دُرست العلاقة بين السلطة والشعور بالوحدة باستفاضة في بحوث العلوم الاجتماعية، ولكن لم يدرس العلاقة بينهما سوى بضعة باحثين. ولهذا أجريت وزملائي ثماني دراسات بهذا الهدف، حيث وجدنا دليلاً على أن أصحاب السلطة العالية لا يعانون من القدر الذي نفترضه من الوحدة. أظهر بحثنا أن السلطة تُشعر أصحابها بعزلة أقل عن الآخرين، بينما أدى نقص السلطة إلى شعورهم بعزلة أكبر.
وفي حين أن الكشف عن عدم صحة التصور التقليدي يولد شعوراً بالرضا، من المهم التفكير بحدود هذه الاستنتاجات الجديدة. خذ على سبيل المثال تعليق توماس سابوريتو مدير شركة الاستشارات القيادية "آر آتش آر إنترناشونال" (RHR International) ورئيسها التنفيذي: "تحدثت مع 200 من كبار الرؤساء التنفيذيين، وهناك قلة ثمينة منهم ممن لم يتحدثوا، ضمن إطار الخصوصية، عن الوحدة". تتوافق ملاحظة سابوريتو مع بيانات الاقتراع الذي أجراه "مكتب الخدمات التفاعلية في مقاطعة هاريس" (Harris Interactive Service Bureau) في الولايات المتحدة الأميركية، والتي أفاد فيها نصف الرؤساء التنفيذيين تقريباً معاناتهم من الشعور ببعض مشاعر الوحدة.
ما سبب هذه الفجوة بين تجارب القادة ونتائجنا الجديدة؟ إليكم بعض التفسيرات المحتملة.
السلطة الدائمة والسلطة المؤقتة أمران مختلفان
من المهم للمبتدئين أن يتذكروا أن بحثنا تضمن حثّ الناس على خوض تجربة السلطة البسيطة أو العالية بصورة مؤقتة ومن ثم قياس درجة وحدتهم. عينا أشخاصاً في بعض الدراسات بصورة عشوائية في منصب "المدير" وأعطيناهم بضعة دولارات ليخصصوا القدر الذي يرغبون به من هذا المكسب غير المتوقع لمشارك آخر بمنصب "تابع". وفي دراسات أخرى، طلبنا من المشاركين أن يفكروا ملياً بالطرق التي يتمتعون بها بالسلطة في حياتهم أو تلك التي يفتقرون فيها إلى السلطة.
أفاد المشاركون باستمرار، ممن انطوت تجربتهم على سلطة عالية، شعوراً أقل بالوحدة ممن تمتعوا بسلطة أقل أو ممكن كانوا في ظروف محايدة - من المحتمل أن الشعور العابر بالسلطة يعزز التواصل الاجتماعي، في حين يولد المنصب الذي يتصف بالسلطة العالية والمستمر لفترة طويلة مشاعر العزلة. يستحق هذا الفرق المزيد من الدراسة.
تشكل المسؤولية الشخصية الكاملة فرقاً عند اتخاذ القرارات الصعبة
أشار 93% من أصحاب السلطة والرؤساء التنفيذيين في دراسة أجراها معهد "سكول فور سي إي أوس" (School for CEOs)، إلى حاجة الرؤساء التنفيذيين المحتملين إلى إعداد أكثر مما يتلقونه عادة لتولي المنصب، وخاصة لإعداد أنفسهم على الوحدة والمسؤوليات التي تنتظرهم. قال أحد المشاركين "يستهين الناس بالديناميات البشرية لهذا الوضع، سواء كانت الوحدة أو حقيقة أنك إذا ما أخفقت فلن تجد من يساعدك".
كانت مخاطر التقييمات التي بحثت فيها وزملائي في دراساتنا الثماني أقل، لذلك نقول قد تزيد السلطة الوحدة عندما تقع المسؤولية الكاملة على عاتق المسؤول عن اتخاذ قرارات صعبة جداً لا يرغب أحد باتخاذها، مثل تخفيض التكاليف والأشخاص الذين سيطردون من أعمالهم وكيفية تغيير مسار المؤسسة. وجدنا فعلاً دليلاً على هذا النمط في دراسة غير منشورة بينما كنا ندرس شروط حدود نتائجنا الأخرى. طلبنا من بعض الأشخاص تصور أنفسهم في موقع رئيس الأطباء المسؤول تماماً عن اتخاذ قرار حول فصل طفل خديج عن جهاز التنفس الاصطناعي، وطلبنا من آخرين تصور أنفسهم أطباء مبتدئين يراقبون هذا القرار من بعيد دون تحمل مسؤوليته. أفادت المجموعة الأولى شعوراً أكبر بالوحدة من المجموعة الثانية.
لا تتطابق العزلة الشخصية والموضوعية دائماً
وجدت إحدى الدراسات التي أجراها "مركز ستانفورد لتطوير القيادة وأبحاثها" (Stanford’s Center for Leadership Development and Research) أن حوالي ثلثي الرؤساء التنفيذيين معزولون نسبياً ولا يحصلون على أي تدريب أو نصائح قيادية من مدربين خارجيين أو مستشارين. تظهر هذه النتيجة فرقاً مهماً بين العزلة الشخصية والموضوعية. وهي أن عدد معارفك لا يمثل بالضرورة مدى التواصل الذي تشعر به. فربما يكون لديك عدد قليل جداً من المستشارين الموثوقين وتشعر في الوقت ذاته بالترابط الاجتماعي، وربما شعرت بالوحدة مع وجود المئات منهم.
بحكم طبيعة التسلسل الهرمي، يشعر الرؤساء التنفيذيون غالباً بالوحدة من الناحية الموضوعية وعلى مستوى المؤسسة مع امتلاكهم صلات ضئيلة مع مستشارين خارجيين. الأهم أن دراساتنا قاست مدى شعور الناس بالترابط، ووجدنا أنه بغض النظر عن عدد العلاقات، دائماً ما ترتبط السلطة العالية بانخفاض العزلة الشخصية.
من الواضح أن العلاقة بين السلطة والوحدة معقدة، ولهذا نحث على أن تدرس الأبحاث المستقبلية الفوارق الدقيقة بينهما، إذ لا يشكل هذا العمل سوى خطوة أولى نحو فهم أعمق لهذه العلاقة.