعها أن تقنعها هي والموظفين الآخرين الذين كانت تخشى أن يتركوا الشركة بالبقاء فيها.

حالما اجتمعت السيدتان في الساحة العامة في مدينة الإنترنت، عبّرت بريشا عن مكنونات صدرها قائلة: “أليس العمل المستقل حلماً يراود الجميع؟ لقد جعل إحسان الأمر يبدو ممكناً، وكان تعاملكم مع الحالة رائعاً. وهذا أحد الأسباب التي جعلتني أحب العمل هنا. الجو هنا عائلي8 ويشجّع الجميع على أن يفردوا أجنحتهم ويطيروا لكي يثبتوا استقلاليتهم”.

شعرت ضيا بشيء من التنازع في داخلها. فلا شك أنها قد بذلت جهداً كبيراً لإيجاد بيئة عمل حميمية تعزز الثقة، لكنها شعرت بالذعر من فكرة دعم “بلاك بيرد” غير المشروط لموظفيها حتى بعد تركهم لها.

“دعيني أكون صريحة مع يا بريشا”، قالت ضيا. “هذا الشيء يضعنا في موقف حرج. فإذا ما غادرت مجموعة منكم الشركة، فإن أداءنا سيتراجع. ولن نتمكن من تعيين موظفين بدلاء بسرعة ليأتوا مكانكم. وهذا يعني أننا قد نخسر العملاء، بما في ذلك شركة “نيف””.

“لكننا سنكون قادرين على إنجاز العمل بموجب عقود خارجية نوقّعها معكم”.

“ليس الأمر بهذه البساطة. فنحن سنمرّ بحالة من عدم الكفاءة في العمل والموظفون الجدد سيحتاجون إلى بعض الوقت لكي يتعلموا. ولن يكون فير قادراً على الاستفادة من وجودكم معاً في مكان واحد ولن تكونوا قادرين على ضمان التعاون الكامل فيما بينكم”.

هنا ردّت بريشا قائلة: “أنا آسفة. لا أريد التخلي عنكم جميعاً، لكن إحسان يبدو أسعد حالاً بكثير وهو قادر على جني أموال أكثر، ومن المغري للمرء أن يحذو حذوه. ويجب أن أفكر في مصالحي الشخصية”.

فكّرت ضيا بينها وبين نفسها وقالت كفانا حديثاً عن مبدأ العائلة.

“أتفهمّ أسبابك يا بريشا. لكن دعيني أعرض لك وجهة النظر المقابلة”، قالت ضيا، وأخبرتها بجميع الأسباب التي تدعوها إلى البقاء في الشركة من أمان وظيفي، ومنافع، وإمكانيات نمو الشركة مستقبلاً، وجوّها العائلي المريح أيضاً.

وبينما كانت ضيا تتحدث، أدركت أنها لم تكن واثقة ما إذا كانت هذه الإيجابيات مقنعة بما يكفي. هل ستكون العلاوات المالية أو زيادات الرواتب المخصصة لاستبقاء الموظفين أكثر جاذبية؟ أم هل حان الوقت للتركيز على مخاطر ترك الشركة من خلال فرض قاعدة تنص على عدم العمل مع الموظفين السابقين، وإدخال بنود وفقرات قانونية بذات المعنى في عقود التوظيف المستقبلية تنص على منع الموظفين من العمل مع المنافسين بعد ترك الشركة؟ ماذا سيكون أكثر إقناعاً: العصا أم الجزرة؟

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

ملاحظات على دراسة الحالة

  1. أشارت دراسة جرت مؤخراً وشملت 150 شركة تسويق تزيد إيراداتها على 200 مليون دولار إلى أنها تقوم بتعهيد 45% إلى 48% من أنشطتها المرتبطة بالإبداع، والاستراتيجية، والتخطيط الإعلامي، وتحليل البيانات إلى جهات خارجية.
  2. بما أن قانون العقود الهندي رقم 1872 يمنع إبرام اتفاقيات تحد من قدرة المواطنين على ممارسة مهنة أو تجارة أو عمل نظامي إلا في حالات محددة، وبما أن الدستور الهندي يحمي الحق في ممارسة أي مهنة أو تجارة أو عمل، فإن المحاكم في الهند تتوخى الحذر فيما يتعلق باحترام الاتفاقيات التي لا تسمح للموظفين بالانضمام إلى المنافسين بعد تركهم لشركة ما.
  3. دون وجود بند قانوني لا يسمح للموظف بالانضمام إلى جهة منافسة بعد تركه للشركة، كيف بوسع فير ضمان عدم تعيين موظفه السابق لأشخاص يعملون حالياً لدى “بلاك بيرد”؟
  4. توصّل الباحثون إلى أن المشاركين في دراسات تضمنت محاكاة لتطبيق بند قانوني لا يسمح للموظف بالانضمام إلى جهة منافسة بعد تركه للشركة أظهروا دافعاً أقل بكثير وقدّموا نتائج أسوأ في المهام المستندة إلى بذل الجهد.
  5. ما هي التوقعات التي يجب أن تكون موجودة لدى أصحاب العمل بخصوص ولاء الموظفين؟
  6. في استطلاع أجري عام 2016، قالت 74% من الشركات المشاركة فيه والتي تضم الواحدة منها أكثر من 20 ألف موظف إنها لجأت إلى تقديم علاوات لاستبقاء الموظفين، بينما لم تزد نسبة الشركات التي لديها أقل من 100 موظف وقدّمت هكذا حوافز عن 3%. وبحسب موقع (Salary.com)، فإن العلاوات المالية هذه تتراوح ما بين 10% و15% من الراتب.
  7. هل هذا الشيء أخلاقي؟
  8. في حين أن الثقافة “العائلية” في الشركة تحقق منافع من قبيل رفع المعنويات، إلا أن بعض الخبراء يعتقدون إن ذلك قد يتسبب بتمييع الحدود الفاصلة بين العلاقات المهنية والعلاقات الشخصية بطريقة غير صحية.
[/su_expand]

رأي الخبراء

كيف يجب على ضيا أن تتعامل مع جميع الموظفين الذين يريدون السير على خطا إحسان؟

جون تشوانغ (John H. Chuang): المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “آكوينت” (Aquent).

حان الوقت لكي تتجه “بلاك بيرد” إلى اعتماد الممارسات الإدارية التي تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين، وتبنّي اقتصاد الأعمال المستقلة، والسماح لأعداد أكبر من الموظفين بالعمل لحسابهم الخاص.

لا شك أن القرار الذي اتخذته ضيا مع فير بخصوص حالة إحسان هو القرار الصائب، لأنه سيسمح لهما باستقطاب المزيد من أصحاب المواهب، وتحسين درجة ولاء الموظفين، وبناء ثقافة مؤسسية أفضل، وإنجاز قدر أكبر من الأعمال الإبداعية من خلال ترك الآخرين يسيرون على خطا إحسان.

فإذا ما أرادت شركات اليوم مواكبة التغيّرات الحاصلة على الصعيدين المجتمعي والتكنولوجي، فإنها يجب أن تتحلى بالمرونة في التعامل مع قواها العاملة وأن تمنح هؤلاء العاملين درجة أعلى من الحرية. فالموظفون الشباب، ولاسيما من يعملون في المجال الإبداعي، يريدون الاستقلال الذاتي والتنوع اللذين يوفّرهما اقتصاد الأعمال المستقلة. ويمكن لشركات مثل “بلاك بيرد” أن تحقق استفادة عظيمة من هذا الشيء، سواء من خلال التقليل من المخاطر المرتبطة بموظفيها الذين لا تستطيع تأمين ما يكفي من المهام لهم لكي يعملوا عليها طوال الوقت، أو من خلال توفير خدمة أفضل للعملاء عبر تأمين فِرق مصممة بحسب احتياجاتهم المحددة تكون تحت خدمتهم. فإذا ما كان موظفوكم متفرغين ويعملون بشكل شبه حصري لديكم بدوام كامل، فإن ذلك الخيار يعني ببساطة أنكم لن تستفيدوا إلا من مهاراتهم هم فقط لأن الموازنات المالية غالباً ما لا تسمح لكم باستقطاب أصحاب خبرات إضافية إلى مشاريعكم. لذلك من الأفضل أن يكون هناك عدد أقل من الموظفين مع إمكانية التعامل مع شبكة من الأشخاص القادرين على تأمين ما تحتاجونه بالضبط عندما تحتاجون إليه.

ثمة عدد من الوكالات الإعلانية الكبيرة التي تتجه إلى تطبيق هذا النموذج بدعم من عملائها. كما نرى اتجاهاً مشابهاً في صناعة السينما، حيث يكون هناك تجميع لعدد من الأشخاص الرائعين الذين يتعاونون معاً ثم يتفرّق شملهم بعد إنجاز المهمة. فإذا ما كانت “بلاك بيرد” قادرة على تعلّم كيفية فعل ذلك بالضبط واكتساب سمعة تشير إلى أنها قادرة على تكوين فريق من أصحاب المواهب المطلوبة في الوقت المناسب، فإن تلك الخطوة ستسمح لها بتحقيق تفوّق كبير في السوق.

سوف يندفع الأشخاص المستقلون الذين يعملون لحسابهم الخاص والموظفون المتفرغون الذين يعملون بدوام كامل جماعات نحو الشركات التي توفّر لهم ترتيبات مرنة، واستقلالية، وعملاً متسقاً، وفرصة للتعاون مع العديد من زملاء العمل الآخرين. وبالنسبة للعملاء، فسيكونون أكثر إعجاباً بالخدمة المفصّلة بحسب احتياجاتهم. فإذا ما أرادوا عملاً منجزاً وفق التكنولوجيات المتطورة – مثل تصميم تجربة في الميتافرس – فإن “بلاك بيرد” قد تكون واحدة من الشركات القلائل القادرة على توفيره.

لا أعتقد أن ضيا أو الرئيس التنفيذي يجب أن يشككا في ولاء الموظفين الذين يريدون الإقدام على ما أقدم عليه إحسان. فالإخلاص لا يأتي من عقد العمل القائم على التفرغ، بل يأتي من الاستمتاع بالعمل في المؤسسة. كما أظن أن أعضاء فريق فير سيكونون أكثر التزاماً مع فير و”بلاك بيرد” إذا سُمِحَ لهم بمغادرة الشركة وإبرام شراكة معها. وها هو إحسان يثبت صحة هذا الكلام، ويجب على الإدارة أن تفي بوعدها بالاستثمار في الموظفين ذوي التوجهات الريادية ومساعدتهم على فرد أجنحتهم والطيران.

لدينا في “آكوينت” 10 آلاف موظف لكن نسبة المتفرغين الذين يعملون لدينا بدوام كامل لا تزيد على 10%. ونقوم بتعهيد غالبية أعمالنا الإبداعية إلى أشخاص من خارج الشركة، حيث إن لدينا مديراً عالمياً واحداً فقط للشؤون الإبداعية وينسق الأنشطة كلها. ونحن شركة تدعم اقتصاد الأعمال المستقلة وتساعد على تحويله إلى واقع، لكننا نعتمد عليه أيضاً ونعمل على تحسينه، من خلال تقديم ذات المنافع إلى المتعاقدين والموظفين على سبيل المثال.

قد لا تكون “بلاك بيرد” قادرة على المضي إلى هذا الحد على الفور، لكنها يجب أن تخطو الخطوة الأولى نحو مستقبل العمل.

كريغ ميلون (Craig Millon): المدير التنفيذي لشؤون العملاء في شركة “جاك مورتون وورلدوايد” (Jack Morton Worldwide)، وهي جزء من مجموعة شركات “إنتربابليك” (Interpublic Group of Companies).

يجب على ضيا وفير بذل قصارى جهودهما للاحتفاظ بالموظفين المبدعين في “بلاك بيرد” كموظفين متفرّغين يعملون بدوام كامل.

فالعملاء قد يلجؤون إلى وكالتكم بسبب علامتها التجارية أو سمعتها، لكنهم يبقون معها لأنهم يريدون العمل مع أشخاص محددين، لذلك يجب أن تستبقوا أصحاب المواهب هؤلاء، وألا تدعوا جهات أخرى تستأجرهم.

ثمة منافع أخرى عديدة لاستبقاء الموظفين بعقود عمل دائمة بحيث يعملون معاً على الدوام، سواء شخصياً أو افتراضياً عبر الإنترنت. أولاً، لأن ذلك يُسهِمُ في تكوين مجتمع صغير من الأشخاص المتنوعين والمتناغمين يرغب الموظفون في الانتماء إليه. كما أنه يعزز ثقافة العمل في الشركة ويعطي ميزة إضافية في سوق تتسم بقدر شديد من التنافسية. كما أن العمل سيكون أكثر اتساقاً لأن الموظفين الذين يعملون بعقود عمل دائمة أكثر ميلاً إلى الوثوق ببعضهم البعض، وفهم أدق تفاصيل احتياجات العملاء. الميزة الأخيرة هي أن الجميع سيكونون أكثر توافقاً والتزاماً بالأهداف ذاتها.

سيكون من الصعب عليكم أن تحافظوا على هذه العناصر، أي المجتمع الصغير وثقافة العمل والاتساق والالتزام، عندما تكونون مضطرين إلى الاعتماد اعتماداً كبيراً على متعاقدين يعملون لحسابهم الخاص. ربما توفّرون بعض المال المدفوع كرواتب ومنافع وتكاليف تطوير، لكن تعهيد الأنشطة الإبداعية الأساسية إلى جهات أخرى ينطوي على مخاطر جمّة. فعلاقتكم مع أصحاب المواهب الأساسيين لديكم تصبح علاقة نفعية بحتة، ما يقود إلى المزيد من النزيف والخسارة في هذه المواهب، وهذا يعني أن جودة العمل سوف تتدهور في نهاية المطاف. ولهذه الأسباب كلها، لا يجب على “بلاك بيرد” أن تسمح لزملاء إحسان بالسير على خطاه. لكن المحافظة على قوام الفريق كما هو ستتطلب تقديم حوافز تتجاوز مجرّد منح علاوات مالية لاستبقاء الموظفين أو التهديد بإدخال بنود قانونية لا يمكن تطبيقها لمنع الموظفين من الانضمام إلى شركات منافسة بعد تركهم للعمل. يجب على ضيا وفير احتساب القيمة التي تقدّمها “بلاك بيرد” إلى موظفيها وفق معايير أفضل لتقنعهم أن تجربة العمل مع الوكالة بدوام كامل أفضل لهم من التجربة التي سيحصلون عليها بالعمل كمتعاقدين خارجيين.

ننطلق في شركة “جاك موروتون” من غاية مفادها “أن نكون استثنائيين في عملنا”، لأننا نعرف أن هذا هو السبب الذي يجعل الموظفين يرغبون بالعمل معنا، وليس فقط لأنهم يريدون الحصول على راتب في نهاية المطاف. لكننا نأخذ بحسباننا أيضاً المنافع غير الملموسة التي يحصل عليها موظفو الوكالة، ونسلّط الضوء عليها. وتشمل هذه المنافع فرصة العمل على أحدث المشاريع المتقدمة في جميع أنحاء العالم، والتعاون مع مجموعة متنوعة من الزملاء على المستوى الجزئي (في المكتب وضمن فِرَق مميزة) فضلاً عن المستوى الكلي (ضمن وظائف ومناطق جغرافية ووحدات تجارية مختلفة تقع ضمن المنظومة الأوسع لشركتنا الأم “إنتربابليك”).

بما أن “بلاك بيرد” هي شركة أصغر حجماً، فإنها لا تستطيع حتى الآن تقديم هذه العروض كلّها دفعة واحدة. بيد أن بوسعها تحديد القيم التي تمثّلها، وإبلاغ هذه القيم إلى الموظفين، والتركيز على مزايا ومنافع من قبيل الإحساس بالانتماء الجماعي، والتدريب والتطوير، وفرص القيادة، ووجود خيارات أوسع من المشاريع، وفرصة العمل المباشر مع العملاء. لست ضد فكرة الاستعانة بالمتعاقدين ومن يعملون لحسابهم الخاص. فنحن نستعين بالعديد من أصحاب المواهب إلى جانب أعضاء فريقنا من الموظفين المتفرغين. وفي الآونة الأخيرة، ساعَدْنا أحد الموظفين في قسم تطوير الأعمال على الاستقلال بنفسه، تماماً كما فعل إحسان في دراسة الحالة هذه. فالجزء الذي كان يستمتع به من عمله وكان بارعاً في أدائه، وتحديداً تنظيم الاجتماعات مع العملاء المحتملين، لم يكن يستدعي وجود موظف متفرّغ يعمل لدينا بدوام كامل، لذلك اتفقنا على أنه يجب أن ينشئ شركته الخاصة وأصبحا أول زبون يتعامل معه. فبما أننا لم نكن قادرين على منحه تجربة أفضل من تلك التي سيحصل عليها إذا ما عمل لحسابه الخاص، فقد كان الترتيب الذي توصلنا إليه منطقياً. لكننا نركز أيضاً على تنمية المواهب الموجودة لدينا داخلياً والاستعانة بالمتعاقدين لتلبية احتياجات محددة أو الحصول على خبرات معيّنة في مجالات محددة غير متاحة لدينا.

يجب على ضيا وفير اتخاذ جميع القرارات الخاصة بأصحاب المواهب في كل حالة تنشأ على حدة. لكن نصيحتي لهما هي أن يمنحا الموظفين الذين يحققون القيمة القصوى للشركة سبباً للبقاء فيها. فلربما في يوم ما في المستقبل قد يقنعون إحسان حتى بالعودة إلى الشركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .