لقد كانت الأزمات الصحية والاقتصادية التي عصفت بمجتمعات العالم أجمع إبان جائحة كوفيد-19، تذكرة لنا بمدى اتصالنا رغم تباعدنا، وعرضتنا جميعاً إلى الضعف أمام الصعوبات والأزمات. كشفت لنا هذه الجائحة حقائق عدة، وأكدت لنا أن ما من منطقة في العالم منيعة للضرر دوناً عن غيرها، وأنه سيأتي يوم يحتاج فيه جميع الأفراد، من شتى بقاع المعمورة، إلى نوع من المساعدات الاستراتيجية المنسقة. وينطبق هذا الواقع بصورة خاصة على المنطقة العربية، التي يعتبر أغلب سكانها من الشباب الواعد الذي عانى شديداً من تبعات الجائحة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية الضارية. وصحيح أن الجائحة أعادتنا بضع سنوات إلى الوراء على عدة أصعدة، غير أنها حثّتنا على إعادة تقييم طرق عطائنا، وغيّرت كثيراً في ثقافة العطاء في أسواق النمو وفي طبيعة العلاقات التي تقوم عليها هذه المنظومات الخيرية المتنامية. والآن، ومع تعافينا من أول جائحة عالمية نعاصرها، يلوح في الأفق عصر جديد من العطاء، سنرى فيه من التعاون والتوافق الاستراتيجي والشفافية ما لم نشهد له مثيلاً من قبل، وفرص هائلة للنمو والتقدم من واجبنا انتهازها وتسخيرها لخدمة مجتمعاتنا.
عصر جديد من العطاء
لقد طالت آثار الجائحة كل جانب من جوانب حياتنا، وتغيرت معها مبادراتنا الخيرية. وفي المنطقة العربية وأسواق النمو الأخرى، ارتفع إبان الجائحة مستوى العطاء في القطاع الخيري وتبدلت التوجهات التي سادته طوال العقد الماضي. كان المانحون وأصحاب المصلحة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يشددون على دور القطاع الخيري وقدرته الفريدة على بناء مجتمعات أكثر مرونة ودعم التنمية المستدامة بالخوض في الفرص والمخاطر التي قد يصعب على الحكومات تحملها. وكانت رؤوس الأموال الخيرية تستخدم غالباً في المساعدات والإغاثات المباشرة والسريعة للمجتمعات والقطاعات المهمشة التي عادة ما يغفل عنها، وكذلك للاستثمار في الابتكارات التي تستطيع أن تأتي بالتغييرات الجذرية المؤثرة. واستجابة لشدة الجائحة وشراسة أضرارها، أخذ مجتمع المانحين في المنطقة العربية يتجهون بصورة عامة إلى تقديم يد العون بطريقة تقليدية، أي بصورة الزكاة والصدقة، بدلاً من انتهاج سبل العطاء التنموية الأكثر استراتيجية التي قد تستغرق نتائجها وقتاً أطول.
أما الآن، ومع انقشاع غبار الجائحة شيئاً فشيئاً في العديد من المناطق، تشتد الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رؤية القطاع الخيري من منظور أكثر تركيزاً وأطول أمداً. رأينا في السنوات السابقة للجائحة، أن العطاء الاستراتيجي هو أداة شديدة الفعالية لحل مشكلة عدم المساواة المتفاقمة في جميع أنحاء العالم. وفي أسواق النمو مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتحديد، تزداد الحاجة إلى منهجية خيرية استراتيجية، إذ يُتوقع ارتفاع حصيلة رؤوس الأموال الخيرية ارتفاعاً شديداً في العقود القادمة في هذه المنطقة. ووفق استبيان عالمي أجرته مؤسسة فيلانثروبي ألاينس، يعتقد 89% من المستجيبين أن إفريقيا وآسيا، بما فيهما منطقة الشرق الأوسط، ستشهدان أعلى مستويات النمو في الأعمال الخيرية في السنوات الـ 25 القادمة.
وما من وقت أنسب من الوقت الحالي لهذا الانتعاش الخيري، لا سيما مع الصعوبات المستمرة التي يواجهها المجتمع الدولي في تأمين 5 إلى 7 ترليون دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، وها نحن نرى مستوى غير مسبوق من رؤوس الأموال الخيرية التي تستطيع أن تحقق نتائج بالغة التأثير. ففي الدول ذات الغالبية المسلمة لوحدها، تتراوح أموال الزكاة والصدقة كل عام بين 250 مليار إلى ترليون دولار بالتتالي. لذا ليست المشكلة هنا توفر رأس المال في المنطقة، إذ إنه يفوق بأشواط ميزانيات المعونات والإغاثات الدولية. ما نفتقر إليه في الواقع هو نهج استراتيجي في توزيع رؤوس الأموال الخيرية هذه التي علينا جميعاً أن نحرص على توظيفها بالصورة التي تضمن تحقيق أفضل النتائج والآثار.
تحول الخصائص السكانية وانتقال الثروات عبر الأجيال
على مدى السنوات العشر القادمة، من المتوقع أن يشهد العالم أكبر انتقال للثروات عبر الأجيال على الإطلاق، مع انتقال 68 ترليون دولار إلى الجيل التالي. وفي أسواق النمو تحديداً، يتوقع انتقال 26 ترليون دولار عبر الأجيال في العشرين سنة المقبلة، مع تحول ثلاثة أرباع استهلاك الإنتاج المحلي الإجمالي العالمي إلى الجنوب العالمي.
لقد بدأنا بالفعل نرى آثار هذه التغيرات التاريخية، فأسرع اقتصادات العالم نمواً هي في "الأسواق النامية" أو "أسواق النمو" كما يشير العديد إليها اليوم. ومع وتيرة النمو الاقتصادي المتسارعة وانتقال الثروات عبر الأجيال، سنشهد في أسواق النمو ارتفاعاً في مبادرات العطاء والعمل الخيري، غير الزكاة والصدقة. ومن المتوقع أن يتسارع هذا المسار في المستقبل، وتحديداً في الشرق الأوسط وإفريقيا حيث سيزيد عدد أصحاب الثروات الضخمة ذوو صافي القيمة البالغ 30 مليون دولار أو أكثر، بنسبة 32% و17% بالتتالي، بحلول 2024.
ويتزامن مع هذا التغيّرِ الجغرافي تغيّر في الخصائص السكانية، إذ سيظهر جيل جديد من المانحين الضليعين بالعالم الرقمي سيغيرون طبيعة العطاء والعمل الخيري. لقد أضحى المانحون الشباب بالتحديد أكثر سخاء وأشد التزاماً بخدمة القضايا التي يدعمونها، وأصبحوا يطالبون الجهات المسؤولة عن إدارة منحهم باتباع منهجيات يكون دورهم فيها أكثر فعالية، وتكون آثارها أقوى وأسرع، مع التشديد على أعلى معايير الحوكمة والشفافية والمساءلة.
ابتكارات تكنولوجية
يوفر الاقتصاد الرقمي على مستوى العالم بيئةً مواتيةً جداً للعطاء بفضل الأدوات الرقمية المبتكرة والمنصات الرقمية التي سهلت إمكانية التبرع وتقديم المنح للجميع بصرف النظر عن مهاراتهم التكنولوجية. ومع التكنولوجيا الجديدة المبتكرة، بات في الإمكان تجميع البيانات ومعالجتها وفهمها كما لم يكن متاحاً من قبل. ونجد أيضاً التكنولوجيا الجديدة كالذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية التي تمتلك القدرة على تغيير ملامح القطاع الخيري الحالي بأكمله إلى الأفضل.
يوظِّف الجيل الجديد من المانحين التكنولوجيا والابتكارات ليتمكنوا من تحقيق آثار ونتائج أبلغ وأقوى. ومع هذه التسهيلات التكنولوجية، أصبح كل ثلاثة من أصل أربعة من مواليد الألفية يعتبرون أنفسهم مانحين بصرف النظر عن المبالغ التي يقدمونها. وفي نفس الوقت، يساعد توظيف البيانات وتحليلها على توزيع التبرعات بصورة أكثر استراتيجية ويزيد من مستوى الشفافية لدى المؤسسات المتلقية، ما قد يساهم في حل أزمة الثقة التي كانت تعيق تقدم هذا القطاع. على سبيل المثال، يُبين استبيان العطاء العربي أن 76% من المانحين يطالبون المؤسسات المتلقية بالإفصاح بشفافية عن نتائج المبادرات الخيرية التي يمولونها وإثبات مدى فعاليتها وتأثيرها، وأبدى 71% من المستجيبين للاستبيان استعدادهم لزيادة تبرعاتهم إن زادت شفافية هذه المؤسسات المديرة للمنح فيما يخص كيفية توزيعها والجهات المستفيدة منها.
وكان لجائحة كوفيد-19 أيضاً دور في تغيّر القرارات المعنية بالأعمال الخيرية، إذ كشفت دراسة أجراها مؤخراً المركز الاستراتيجي للأعمال الخيرية في جامعة كامبريدج بخصوص بيئة العطاء في أسواق النمو، أن المؤسسات المحلية المتلقية للاستثمارات الخيرية أصبحت الآن ملزَمة باتخاذ القرارات على اعتبار أنها أكثر دراية وإلماماً باحتياجات المجتمعات المحلية المعنية. وقد خففت الأوضاع غير الاعتيادية في الجائحة من قيود عملية التبرع وتوزيع المنح، وقدمت للمانحين درجة أعلى من المرونة والفعالية في مبادراتهم. وبالنتيجة، تمكنت العديد من الجهات المتلقية من تحقيق نتائج أقوى والتصرف بحصافة وسرعة، بل وأصبحوا شركاء في التغيير المستدام لا مجرد متلقين للمنح. وإن أردنا استدامة هذا التغيير الإيجابي في دور هذه الجهات لما بعد الجائحة، علينا أن نتبنى مستويات متقدمة جداً من الحوكمة لتحسين المساءلة والشفافية والحصول على البيانات المبنية على الأدلة ومعالجتها وتحليلها.
العمل الخيري في المنطقة العربية
تتجذر في الثقافة العربية تقاليد أصيلة من الكرم والعطاء والعمل الخيري، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بتوفير الإغاثات الصحية والتعليمية للفئات المحتاجة. ولكن رغم هذه العادات الثقافية والدينية العريقة في العطاء والدعم المجتمعي، ما زلنا نواجه صعوبات في مواكبة التحولات العالمية التي يشهدها هذا القطاع والتي تبشر بتحسن آثار المبادرات الخيرية كماً ونوعاً. ومن هنا، تطرأ الحاجة إلى تكثيف الشراكات المؤثرة والمدروسة بين الجهات في المنطقة وخارجها، لأنها قد تولد فرصاً عظيمة لتجاوز هذه الصعوبات. وما يحتاجه هذا القطاع في المنطقة أيضاً هو إصلاح البيئة التنظيمية لإحداث التغيير المنشود في ممارسات العطاء الاستراتيجية.
لقد سرّعت الجائحة التغيّرات المطلوبة في القطاع الخيري في المنطقة العربية، فزاد التركيز على أهمية الدراية بالديناميكيات والمتطلبات المحلية وضرورة التعاون بين الجهات على المستوى المحلي. وتزداد أهمية هذه التغيرات مع التحديات التي واجهها القطاع التنموي في السنوات الخمس الماضية حصيلة الأزمات الإنسانية وثم الجائحة. وهذا ما يجعل دور القطاع أكثر أهمية من أي وقت مضى في هذه المنطقة التي يعاني ثلثا سكانها إما من الفقر أو العرضة الشديدة للفقر المتعدد الأبعاد، وتعتبر معدلات البطالة فيها ضمن الأعلى عالمياً.
بناء البنية التحتية للمستقبل
تساهم هذه التطورات مجتمعة في تحسين فعالية الجهود الخيرية والتنموية في العالم العربي التي تدعم مجتمعاته ومجتمعات العالم. ويقع على عاتقنا واجب الحرص على تحقيق أفضل النتائج الاجتماعية والبيئية من الاستثمارات الخيرية الضخمة لنتجاوز التحديات المعقدة والهيكلية في منطقتنا. لذلك، نحتاج إلى إرساء بنى تحتية أفضل، وتوفير حوافز تدعم العمل الخيري الاستراتيجي بمبادرات تركز على تحسين الأطر التنظيمية للجهود الخيرية. ونحتاج أيضاً إلى الاعتماد على بيانات محلية تعكس الواقع المحلي، وتبني نماذج حوكمة أقوى تنظم الأعمال الخيرية وتساعد على توفير الموارد من أجل تحقيق آثار أكثر استدامة. ومثال على ذلك مبادرة بيرل، وهي منظمة غير ربحية في الخليج تأسست في 2010 بهدف رفع مستوى المساءلة والشفافية المؤسسية عبر القطاع الخاص. تقدم مبادرة بيرل من خلال برنامجها "الحوكمة في العمل الخيري" الدعم لمانحين من هيئات مؤسسية وشركات عائلية، وتتيح لهم تبادل التجارب والمعارف لتوجيه جهودهم ومبادرتهم الخيرية. يتعاون هذا البرنامج مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس لرفع مستوى الوعي وتشكيل الشبكات المؤثرة وتحفيز الجهود لتدعيم المنظومة الخيرية في منطقة الخليج. تجمع المنظمة أصحاب المصلحة من مانحين ومستشارين وعاملين في أقسام المسؤولية الاجتماعية المؤسسية، ضمن أنشطة واجتماعات وفعاليات، وتقدم لهم موارد ومراجع قيمة على منصتها الإلكترونية.
ويؤدي مجتمع الأبحاث دوراً أساسياً في هذه العملية. كانت الأبحاث في القضايا الخيرية تركز عادة على شرق أوروبا وأميركا الشمالية حيث كانت تتركز المبادرات الخيرية عالية القيمة. ولكن في السنوات القليلة الماضية، بدأت عدة مؤسسات جديدة تسد هذه الثغرة وتوفر المعلومات والمعارف لمساعدة واضعي السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين في أسواق النمو على صياغة استراتيجيات مبنية على الأدلة، من دون الحاجة إلى تكييف مراجع ومعلومات تعنى بمناطق أخرى بصورة لا تناسب المنطقة العربية ولا تلبي احتياجاتها. وفي سبتمبر/أيلول 2021، دشنت جامعة نيو يورك أبوظبي مبادرة العطاء الاستراتيجي، وهي منصة أكاديمية مجتمعية هدفها تشكيل ممارسات خيرية أكثر استراتيجية وشمول في الخليج وجميع مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر المسارات البحثية الثلاث، وعقد الاجتماعات، والدورات التدريبية. وقد أفصحت المنصة أيضاً عن عزمها تأسيس أول مسرع أعمال خيرية في المنطقة يركز على تنمية الشركات الناشئة المبتكرة في القطاع الخيري، ومد مؤسسي هذه الشركات بالأدوات والموارد التي ستمكنهم من النمو والتقدم والازدهار.
وتأتي هذه المبادرة عقب تأسيس المركز الاستراتيجي للأعمال الخيرية في كلية جَدج للأعمال في جامعة كامبريدج عام 2020، الذي يركز على أسواق النمو. وعلى مدى السنتين الماضيتين، شارك في أنشطة هذا المركز ممارسون ومانحون من القطاع الخيري من مختلف المناطق، واجتمعوا لدراسة التحديات الاجتماعية والبيئية المتأصلة والممنهجة في كثير من الأحيان في هذه المناطق، لا سيما وأن الجائحة قد فاقمت العديد من هذه التحديات.
ويجدر في هذا السياق التأكيد على حاجة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتحديد لمثل هذه المبادرات الأكاديمية المؤثرة، التي تمد المانحين والممارسين الشباب في هذا المجال بالأدوات والموارد والبنية التحتية التي ستساعدهم على تحسين نتائج مبادراتهم وجهودهم، إذ أن 60% من سكان هذه المنطقة دون سن الـ 25. وتشجع هذه المبادرات على بناء شبكات خيرية جديدة عبر الدول والقطاعات، تجتمع فيها مجالات تخصص مختلفة وتعزز أواصر التعاون والتواصل.
دور الأعمال
تقدر القيمة الحالية للأعمال الخيرية في منطقة الخليج بـ 210 مليار دولار سنوياً، ومع ارتفاع الثروات على المستوى الإقليمي، من المرجح أن تزداد المبادرات والالتزامات الخيرية. ولكن في كثير من الأحيان، لم تكن ثقافة العطاء السخي تُمارس في إطار مبادرات خيرية استراتيجية. لإصلاح هذا الخلل، نحتاج إلى معارف وموارد وأبحاث توجهنا نحو منهجية عمل أكثر استراتيجية، ولن نستطيع الحصول على هذه المصادر إلا بتوثيق التعاون المدروس بين مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات والحكومات. وفي هذه الشبكة المترابطة، تلتزم مؤسسات القطاع الخاص بتحقيق أهدافٍ اجتماعية مؤثرة وفقاً لفهم عميق وافٍ لمتطلبات المجتمعات التي تعمل ضمنها، مع الحرص على التواصل المفتوح والوثيق مع الحكومات ومؤسسات القطاع الخيري.
توسيع نطاق القطاع الخيري
تعتبر منهجيات العطاء والعمل الخيري المنظمة والاستراتيجية أداة قوية، إذ إنها تمكن مجتمع المانحين المتنامي في المنطقة العربية من تحقيق نتائج أبقى والاستفادة بدرجة أكبر من رؤوس الأموال طويلة الأمد والابتكارات الاجتماعية. وللحكومات دور أساسي تؤديه في وضع الأطر التنظيمية لهذا القطاع وتوفير أنظمة أكثر فعالية تتميز بمستويات أعلى من الشفافية والمساءلة، وتؤدي بالنتيجة إلى آثار أشمل وأقوى. ويجب على مجتمع الأعمال التركيز في المقام الأول على القضايا الملحة في عطائهم، والحرص على مراعاة احتياجات المجتمع في نماذج أعمالهم، والتعاون مع القطاع غير الربحي لتقديم أكبر منفعة للمجتمعات. وتحتاج المؤسسات غير الربحية إلى اعتبار الشفافية والمساءلة والإفصاحات والتقارير موارد قوية تقدم لها ميزات تنافسية، لا الامتعاض منها والتعامل معها على أنها أعباء إدارية مضنية. وبالنتيجة، سيصبح المانحون أكثر قدرة على مواءمة عطائهم ومبادراتهم الخيرية مع الخطط التنموية الوطنية والدولية، والمساهمة في توسيع بصمة المبادرات الاجتماعية والبيئية ذات المقومات الواعدة. يمتلك كل واحد منا القدرة على المساهمة في تحريك هذه العملية ببناء مجتمع مانحين أكثر حيوية، يكون أفراده أكثر اهتماماً وانخراطاً بالاعتبارات العملية مثل سبل توزيع المنح والتبرعات وكيفية توظيفها ومدى الأثر الذي تحققه.
ولنتمكن من تحقيق أفضل الآثار وأقوى النتائج وتعزيز دور العمل الخيري في المنظومة الرأسمالية العامة، يمكننا، بل ولزام علينا، انتهاز كل الفرص المتاحة لتجاوز العقبات التي قد تثبط نمو العطاء الاستراتيجي، واتخاذ خطوات عملية تضمن أعلى مستويات الفعالية والكفاءة للأعمال الخيرية الاستراتيجية، لنخدم مجتمعات منطقتنا والعالم قاطبة، اليوم وغداً وفي المستقبل.