إذا طلبت منك تصور السوق الاستهلاكية الفاخرة، فقد تتخيل المجوهرات والسيارات الرياضية والساعات والمشروبات المتميزة والأحذية والملابس الفاخرة، وما إلى ذلك. إنه مزيج من الجودة العالية والرونق والشهرة والسمعة. فقد كانت الصناعة تقليدياَ غير مرتبطة بالمخاوف المتعلقة بالآثار البيئية وحقوق الإنسان والرفاهة، حتى في الوقت الذي كانت فيه هذه الاتجاهات تجتاح قطاع المنتجات الاستهلاكية السائدة. ولكن وفقاً للتقرير الجديد،"تنبؤات 2016 لصناعة الرفاهية: الاستدامة والابتكار"، فإن فجوة الاستدامة تنحصر بسرعة. فكيف يمكن حل مشكلة شركات العلامات التجارية والاستدامة؟
أجرت الدراسة مؤسستان تعملان عن قرب مع شركات المنتجات الفاخرة، هما "لاكشري إنستيتيوت" (Luxury Institute) و"بوزيتيف لاكشري" (Positive Luxury) (إقرار: أنا عضو في المجلس الاستشاري غير الرسمي للمؤسسة الأخيرة، لكنني لم أشارك في هذا البحث). تقدم ديانا فيردي نايتو، مؤسسة "بوزيتيف لاكشري" والمؤلفة الرئيسية للدراسة، حجة قوية مفادها أنه لم يعد أمراً كمالياً أن تحظى العلامات التجارية الفاخرة بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، بل لقد صارت الآن من الأمور المطلوبة.
الضغوطات التي تواجه شركات العلامات التجارية في مجال الاستدامة
يحدد التقرير بعض الضغوط الرئيسية في هذا الصدد.
أولاً، الضغط المباشر هو:
تغيّر القوانين. يشير التقرير إلى إقرار قانون الرق الحديثة في المملكة المتحدة في عام 2015، والذي يتطلب من الشركات الكبرى التي تمارس أعمالاً تجارية في بريطانيا أن تنشر بياناً سنوياً معتمداً من مجلس الإدارة حول الرق والاتجار بالبشر. يدفع هذا النوع من القوانين بوضوح باتجاه مزيد من الشفافية والتتبع في سلسلة التوريد. وإنه لأمر جيد حيث يعتقد %71 من بائعي التجزئة والموردين في المملكة المتحدة أنه من المرجح وجود الرقيق في سلسلة التوريد الخاصة بهم.
ثانياً، الضغط غير المباشر والأكثر قوة هو:
تغير العادات الاجتماعية بدءاً من صانعي الأذواق البارزين. يتم استثمار المشاهير أكثر من أي وقت مضى في تحقيق الاستدامة، فقد أنتج ليوناردو دي كابريو ومارك رافالو أفلاماً وأسسوا مؤسسات لمعالجة التغير المناخي وتعزيز الطاقة المتجددة. ونجمة سلسلة "هاري بوتر"، إيما واتسون، هي أيضاً مناصرة للمساواة بين الجنسين، كما أنها تظهر بانتظام في مجلات الموضة. تترك هذه الأسماء وغيرها أثرها على جدول الأعمال الاجتماعي والبيئي. بالنظر إلى أهمية هذه الشخصيات في عالم الموضة والرفاهية، فإن معتقداتهم وبياناتهم ومطالبهم تهم الشركات.
ويتسع نطاق تغير توقعات الشركات على مستوى الأجيال، حيث يمتلك جيل الألفية وجهات نظر مختلفة حول كيفية عمل الشركات. يستشهد التقرير ببحث يظهر أن "88% من أبناء جيل الألفية وجيل إكس (الذين ولدوا بين أوائل الستينيات إلى أوائل الثمانينيات) في المملكة المتحدة والولايات المتحدة يعتقدون أن العلامات التجارية بحاجة إلى عمل المزيد من أعمال الخير وليس فقط تقليل الأفعال السيئة". يشكك هذا الجيل في الاستهلاك بشكل عام، حيث تقول الأغلبية إنها تنفق المزيد على التجارب (قاصدة بذل تركيز أقل على الأشياء)، وهو ما يشكل تهديداً لعالم الرفاهية. ويقود هؤلاء اتجاه "التصنيف النظيف"، حيث تشعر الشركات بالضغط لشرح كنه كل شيء وإعلان مصدره.
ثالثاً، يبرز التقرير حقيقة أن مجتمع الاستثمار بدأ يتنبه للقيمة التي تمثلها إدارة القضايا البيئية والاجتماعية بشكل جيد للعلامات التجارية الاستهلاكية
هناك بعض الأدلة المبكرة لدعم هذه الفكرة؛ ففي عام 2015، رفع محلل من مؤسسة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) السعر المستهدف على بعض الشركات الرئيسية في قطاع الملابس مثل "نايكي" استناداً إلى أداء الاستدامة الخاص بهم. فيرى التقرير أن هذا الضغط سيحل قريباً على الشركات الفاخرة.
وأخيراً، هناك حقيقة قاسية تتعلق بالحدود الفيزيائية الحيوية التي تهدد قدرة هذه الشركات على تحديد مصدر منتجاتها بشدة
تتطلب السلع الفاخرة التنقيب عن المواد وتنميتها ومعالجتها خلال سلسلة القيمة، وهو ما يزداد صعوبة. وهذا الأمر، وفقاً لفيردي نايتو، ليس مجرد مخاطر أثيرية للعلامة التجارية تختص بالعمالة أو بصورتها، بل يشكل مخاطر على استمرارية العمل الفعلي. يغير التغير المناخي توافر المياه وإنتاج المحاصيل في جميع أنحاء العالم. ويؤثر ذلك على المنتجات التي تعتمد على القطن، كما تقول فيردي نايتو، فالكشمير والأنجورا، على سبيل المثال، يتطلبان قدراً كبيراً من المياه للمعالجة.
وبالنسبة للأحجار الكريمة والمعادن، ترى فيردي نايتو مجموعة من التحديات التي تواجهها بدءاً بالطاقة المطلوبة في الإنتاج وحتى توفرها بشكل عام. وتقول فيردي بشيء من المبالغة: "لقد نفد منا الذهب ببساطة (تقريباً كل الذهب الذي نستخدمه معاد تدويره)، وتهدد البيئة العديد من المواد والمكونات الموجودة في منتجات العناية بالبشرة، وهناك ندرة في الألماس، وتجد الجلود الغريبة نفسها في ورطة باختصار، وهذه لحظة "الوجع" الكبير، فهناك بعض المواد الخام اللازمة لصناعة الرفاهية مهددة".
تعمل الشركات الرائدة في هذا المجال على مواجهة العديد من هذه الضغوط لسنوات. لقد أصدرت كل من "تيفاني" (Tiffany) و"فوريفر مارك" (Forevermark)، وهي شركة تابعة لمجموعة "دي بيرز" (Debeers)، شهادات للماس الموجود لديها باستخدام عملية كيمبرلي (Kimberley Process) المستقلة باعتباره "لا علاقة له بالنزاعات". لقد استطاعت شركة "لوريال" (L”Oreal) أن تصبح بهدوء واحدة من الشركات الرائدة في العالم في مجال التغير المناخي والطاقة المتجددة. إذ خفضت الشركة بالفعل الغازات الدفيئة بنسبة 50% ولديها مستهدفات جديدة لتحييد أثر الكربون (دون شراء أرصدة الطاقة المتجددة) بحلول عام 2020.
وتحاول الآن جميع العلامات التجارية الكبرى اللحاق بذلك. وبحسب ما أوردته فيردي نايتو، كانت مجموعة "إل في إم آتش" (LVMH) الفرنسية الفاخرة أحد مؤيدي التقرير وتجري تحليلات شاملة لدورة حياة خطوط أعمالها. فيما تبحث شركات أخرى الآن مثل "فوف كليكو شامبين" (Veuve Cliquot Champagne) عن تحقيق ذلك في مجال التعبئة والتغليف. فهذه الشركات جميعها تحاول اكتشاف مكامن الخطر والفرص الكبرى. يحتوي التقرير على بعض دراسات الحالة الجيدة الإضافية في مجالات الساعات، والجلود، والألماس، والسياحة البيئية ولكن
لا شيء من ذلك سهل أو واضح، ولهذه الصناعة إرث تاريخي صعب المواءمة. فلم يكن "الألماس الدموي" مجرد عبارة مثيرة لنشطاء الحملة، بل استند إلى تدفقات أموال حقيقية أرسلت إلى ديكتاتوريين وحشيين، ولا يزال الرق مشكلة. إن عمليات المناجم هي عبارة عن عمليات هائلة يمكن أن تؤدي إلى إفقار الناس والأرض أو خلق وظائف وبناء الاقتصاد.
ولكن في عالمنا الشفاف، فإن خطر عدم معالجة الاستدامة مرتفع للغاية بالنسبة لهذا القطاع. وكما أخبر جون إلكينغتون، مبشر المسؤولية الاجتماعية للشركات والاستدامة، كتّاب التقرير، فإن "الوعد الضمني [في الرفاهية] هو أن المستهلك لا يحتاج للقلق بشأن أي شيء. فكل شيء يتم الاعتناء به... حتى يتوقف ذلك، وعندها يمكن أن يتلاشى الانطباع التام عن الحصانة والكمال".
في النهاية، فإن قطعة الملابس أو الحليّ غير المستدامة تحتوي على خلل. مع استفاقتنا جميعاً لهذا الواقع، لن يكون أمام الشركات الفاخرة خياراً سوى العمل من أجل مراعاة موضوع شركات العلامات التجارية والاستدامة.