ملخص: تشير نتائج الأبحاث الحديثة إلى أن العديد من قادة الأعمال يميلون عند ندرة الموارد إلى تجنب المخاطرة وحماية مصالحهم الخاصة، ما يعزز ثقافة متحفظة تعطي الأولوية للاستقرار على حساب الابتكار. غالباً ما يتحول التركيز في مثل هذه الظروف نحو الحفاظ على الأصول الحالية وخفض النفقات والحفاظ على الوضع الراهن، ما قد يعوق قدرة المؤسسة على التكيف مع التغييرات وتعديل استراتيجيتها والنجاح في البيئة التنافسية. ولكن يمكن أن يكون لإمكانات العمل التعاوني غير المستثمَرة أثر كبير في هذه الأوقات الصعبة على وجه التحديد، إذا كنت من القادة الذين يجدون صعوبة في تحمل المخاطر في العمل، فإليك 4 استراتيجيات لإحداث تغيير جذري في عقليتك وسلوكك لمساعدتك على التعاون مع الآخرين بدرجة أكبر وإطلاق العنان لإمكانات النمو.
واجهت إحدى عميلاتنا، وهي إحدى كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا ولنسمها لميس، تحديات هائلة في إدارة مؤسسة كبيرة وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي. كانت شركتها والقطاع بأكمله يمر بفترة عصيبة أدت إلى خفض الميزانية وتوقف التوظيف، وبالإضافة إلى ذلك، كانت مكلفة بمهمة تجاوز الإيرادات السنوية المستهدفة لتعويض ضعف أداء خط أعمال متعثر لم يكن تحت إشرافها المباشر.
قبل ظهور هذه التحديات، عُرفت لميس بتقديرها العمل التعاوني وانفتاحها على تجربة أساليب أو أفكار جديدة لتعزيز إجمالي الإيرادات، لكن عقليتها تغيرت عندما واجهت هذه الضغوط الإضافية، وحين ازدادت مشكلات الأعمال التي تواجهها وتضاءلت الموارد المتاحة لها أكثر لجأت تلقائياً إلى التراجع وحماية نفسها.
لميس ليست الوحيدة التي تعاني هذه المشكلة. خلال أزمة جائحة كوفيد-19 وما أعقبها من حالة عدم اليقين الاقتصادي، كشفت أبحاث ماكنزي أن 21% فقط من المسؤولين التنفيذيين يشعرون بالثقة في قدرتهم على اقتناص فرص النمو الجديدة، ما يشير إلى أنه عندما تندر الموارد يميل كثير من قادة الشركات إلى تجنب المخاطر وحماية مصالحهم الخاصة، ما يعزز ثقافة متحفظة تعطي الأولوية للاستقرار على الابتكار. غالباً ما يتحول التركيز في مثل هذه الظروف نحو الحفاظ على الأصول الحالية وخفض النفقات والحفاظ على الوضع الراهن، ما قد يعوق قدرة المؤسسة على التكيف مع التغييرات وتعديل استراتيجيتها والنجاح في البيئة التنافسية. ولكن يمكن أن يكون لإمكانات العمل التعاوني غير المستثمَرة أثر كبير في هذه الأوقات الصعبة على وجه التحديد،
من خلال عملنا في التدريب التنفيذي وتقديم الاستشارات للمسؤولين التنفيذيين ذوي الأداء العالي وفرقهم، نلاحظ غالباً أن القادة الناجحين الذين يتمتعون بعقلية النمو والمستعدين عادة للمخاطرة، يتراجعون في أوقات عدم اليقين ويتخلون عن أسلوبهم التعاوني والابتكاري في العمل. إذا كنت من القادة الذين يجدون صعوبة في تحمل المخاطر في العمل، فإليك 4 استراتيجيات لإحداث تغيير جذري في عقليتك وسلوكك لمساعدتك على التعاون مع الآخرين بدرجة أكبر وإطلاق العنان لإمكانات النمو.
أعد تعريف معنى ندرة الموارد
العقبة الرئيسية أمام إطلاق العنان لإمكانات العمل التعاوني هي ما يُشار إليه بعقلية الندرة، وهو مصطلح صاغه باحثون في عام 2017 كانوا يختبرون الفرضية القائلة بأن الفقر يؤثر سلباً على الوظيفة الإدراكية. تؤدي ندرة الموارد الأساسية إلى تحول ذهني، فتنحصر طاقة الفرد الذهنية في التركيز فقط على المشكلة الآنية ولا تترك مجالاً لأي شيء آخر،
وهذا يدفع القادة في مكان العمل إلى التصرف بدافع بالخوف من الضعف ويعزز التنافس لديهم، وبالتالي يترددون في مشاركة المعرفة والأفراد والموارد، وغالباً ما يعوقهم التركيز على الحفاظ على الذات وتخفيف المخاطر عن اتخاذ قرارات سليمة أو مخاطر طويلة الأجل تفيد العمل. ويؤدي ذلك كله إلى انخفاض سوية العمل التعاوني والتفكير الإبداعي والابتكار، ويُضعف ذلك بدوره هياكل فريق العمل ويؤدي إلى انعدام التآزر.
تقول المتخصصة في الأعصاب وعضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك، ويندي سوزوكي، إن الابتكار والقدرة على الإبداع يتأثران بأجزاء الدماغ التي تتحكم بالذاكرة والعواطف مثل الخوف؛ عندما يشعر الإنسان بالخوف، كما هو الحال في أوقات عدم اليقين، تضعف قدرته على الإبداع، ويحدث ذلك عندما تسيطر عقلية "القلق" لحماية الذات وتمنع الدماغ "الفضولي" من البحث عن فرص الابتكار والتعلم والنمو.
يتمثل علاج هذه الظاهرة في تبني عقلية الوفرة والامتنان، التي يمكن أن تخفف الخوف وتعزز القدرة على الإبداع، وبالتالي فترسيخ عقلية العمل التعاوني والوفرة في فريقك حتى في حالة ندرة الموارد يحفز القدرة على الإبداع على المستويين الفردي والجماعي.
وجدت لميس، المسؤولة عن فريق مكون من 5 مرؤوسين مباشرين وتشرف على مجموعة مكونة من 25 شخصاً، نفسها عند مفترق الطرق هذا، إذ أدركت من خلال التدريب المهني الذي تلقته أن الطريق الوحيد لتحقيق أهداف عمل الفريق هو كسر القواعد التي فرضتها على نفسها لإطلاق العنان لقدرة فريقها على التعاون والابتكار والتكيف مع الظروف الجديدة.
فمكّنت أعضاء فريقها من التعاون داخلياً مع شركاء متعددي الوظائف وخارجياً مع مؤسسات متآزرة تتشارك القيم وأهداف العملاء نفسها، وذلك مكنهم من تحقيق إنجازات أكثر بموارد أقل وكانت له آثار ملموسة وغير ملموسة، إذ شعر أفراد فريقها بأنهم يحصلون على دعم أكبر وبالثقة في قدرتهم على صنع القرارات وحل المشكلات. أدى هذا النهج إلى تحسين الروح المعنوية للفريق وفعاليته وتعزيز قدرته على تحسين مؤشرات الأداء الرئيسة وإحراز تقدم نحو تحقيق أهدافه.
جرّب خيارات مختلفة
من خلال الشراكة مع الآخرين، تكتسب الفرق تلقائياً إمكانية الوصول إلى مجموعة موارد أوسع وقواعد معرفية متنوعة وثروة من الخبرات الحياتية والمهنية، وبالتالي يمكن أن يفتح إدراكك لإمكانية متابعة خيارات متعددة عقليتك على مجموعة واسعة من الاحتمالات ويتيح لك توليد الأفكار حول حلول ومسارات متعددة.
تتيح لك الاختيارية أن تكون أكثر استراتيجية وتركيزاً على المدى الطويل والتفكير على نحو موسع وإبداعي في جوانب مختلفة مثل إدارة المخاطر وتخطيط السيناريوهات، ويسمح لك جمع الخيارات المتعددة والموازنة بينها بتقييم حلول وطرق متعددة لحل مشكلة ما.
شعرت لميس برفاهية الطمأنينة لامتلاك خطة بديلة فشجعت فريقها على تنويع أساليبه في التعامل مع المشاريع، وبدلاً من تركيز جهودهم كلها في استراتيجية واحدة استكشفوا طرقاً متعددة في الوقت نفسه، ما خفف من المخاطر وأتاح فرصاً غير متوقعة للعمل التعاوني والابتكار.
غيّر النهج التقليدي للابتكار
يكمن مفتاح إطلاق العنان لإمكانات العمل التعاوني في تغيير الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات مع الابتكار وعدم اعتباره استنزافاً للموارد، بل استثماراً يمكن أن يحقق عوائد أكبر في المستقبل. وهكذا، وبدلاً من التركيز فقط على الحفاظ على الأعمال "الأساسية" القائمة، يجب على القادة أن يبحثوا بجد عن فرص الابتكار واستحداث مصادر جديدة للإيرادات والمنتجات والمستهلكين وما إلى ذلك.
يتوفر كثير من الأدوات والمنصات التي يمكن أن تسهّل العمل التعاوني والتفكير الابتكاري للمساعدة في تحديد هذه الفرص؛ خذ مثلاً مخطط نموذج العمل، فهو أداة متعددة الاستخدامات تشجع على التفكير الابتكاري والابتكار المشترك، ومن خلال اعتماد مثل هذه الاستراتيجيات الإبداعية يمكن للمؤسسات تعزيز بيئة عمل تعاونية تتجاوز الحدود المادية.
بالنسبة للميس، تضمن هذا السيناريو الجديد الابتكار في مجالات لم تفكر فيها من قبل، مثل تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، وقد مكنها ذلك من تحديد إمكانات الإنتاج الإضافية اعتماداً على البنية التحتية التصنيعية الحالية للشركة واستعادة مسؤولية تنفيذ المهام المسندة إلى جهات خارجية لتقليل التكاليف الخارجية وإتاحة الإيرادات التي يمكن إعادة استثمارها في الأعمال التجارية والاستفادة من الشراكات الخارجية والترخيص لتسريع توسيع نطاق الأعمال. تمكنت لميس في خضم هذه الظروف الصعبة من تحديد فرص النمو على المديين القصير والطويل في جميع أنحاء الشركة.
درّب فريقك على تبني عقلية تعاونية
يصبح التدريب المهني أداة قوية للتحول عندما تدرك أهمية العقلية التعاونية، والخطوة الأولى للتغلب على العقبات التي تحول دون العمل التعاوني هي الوعي الذاتي.
اطرح على فريقك أسئلة التدريب التالية لتعزيز الشعور بالهدف المشترك وخلق ظروف مواتية للتعاون ومساعدتهم على التغلب على المخاوف:
- ما مواطن القوة والمزايا التي تتمتع بها شركتنا وفريق عملنا؟ كيف يمكننا الاستفادة منها لتوسيع نطاق أعمالنا؟
- كيف يمكننا إعادة صياغة هذه التحديات لتصبح فرصاً؟ ما الشروط أو الظروف المناسبة التي يجب أن تتوافر لكي تنمو الشركة؟
- كيف استفادت الشركة من عملنا التعاوني وقدرتنا على الإبداع في الماضي؟ ما الاستراتيجيات والأساليب التي كانت ناجحة ويمكننا تطبيقها مرة أخرى في هذا الموقف؟
اغتنمت لميس هذه الفرصة لتوجيه فريقها نحو التخلص من عقلية الصومعة وتبني عقلية العمل التعاوني، وحققت ذلك من خلال عقد جلسة عمل مع مرؤوسيها المباشرين لاستكشاف ما يتطلبه هذا التحول منهم. تعاملت لميس مع الاجتماع بعقلية تعاونية وحثت الجميع على الإسهام برؤاهم واقتراحاتهم من خلال طرح أسئلة أتاحت لكل منهم مشاركة أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين، وكانت كالتالي:
- تخيل سيناريو يتبنى فيه فريقنا عقلية تعاونية بالكامل: كيف يبدو النجاح في هذا السيناريو؟ ما المقاييس التي سنستخدمها لقياس تقدمنا؟
- ما الإجراءات التي يمكن أن نتفق عليها بصفتنا فريقاً واحداً لنقترب خطوة واحدة مما نعده نجاحاً؟
خلافاً للفكر السائد، تتمتع العقلية التعاونية بأعلى قيمة خلال الأوقات الصعبة على وجه التحديد، فهذه الأوقات توفر فرصة لتعديل الاستراتيجية والابتكار والنمو؛ ونحن نقول دائماً: "ربّ ضارة نافعة".
إمكانات العمل التعاوني غير المستثمرة هي مثل منارة أمل في أوقات عدم اليقين، من خلال تحديد العقبات التي تفرضها عقلية الندرة والتغلب عليها، يمكن لقادة الأعمال اجتياز الصعوبات الاقتصادية والازدهار في خضم الشدائد. لذلك ضع في اعتبارك عندما تُضطر إلى إعادة تقييم الاستراتيجية في أوقات عدم اليقين أن سر النجاح هو اعتبار العمل التعاوني عنصراً حاسماً في رحلة النمو وليس مجرد ميزة أضافية مفيدة، فالعمل التعاوني يمكّن فرقك ويطلق العنان للابتكار ويحول التحديات إلى فرص.