كيف يعزز تصميم الوظائف قدرة العمال المستقلين على التحمل؟

6 دقائق
العمل المستقل

ملخص: نما العمل المستقل عبر الإنترنت على نحو متزايد في السنوات الأخيرة، ومع ذلك لا يزال هناك فهم محدود لكيفية تقديم الدعم الفاعل لهؤلاء العمال غير التقليديين. وعلى الرغم من تمتع العاملين المستقلين بقدر كبير من المرونة والاستقلالية مقارنة بالموظفين التقليديين، فهم يواجهون تحديات فريدة أيضاً: أمان وظيفي أقل، وموارد أقل للتطوير الوظيفي، وإحساس قوي بالاغتراب وصعوبة في إيجاد هدف ومغزى من عملهم. وأجرى المؤلفون دراسة على أكثر من 300 عامل مستقل في الوظائف الرقمية وجدوا فيها أن تصميم الوظائف على المستويين الشخصي والجماعي يساعد العمال في تنمية القدرة على التحمل في مواجهة تلك التحديات. ويوصي المؤلفون استناداً إلى تلك النتائج بأن يسعى العمال المستقلون إلى تصميم وظائفهم على نحو فردي، وأن يتفاعلوا بشكل استباقي مع المجتمعات التي يمكن أن تساعدهم على تطوير مهاراتهم وتحديد الفرص الجديدة والشعور بمزيد من الترابط والانتماء. ويقترحون أيضاً أن تتخذ منصات العمل الجماعي نفسها خطوات لتعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع بين العاملين من أجل دعم جهود تصميم الوظائف، وضمان قوة عمل أكثر قدرة على التحمل في النهاية.

من المتوقع أن تصل قيمة قطاع اقتصاد الأعمال المستقلة العالمي إلى 455 مليار دولار بحلول عام 2023، وهو يشمل الأعمال القصيرة الأجل القائمة على المشاريع، بما فيها العمل عبر الإنترنت من قبل أصحاب الياقات البيضاء على منصات مثل "99 ديزاينز" (99designs) وخدمات العمل في وضع عدم الاتصال بالإنترنت على منصات مثل "أوبر". وقد شاركت نسبة 11% من العاملين بالاتحاد الأوروبي في اقتصاد الأعمال المستقلة بالفعل، بينما يعتمد عامل واحد من كل 3 عاملين أميركيين على العمل المستقل لتحصيل كامل دخلهم أو جزء منه، مع انضمام مليوني عامل جديد في الولايات المتحدة إلى قوة العمل المستقل عام 2020 وحده.

ومن الواضح أن العمل المستقل سيبقى قائماً ويتطور حتى. لكن على الرغم من أن هؤلاء العمال يمثلون شريحة كبيرة (ومتنامية) من الاقتصاد العالمي، لم يتوصل العديد من المؤسسات إلى فهم واضح حول كيفية دعمهم بشكل فاعل. بالنسبة للعديد من المهنيين أصحاب الياقات البيضاء على وجه الخصوص، يوفر العمل المستقل عبر الإنترنت قدراً كبيراً من المرونة والاستقلالية مقارنة بالوظائف التقليدية التي تتطلب العمل من الساعة التاسعة حتى الخامسة، لكنه ينطوي على تحديات فريدة أيضاً، مثل انخفاض مستوى الأمان الوظيفي وقلة الموارد الرسمية للتطور الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، يعمل العاملون المستقلون في عزلة غالباً أو مع عملاء دائمي التغيّر، ما يؤدي إلى شعور الكثيرين منهم بالاغتراب، وذلك على عكس الموظفين العاملين بدوام كامل مع فرق محددة. وقد تصعّب طبيعة المشاريع المستقلة أيضاً على العمال مهمة تحديد الهدف في أعمالهم، نظراً لتكليفهم بمهام صغيرة ومستقلة وافتقادهم فرصة رؤية المنتج التام الصنع.

وقد تجعل تلك التحديات العمل المستقل محبطاً للغاية، من جهة أخرى، تشير البحوث الحديثة إلى أن العمل في مهنة مجزية عبر الإنترنت لا يزال ممكناً. أجريت وزملائي سلسلة من الاستقصاءات المتعمقة التي تركز على العمل المستقل في الوظائف الرقمية على أكثر من 300 عامل مستقل في منصة التعهيد الجماعي "إم تورك" (MTurk) لاستكشاف الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد هؤلاء العمال على تنمية قدراتهم على التحمل في مواجهة حالتي الغموض والتغيّر الدائمتين.

ولتقييم قدرة المشاركين على التعافي من الشدائد أو الصعوبات أو حتى التغييرات الإيجابية ولكن غير المتوقعة، طرحنا أسئلة شملت مدى قدرتهم على تجاوز العقبات وتحقيق أهدافهم، بالإضافة إلى رأيهم بشأن مدى استدامة مجالات أعمالهم في اقتصاد الأعمال المستقلة. وأظهرت البحوث السابقة أن تصميم الوظائف (إعادة تعريف وظيفتك بشكل استباقي لتعكس نقاط قوتك واهتماماتك بشكل أفضل) قد يساعد الموظفين التقليديين في تحديد الهدف من أعمالهم؛ وركزنا اهتمامنا على فهم كيفية تطبيق تلك الاستراتيجيات على العمل المستقل بشكل خاص.

ووجدنا بعد تقييم مدى رفاهة الموظفين العامة والتزامهم بوظائفهم أن العمال المستقلين الذين بحثوا بشكل استباقي عن أساليب جديدة لمهامهم أو عملياتهم أو أماكن عملهم أبلغوا عن مستويات أعلى من القدرة على التحمل بعد عام واحد من إجراء المقابلة الشخصية للاستقصاء الأول. وحددنا شكلين متميزين من تصميم الوظائف وثيقي الصلة بالعمال المستقلين: تصميم الوظائف الفردي والجماعي. وعلى الرغم من أن العمل المستقل يبدو أنه عملية فردية، يمكن للعاملين المستقلين في الواقع تحقيق استفادة كبرى من المجتمع الذي يتعلم فيه بعضهم من بعض، ويشعرون بالانتماء إليه، ويتعرفون فيه على فرص العمل. وجمعنا استناداً إلى بحثنا العديد من الاستراتيجيات لمساعدة كل من العاملين المستقلين والمنصات في تعزيز القدرة على التحمل من خلال تصميم الوظائف:

مواءمة العمل المستقل مع نقاط القوة والأهواء

على الصعيد الفردي، سلطت استقصاءاتنا الضوء على أهمية مواءمة العمل المستقل مع نقاط القوة الفريدة لدى العمال وأهوائهم الشخصية. فمن مزايا العمل المستقل هو تمتع العمال بدرجة عالية من الاستقلالية فيما يتعلق بزمان عملهم ومكانه، بالإضافة إلى طبيعة العمل المسؤولين عن أدائه. ويمكن للعمال الاستفادة من الحرية والاستقلالية التي يوفرها العمل المستقل لتصميم وظائف تتواءم مع احتياجاتهم من خلال تحديد ماهية العمل الهادف أو الممتع بشكل استباقي، والبحث النشط عن الفرص التي تتوافق مع تلك التفضيلات، وتطوير المهارات اللازمة للنجاح في تلك المجالات.

وكما كتب أحد المشاركين في دراستنا، "يُعد العمل المستقل طريقة رائعة للتعرف على أنواع مختلفة من المشاريع والشركات". كما أعرب مشارك آخر عن تقديره فرصة اكتساب خبرة في مجموعة متنوعة من المهارات والأدوات، قائلاً: "أستمتع بتعلم كيفية استخدام أدوات مختلفة لإكمال العمل بكفاءة أكثر. فذلك يجعلني أشعر أنني أطور مهاراتي".

الانضمام إلى مجتمع العمل المستقل

من أحد العوامل الذي يصعّب على العاملين المستقلين القدرة على التحمل هو الافتقار إلى هياكل الدعم المضمنة والموارد والنماذج التي يحتذى بها لمساعدة العمال على العمل بمفردهم. يُحفز الاعتماد المتبادل بين الموظفين في بيئات العمل التقليدية عملية تصميم الوظائف بشكل تعاوني، وغالباً ما تُعزّز تلك المبادرات من خلال الدعم الرسمي الذي تقدمه إدارة الموارد البشرية. بينما يجب على العمال في اقتصاد الأعمال المستقل إيجاد (تكوين) مجتمعاتهم الخاصة بشكل استباقي لمساعدتهم على تصميم وظائفهم.

كيف يبدو الأمر في الواقع العملي إذاً؟ طوّرت عدة من منصات العمل الجماعي منتديات للعاملين فيها تتيح لهم التواصل ودعم بعضهم لبعض، وقد يطور العاملون المستقلون في أحيان أخرى مبادرات منظمة ذاتياً لمساعدتهم على تبادل المعارف والسعي إلى تحسين ظروف العمل. وفي كلتا الحالتين، يُمكّن تصميم الوظائف بشكل تعاوني العمال من تشكيل ممارسات العمل، سواء كان ذلك من خلال مشاركة حيلة تجعل أداء مهمة معينة أسهل، أو اتباع استراتيجية ما لإدارة العديد من العملاء على نحو متزامن، أو حتى بذل جهد على نطاق واسع لإعداد بيئة عمل أكثر أماناً أو تقدم أجوراً أعلى. على سبيل المثال، أفاد أحد المشاركين بأن الأدوات والنصائح المتاحة في أحد المنتديات ساعدته في تحسين مهاراته في إدارة الوقت وبالتالي تنفيذ مزيد من المشاريع: وأضاف: "يمكنني من خلال المساعدة التي أتلقاها من العمال الآخرين جني أموال إضافية بشكل أكثر فاعلية".

والأهم من ذلك هو أن المشاركة في تلك المجموعات مهمة لكل من أولئك الذين يتلقون الدعم والذين يقدمونه. وكما أوضح أحد المشاركين في دراستنا، "سأسعى جاهداً في بحثي عن منصة عمل جماعي، وأعتقد أن معارفي وخبرتي العامة ستتطور بمرور الوقت. إذ سأتعلم مهارات جديدة وسأكون أكثر نشاطاً في المجتمع وسأكون قادراً على مساعدة الآخرين بدلاً من طلب المساعدة". في الواقع، الهدف من الانضمام إلى تلك المنصات ليس الحصول على مشورة مجانية فقط، وإنما الانتماء إلى مجتمع يستفيد منه الجميع من خلال مشاركة تجاربهم ومساعدة بعضهم لبعض في النمو.

دور المنصات

على الرغم من أن العلاقة بين المنصات والعاملين المستقلين تبدو محفوفة بالمخاطر أحياناً، تعود تلك العلاقة بالنفع على الجميع في النهاية، لا سيما عندما يكون العمال أكثر تحفيزاً وترابطاً. فلا يمكن أن يزدهر اقتصاد الأعمال المستقلة دون العمال المستقلين، ولجعل نماذج الأعمال تلك قابلة للتطبيق على المدى الطويل، يجب تمكين هؤلاء العمال المستقلين من بناء مجتمعات تعاونية وداعمة من شأنها تعزيز قدرتهم على التحمل. وتوجد عدة طرق تقدم فيها المنصات المساعدة:

قد تخلق المنصات أحياناً فرصاً للعمال لتكوين علاقات وروابط. وقد يأخذ ذلك شكل لقاءات، ومجموعات وسائل تواصل اجتماعي، ومنتديات، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، تستضيف منصة "أب وورك" الشهيرة للعمل المستقل حلقات دراسية عبر الإنترنت (ويبينار) وجلسات حوار مع الخبراء وأحداث أخرى لمساعدة العمال على التواصل وتطوير مهارات جديدة. وتساعد تلك الأحداث العمال على تعلم كيفية استخدام أدوات جديدة، وتطبيق أساليب إدارة الوقت الجديدة في أعمالهم، والبقاء على اطلاع دائم بالتوجهات الجديدة في مجالاتهم.

ومن الضروري في حالات أخرى اتباع نهج مباشر. قد يتردد العمال في البداية في الانضمام إلى منظومة ما أو مشاركة النصائح مع منافسيهم، خاصة بالنسبة للمنصات التي يتنافس فيها العمال المستقلون بعضهم مع بعض. ولمعالجة هذا الوضع، يمكن للمنصات إنشاء ميزات مصممة خصيصاً لتعزيز التعاون (مثل منتديات العمال المتكاملة، أو القدرة على التعليق على مساهمات العمال الآخرين)، بالإضافة إلى تحفيز السلوكيات المجتمعية من خلال تقديم مكافآت مالية أو غير مالية للعمال ذوي الخبرة الذين يستخدمون تلك الأدوات لمساعدة الآخرين. وعلى الرغم من أن توفير مساحة يتفاعل فيها العمال بعضهم مع بعض تعد خطوة أولى جيدة، يجب أن تضمن المنصات أيضاً استكمال تلك الحلول التكنولوجية بالموارد اللازمة لزيادة تأثيرها (فريق الدعم والمواد التعليمية وما إلى ذلك).

تعد ثقافة تصميم الوظائف الداعمة والتعاونية أمراً أساسياً لضمان وجود قوة عمل مستقلة وقادرة على التحمل على المدى القريب، واقتصاد عمل مستقل قوي على المدى الطويل. وفي حال عدم وجود موارد مؤسسية رسمية، فينبغي للعاملين المستقلين أن يأخذوا على عاتقهم تطوير مجتمعات الدعم، وتبني نهج استباقي وتعاوني لتصميم الوظائف. في الوقت نفسه، يجب على المنصات أيضاً إيجاد طرق جديدة ومبتكرة لدعم شعور العاملين لديها بالانتماء إلى المجتمع، وتشجيعهم على العمل معاً بهدف تصميم وظائف هادفة ومحفزة ومستدامة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي