ما يمكن أن تفعله العلامات التجارية الاستهلاكية كي تنافس في عالم الاقتصاد الرقمي؟

5 دقائق

يعتبر قطاع البيع بالتجزئة أسرع القطاعات إفلاساً. وكمثال على آخر هذه الإفلاسات إعلان شركة كيف يُغيّر استيفاء الطلبات الرقمي من وجه الصناعة (Sears) ذات 125 عاماً إفلاسها العام الماضي والتي كانت يوماً ما أكبر شركة تجزئة عالمياً. أصبح عامة الناس اليوم قادرين على توقع إغلاق متاجر مثل مايسيز وسيرز وتويز آر أص وكيه مارت وكولز وجيه سي بيني وبارنز آند نوبل. أما الشركات القادرة على النجاة فهي متاجر الخصم مثل تي جيه ماكس ومارشلز التي تتنافس بصورة جدية على السعر.

إنّ منافسة الأسعار موجعة وتضر كذلك بالعلامات التجارية التي تُباع في المتاجر وهو ما يفسر جزئياً سبب ركود مبيعات عمالقة المنتجات الاستهلاكية مثل بروكتر آند غامبل (Procter & Gamble) أمام منتجات مثل المنظف تايد وشفرة جيليت للحلاقة وحفاضات بامبرز ومعجون كرست للأسنان.

سجل تقرير صدر مؤخراً عن "بوسطن كونسلتينغ جروب" (BCG) تراجعاً عاماً في مبيعات شركات السلع الاستهلاكية المعبأة في الولايات المتحدة خلال العام 2017  والذي ترافق مع خسارة الشركات المتوسطة والكبيرة حصتها في السوق وارتفاع حصة الشركات الصغيرة. كما كشفت شركة كاتالينا للاستشارات (Consultancy Catalina) خسارة 90 علامة تجارية من بين أفضل 100 علامة حصتها السوقية. وبالنظر إلى قيمة الدولار فقد انتزعت الجهات الصغيرة، والتي حددت بالشركات التي تبلغ مبيعاتها أقل من مليار دولار، ما يقارب الـ 15مليار دولار من المبيعات من أقرانها الأكبر حجماً في الفترة ما بين عامي 2012 و2017.

يتزايد الآن تسوق الناس عبر الإنترنت وبهذا تقلّ زياراتهم إلى المتاجر رؤيتهم للعروض الترويجية داخل المتجر. يمكن أن تجذب شركة شفرات حلاقة صغيرة وعصرية في الوقت ذاته مثل هاريز عدداً من المتابعين على الإنستغرام ومشتريات دورية عبر الموقع الإلكتروني أكبر بكثير مما قد تحققه مبيعات شفرات جيليت المعروضة عبر ممر كامل في السوبرماركت. وبهذا يُقدر نمو شركة هاريز بنسبة 35% من عام إلى آخر ما بين عامي 2014 و2016 وهو ما يعادل نمواً أسرع بثلاثة أضعاف من متوسط النمو في القطاع، مسيطرة بذلك على 9% من جميع مبيعات شفرات الحلاقة عبر الإنترنت.

بينما يستهدف ممر السوبرماركت الذي يعرض شفرات حلاقة جيليت سكان حي واحد فقط، يصل موقع هاريز إلى الملايين من الناس. تدعم هاريز عادات شراء المنتجات الدورية لدى مستهلكيها الدائمين بينما تعتمد جيليت على الشراء العشوائي في المتجر. عندما يشتري أحدهم شفرة حلاقة من أحد المتاجر لا تحصل جيليت على أي معلومات حول المشتري أو المشتريات أو وقت الشراء بينما تستطيع هاريز معرفة كل هذه التفاصيل.

تمثل الشركات الجديدة مثل هاريز جزءاً صغيراً من السوق ولكنها حققت أعلى معدلات النمو في ذلك الوقت وهي سمة مميزة للابتكار المزعزع. لهذا وبحسب ما قاله أحد المدراء الماليين السابقين تستمر بي آند جي في إعادة الهيكلة منذ 20 عاماً دون استعراض الأمر بصورة مبالغ فيها. ولكن بغض النظر عن مدى جودة إعادة التنظيم التي تستمر بها بي آند جي إلا أنها لن تتمكن من عكس التراجع الذي حصل في المبيعات من 83 مليار دولار في عام 2008 إلى 65 مليار دولار في عام 2017 ما لم تتعلم بعض الحيل الجديدة.

يذكر تقرير من إعداد صحيفة وول ستريت حول شركة جونسون آند جونسون كيف أجبرها ضعف مبيعات شامبو الأطفال الخاص بها على المخاطرة بالاستغناء عن الصبغة الصفراء من شامبو الأطفال الشهير ذي اللون الذهبي لتجعله شفافاً. ولكن لا أحد يعلم ما إذا كان هذا الإجراء سيعود على الشركة بالنفع على المدى الطويل. ولكن هذه المبيعات الضعيفة تعكس الديناميكيات ذاتها التي تواجهها بي آند جي أيضاً مثل فقدان الحصة السوقية التي ذهبت إلى العلامات التجارية الصغيرة والاعتماد الزائد على شركات التجزئة التقليدية وعدم القدرة على تكوين علاقات مع المستهلكين في الوقت الذي كانت التجارة الإلكترونية في أوج انطلاقها.

دخلت بي آند جي حرباً العام الماضي لتنظيف سوق الإعلانات عبر الإنترنت واستخدمت مؤثراتها بصفتها المعلن الأكبر عالمياً للحصول على المزيد من المعلومات حول فاعلية الإعلانات الرقمية من غير جوجل وفيسبوك. خفضت الشركة بهذه الطريقة تكاليف الإعلانات الرقمية أكثر من 200 مليون دولار ووجهت إنذاراً أخيراً للشركات التقنية لكي تكون أكثر شفافية. نعم إنها بداية جيدة ولكن تحتاج إلى رؤية جديدة.

المستثمر النشط نيلسون بيلتز، أحد أعضاء مجلس إدارة بي آند جي، لديه مثل هذه الرؤية حيث يقول: "يجب على بي آند جي الاعتراف أنّ الشركات الأخرى ستقدم حتماً أفكاراً ومجموعة فرص جديدة للنمو ومنتجات تتوافق مع اتجاهات المستهلكين السائدة". كما أشار إلى ضرورة إتقان بي آند جي الاستحواذ على العلامات التجارية الصغيرة والمتوسطة والمحلية واستخدام قوة قسمي البحث والتطوير والتسويق والانتقال بهما إلى المستوى التالي.

لقد عبّرت مقترحات بيلتز عن الخطوات التي تقوم بها شاومي (Xiaomi) مسبقاً.

بنهاية شهر آذار/مارس من عام 2016 استثمرت صانعة الهواتف الذكية الصينية شاومي في ما يقارب 55 شركة ناشئة مصنعة بذلك منتجات مختلفة ابتداء بالشواحن المتنقلة وانتهاء بأجهزة تنقية الهواء. كانت 29 شركة من هذه الشركات التي احتضنتها شاومي مبتدئة تماماً، بينما تعد أربع منها شركات "يونيكورن" وهي شركات التكنولوجيا التي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر. وبحسب ما قاله ليو دي المؤسس المشارك لشاومي ونائب مديرها حول ما توفره شاومي للشركات الناشئة أنه خليط من التمويل والاحتواء من خلال "أخذ خصص غير مسيطرة" و"ترك المصالح العظمى للشركات الناشئة" بحيث "تصبح هذه الشركات محفزة ومستعدة للقتال على الجبهة".

تستطيع الشركات الناشئة استخدام علامة شاومي التجارية وأدوات التوزيع الخاصة بها من القناة الإلكترونية والتطبيق وكذلك المتاجر على أرض الواقع والتي يبلغ عددها 300 متجر. وكنتيجة تستعد شاومي لا لأن تكون صانعة الهواتف الذكية منخفضة التكلفة فحسب، بل صاحبة نفوذ بين الشركات المصنِّعة لأجهزة المنزل الذكي ذات الأهمية الكبرى أيضاً. "يوفر نظامنا المتكامل لعملائنا منتجات جديدة وغير اعتيادية لم يعلموا بوجودها من قبل" هذا ما قاله وانغ شيانغ النائب الأول لرئيس شركة شاومي مشيراً إلى المكبر الصوت الذي يعمل بالبلوتوث وجهاز طبخ الأرز الذي يعمل بالإنترنت وجهاز تنقية الهواء (وهو الجهاز منخفض التكلفة الأول في الصين)، مدعياً أن هذه المنتجات ليست الأفضل من نوعها فحسب بل إنها الأقل تكلفة من مثيلاتها.

ينبغي على شركة بي آند جي أيضاً أن تحذو حذو شاومي؛ إذ لم يعد بإمكانها أن تكون مجرد منشأة صناعية ذات مستقبل يعتمد على التكنولوجيا بل يجب أن تحتضن الشركات الناشئة التي تُشغل متاجر "البوب-أب"، وهي المتاجر المفتوحة بصورة مؤقتة لبيع منتجات موسمية أو ذات توجه معين، وتوفر كذلك خدمة التوصيل المنزلي وتندمج بالمجتمع وتعزز نماذج الشراء الدوري وتهتم باختيار شخصيات مقنعة لمنتجاتها، يترافق كل هذا مع تجميع بيانات شاملة حول المستهلك لقيادة ابتكارات جديدة. وبهذا تصبح شركة متماسكة متعددة الأنشطة؛ تخاطر كثيراً وتملك العديد من الشركات المتباعدة ولكنها في الوقت ذاته تستخدم بعضاً من الإمكانات الأساسية مثل ترويج العلامة التجارية والتوزيع بالتجزئة لتوفر ميزة مستقلة لكل شركة من الشركات التابعة لها والتي لا تستطيع شركات السلع الاستهلاكية المعبأة أن تنافسها.

ستزيد هذه البنية من قدرة بي آند جي على تقليد ما تفعله الشركات الناشئة المليئة بروح المغامرة مثل هاريز أو واربي باركر. على الرغم من كون هذه الشركات الناشئة شركات مصنعة لكنها أيضاً تحول جميع نقاط التواصل مع العملاء إلى صورتها الإلكترونية (مثل النتفليكس) وتتحكم بتجربة المستخدم من خلال دمجها بالعالم التقليدي (مثل عملية شراء أمازون لشركة هوول فودز (Whole Foods) ومن ثم استخدام تحليلات البيانات لتحسين مجموعة البضائع وبذلك تحقق الابتكار في المنتجات (مثل موقع التسوق الإلكتروني تاوباو التابع لشركة علي بابا).

إذاً، هل تعد مثل هذه الخطوات جريئة جداً بالنسبة لشركة تبلغ قيمتها السوقية 235 مليار دولار في مدينة سينسيناتي أو أوهايو؟ لم تكن لتتمكن الشركة ذات الـ 180 عاماً والتي تضم العديد من العلامات التجارية من الاستمرار طوال هذه المدة دون أن تُقدم على خطوات جريئة في الماضي.

عندما عُرض منتج تايد لأول مرة في عام 1946 كان المنظف الصناعي الأول القادر على تنظيف الملابس بصورة عميقة "دون تبهيت الألوان أو تكديرها". كانت جميع أنواع الصابون قبل تايد تُصنّع طبيعياً عن طريق تسخين دهون الحيوانات أو الخضراوات مع الماء بالإضافة إلى قاعدة قلوية. ثم ما لبث أن ظهرت فوائد هذا المنظف الصناعي الذي يجعل "الملابس البيضاء أكثر بياضاً" بصورة واضحة تفوق فيها تايد على جميع العلامات التجارية الأخرى في السوق وأصبح المنظف الأول خلال 3 أعوام. وبعد ظهور تايد لم تعد بي آند جي "شركة لتصنيع الصابون" بل "أصبحت منشأة صناعية يعتمد مستقبلها على التكنولوجيا" ويبلغ عدد الموظفين التقنيين فيها 3 أضعاف عدد الموظفين في العام الذي سبق ظهور تايد في 1945.

ولكن المدراء في بي آند جي خافوا من احتلال المنتجات الجديدة لمكانة صابون أيفري المحبب، إلا أن الرئيس وليام كوبر بروكتر، آخر مدير من العائلة، بقي داعماً ثابتاً للمنظفات الصناعية. قال بروكتر في إحدى ملاحظاته الخالدة الموجهة إلى فريقه "قد يدمر هذا (المنظف الصناعي) سوق الصابون، ولكن إن كان أحد سيقدم على هذه الخطوة فمن الأفضل أن تكون بروكتر آند غامبل".

قامت بي آند جي بخطوات جريئة في الماضي لحماية نفسها، وكل ما تحتاج إليه اليوم هو إعادة اكتشاف عقلية ذلك الرئيس. قد تكون هذه الاستراتيجية مفيدة لأي علامة تجارية استهلاكية تسعى للهروب من الدمار الكلي لعالم التجزئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي