لا ريب أن وتيرة العمل تسارعت في كل مكان. وأصبح من المتوقع منا جميعاً أنّ نُنجز قدراً أكبر من العمل في وقت أقل. وعليه، ماذا بوسعك أن تفعل إذا كان ضمن فريق عملك موظف بطيء الوتيرة؟ وكيف تُشخِّص علة استغراقه وقتاً طويلاً في إنجاز عمله؟ وكيف تساعده بعد ذلك على فهم أهمية تسريع وتيرة عمله ودعمه في ذلك؟
رأي الخبراء
"لا يحدّ الموظف الأبطأ وتيرة من إنتاجية فريق العمل فحسب، بل يضر بالروح المعنوية لزملائه أيضاً"، على حد قول ليندساي ماكغريغور (Lindsay McGregor)، المؤلفة المشاركة لكتاب "مُؤهّل للأداء" (Primed to Perform) وأحد مؤسسي شركة "فيجا فاكتور" (Vega Factor). إذ تقول ماكغريغور: "عندما يتعرض الجميع للضغوط، فإن أي شيء يُعرقل فريق العمل يكون محبطاً حقاً". وتقول إليزابيث غريس سوندرز (Elizabeth Grace Saunders)، مدرّبة إدارة الوقت ومؤسسة شركة "ريل لايف إي تايم كوتشنغ آند ترينينغ" (Real Life E Time Coaching & Training): "ومع ذلك، فإن بثّ الرعب في قلوب الموظفين لتسريع وتيرة عملهم سيأتي بنتائج عكسية فقط". وتضيف: "يجب أن تكون شريكاً في عملية التطوير، وتُظهر للموظف أن العمل بوتيرة أسرع سيجعله أيضاً أكثر الموظفين نجاحاً، الأمر الذي لا يرجع بالخير على نتاج عمله فحسب، بل وعلى تطوره وتقدمه أيضاً".
ابحث عن مصدر التباطؤ
يمكن أن يكون هناك الكثير من الأسباب المختلفة التي تعلل عمل المرء بوتيرة أبطأ مما تريد. ولكن، حتى لو كانت لديك فكرة عن أصل المشكلة، يُعتبر المسار الأمثل هو الاستفسار ببساطة شديدة. فلا تبدأ حواراً وفي مخيلتك تصورات مسبقة. فربما يعاني الموظف الخاص بك إذ يتعامل مع مهمة جديدة، أو لعله مبالغ جداً في السعي إلى الكمال لدرجة أنه يكرس وقتاً أطول من اللازم لمشروعات بعينها. وربما وتيرته بطيئة لأنه بانتظار استلام عمل متأخر من أعضاء آخرين بفريق العمل، ولعله لا يدرك أنه لا يفي بالتوقعات المرصودة له. حيث تقول ماكغريغور: "ابدأ بافتراض حسن النوايا. افترض أن هذا الشخص يود أن يُحسّن عمله، وإذا عرف كيف يُحسن عمله فسيفعل". وإذا بدأت الحوار بالفضول، فستكون في موقف أفضل يسمح لك بالبحث عن حلول عملية وفعالة.
ارصد توقعات واضحة ومحددة
ربما لا يدرك موظفك المُتلكئ أنه بطيء، ويرجع ذلك نوعاً ما إلى عدم فهمه لما هو مُتوقع منه. إذ تقول ماكغريغور: "من أصعب الأشياء التي يمكن أن يتعلمها المرء في منصب جديد يضطلع به هو استيعاب طبيعة العمل المُستحسن. ويتطلب الأمر مجهوداً كبيراً من المدير ليُعرّف أحداً بطبيعة العمل المُستحسن". فبدلاً من أن تنهال بالنقد على موظف لتأخره في تسليم التقرير المالي، اجلس وضع جدولاً محدداً للمُنجزات المُستهدفة. وقدم له النصح والإرشاد فيما يتعلق بالأمور التي تريد أن يخصص وقته لها، والوقت الذي ينبغي أن تستغرقه مهمة ما. حيث تقول سوندرز: "إن الساعين إلى الكمال يجدون مشقة كبيرة حقاً في التمييز بين الجوانب التي تتجلى فيها أهمية الكمال والجوانب التي لا يمثل فيها الكمال أهمية". وهذا يعني أن الأمر مردّه إليك فيما يختص بتسليط الضوء على الأهداف، حتى ولو بدا الأمر لأول وهلة أشبه بالإدارة التفصيلية للأمور.
تخلص من العثرات والعقبات
ربما تكون هناك عقبات تعترض طريق سير عمل الموظف لست على دراية بها. فإنجاز العمل في الوقت المناسب يمكن أن يكون مستحيلاً مثلاً إذا كان هناك عدد من الناس يتوافدون على مكتبه ملتمسين عونه أو إرشاداته، أو ربما تتوصل إلى معرفة أن موظفك المُتلكئ لا يملك كل البرمجيات أو المعدات التي يحتاج إليها لإنجاز عمله بفعالية. فتقول سوندرز: "أحياناً تكون الأنظمة عتيقة أو أحياناً لا يعي العاملون ببساطة كيفية استخدام الأدوات التي بين أيديهم وتقتضي الحاجة تدريبهم". وعلى سبيل المثال، ينجز موظفك يدوياً بعض المهام التي يمكن إنجازها بوتيرة أسرع بأدوات رقمية، أو ربما أنه بحاجة إلى الاستخدام المنتظم لطابعة في الجانب الآخر من المكتب. لذلك، اسأل أسئلة مفصلة حول العملية التي يقوم بها، وابحثا معاً عن حلول يمكنها مساعدته على تسريع سير عمله. وما أن تعرف أين تكمن العثرات، فكر في سبل لإزالتها ثم أظهر دعمك لتلك الجهود بوضوح.
تفادى اتخاذ المعطيات سلاحاً لك
ربما يكون لديك الكثير من المعطيات التي تُثبت كيف أن موظفاً بعينه يؤدي عمله بوتيرة بطيئة جداً مقارنة بزملائه. لكن هذه المعلومات يمكن استخدامها لخدمة أغراض حسنة وخبيثة على حد سواء، بحسب ماكغريغور. وإذا استخدمت تلك المعطيات على النحو السليم، كأن تستعملها كوسيلة لحث الموظف على التركيز في النتائج التي ينشدها العملاء، فمن المفيد أن تساعده على تحسين عادات عمله بمرور الوقت. إذ تقول ماكغريغور: "إذا أحرجت الموظفين بتلك المعطيات أو استغللتها من أجل تعيين مكافآت صريحة، فسيختصر الموظفون الطريق لتحقيق أهدافهم بلا روح". وبما أنك تحاول أن تتفادى موقفاً صدامياً على أي حال، ينبغي عليك تجنب استغلال البيانات كعصا تهدد بها من تشاء لتحصل على النتائج التي تريد.
قَسّم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر
قَسِّم المشروعات إلى مُنجزات مُستهدفة أصغر، وتَفَقَّد الأمور في مواعيد نهائية محددة مسبقاً كي تضمن أن كل شيء يسير بسلاسة. فيمكن أن تساعد هذه الاستراتيجية تحديداً في التعامل مع المسوّفين، بحسب سوندرز التي تقول: "إن تقسيم المشروع إلى أجزاء أصغر يمكنه مساعدة الموظفين الذين يعانون من التسويف على الشعور بقدر أكبر من الإلحاح وإكمال المهام المنوطة بهم في حينها بقدر أكبر". وكشفت الأبحاث أن الإحساس بالتقدم الناتج عن الانتصارات الصغيرة يساعد الموظفين في الإبقاء على حماسهم وحافزهم.
جد مشروعات يستمتعون بها
عندما تخصص الوقت اللازم للبحث عمّا يستمتع الموظفون بأدائه من الأعمال، غالباً ما ستعثر على الشيء الذي يُجيدونه أكثر من غيره. وتكليف الموظفين بالمزيد من المشروعات التي يستمتعون بها سيُحسن من أدائهم لعملهم. إذ تقول سوندرز: "يتوانى الموظفون في أداء عملهم بالتأكيد بسبب الإنهاك. وتتباطأ وتيرتهم لمجرد أنهم ضجروا من العمل أو أنهم لا يستمتعون بما ينجزونه". إذا كُنت تتمتع بالمرونة التي تتيح لك تكليفهم بمهام تعلم علم اليقين أنهم يستمتعون بها، فمن الأرجح أن يؤول بك الحال إلى موظفين أسرع وتيرة وأكثر إنتاجية.
لا تنس إبداء الملاحظات
بحسب ماكغريغور إذا أبليت بلاء حسناً فيما يتعلق بوصولك إلى أصل المشكلة ومساعدة الموظف الأبطأ وتيرة على البحث عن طرق مختصرة ذكية، فإن أهم مهمة لديك باعتبارك مديراً هي المتابعة وإبداء الملاحظات. وإذا وافقوا، فاحرص على أن تُعلمهم بذلك كثيراً. وتضيف قائلة: "لا تنس الربط ما بين التحسينات وتطورهم الشخصي وقدرتهم على التقدم والارتقاء بعملهم". كما تقول سوندرز: "وبالمثل إذا كان بوسعك إيجاد طرائق لتمييز هذا الشخص أو فريق عمله كمكافأة على سلوكه المُحسّن، فلا تتردد. وإذا كانت هناك مكافأة جماعية من نوع ما لفريق ينجز عمله في حينه أو بالسرعة المطلوبة، فذلك يمكن أن يكون محفزاً بشكل لا يصدقه عقل".
مبادئ لا تُنسى
الضرورات:
- استحضر في أثناء الاجتماع لمناقشة المشكلة فضولك حول علة مزاولة الموظف عمله بوتيرة أبطأ من غيره. فقد يدهشك السبب الحقيقي.
- كُن واضحاً بشأن الأهداف والمواعيد النهائية المحددة لمساعدة الموظفين على فهم توقعاتك منهم.
- اعرض عليهم مشروعات ومهام يستمتعون بإنجازها. فالموظفون السعداء ينجزون عملهم بوتيرة أسرع بطبيعة الحال.
المحظورات:
- لا تواجههم ببيانات تتعلق بمدى بطء وتيرتهم مقارنة بالآخرين. فهذه الاستراتيجية من الأرجح أن تقتل الحافز بداخلهم وتدمر روحهم المعنوية أو تفضي بهم إلى إنجاز عملهم بطرق مختصرة لها تبعات لا يمكن التنبؤ بها.
- لا تترك الأمر لهم بالكامل فيما يتعلق بإدخال التغييرات على بيئتهم أو على سير عملهم. وساعدهم على بحث الحلول، وأمِّن لهم أدوات حديثة إذا دعت حاجتهم إليها.
- لا تنسَ متابعة عملهم بإظهار التقدير لأدائهم المُحسّن أو بسؤالهم عمّا يمكن أن تفعله لهم لمساعدتهم.
دراسة حالة 1: ادعم الساعين إلى الكمال من موظفيك وابحث عن أدوات لتوفير الوقت
كان لدى مايك كاتانيا (Mike Catania)، أحد مؤسسي موقع القسائم التوفيرية (PromotionCode.org)، موظفة هي أسوأ وأفضل موظفيه في آن واحد. كانت تعمل في قسم إدخال البيانات وتختص بالتحقق من الرموز الدعائية التي تُقدّم لعملاء الموقع. وهيمنت على تصنيفات الدقة بين الموظفين، حيث بلغت معدلات دقة مدخلاتها 100% تقريباً على نحو منتظم، بالمقارنة بمتوسط أقرانها البالغ 80%. لكنها كانت تُسلّم نصف الأرقام المتوقعة منها لأنها كانت ساعية للكمال. فكانت تتحقق من التواريخ والتوصيفات ثلاث مرات، وتتصل بالمتاجر لتأكيد العروض الترويجية، وهو شيء نادراً ما كان يقوم به زملاؤها الأسرع أداء منها.
يقول كاتانيا: "لم تكن "سلحفاتنا" كسولة ولم تفتقر لفهم التوقعات المرصودة لها، بل كانت بلا شك أمهر أعضاء فريق علمنا. ولذلك كان من الأهمية بمكان أن نحثها على العمل بوتيرة أسرع".
فاجتمع كاتانيا بموظفته عدة مرات لحثها على العمل بوتيرة أسرع، لكن الحوار كان دائماً شاقاً لأن جودة عملها لم يكن عليها غبار. إذ يقول: "مكَّنتها نوعاً ما من العمل بوتيرة أسرع. لقد كانت بارعة جداً لدرجة أنني تساءلت لماذا ينبغي أن أهدد أداءها أو أتدخل في إدارة تفاصيل عملها. وعليه، فقد تقبلنا الموقف".
حدثت طفرة عندما استثمرت الشركة في نظام داخلي بوسعه التحقق من كمية البيانات المدخلة تلقائياً. وبعد بضعة أشهر، أصبحت الموظفة واثقة بالقدر الكافي بالنظام الجديد ما سمح لها التخلي عن روتينها المُجرّب. حيث يقول كاتانيا: "ما زالت حتى الآن واحدة من أبطأ موظفي إدخال البيانات، لكن وجود نظام يدعم عملها ارتقى بسرعتها حوالي 30%، وهي نسبة كافية للارتقاء بوتيرتها إلى نطاق مقبول".
كما يقول كاتانيا إن الخلاصة هي: "اصنع أنظمة تدعم أفضل الموظفين لديك بمجرد أن تدرك أنهم أفضل من لديك".
دراسة حالة 2: ارصد توقعات واضحة وتفقدها بانتظام
بعد أن أخذت لاريسا نوني (Larissa Nonni)، مديرة الشؤون القانونية بإحدى شركات الهجرة في ولاية فلوريدا إجازة طبية، عادت إلى عملها لتجد كمية كبيرة من الشكاوى الواسعة النطاق مفادها أن ثمة مساعدة جديدة تعمل بوتيرة في غاية البطء بالنسبة لوتيرة المكتب. إذ تقول لاريسا: "كانت الترجمات تتأخر والعملاء لا يجدون من يعيد الاتصال بهم، واستمارات طلب الهجرة تستغرق وقتاً طويلاً جداً لاستكمالها". ولأن لاريسا هي قائدة فريق العمل، فقد أُنيط بها معالجة الموقف.
وبدلاً من أن تسلط لاريسا الضوء على الأداء المُتلكئ للمساعدة، وضعت سياسة جديدة بدعوى تنظيم الأمور بقدر أكبر. وانطوت السياسة الجديدة على اجتماع دوري وجهاً لوجه يوم الاثنين لمراجعة عبء حالات الأسبوع ومهامه. حيث تقول لاريسا: "كنت أراجع معها الأمور المُعلقة لكل عميل، وأعطيها موعداً نهائياً لكل واحد منهم". وبنهاية الأسبوع الأول، تحسن أداء الموظفة بالفعل تحسناً ملحوظاً. ما زالت لم تألف تفاصيل الحالات كما يألفها بعض الموظفين الآخرين الذين عملوا في المكتب لفترة أطول، لكنها عملت بوتيرة أسرع ووفت بالمواعيد النهائية. وحرصت لاريسا الثناء على أدائها وأخبرتها أنها عضو مهم في فريق العمل.
اختتمت لاريسا كلامها قائلة: ""لقد أدركت أنها قد لا تعرف حتى أنها كانت بطيئة في البداية. ودون توقعات واضحة، كيف لها أن تجزم بذلك؟".