يعمل العملاء الذين أدربهم في وظائف تلقي على عاتقهم مسؤوليات كبيرة وتضغط على أعصابهم، فتولد لديهم توتراً شديداً، وفي نفس الوقت، تعمل كثيرات من زوجاتهم في مهن تسبب القدر نفسه من ضغوط العمل. لكن واحدة من أصعب اللحظات لكلا الشريكين في يومهما لا تحدث في مكان العمل، بل خلال الخمس عشرة دقيقة التي يلتقيان فيها بعد وصولهما إلى المنزل، وإلقاء التحية على بعضهما البعض.
إذا سارت تلك الدقائق الأولى من اللقاء في نهاية يوم العمل بلطف ووئام، فسيشعر الطرفان أنهما يحظيان بالرعاية والتقدير ويدخلان في حالة الاسترخاء والسعادة استعداداً لليوم التالي. لكن الواقع أن اللقاء اليومي الأول ينتهي غالباً بنتيجة سيئة، ويخلق إحباطاً وشعوراً بخيبة الأمل ويسمم أجواء بقية الأمسية. توجد عوامل مختلفة تؤدي إلى هذه الحالة المتوترة بين الزوجين نتحدث عنها في الأسطر التالية:
الاحتياجات المختلفة
يختلف الطرفان على الأرجح في حالتهما الذهنية والعاطفية، ويتطلعان إلى تلبية مجموعة مختلفة من الاحتياجات الشخصية. وعلى الرغم من أن تلك الحقيقة قد تبدو بديهية، فمن المدهش أن كثيراً من الأزواج ينسونها خارج منازلهم بمجرد وصولهم نهاية يوم عمل طويل إلى أبوابها. والحالة الأكثر شيوعاً أن يصل أحد الزوجين إلى المنزل بعد يوم مجهد وهو يتوق إلى فترة من الهدوء والسكينة قبل أن يصبح مستعداً للتفاعل مع الطرف الآخر، لكنه يجد نفسه مضطراً إلى تلبية رغبة الزوج أو الشريك الذي وصل إلى المنزل سابقاً (أو الذي قضى كامل اليوم فيه) ويريد مباشرة التواصل مع الطرف الآخر.
حتى لو وصل كلا الزوجين إلى المنزل في نفس الوقت، فمن المرجح أنهما مرّا بتجارب مختلفة جداً خلال اليوم، فربما واجه أحدهما سلسلة من الصراعات في العمل وكان زحام طريق عودته رهيباً، بينما انتشى الآخر بالسعادة وهو يسير من انتصار إلى آخر، ووصل إلى المنزل في رحلة لم تعترضها المنغصات.
وحتى إذا مر كل منهما بيوم متشابه، فإنهما قد يحتاجان ببساطة إلى أشياء مختلفة جداً استجابة للتجارب اليومية. فأحدهما مثلاً يريد الحديث عن عمله اليومي وينتظر الدعم النفسي من الطرف الآخر، بينما يحتاج الآخر إلى وقت للتفكير الهادئ، أو الترفيه، أو المرح، أو الطعام، أو حتى مجرد بعض التعاطف والدعم.
المدد المتباينة لاستعادة النشاط
أمضى ريتشارد ديفيدسون، عالم الأعصاب في "جامعة ويسكونسن ماديسون" (University of Wisconsin–Madison) الأميركية، عقوداً في دراسة العلاقة بين عواطفنا وبنى الدماغ والنظم العصبية المختلفة. في كتابه الصادر عام 2012، بعنوان: "الحياة العاطفية لدماغك" (The Emotional Life of Your Brain)، أشار إلى أن الناس مختلفون جداً من ناحية سرعة التعافي من التجارب السلبية (يسمي ديفيدسون تلك الصفة "مرونة"، لكنني أفضل تعبير "وقت التعافي"، لأنني استخدام المصطلح السابق على نطاق أوسع عند مناقشة استجابتنا الشاملة للضغوط والتحديات). وتوضح أبحاث ديفيدسون أن الأشخاص الذين يحتاجون إلى أوقات تعافٍ مختلفة يتمتعون أيضاً بأنماط مختلفة لنشاط أدمغتهم. يعني هذا في الممارسة العملية أن الشخص الذي قضى يوماً فظيعاً في العمل قد يتعدل مزاجه ما إن يضع قدمه خارج المكتب، بينما قد يشعر شخص واجه تحديات أقل بتأثيرها الشديد عليه في المساء.
ويقول ديفيدسون في كتابه: "على الرغم من أن مساوئ مدة التعافي الطويلة جداً واضحة، فإن مدتها الأقصر ليست ميزة أفضل لكثير من الناس. وقد يشعر من يظهر عليهم أنهم يتعافون بسرعة كبيرة من التجارب السلبية بأنهم مجبرون على ذلك لأنهم غير قادرين على تحمل مشاعر الضيق والانزعاج ويريدون النأي بأنفسهم نفسياً عنها. لكن يصعب عليهم نتيجة ذلك التعلم من أخطائهم ونكساتهم، ويجدون أنفسهم في النهاية لا يجارون أقرانهم خبرة".
الثقافات المختلفة
"كل علاقة هي تجربة عابرة بين الثقافات"، وفقاً لجون غوتمان، عالم النفس البارز من "جامعة واشنطن" (University of Washington)، الذي يركز في أبحاثه على الزواج والعلاقات بين الرجل والمرأة. وقال في كتابه: "مبادئ المحبة: علم جديد للعلاقات الودودة" (Principia amoris: The new science of love)، أننا حتى "إذا أتينا من البلد نفسه، والمدينة نفسها، والعرق ذاته، والدين ذاته، فإننا نأتي من أسر لكلٍ منها تربية تعرّف الأشياء بطريقة مختلفة. وعندما نبني علاقة معاً، علينا أن نقرر ما هي معاني الأشياء الخاصة بنا".
لكن بينما يأخذ الأزواج وقتاً لفهم وتقييم أهدافهم وفلسفاتهم في الحياة قبل الشروع في الارتباط معاً، فإنهم نادراً ما يتوقفون للتفكير أكثر في الجوانب الدنيوية لحياتهم اليومية المنزلية، وماذا يتطلب الأمر لبناء علاقة بين الثقافات في تلك المجالات. ولهذا السبب قد يحمل الأزواج تفسيرات وأحلام مختلفة كثيراً عما يعنيه "المنزل"، وكيف يتوقعون التفاعل ضمن ذلك الحيز.
إذن ماذا نفعل؟
أولاً، علينا الاعتراف بأن هذه الاختلافات موجودة وشرعية، فليس أمراً واقعياً أو مفيداً أن يتوقع الزوجان أنهما سيتناغمان تلقائياً عند وصولهما إلى المنزل، فالاحتياجات المختلفة، وأوقات التعافي المختلفة، والثقافات المختلفة تتضافر جميعاً لزيادة احتمالية عدم تزامن الأزواج أكثر من تناغمهما عندما يلتقيان معاً في نهاية يوم العمل.
بعد ذلك، حدد كفرد الاحتياجات التي تطلبها وامنح نفسك وزوجك وقتاً للحديث عن هذه المسألة (ليس مباشرة عندما تدخلان من الباب، بل في وقت لاحق). قد تبدو هذه للبعض قضية تافهة أو حتى سخيفة ولا تستحق أن تؤخذ على محمل الجد، لكن الإخفاق المستمر لإدراك أهمية هذا اللقاء هو بالضبط ما يجعل كثيراً من الأزواج يجدون الأمر مجهداً جداً. القليل من التخطيط وبعض الصراحة عما تحتاجه يسير بكما بيسر شوطاً طويلاً.
وأخيراً، يجب أن تدرك أن درجة من إدارة العواطف ومراقبة النفس ستكون مفيدة في هذه الحالة خاصة. نحن نميل في مقاربتنا للتعامل مع الأزواج والشركاء بالتوقع أن بإمكاننا "أن نكون أنفسنا"، دون الحاجة إلى الاهتمام بالكيفية التي سنفهم فيها أو تأثيرنا عليهم. ونتيجة لهذا النهج نجمع مهارات التعامل مع الآخرين التي نعمل بجد على تطبيقها بصفتنا قادة ومدراء ثم نرمي بها من النافذة ما أن نقترب من المنزل، في الوقت الذي نحتاجها فيه لأنها تصبح أكثر فائدة.
هل تعتقد أن هذه الحلول ستساعدك في تجنب الشجارات المنزلية؟ وهل لديك اقتراحات أخرى؟ شاركنا من خلال التعليقات.