ملخص: من الشائع أن نبذل الكثير من الوقت والجهد في العمل على المهام غير المناسبة، ربما أنفقت ساعات على صياغة تقارير مستجدات الحالة لتقديمها إلى مديرك الذي لا يقرؤها فعلاً، أو منحت الأولوية لتصميم عرض تقديمي على حساب الرسالة التي تحاول إيصالها. يؤدي المدراء دوراً مهماً في مساعدة فرق العمل على منح الأولوية للمهام التي تتمتع بأكبر قدر من الأهمية، وتقترح المؤلفة 3 طرق تتيح لهؤلاء المدراء مساعدة أفراد فرقهم على العمل بذكاء أكبر لا بذل جهد أكبر فحسب؛ الأولى هي مساعدة موظفيك مسبقاً على تحديد الأحداث الرئيسة والمواعيد النهائية المهمة مع الحرص على عدم الانخراط في الإدارة التفصيلية، والثانية هي تذكيرهم بأن الكمال يضر بالجودة غالباً، والثالثة هي مساعدتهم على بناء العلاقات مع زملائهم في مختلف أقسام المؤسسة لمعرفة من يستطيع تقديم المساعدة عند الضرورة.
والداي مهاجران هنديان غرسا فيّ مبادئ عمل مذهلة وقوية، كنت أراقبهما يعملان ساعات طويلة بالتزام دؤوب من أجل تحقيق أحلامهما. كان والدي يقول: "اعملي، واعملي بجد، واعملي أكثر كي تحظي بالتقدير".
ولكن لم تكن نصيحته ببذل جهد كبير في العمل مفيدة لي على الإطلاق.
ففي المراحل الأولى من مسيرتي المهنية ألقيت على فريق القيادة العليا عرضاً تقديمياً حول توقعات العلامة التجارية، وقضيت الليل بأكمله في إعداد العرض والاستعداد له بصورة مبالغ فيها حتى الصباح، ولكن العرض الفعلي لم يستغرق أكثر من 10 دقائق وألقيته بعد تناول كمية كبيرة من الكافيين بسبب حرماني من النوم في الليلة السابقة، وعندما طرح نائب الرئيس عليّ سؤالاً تجمدت في مكاني أمام الفريق القيادي ولم أتمكن من الإجابة.
كنت أعمل بجد ولكن ليس على المهام الصحيحة. بذلت جهداً هائلاً في المبالغة بالاستعداد والسعي لتحقيق الكمال، وبسبب عدم حصولي على التدريب المهني الكافي أو التوجيه من مدرائي أضعت ساعات على تفاصيل غير مهمة وجمع البيانات غير المناسبة وتحليلها والإجابة عن الأسئلة الخطأ.
قد يقول البعض إن هذه أخطاء بسيطة نرتكبها في عملنا دوماً، والأخطاء تساعدنا على التعلم وتجعلنا قادة أفضل. ومع ذلك، أثبتت الأبحاث العكس فيما يتعلق بما تعلمناه جميعاً، إذ يجب أن تكون الأخطاء التي نرتكبها أقرب إلى الجواب الصحيح كي نتعلم منها، وهذا ما يساعدنا على التعلم وتحسين ذاكرتنا من أجل الحفاظ على المعلومات الصحيحة وبالتالي أداء العمل بطريقة مختلفة.
لكني لم أقم بتصحيح طريقة عملي قطّ لأني لم أدرك أني أرتكب خطأ بمبالغتي في الاستعداد وسعيي لتحقيق الكمال في الواقع، ولم يقدم لي أي مدير تدريباً مهنياً للعمل بطريقة مختلفة. والآن على اعتباري قائدة قدمت التدريب المهني لعشرات الأشخاص وساعدتهم على إدارة حياتهم المهنية، أدرك أهمية الدور الذي أؤديه في منع أفراد فريقي من الدأب في بذل جهد كبير في العمل. إليك الطرق التي تعين القادة على مساعدة فرق العمل للعمل بذكاء وليس بذل جهد أكبر فقط.
أجرِ دراسة أولية للمبادرات الكبيرة
يقول الوسيط العقاري المشارك في شركة كومباس (Compass)، آدم بيكوف: "عندما أساعد عميلاً على بيع منزله أعمل على إدارة عدد من الموظفين ومراقبة التكاليف في نفس الوقت، وعلى اعتباري قائد الفريق يجب أن أجري دراسة أولية للمشروع وتحديد مواعيد نهائية ضمن إطار زمني ضيق وإدارة النتائج والتركيز على طرق إنجاز العمل، وفي نهاية اليوم يجب أن أحقق أعظم قيمة ممكنة لعميلي، لذا ليس بإمكاني تحمل تكلفة أن يعمل أفراد الفريق على المهام غير المناسبة".
عندما يجري بيكوف دراسة أولية لعملية بيع منزل يبدأ بتحديد إطار زمني مع العميل بناء على التاريخ المرغوب لطرح المنزل في السوق، ثم يحدد لأفراد فريقه الإنجازات البارزة التي يتعين عليهم تحقيقها، ومنها فحص المنزل وإجراء الإصلاحات اللازمة له والقيام بأعمال التنظيف العميق وتحضيره وإقامة العروض المفتوحة للمنازل وعرضها على المشترين، ويحدد عدد الساعات التقريبي الذي سيستغرقه تحقيق كل من هذه الأحداث. يقول: "نعمل مع عدد من العملاء في آن معاً لشراء المنازل وبيعها، ولذلك فكل ساعة من الوقت مهمة لنا ولعملائنا على حد سواء، لذا لا خيار لدينا سوى العمل بذكاء".
يمكن تطبيق العملية التي يتبعها بيكوف لضمان أن يعمل فريقه بذكاء في قطاع العقارات على جميع القطاعات الأخرى؛ يجب أن يساعد القادة أفراد فرقهم مسبقاً عن طريق تحديد المواعيد النهائية المهمة للمبادرات الكبرى، وتحديد عدد الساعات التقريبي للعمل على تحقيق الأحداث الرئيسة في المشروع، وتقديم التدريب المهني لهم إن كانوا يقضون وقتاً أكبر من اللازم في أداء مهمة محددة، فعندما يقضي أحد أفراد الفريق ساعات في العمل على المهمة غير المناسبة فسيولّد ذلك أثراً متموجاً يصل إلى سائر أعمال المبادرة وسيضر بالنتائج الرئيسة. وأخيراً يجب أن يتذكر القادة الاختلاف بين تقديم الإرشاد والتوجيه المفيدين وأداء العمل نيابة عن الفريق واتباع أسلوب الإدارة التفصيلية.
درّب فريقك على التوقف عن السعي للكمال
طالما سعيت للكمال على مدى مسيرتي المهنية، إذ كنت أبحث عن الصورة المثالية للعرض التقديمي وأقضي ساعات في صياغة الرسائل الإلكترونية القصيرة ومراجعتها وإعادة كتابتها لتقديم المستجدات للإدارة العليا، وكنت أقضي ساعات في تحديث قائمة المشاريع التي سأناقشها في اجتماعات المراجعة الفردية مع مديري، لينتهي كل اجتماع من دون أن ينظر إلى القائمة أساساً.
يجب أن ينتبه القادة إلى سعي أفراد فرقهم لتحقيق الكمال، إذ تبين الأبحاث أن السعي الحثيث لتحقيق الكمال يخرّب النجاح في العمل ويؤدي إلى الإصابة بالاحتراق الوظيفي ويسبب مشكلات صحية أيضاً، والاحتراق الوظيفي هو دوماً محفز رئيس لاستقالة الموظفين. إن تقديم التدريب المهني لأفراد الفريق بهدف التوقف عن السعي للكمال هو أحد الأساليب التي تساعد على استبقاء أصحاب المواهب.
لذلك وبوصفنا قادة، فلنحرص على التحدث عن أخطائنا التي ارتكبناها في رحلاتنا المهنية فيما يتعلق بالسعي لتحقيق الكمال، ولنتحدث إلى أفراد فرقنا عن الطرق التي نتبعها لترتيب الأولويات والتركيز على العمل بذكاء وإحداث أثر في العمل. شجع أفراد فريقك على استخدام المؤقت في أداء المهام الصغيرة، مثل صياغة رسالة إلكترونية أو البحث عن صور للعروض التقديمية، وذكرهم بأنه لا بأس في ارتكاب الأخطاء؛ فالخطأ المطبعي في الرسالة الإخبارية أو إرسال رسالة إلكترونية من دون إرفاقها بالملف سهواً لن يؤثر في نجاحهم المهني. وأخيراً، علينا تذكّر أنه في بعض الأحيان يكون إنجاز العمل أفضل من جعله مثالياً.
ساعد أفراد فريقك على بناء العلاقات مع زملاء في مختلف أقسام المؤسسة
طالما عانيت صعوبة في طلب المساعدة في العمل، وكنت عندما يوكل مديري إلي مشروعاً ما أظن أني أحمل مسؤولية إنهائه وحدي. أذكر مرة في إحدى عطل نهاية الأسبوع كان لدى مديري طلب عاجل يستدعي مني العمل ساعات طويلة في جمع بيانات أحد التجار، لأكتشف في صباح يوم العمل التالي أن زميلي الذي يعمل في قسم سلسلة التوريد يملك البيانات نفسها وكان سيقدمها لي بكل سرور.
قالت لي الرئيسة التنفيذية للتسويق في شركة ليساب ميلانو في الولايات المتحدة (Lisap Milano USA)، سونالي باي إن وظيفتنا بوصفنا قادة تتمثل في وصل أفراد فرقنا مع زملائهم في جميع أنحاء المؤسسة. وأضافت: "
بوصفي خبيرة في التسويق، لا يمكنني العمل بمعزل عن سائر أقسام الشركة، بل يتعين عليّ التعاون بصورة وثيقة مع أقسام مثل الشؤون المالية والمشتريات الداخلية وتطوير المنتجات، وبما أني أوكل العمل إلى أفراد فريقي فمن واجبي أن أصلهم بزملائهم الذين قد تكون لديهم بعض الحلول للمشكلات التي بين أيدينا، وبذلك لن يضطروا لتكرار العمل وإضاعة الوقت ببذل جهد كبير في العمل على المهام غير المناسبة".
وكما تقول باي، يجب أن نقدم التدريب المهني لأفراد فرقنا ليتعلموا طلب المساعدة، وفي بعض الحالات يجب علينا طلبها نيابة عنهم وتقديمهم إلى موظفين آخرين في أقسام المؤسسة المختلفة. بوصفنا قادة يتعين علينا معرفة العمل الذي يقوم به موظفو الأقسام الأخرى وتداخله مع أعمال المبادرات التي نقودها وما يمكن أن يضيفه عليها، وبذلك سنعمل على نحو جماعي على المهام الصحيحة لصالح المؤسسة.
عندما تعمل فرقنا بذكاء أكبر وليس ببذل جهد أكبر سيرى أفرادها تأثير عملهم في المؤسسة، وضمان أن يشعروا بأهمية مساهماتهم هو أحد أهم أدوات الاستبقاء التي يجب أن نستمر في تطويرها من أجل استبقاء أصحاب المواهب من موظفينا.