تستكشف إحدى شركات السيارات المدرجة على قائمة أبرز 100 شركة لمجلة "فورتشن" تقنية جديدة على هامش أعمالها الأساسية. ويعتقد التنفيذيون المسؤولون بها أنهم توصلوا إلى طفرة محتملة، وبينما يدفعون بالمشروع إلى بقعة تحوم حولها الشكوك، فإنهم يجدون أن معالم صناعة القرار التقليدية الخاصة بهم لم تعد وثيقة الصلة بهذا السياق. إنهم بحاجة إلى طريقة جديدة للتوصل إلى قرارات استراتيجية في إطار هذه البيئة المتقلبة وغير المألوفة. ولكن، كيف يتسنى ذلك؟
اتضح أن علم الأعصاب يمكن أن يساعد على تغيير الطريقة التي تفكر بها الشركات فيما يخص الفرص الجديدة، وتحديداً في إطار ميدان علم الأعصاب التطبيقي الناشئ.
إن التوصيف الأمثل لعلم الأعصاب التطبيقي هو: استخدام أدوات علم الأعصاب ورؤاه الثاقبة لقياس السلوك البشري وفهمه. وباستعمال علم الأعصاب التطبيقي، يستطيع القادة استخلاص بيانات حول اللحظات الحرجة لصناعة القرار، ومن ثم استخدام هذه البيانات لصنع خيارات جريئة تساعد على خوض غمار مستقبل مبادرة ما.
وغالباً ما تُجرى الدراسات التي تسترشد بعلم الأعصاب التطبيقي خارج سياق المختبر، ومن ثم فقلما تستخدم أجهزة تصوير الرنين المغناطيسي الكبيرة والثابتة. وبدلاً من ذلك، ينصب تركيز هذه الدراسات على استخدام حلول أكثر تنقلاً مثل مخططات كهربية الدماغ المثبتة على الرأس والممزوجة بتقنية رصد حركة العين، وذلك لرصد بيانات دقيقة حول كيفية استجابة المخ متى عُرضت عليه سيناريوهات محددة. ولهذا السبب، يُستخدم علم الأعصاب الطبيعي في المقام الأول خلال مرحلة من مرحلتين في هذا المشروع الجديد؛ إما في بدايته في أثناء تعريف مشكلة الأعمال، وإما لاحقاً في دورة العمل في أثناء البحث عن حلول جديدة للمستخدمين.
والجانب المحوري في علم الأعصاب التطبيقي يكمن في استخلاص بيانات حقيقية حول صناعة القرار من حيث ارتباطه بموقف بعينه. هذا النوع من البيانات يسمح لك بفهم كيفية وتوقيت اتخاذ الأفراد لقراراتهم فهماً دقيقاً (سواء كانوا أصحاب مصلحة داخليين أو عملاء)، ومن ثم تطويع هذا الفهم بغية رسم خريطة تنبؤية بشأن الطريقة التي يتعين المضي قدماً بها.
لندرس مثال شركة "إيكيا" (IKEA).
شرعت مجموعة من التنفيذيين في شركة "إيكيا" في دراسة تحديات عالمية واسعة النطاق، مثل الكيفية التي يفرض بها النمو السكاني ضغوطاً على طلبات إنتاج الغذاء والطاقة والموارد الطبيعية. وبعد أن وضعوا ذلك في الاعتبار، راحوا يتساءلون عن أي المصادر الجديدة للطاقة والمنسوجات والمعادن والأخشاب والبلاستيك التي ستُستخدم لبناء منتجات مستقبلية لسد حاجة هذا النمو السكاني.
ولقد ألهم هذا الاستقصاء عن المستقبل شركة "إيكيا" لتحويل دفة هذا الأسئلة إلى الداخل، وشرعت تطرح بعض الأسئلة الحاسمة والمزعزعة حيال عمل "إيكيا". على سبيل المثال، ماذا لو باعت الشركة، بدلاً من الأثاث المنزلي فقط، حلولاً تساعد على التخفيف من وطأة التوترات المتعلقة بتلك الموارد؟ وماذا لو باعت الشركة أيضاً للعملاء طاقة متجددة، بدلاً من الأفران فقط؟ والأكثر من ذلك، ماذا لو صنعت شركة "إيكيا" شبكات كهرباء افتراضية تدعم تقنية سلسلة الكتل (بلوك تشين) للسماح لمجتمعات العملاء بمقايضة الكهرباء فيما بينهم؟
هذه الأسئلة جذرية وملهمة في آن واحد فيما يختص بنموذج العمل التاريخي لشركة "إيكيا" وهويتها.
إذا كنت تعمل استشارياً في شركة "إيكيا"، فما الذي ستنصح الشركة به؟
ربما أوصيت الشركة بأن لا تنأى بنفسها عن نموذج عملها المألوف وقدراتها الأساسية. ولكن، كيف ستجزم بأنك كنت على صواب؟ فالعالم يتغير جذرياً، وماذا لو ثبت أن إحدى تلك المبادرات الجديدة بالغة القيمة بشكل مذهل؟
السؤال المهم في هذا السياق هو كيف يمكن للقادة الذين يدفعون الفرص الجديدة إلى الأمام أن يكشفوا عن رؤى ثاقبة أعظم في مبادراتهم، ثم استغلال تلك الرؤى للمضي قدماً بثقة وثبات.
في مثال "إيكيا"، وظّف فريق عمل توماس زوجا رامسوي في شركة نيرونز (Neurons) علم الأعصاب التطبيقي لفهم تلك الفرصة المحتملة للمؤسسة فهماً أفضل والتمحيص في ردود الأفعال اللاشعورية وغير المعلنة تجاه هذه الفرص المحتملة.
ومن خلال الاستعانة بمخططات كهربية الدماغ المثبتة على الرأس ومتتبعات العين عالية الدقة، أجرى فريق توماس اختباراً على عملاء "إيكيا" في بولندا وهولندا لفهم ردود أفعالهم تجاه نماذج العمل الجديدة وفقاً لهذه الفكرة. على سبيل المثال، رد الفعل تجاه عرض جديد للطاقة الشمسية المنزلية يُمكّن العملاء من توليد طاقتهم المتجددة الخاصة.
وبعدها، ربط فريق العمل ما بين ردود أفعالهم ومستويات فهمهم من ناحية وقاعدة بيانات سلوكية من ناحية أخرى لتحديد نماذج العمل التي من الأرجح أن يقبلها العملاء، أو تلك التي لن يقبلها العملاء أبداً أو التي سيقبلها العملاء في بضع سنين. ومنح ذلك النوع من الخرائط السلوكية هاكان نوردكفيست، رئيس قسم الابتكار المستدام في مجموعة "إيكيا"، طريقة ملموسة لفهم المشاعر وردود الأفعال التي يمكن أن تُعلي من نموذج عمل واحد على غيره.
لقد استخدم نوردكفيست هذه الأدوات وغيرها من أساليب التصميم التجريبي بالاشتراك مع السرد الاستراتيجي للشركة بغية خلق نماذج عمل جديدة ناجحة في "إيكيا".
لقد أفضى تسخير "إيكيا" اليوم لعلم الأعصاب التطبيقي من أجل تقييم الفرص المحتملة إلى نماذج عمل ومشروعات جديدة، بما في ذلك عرض الطاقة الشمسية المنزلية الذي يُمكّن العملاء من توليد الطاقة المتجددة الخاصة بهم والتحول إلى المواد البلاستيكية المتجددة وابتكارات تقدم للعملاء خيارات مختلفة من أطعمة صحية أكثر ومستدامة أكثر في سلسلة مطاعم "إيكيا".
لأول وهلة، قد تبدو أي من هذه الفرص الجديدة خطرة بشكل لا يصدقه عقل بالنسبة لهذه المؤسسة الكبيرة الراسخة. ومن الخطر بمكان الابتعاد عما هو جوهري للشركة، ولكن في مناخ الأعمال الحالي، حيث تتلاقى الصناعات والتقنيات بسرعة، فإن هذا بالضبط هو ما تحتاج إليه المؤسسة أحياناً كي "تساير الموجة الرائجة".
ويدلل مثال شركة "إيكيا" على الفارق بين المؤسسة التي تتحدث عن التجريب والمؤسسة التي تمارس التجريب حقاً بأساليب يمكن أن تؤثر تأثيراً عميقاً في المستقبل، إذ تنقل إلينا فهماً لطبيعة تفكير العملاء والموظفين حيال فرص التحول.