جاءت ترقية أحمد إلى منصب مدير أول للمشروعات مصحوبة بمشكلة غير متوقعة؛ فعلى الرغم من استمراره في العمل تحت إشراف مديرة قسمه، جنى، وهي رئيسة قسم تطوير المنتج، أصبح الآن يعمل أيضاً تحت إشراف مدير مشروع محدد، عدنان، وهو المسؤول عن تنفيذ برمجيات جديدة بالغة الأهمية. كان المقصود من هذا الهيكل الإشرافي المزدوج تسريع عملية التسليم، لكن سرعان ما لاحظ أحمد غياب التواصل بين مشرفَيه، وكثيراً ما وجد نفسه مضطراً إلى نقل المعلومات بينهما محاولاً التوفيق بين أولوياتهما المتضاربة والمواءمة بين توجيهاتهما المختلفة.
يؤدي التعرّض لموقف مشابه إلى الإحباط، والأخطر من ذلك أنها تزداد شيوعاً في أماكن العمل؛ فقد أثبتت بيانات مؤسسة غالوب (Gallup) أن أكثر من 72% من الموظفين في الولايات المتحدة يعملون ضمن هياكل تنظيمية مصفوفية، أي تطبق نظام العمل تحت إشراف أكثر من مدير في آنٍ واحد، فيجد الموظف نفسه يتبع إلى مديرَين في آن واحد. كما أن انتشار ظاهرة العمل في فرق متعددة التخصصات والعمل القائم على المشروعات المتمايزة أدى إلى عمل الموظف تحت إشراف قائد المشروع أو الرئيس الإقليمي أو العميل الشريك بالإضافة إلى مديره الرسمي.
من الصعوبة بمكان أن يُرضي الموظف مديراً واحداً؛ فما بالك بمحاولة إرضاء مدير ثانٍ! عندها سيجد فجأة أن واجبات وظيفته تملي عليه أداء عمل إضافي لم يكن في الحسبان ينطوي على التنسيق مع المدير الآخر والتأثير فيه. ولا شك في أن العمل تحت إشراف أكثر من مدير ليس بالأمر السهل، لكن العوامل التي تسهم في صعوبة هذا الموقف هي في الواقع فرص لتطوير مهارات ستميّزك عن الآخرين في مسيرتك المهنية إذا تعاملت مع الموقف بأسلوب صحيح، ومن هذه العوامل اختلاف أساليب التواصل والتفاوض على أعباء العمل وتحقيق التوافق.
ماذا تفعل إذا وجدت نفسك عالقاً بين قائدين يفتقران إلى التنسيق المشترك؟ لا يكمن الحل في إرسال نسخة من كل رسالة إلكترونية إلى كل منهما أو إعلان استسلامك ومطالبتهما بحل هذه المعضلة. إليك كيفية تحقيق التوافق بينهما مع الحصول على الدعم والوضوح اللذين تحتاج إليهما:
اكتشف المؤشرات الخفية لغياب التنسيق
من الواضح بطبيعة الحال أن تحديد مديرَين موعداً واحداً لعقد اجتماعين مختلفين معك يدل على غياب التنسيق بينهما، ولكن هناك مؤشرات غير واضحة تمر غالباً دون أن يلاحظها أحد إلى أن تتفاقم وتسبب مشكلات كبيرة. على سبيل المثال، هل تجد نفسك تشرح معلومات أساسية (وتعيد شرحها) في كل اجتماع؟ وهل لاحظت أن مدير قسمك لا يزال يشير إلى مبادرة باسم "المشروع س" بينما بدأ المتعاونون الآخرون يطلقون عليها مسمى آخر منذ أسابيع؟
انتبه أيضاً إلى الرسائل المتضاربة حول المواعيد والموارد؛ فربما يقول أحد مديرَيك عرَضاً إنك ستعمل مع مريم الموظفة بقسم العمليات في الربع القادم، بينما يعرف مديرك لآخر أن مريم ستنتقل إلى قسم آخر. وقد تلاحظ أيضاً أن كلاً منهما لديه وجهة نظر مختلفة تماماً حول مفهوم "الأولوية القصوى" بالنسبة للمهام المطلوب منك إنجازها.
تمثل هذه المظاهر البسيطة لغياب التنسيق إشارات تحذيرية مبكرة؛ فاحرص على اكتشافها مبكراً كي تمنع سوء التفاهم البسيط من التفاقم والتحول إلى مشكلة كبيرة.
اتخذ خطوات استباقية لتجنب الصراعات قبل وقوعها
كُن صريحاً مع كلا المديرَين واعترف بحتمية وقوع الخلافات وانقطاع التواصل عاجلاً أو آجلاً. الفكرة هنا ليست احتمالية وقوع هذه المشكلات من عدمه، بل توقيته. يمكنك طرح هذه المسألة على النحو التالي:
- "أنا متحمس للعمل معك ومع يوسف. هل يمكننا التحدث عن أفضل طريقة لتبادل المعلومات بيننا؟".
- "لقد تعلمت أن التنظيم المصفوفي يحقق أفضل النتائج عندما نعتمد طريقة مدروسة في التواصل، وبما أنني سأعمل مع كلا الفريقين، فما هي طريقتكما المفضلة للتعامل مع الأولويات المتعارضة عند ظهورها؟".
- "عندما أتلقى توجيهات متضاربة، هل تفضلان أن أشير إلى ذلك في محادثاتنا الثنائية أولاً، أم يجب أن أقترح محادثة ثلاثية على الفور؟".
قد يرد بعض القادة قائلين: "سنبحث المشكلة عند ظهورها" أو "لن تكون هناك مشكلة"، حينئذ حاول محاكاة المشكلة المتوقعة باستخدام مثال ملموس: "الشهر المقبل لدينا موعد لتسليم كلٍّ من (س) و(ص). كيف تفضلان تخصيص الموارد؟" أظهر أنك تسعى لتسيير العمل بأسلوب يناسب الجميع ويحقق أفضل النتائج الممكنة.
اعمل على توضيح عملية صناعة القرار
لا تترك الأمور للمصادفات متمنياً أن يتوافق مديراك بطريقة أو أخرى دون تدخُّل منك. أنشئ مستنداً رئيسياً للأولويات وشاركه مع كلا المديرَين، مع توضيح من الذي اتخذ كل قرار وتوقيت اتخاذه. راجع هذا السجل مع كلٍّ منهما في اجتماعاتك الثنائية معه، واطلب منه تصويب ما به من معلومات خاطئة، إن وجدت، أو إدخال أي إضافات يريدها. يسهم هذا الإجراء في اطلاع كل قائد على سير العمل ويسلط الضوء على أي تضارب.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يضيف أحد الرؤساء مهمة عاجلة، يمكنك الرجوع إلى هذه القائمة بهدوء وقول: "بالنظر إلى قائمة أولوياتي الحالية، من المقرر أن أقدم التدقيق إلى سلمى غداً والانتهاء من تقرير مراجعة المورّدين وتقديمه إليك يوم الخميس. أي من هاتين المهمتين يجب تأجيلها لإفساح الوقت لإنجاز المهمة الجديدة؟"
كُن حلقة وصل بين الطرفين
تحتاج أحياناً إلى عقد اجتماع مشترك بين مختلف الأطراف المعنية ولو كان اجتماعاً افتراضياً عبر الإنترنت، وإذا لم يتحمّس مديراك للفكرة بسبب كثرة الاجتماعات، فقدّمها على أساس أنها وسيلة للتخلص من إهدار الوقت في تبادل الرسائل بين مختلف الأطراف. ويمكن أن يؤدي التواصل الشهري أو ربع السنوي إلى تجنب عشرات المشكلات قبل أن تظهر. وإذا نشأ سوء تفاهم غير متوقع، فخذ زمام المبادرة وادعُ إلى عقد جلسة طارئة. على سبيل المثال: "بدلاً من أن أكون وسيطاً بينكما، دعونا نجري مكالمة ثلاثية سريعة لحل هذه المشكلة. سأخصص 30 دقيقة في جدول مواعيد كلٍّ منا".
واحرص في هذه الاجتماعات على تقديم خيارات ملموسة يمكنهما اتخاذ قرارات بشأنها، مثلاً: "إذا أجّلنا حملة التواصل مع المتبرعين، فيمكننا التركيز على المنحة؛ ولكن إذا أردنا التركيز على التواصل مع المتبرعين الآن، فسنحتاج إلى طلب تمديد الفترة الزمنية المخصصة للعمل على المنحة. وإليكما أثر هذين الخيارين على أهدافنا في جمع التبرعات".
احرص على توضيح العواقب المترتبة على غياب التنسيق
قد لا يدرك مديراك أثر غياب التنسيق بينهما فيك أو في الآخرين. وتقع على عاتقك مسؤولية تسليط الضوء على هذا الأثر، لا بغرض الشكوى، بل لتوضيح أهمية التنسيق الجيد بينهما. تحدث بنبرة إيجابية وركز على الحلول، واحرص قدر الإمكان على ربط المشكلة بالمقاييس التي يهتمان بها، مثل تأخر طرح منتج معين أو ارتفاع التكاليف نتيجة تكرار المصروفات أو إهدار الفرص أو إصابة أعضاء الفريق بالإرهاق. على سبيل المثال: "لقد قضينا 5 ساعات الأسبوع الماضي في إعادة العمل بسبب اختلاف فهمنا لمتطلبات كل قسم. وإذا تمكنا من الاتفاق عليها سلفاً فسنوفر الكثير من الوقت والموارد". يملك الإنسان دافعاً قوياً لتجنب الخسائر، ولذلك سيمثل توضيح الخسائر المحتملة حافزاً قوياً يدفع مديرَيك إلى تغيير سلوكهما.
على الرغم من صعوبة العمل تحت إشراف أكثر من مدير في ظل غياب التنسيق المشترك بينهم، فبإمكانك تعلم طرق التعامل مع هذا الموقف، وهذه مهارة ستفيدك قطعاً خلال مسيرتك المهنية.