عندما أسستُ شركة روز بارك أدفايزرز (Rose Park Advisors) بالتعاون مع كلايتون كريستنسن وابنه مات، فكرنا في جذب المستثمرين على مستوى الشركاء المتضامنين. خلال إحدى هذه المحادثات، التفت أحد المستثمرين المحتملين إلى كلايتون، وقال: “أحب نظرية الابتكار المزعزع، كما أنني معجب بالنجاحات التي حققتها هذه النظرية. الآن، نحتاج إلى شخص في الفريق يتراوح عمره بين 40 و45 عاماً بحيث يكون ناضجاً ويتمتع بخبرة في الخدمات المالية.

في الواقع، كان هذا وصفاً جيداً جداً للسيدة التي تجلس مقابله على الطاولة، أنا. قضيت 15 عاماً، أعمل أحياناً لأكثر من 90 ساعة أسبوعياً، لكي أصبح محللة أسهم مصنفة مرتين في مؤسسة المستثمر المؤسسي (Institutional Investor). اختُبرت قدراتي في السوق، وصادقت عليها الشركات الرائدة في القطاع المالي. لكنّ كل ذلك لم يكن له أي أهمية، لأن هذا الشخص لم يتمكن من رؤية هذه الإنجازات. شعرت أنني غير مرئية. أعترف أن عدم تقدير هذه الإنجازات أو ملاحظتها لا يزال يسبب لي الحزن، ولا شك في أنك استنتجت ذلك.

وفقاً لمقال نشرته عالمة النفس، هايدي غرانت هالفورسون، مؤخراً في مجلة علم النفس اليوم (Psychology Today) بعنوان “مشكلة الفتيات الذكيات” (The Trouble with Bright Girls)، نحن (النساء) لا نقيّم قدراتنا بقسوة فحسب، بل بطريقة مختلفة جذرياً عن الرجال”. عندما يكون أداء الفتيات الشابات جيداً، غالباً يتلقين الإشادة بناءً على قدراتهن الفطرية، لكونهن ذكيات أو ماهرات، وبالتالي، يشعرن أن قدراتهن ثابتة وغير قابلة للتغيير. ويتلقى الشباب الثناء على جهودهم وعملهم الجاد، أو لمحاولاتهم المتكررة، لذلك، يتعلمون أن العمل الجاد هو العامل الأهم لتحقيق النجاح بغض النظر عن القدرات الفطرية. النتيجة هي أن الفتيات يفقدن الثقة في قدراتهن عندما يواجهن العراقيل والتحديات، في المقابل يظل الشباب واثقين من أنفسهم حتى في مواجهة تلك الصعاب. يمثل الشعور المفاجئ بعدم التقدير من الآخرين وبأن إنجازاتك غير مرئية مشكلة كبيرة جداً، ويمكن أن يُفقد الفتيات الشابات ثقتهن بأنفسهن. حتى في منتصف مسيرتي المهنية، شعرت بأنني تعرضت لصدمة كبيرة.

لكن قد لا يمثل أنك غير مرئي مشكلة، إذا نظرنا إلى الجوانب الإيجابية التي يمكن أن يقدمها هذا الأمر. بالطبع، لا أحد يستحق أن يُهمّش أو أن يكون غير مرئي. على الرغم من ذلك، تساءلت في بعض الأحيان عما إذا كانت توجد لحظات يكون فيها الغياب عن الأنظار والعمل خلف الكواليس أمراً مفيداً لنا. لنأخذ مثالاً من سلسلة هاري بوتر وعباءة التخفي، التي يستخدمها هاري في أوقات الخطر للتغلب على الشر الأعظم. على الرغم من اختلاف تجربتي عن تجربتك، إليك بعض الأشياء التي تعلمتها عندما كنت غير مرئية.

1. نتعلم كيفية ممارسة السلطة غير الرسمية

عندما نكون خارج دائرة النفوذ والسلطة، علينا أن نجد حلولاً بديلة لتحقيق النجاح. يتضمن ذلك غالباً استخدام السلطة غير الرسمية. نظراً لأن المرأة تضطر غالباً إلى العمل ضمن الهياكل الهرمية التي يصممها الرجال ويشغلونها، فمن الممكن أن نصبح ماهرات تماماً في استخدام السلطة غير الرسمية. هذا ما فعلته بطريقة غير متعمدة في شركة ميريل لينش (Merrill Lynch). كنت أرغب في تحقيق النجاح في مجال تحليل الأسهم. لم أحصل على الموارد التي كنت أحتاج إليها داخل الشركة. لذلك، بدأت بناء علاقات وشبكات اتصال خارج نطاق الشركة التي أعمل فيها. تعد السلطة الرسمية أمراً ضرورياً، لكن عندما تكون هي لغة التواصل والتفاعل الوحيدة في مكان العمل، فإنك تكون في تحدٍّ واضح ضمن عالم متغير يعتمد على المعلومات والاتصالات.

لكي لا نظن أن السلطة غير الرسمية حكراً على النساء فقط، دعونا نأخذ مثالاً على لاعب كرة السلة شين باتييه، الذي لعب لفريق ميامي هيت (Miami Heat). وصف الصحفي مايكل لويس اللاعب باتييه في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 2009 بعنوان “نجم من دون إحصائيات” (The No-Stats All-Star)، على النحو التالي: “يُنظر إلى شين باتييه على أنه ليس مثل اللاعبين البارزين في الفريق، ويمكن تغييره بسهولة دون أن يؤثر ذلك بصورة كبيرة على أداء الفريق. على الرغم من ذلك، اكتسب كل فريق مثّله باتييه قدرة سحرية على الفوز؛ إذ يبدو أنه يساعد الفريق بطريقة غير واضحة ويصعب قياسها باستخدام الإحصاءات الفردية أو الأرقام، من خلال مجموعة من نقاط الضعف الواضحة ونقاط القوة غير المرئية. عندما تكون غير مرئي، قد لا يفهم زملاؤك في العمل ما تفعله، ويمكن أن ينطبق عليك وصف شين باتييه بأنك تساعد فريقك بشتى الوسائل الخفية التي يصعب قياسها. غالباً تكون الأمور التي لا يمكننا رؤيتها أو قياسها بوضوح أكثر تأثيراً وأهمية من الأمور التي يمكن ملاحظتها وتحليلها، تظهر هذه الفكرة جلياً في واشنطن، حيث تكون القرارات السياسية أكثر تعقيداً وعمقاً مما يمكن رؤيته.

2. عندما تشعر بأنك غير مرئي في مجال العمل، فقد يصبح لديك الدافع للعمل بجدية وبجهود أكبر لإثبات نفسك

إن شعورك أن لا أحد يلاحظ كفاءتك يمكن أن يكون حافزاً كبيراً لتحقيق نتائج ملموسة وواضحة. دفع هذا الشعور العديد من الأشخاص إلى تحقيق إنجازات كبيرة، بالإضافة إلى التحلي بالتواضع الذي يسهم في تجنب الغرور لتحقيق النجاح. في الوقت نفسه، يُمكن أن تكون مرئياً أكثر مما تعتقد. على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين يهمهم أمرك ويقدرون جهودك. على سبيل المثال، كان هاري بوتر مرئياً بالنسبة لشخصية ألباس دمبلدور. قد لا يلاحظ محللو الإحصاءات الرياضية، الذين يتابعون الأداء في المباريات، إسهامات باتييه، لكنّ ذلك لا ينطبق على كوبي براينت، أحد أفضل لاعبي كرة السلة على مر العصور، الذي يدرك القيمة الحقيقية لشين باتييه. في اجتماع شركة روز بارك أدفايزرز، ربما كنت غير مرئية للعديد من الأشخاص في الغرفة، لكنني أعلم أنني كنت مرئية إلى حد كبير بالنسبة لمُديري.

3. يمكن أن يكون التخفي والعمل بعيداً عن الأضواء فرصة للأشخاص المؤثرين للعمل بسرية وتحقيق التغيير المطلوب

عند تقييم استثمار يمكنه إحداث تغيرات جذرية، فإن أحد الأسئلة الأولى التي أطرحها هو: “هل تعمل خلف الكواليس؟”؛ أي هل تفتقر إلى القدرة على جذب اهتمام المنافسين بحيث يحاولون التعاون معك أو منافستك؟ من الأفضل أن يتعامل الآخرون معك بطريقة بسيطة وغير معقدة، مثل تعاملهم مع طائرة ورقية، بدلاً من تعاملهم معك بوصفك شخصاً أو مؤسسة قوية مثل طائرة مقاتلة. عندما تحاول تقديم ابتكارات جديدة في سوق ما، فإن أفضل سيناريو لبداية شركة ناشئة هو تجاهلها وإهمالها من الشركات الأخرى، تماماً كما حدث مع شركة بلوك باستر (Blockbuster) التي تجاهلت شركة نتفلكس في بدايتها حتى واجهت الفشل والمنافسة القوية من نتفلكس وتأثرت بذلك بشدة.

نتعرض جميعنا تقريباً إلى التهميش وإخفاء هويتنا دون موافقتنا وبطريقة لا نستحقها. على الرغم من ذلك، ثمة أوقات نرتدي فيها عباءة التخفي بأنفسنا ونتظاهر بأننا غير مرئيين، وذلك بسبب الخوف من الكشف عن هويتنا الحقيقية. على الرغم من أننا لا نرغب في مواجهة أي من الحالتين، فإنه لسوء الحظ، من المحتمل حدوث أي منهما. مع ذلك، يمكننا استخدام التخفي لتحقيق المكاسب والتفوق على المنافسين، تماماً كما استخدم هاري بوتر التخفي للتغلب على الشر. في نهاية المطاف، يمكننا الكشف عن هويتنا بسعادة وثقة بعد أن ننجز أهدافنا وتحقق أفكارنا النجاح بابتسامة ونظرة خبيثة وساخرة.