مررت سالي إصبعها على زر "شراء". كانت واثقة الآن بعد ساعات من التنقيب في الإنترنت أنّ الكرسي الأخضر سيلائم غرفة المعيشة لديها. كان يملك الطراز واللون اللذين أرادتهما، وكانت خدمة التوصيل مضمونة إلى المنازل في غضون ثلاثة أيام، لم يكن ينقصها المال لدفع ثمنه وكان الموقع الإلكتروني وذاك الكرسي بالتحديد حاصلان على تقييمات كبيرة من العملاء. لكن سالي ترددت. أخذت تفكر أنه ربما من الأفضل أن تلقي نظرة أخرى على محل المفروشات المجاور.
هذا المثال الخيالي شائع جداً. لقد تجاوزت مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية 2 تريليون دولار في العام 2017، وهي في طريقها لتحقيق أكثر من ضعف هذا الرقم بحلول العام 2021. ومع ذلك، ظلت معدلات التحول من التصفح إلى الشراء عبر الإنترنت منخفضة للغاية: إذ أنه أقل من 4 في المئة من المستهلكين الذين يصلون من متصفحات في حواسيب مكتبية يقومون بالشراء، وينخفض الرقم أكثر لدى مستخدمي الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية (3 في المئة و1 في المئة على التوالي)، وهي معدلات بعيدة كل البعد عن معدلات التحول في متاجر التجزئة التقليدية التي تقدر بحوالي 20 في المئة إلى 40 في المئة.
لماذا لا يتحول إلا عدد قليل من المتسوقين إلى مشترين؟
تشير أبحاث سلوك المستهلك إلى أنّ الثقة ضرورية لبلورة نية للشراء. عندما تكون الثقة مرتفعة، يكون الناس أكثر استعداداً لتقبل المخاطر والدخول في تبادل تجاري. في ظروف الأعمال التقليدية، تنشأ الثقة وتتطور في فضاء مادي، وذلك بين شخصين أو أكثر يتفاعلون مباشرة. لكن في حالة التجارة الإلكترونية، ليس لدى العميل المحتمل أي تواصل من هذا القبيل، وبالتالي يجب أن يعتمد كلياً على التجربة الرقمية. كيف إذاً، تبني ثقة المستهلك على الإنترنت؟
حاول الباحثون تقديم إجابة دقيقة عن هذا السؤال، إجابة قائمة على المعالجات الإدراكية المتعمّدة (deliberative cognitive processes). وهم يستخدمون لهذا الغرض مجموعة أنماط اتخاذ القرار لوصف مجموعات العوامل المنطقية المرتبطة بتشكيل نوايا الشراء، مثل نزعة الثقة الموجودة لدى الفرد (يبدو أنّ بعض الناس يميلون إلى الثقة أكثر من غيرهم) أو الضمانات البنيوية في الموقع الإلكتروني (مثل مؤشرات التشفير القوي والأمن وسياسات الخصوصية وضمانات الإرجاع). وتفترض المعالجات المتعمّدة وجود علاقات سببية قوية وتقييدات صعبة، وأنّ الناس يبذلون جهوداً إدراكية صريحة بينما يجرون تقييماً للثقة.
لكن فكرة النماذج المتعمّدة وعلى الرغم من جاذبيتها، لا تفسر ما توصلت إليه الأبحاث من أنّ العديد من زوار للمواقع الإلكترونية يتجاهلون عوامل "مادية" مثل الخصوصية والسياسات الأمنية، ويتأثرون بعوامل تبدو غير ذات أهمية مثل أنماط الخطوط والألوان. هل يمكن القول أنّ المستهلكين على الإنترنت يعتمدون أيضاً على معالجات "غامضة" وغريزية وأقل تعمّداً، كتلك التي تُستخدم في حالات الثقة بين الأشخاص؟ أيمكن القول أنّ المتسوقين على الإنترنت لا يبذلون إلا القليل من الجهد الإدراكي الصريح عند اتخاذ قرارهم بشأن منح موقع إلكتروني ما ثقتهم؟
يتماشى مثل هذا الرأي مع عمل عالم النفس المعرفي ستيفن سلومان الذي قال أنّ الناس أشبه بـ"معالجات متوازية" يستخدمون نظامي استدلال متكاملين. نظام استدلال منطقي يكون تعمدياً، قائم على البنى الرمزية والقواعد وأنماط ثابتة من المنطق (كالجبر). أما النظام الآخر فارتباطي: انتشاري وتقريبي وغير متعمّد، يعتمد على الخبرة الشخصية والحدس أكثر من اعتماده على القواعد الرسمية. وليس النظام الارتباطي غير منطقي في حد ذاته، ولكنه لا يكون متسقاً مع المنطق العقلاني المتعارف عليه.
تستكشف دراستنا فرضيتين. أولاً، كنا نتوقع أنه عندما يقيّم المستهلكون على الإنترنت مدى موثوقية أحد المواقع الإلكترونية لدى اتخاذ قرارات قليلة المخاطر، فإنهم يميلون إلى الاعتماد على عمليات تفكير منطقية صريحة ومتعمّدة. وكانت فرضيتنا الثانية أنه عندما يواجه المستهلكون قرارات تتضمن مخاطر عالية، فإنّ هناك احتمالاً أكبر أن يتحوّل المستهلكون على الإنترنت إلى عمليات استدلال ارتباطية (بديهية). كان المنطق وراء ذلك هو أنّ الثقة أكثر أهمية بالنسبة إلى القرارات الكبيرة التي تنطوي على مخاطر أكبر. وتشير دراسات سابقة إلى أنّ التفكير البديهي عنصر حاسم في الثقة بالأشخاص.
للنظر في الفرضيات، قمنا بتصميم تجربة، طُلب فيها من 245 شخصاً خاضعاً للتجربة زيارة الموقع الإلكتروني لمكتبة أسترالية حقيقية عمرها 17 عاماً لم تكن مألوفة لديهم، ومن ثم اتخاذ بعض قرارات الشراء. قُسّم الخاضعون للتجربة عشوائياً إلى ست مجموعات، ووضع كل منها تحت ظروف تجريبية مختلفة. عُرض الموقع الحقيقي على بعض الخاضعين للتجربة، في حين عُرضت على البعض الآخر نسخة معطلة تفتقر إلى المعلومات الأساسية (مثلاً، الشهادات الأمنية الخاصة بالتجارة الإلكترونية وسياسات إرجاع المنتجات). وقد أُخبر بعضهم أنه سيُطلب منهم تعليل قرارهم (وهو أسلوب مصمم لإطلاق عمليات التفكير المتعمّد/المنطقي الصريحة)، في حين طُلب من آخرين إكمال مهمة صممت لتقودهم إلى الاعتماد على نظامهم المنطقي البديهي. وأخيراً، اتخذ جميع الخاضعين للتجربة قرارين: (1) ما إذا كانوا سيشترون كتاباً (هو قرار افتراضي لا مخاطرة فيه ولا تأثير له على العالم الحقيقي)، (2) ما إذا كانوا مستعدين لتقديم معلومات شخصية مثل اسمهم ورقم هاتفهم وعنوان سكنهم للحصول على هدية بقيمة 20 دولار (وهو قرار فيه مخاطرة أعلى لأن له عواقب على العالم الحقيقي).
أُجري تحليل انحدار لوجستي طولي للتوصل إلى فهم كامل للاختلافات في الثقة عبر هذه المجموعات الست، وكشف ذلك عن استنتاجين رئيسيين. أولاً، لدى مواجهتهم القرار الافتراضي الذي لم تكن فيه مخاطرة، اعتمد الخاضعون للتجربة على معالجات متعمّدة (قائمة على القواعد والمنطق والعقلانية). ثانياً، لدى مواجهتهم قراراً حقيقياً، وبالتالي أكثر خطورة، تحول العديد منهم إلى المعالجات الارتباطية (قائمة على البديهية والانتشارية والتقريبية).
الرسالة من دراستنا واضحة: عند اتخاذ قرارات تنطوي على مخاطر، مثل الشراء على الإنترنت من موقع إلكتروني، يميل المستهلكون إلى الاعتماد على الحدس أكثر من اعتمادهم على المداولة. هذه الرسالة مهمة لأنها تتحدى وجهات النظر الراسخة القائلة بالتداول في تكوين ثقة المستهلك، وتقدم تفسيراً للسبب الذي يجعل أشياء مثل الجمالية والمهنية والقرائن الضمنية الأخرى مهمة في بناء الثقة على الإنترنت.
فهم أنّ المستهلكين على الإنترنت لا ينخرطون دوماً في عمليات تفكير متعمّدة، بل يعتمدون غالباً على الحدس (وخاصة عند اتخاذ قرارات عالية المخاطر) أمر له آثار عميقة على إعادة تصميم تجارب المستهلكين في الإنترنت. ربما تكون لتغييرات "بسيطة" (مثل ترتيب الصفحات وخيارات الخطوط والصور والألوان) أهمية أكثر أهمية بكثير على عمليات تكوين الثقة الارتباطية تتجاوز فهمنا السابق. إلى جانب ذلك، تشير نتائجنا إلى أنّ ما يبدو وكأنه مجرد اختيارات جمالية في التصميم يكون في الواقع الطريقة التي تعلّم بها عملاءك أن يثقوا بك (أو لا يثقوا). سيؤثر ذلك على قراراهم بالشراء من عدمه.