ملخص: قد يحلو لك أن تضاعف جهدك في العمل بعد العودة من إجازة طويلة في محاولة لتعويض الوقت "المُهدَر"، أو قد تحدّثك نفسك بأن تسابق الزمن للإسراع بعملية اللحاق بالركب وتدارك ما فاتك. وفي أحيان أخرى، ينبع الدافع لمضاعفة الجهد المبذول في العمل من رغبة صادقة في إراحة أعضاء الفريق من العمل الإضافي الذي كانوا يؤدونه نيابةً عنك في أثناء الإجازة، أو من الرغبة في البرهنة على التزامك بتحقيق مصلحة المؤسسة وإثبات أنك لا تزال ذا قيمة على الرغم من ابتعادك عنها خلال فترة الإجازة. أياً كان الدافع وراء الإفراط في العمل وأداء عمل إضافي بعد الإجازة، فقد يسبب نتائج عكسية بخلاف ما كنت ترجو، بمعنى أن هذا المسلك قد يزيد من شعورك بالتوتر ويقوض جهودك للحاق بالركب في واقع الأمر. كيف تحافظ إذاً على فوائد التعافي من متاعب العمل ومقاومة الرغبة في الدخول في معمعة العمل مباشرة دون تمهيد مسبق؟ يقدّم مؤلفا المقالة عدة استراتيجيات.
مع قرب انتهاء فصل الصيف وعودة الكثير من عملائنا المدرَّبين والمشاركين في الأبحاث من إجازاتهم، نشهد مستويات متزايدة من القلق بشأن العودة إلى العمل. تقول إحدى عميلاتنا وتدعى ليلى:
كلما عدتُ من إجازة، شعرتُ بأن الأمر لم يكن يستحق العناء. أرى من وجهة نظري أن الأمر يشبه الانطلاق نفسياً من سرعة 50 كم في الساعة إلى 130 كم في الساعة حتى أتمكن من تصفح صندوق الوارد في بريدي الإلكتروني ومتابعة الاجتماعات التي فاتتني كلها واستعادة التواصل مع عملائي الذين أهملتهم خلال مدة الإجازة. هذا بالإضافة إلى الشعور بالذنب الذي كان يساورني بشأن تحميل أعضاء فريقي أعباء إضافية في أثناء إجازتي.
من السهل أن تستجيب لهذه المشاعر الجيّاشة كما فعلت ليلى، من خلال إلقاء نفسك في أتون العمل الإضافي والإفراط في محاولة تعويض ما فاتك والمبالغة في محاولة تحقيق الإنجازات بمجرد أن توقف خاصية الرد الآلي على المراسلات وما بها من إشعارات تفيد بأنك في إجازة من العمل، لا سيّما في ثقافات العمل التي لا تشجع على الحصول على إجازة في المقام الأول.
لكن ثمة نهجاً صحياً ومتوازناً أكثر يمكن أن يساعدك على العودة إلى روتينك دون فقدان فوائد الإجازة من تقليل الشعور بالتوتر وتحسين مستوى الأداء نتيجة الانفصال التام عن أجواء العمل.
الإجازة أمر ضروري
بادئ ذي بدء، لنكن واضحين ونشير دون مواربة إلى أن الحصول على قسط من الراحة على فترات دورية من أجل استعادة شعورنا بالطاقة والحيوية والتعافي من ضغوط العمل (ما يشير إليه الباحثون باسم التعافي من متاعب العمل) ليس مجرد "أمر مُستحسَن" يستفيد فاعله ولا يتضرر تاركه، بل هو أمرٌ ضروريٌ للحفاظ على مستوى الأداء والنمو المستدام. ومثلما يحصل الرياضيون على قسط من الراحة على فترات منتظمة ويجددون شعورهم بالطاقة والحيوية من أجل تقديم أفضل ما لديهم وتجنب الإصابات، يحتاج العاملون إلى الابتعاد عن أجواء العمل ووظائفهم من حين لآخر للتعافي من ضغوط العمل وتجديد طاقتهم البدنية والذهنية.
فقد أثبتت الأبحاث أن أولئك الذين لا ينتهزون الفرصة للحصول على قسط من الراحة وإعادة شحن طاقتهم والتعافي أكثر عرضة لخطر الإصابة بالإعياء وانخفاض الحافز وضعف مستوى الأداء والإصابة بالاحتراق الوظيفي، في حين أن أولئك الذين يتعافون من متاعب العمل على فترات منتظمة ينعمون بنوم أعمق ومستويات أعلى من الرضا الوظيفي والشعور بالاندماج وتحسُّن مستوى الأداء المهني. فأجسام البشر وأدمغتهم ليست مصمَّمة ببساطة لتحمّل التوتر المزمن، وهناك الكثير من الأدلة الدامغة التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الانفصال عن ضغوط العمل ومتطلباته لا يقلل من التوتر فحسب، بل يزيد من الإنتاجية ويعزز القدرة على الإبداع. حتى فترات الراحة القصيرة للغاية التي يحصل عليها العامل خلال يوم العمل، مثل إطالة العضلات أو أداء بعض تمارين التنفس العميق أو الخروج للتنزُّه واستنشاق الهواء النقي، بمقدورها أن توقف دورة التوتر وتعيده إلى نقطة البداية.
على الرغم من الفوائد الواضحة للابتعاد عن العمل، فإن ما يقرب من نصف العاملين الأميركيين لا يأخذون الإجازات المدفوعة الأجر كلها التي تتيحها لهم الشركات أو المؤسسات التي يعملون بها. من أهم الأسباب التي يسوقونها لتبرير هذا السلوك خوفهم من التخلف عن الركب أو أن تؤدي الإجازة إلى الإضرار بفرصهم في الحصول على الترقيات أو حتى زيادة خطر فقدان وظائفهم، بالإضافة إلى الشعور بالذنب تجاه اضطرار زملائهم إلى أداء عمل إضافي.
هذه هي المبررات التي نسمعها كثيراً، بمن في ذلك عملاؤنا من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يعبرون في كثير من الأحيان عن خوفهم من فقدان حالة الزخم إذا ابتعدوا عن أجواء العمل. ويتمثل جزء من دورنا بصفتنا مدرّبين تنفيذيين في تمكين العملاء من الاستثمار في أنفسهم ومستوى أدائهم من خلال التعافي من متاعب العمل على فترات منتظمة.
مقاومة الرغبة في العمل الإضافي بعد الإجازة
قد يحلو لك أن تضاعف جهدك في العمل عقب العودة من إجازة طويلة في محاولة لتعويض الوقت "المُهدَر"، أو قد تحدّثك نفسك بأن تسابق الزمن للإسراع بعملية اللحاق بالركب وتدارك ما فاتك. وفي أحيان أخرى، ينبع الدافع لمضاعفة الجهد المبذول في العمل من رغبة صادقة في إراحة أعضاء الفريق من العمل الإضافي الذي كانوا يؤدونه نيابةً عنك في أثناء الإجازة، أو من الرغبة في البرهنة على التزامك بتحقيق مصلحة المؤسسة وإثبات أنك لا تزال ذا قيمة على الرغم من ابتعادك عنها خلال فترة الإجازة.
أياً كان الدافع وراء الإفراط في العمل وأداء عمل إضافي بعد الإجازة، فقد يسبب نتائج عكسية بخلاف ما كنت ترجو، بمعنى أن هذا المسلك قد يزيد من شعورك بالتوتر ويقوض جهودك للحاق بالركب في واقع الأمر. كيف تحافظ إذاً على فوائد التعافي من متاعب العمل ومقاومة الرغبة في الدخول في معمعة العمل مباشرة دون تمهيد مسبق؟ إليك بعض الاستراتيجيات التي نجحت مع المشاركين في البحث وعملائنا:
التحول إلى عقلية الأداء
من المستحيل أن تنجح عملية رفع مستوى الأداء بمعزل عن التعافي من متاعب العمل، ولكن في عالم الشركات يبالغ الجميع في التركيز على مستوى الأداء بينما يهملون قضية التعافي من متاعب العمل. بدلاً من التعامل مع الإجازة بوصفها ملاذاً أخيراً بعد استنفاد طاقتك وعجزك عن الإنتاج أو باعتبارها مكافأة خاصة عند الانتهاء أخيراً من قائمة مهامك، عليك أن تحذ حذو كبار الرياضيين وتنظر إلى التعافي من متاعب العمل باعتباره عنصراً أساسياً في استراتيجية رفع مستوى الأداء؛ إذ يؤتي التعافي من متاعب العمل ثماره عندما يُمارَس على فترات منتظمة وباستمرار.
الوقاية من "صدمة العودة" أو تخفيف حدتها
تشير "صدمة العودة" إلى حالة الارتباك التي تشعر بها عند الانتقال من مكان ينعم بالهدوء والتوازن الانفعالي إلى مكان يضج بالمتاعب والصراعات. يمكنك الوقاية من الإصابة بهذه الصدمة باستخدام استراتيجية الفترات الفاصلة. خصِّص يوماً خالياً من أي التزامات في جدول مواعيدك في الفترة الفاصلة بين عودتك من الإجازة وعودتك إلى العمل حتى تتمكن من الاستعداد ذهنياً وجسدياً للتغيُّرات الطارئة على البيئة المحيطة. لا تحاول إتخام جدول مواعيدك بالالتزامات بعد عودتك مباشرةً من الإجازة، ما يمنحك فرصة للتأقلُّم من جديد وتجنُّب الإفراط في العمل. على سبيل المثال، يخصص أحد عملائنا فترة فاصلة لمدة يومين "خالية من الاجتماعات" بعد عودته.
أحضر معك بعضاً من سحر الإجازة عند عودتك
ما الشيء الذي ساعدك خلال فترة تعافيك تحديداً على تخفيف حدة الضغوط والشعور بذاتك مجدداً؟ هل كان ممارسة الرياضة؟ أم استعادة التواصل مع أحبائك؟ أم ممارسة هواية فنية أو غيرها من الهوايات التي كنت تهملها خلال أسبوع العمل؟ أم استمتاعك ببساطة ببعض أوقات الفراغ الخالية من أي التزامات؟ احرص قدر الإمكان على إضافة هذه الأنشطة إلى روتينك الأسبوعي العادي وتهيئة هذه الظروف في حياتك العملية المعتادة. تذكّر أن التوقف عن العمل ولو لفترات صغيرة يُحدث فارقاً حقيقياً.
قبل أن توافق على الطلبات الجديدة عند عودتك إلى العمل، فكر فيما يمنعك من قول "لا"
هل تخشى عدم حصولك على التقدير المناسب أو حرمانك من المكافآت أو الترقيات؟ إذا كان الأمر كذلك، توقّف وخذ نفساً عميقاً وراجع افتراضاتك. قد يكون الحصول على التقدير ونيل المكافآت التي تبحث عنها ممكناً دون إرهاق نفسك بالتزامات أكثر مما تطيق والتضحية بصحتك ورفاهتك. إذا عجزت عن تحديد مجالات المشاكل، أو إذا كنت بحاجة إلى مساعدة لمعرفة ما يجب فعله حيالها، ففكّر في العمل مع مدّرب.
أعد النظر في حدودك وعرّف الآخرين بها وحافظ عليها
تشكّل العودة من فترة التعافي فرصة رائعة لإعادة النظر في حدود عملك وتحديثها. دع الجميع يعرفوا متى ستكون متاحاً للعمل ومتى لن تكون متاحاً، وإذا وجدت أن متطلبات العمل بدأت تتجاوز الحدود المرسومة لدورك الوظيفي أو مستوى راحتك، فتحدّث مع قادة مؤسستك حول تغيير المسؤوليات أو اعرف منهم إذا ما كان بإمكانك تفويض بعضها للغير. يجب أن تساعد الحدود في تحديد توقعات الآخرين بشأن مهام دورك الوظيفي، ويجب أن توفر سُبل الحماية لإجازاتك وتسمح لك بالانفصال ذهنياً عن العمل.
اترك بيئة العمل السامة التي لا تشجع على الانفصال التام عن أجواء العمل أو تكافئ الموظفين على العمل لساعات طويلة والتضحية بالنفس
سيعرّضك هذا النوع من بيئات العمل غير الصحية للإصابة بالإعياء والاحتراق الوظيفي. وما لم تتمكن من المغادرة على الفور، ابدأ في وضع استراتيجية لإنهاء الخدمة.
مقاومة الرغبة في العمل الإضافي قبل الإجازة
في المرة المقبلة التي تخطط فيها لأخذ إجازة، حاول مقدماً أن تسهّل الأمور عليك في المستقبل. اتخذ الترتيبات اللازمة قبل أسابيع من مغادرتك لتحديد الأطراف المسؤولة عن الاضطلاع بمسؤولياتك في أثناء غيابك، وأدرج بيانات الاتصال الخاصة بهم في رسالتك الإلكترونية التي تحمل إشعاراً يفيد بأنك في إجازة من العمل. حدد توقعات واضحة بشأن مواعيد الاتصال بك في أثناء الإجازة، إذا كان مسموحاً بالاتصال بك في الأساس. حدِّد روتين العودة إلى العمل مسبقاً حتى تتمكن من الدخول في عملية موجودة فعلياً والعودة إلى وضع العمل بكل سهولة ويسر. أخيراً، فكر في وضع استراتيجية ما قبل الانهيار قبل الانتهاء من خططك. ما التحديات أو الإخفاقات المحددة التي تتوقعها أو تتخيلها؟ ما أسبابها الرئيسية؟ ما الذي لم يؤخذ في الحسبان بعد؟ وفي النهاية، ما الخطوات الوقائية الإضافية التي يمكنك اتخاذها الآن؟ تساعد هذه العملية البسيطة والقوية في الوقت ذاته على تحسين قدرتك على التخطيط قبل الإجازة، ما قد يمنع معظم مشاكل العودة إلى العمل.
لا بد من الابتعاد عن أجواء العمل على فترات دورية باعتباره إحدى أفضل الطرائق لضمان قدرتك على الحفاظ على طاقتك وإنتاجيتك. وببعض التخطيط قبل رحيلك واتخاذ بعض تدابير الحماية المعقولة بعد عودتك، يمكنك جني فوائد تقليل التوتر الناتجة عن التعافي من متاعب العمل والاستفادة منها كلها في بيئة العمل.