إعادة بناء العلاقات عبر الفرق في مكان عمل هجين

5 دقائق
الرسم التوضيحي: فيكي شيتشكا

ملخص: سنقضي عاماً آخر في ابتكار أماكن العمل الجديدة، وهذا يشكل فرصة ذهبية لتجديد العلاقات بين الأقسام وإعادة ابتكارها. والعمل على إعادة بناء هذه العلاقات مهم بدرجة كبيرة لأن معظم الموظفين لن يعودوا إلى العمل كما كانوا قبل الجائحة، فقد تغيرنا جميعاً بطريقة ما في العام ونصف العام الماضيين. التجزئة المؤسسية ليست نتيجة ثانوية للعمل عن بعد، بل هي نتيجة عدم الحرص على بناء الجسور التي تربط المجموعات والمناطق المنفصلة. لا شك في أن وحدات العمل المنعزلة كانت سائدة قبل الجائحة، لكن العمل الهجين خلق متطلبات جديدة لبناء العلاقات الفعالة بين الفرق التي يجب أن تعمل معاً لتحقيق نتائج مشتركة. يقدم المؤلف 3 طرق لمساعدة القادة وفرقهم على إعادة بناء علاقات قوية عبر حدود الأقسام المؤسسية في أثناء انتقالهم إلى بيئات العمل الهجينة.

 

مع عودة الموظفين البطيئة إلى أحد أشكال مكان العمل الهجين، يجب إعادة بناء العلاقات التي تربط بعضهم ببعض. على مدى 18 شهراً الماضية شهدت غالبية المؤسسات درجة من الانقسام بسبب التوتر في العلاقات الاجتماعية والتماسك الثقافي داخلها، وواجهت روح المجتمع تهديداً متمثلاً بتحديات العمل عن بعد وحالة عدم التيقن المفاجئة والمحاولات غير المتقنة لمعرفة كيف ستكون العودة إلى المقار المكتبية والنزوح الجماعي للموظفين الذين سئموا من الثقافات التي تجعلهم يشعرون بأنهم لا يحظون بالتقدير. وعلاوة على كل ذلك، فنحن نجري معظم تفاعلاتنا في العمل عن بعد مع زملائنا المباشرين فقط وفيما يتعلق بالمهمات التي بين أيدينا، وتشير أبحاث شركة "مايكروسوفت" إلى أن التعاون بين الأقسام شهد تراجعاً بنسبة 25% في حين ازدادت التفاعلات ضمن الفرق في أثناء الجائحة.

لكن التجزئة المؤسسية ليست نتيجة ثانوية للعمل عن بعد، بل هي نتيجة عدم الحرص على بناء الجسور التي تربط المجموعات والمناطق المنفصلة. لا شك في أن وحدات العمل المنعزلة كانت سائدة قبل الجائحة، لكن العمل الهجين خلق متطلبات جديدة لبناء العلاقات الفعالة بين الفرق التي يجب أن تعمل معاً لتحقيق نتائج مشتركة.

من الضروري العمل على إعادة بناء الروابط لأن معظم الموظفين لن يعودوا إلى العمل كما كانوا قبل الجائحة، فقد تغيرنا جميعاً بطريقة ما في العام ونصف العام الماضيين، لقد تغيرت قيمنا وأولوياتنا واتسع إحساسنا بالمعنى والهدف وازداد قلقنا، وازداد التسامح لدى البعض في حين قلّ لدى البعض الآخر. باختصار، يجب أن يتعرف كلّ منا على شخصيات الآخرين الجديدة، وإلا فالتحيزات الطبيعية التي تشكلت لدى كل منا حول شخصيات الآخرين القديمة ستبدأ بالتدخل وستخلق تنافراً غير مفيد عندما نتفاعل فيما بيننا بنفس الطرق التي اعتدنا عليها قبل الجائحة. مثلاً، قال أحد المسؤولين التنفيذيين عن زميلته: "كانت تتمتع بأفضل حس فكاهي، ولكنها الآن لا تبدي أي رد فعل على دعاباتي التي كانت تضحكها من قبل"، لم يتمكن من فهم أنها كانت منهكة عاطفياً بسبب الضرر الكبير الذي ألحقه "كوفيد-19" بعائلتها.

لذا، أقترح 3 طرق لمساعدة القادة وفرقهم على إعادة بناء علاقات قوية عبر الحدود المؤسسية في أثناء انتقالهم إلى بيئات العمل الهجينة.

إنشاء هويات مشتركة جديدة

البشر كائنات قبلية بطبيعتها، فنحن نربط أنفسنا بمجموعاتنا المباشرة ونحصر هويتنا بالانتماء إليها، ونعتبر ضمنياً أن من لا ينتمون إلى المجموعة هم "الآخرون" ولن نثق بهم على الأرجح. سيتعمق لدينا هذا النوع من التفكير الذي يفصل بيننا وبين الآخرين (عقلية "نحن" و"هم") إذا لم نعمل على تعزيز الاتصالات بين الأقسام. يساعد منح الموظفين القدرة على إنشاء هويات مشتركة جديدة تربط بعضهم ببعض على نطاق أوسع في توجيه أدمغتهم نحو علاقات جديدة والنظر إلى زملائهم الذين كانوا يعتبرونهم ذات يوم (الآخرين) من منظور جديد.

توصلت الأبحاث التي أجراها جاي فان بافل من جامعة "نيويورك" إلى أن أدمغتنا تبتعد بسرعة عن التحيزات السابقة عندما نتضامن معاً. إذ كشفت إحدى التجارب باستخدام تصوير الدماغ أن لوزات المخيخ لدى مجموعة من المشاركين تحتوي على بعض التحيزات الضمنية المختلفة تجاه أنواع معينة من الأشخاص، وتبين أن هذه التحيزات قد انخفضت بدرجة كبيرة عندما قيل للمشاركين إن هؤلاء الأشخاص أصبحوا الآن من أفراد فريقهم الجديد. كلما تشاركنا عن قرب أكثر مع أفراد مجموعتنا (نحن) أصبح مزيد من الغرباء (الآخرين)، ويتطلب الحل توسيع تعريف (نحن).

في إحدى المؤسسات سعينا لكسر هذه "القبلية" غير الصحية عن طريق إنشاء فرق تشمل عدة أقسام تحمل مسؤولية جوانب الصحة الثقافية المختلفة في المؤسسة. ركزت هذه الفرق على أشياء مثل التعلم والتعليم والابتكار وبناء المجتمع وصحة العمل الهجين، وتألفت من أعضاء من أقسام ومناطق مختلفة يتمتعون جميعهم بالموارد والقدرة على التصرف، وأدى خلق التآلف مع فريق له هدف أشمل إلى تحسين التماسك والعمل التعاوني في المؤسسة على الفور.

تسريع التضامن

كشفت أبحاث جديدة أجرتها شركة "ماكنزي" أن أقوى العوامل المحفزة لدى الموظفين المستقيلين تمثل في عدم شعورهم بالتقدير (أي بأهمية أنفسهم وعملهم) وعدم شعورهم بالانتماء. كانوا يفتقدون ما أسميه التضامن المؤسسي؛ أي: بناء روابط متينة تربط الموظفين بعضهم ببعض وبهدف مشترك لدرجة ألا يشككوا في أي منهم على الإطلاق.

تشكل العلاقات بين الأقسام تحدياً كبيراً للتضامن عندما لا يرى الموظفون بعضهم بعضاً أو يتحدث بعضهم إلى بعض لفترة طويلة. في إحدى المؤسسات العميلة حيث شهد أحد الأقسام تغييرات كبيرة في أثناء الجائحة (تصميم مؤسسي جديد وموظفين جدد وتبديل أدوار الموظفين)، قمنا بعملية إعادة إعداد شاملة لجميع الموظفين في المؤسسة. أدرك القادة أنه إذا لم نقم بتسوية الميدان للجميع، فسيستغرق بناء الثقة وقتاً طويلاً جداً، في جلسة على مدى يومين من المحادثات الجماعية، اجتمع الموظفون "لالتقاء لأول مرة...مجدداً"، وحضر كل موظف مستعداً لمشاركة أجوبته عن 5 أسئلة:

  1. أهم ما اختلف فيّ منذ بدء الجائحة هو...
  2. أكثر ما يقلقني بشأن العودة إلى العمل في نهجنا الهجين هو...
  3. أكثر ما يثير حماستي هو قدرة هذا الفريق على...
  4. المساعدة التي أحتاج إليها كي أكون ناجحاً في هذا الفريق هي...
  5. المساهمة التي أشعر أني أستطيع تقديمها لنجاحكم هي...

قضينا يومين مؤثرين مليئين بالعواطف والمفاجآت للفريق، كان أبرز ما فيهما التعليقات الكثيرة التي أدلى بها موظفون قدامى حول رؤية زملائهم القدامى بصورة جديدة وتسريع بناء الثقة مع زملائهم الجدد في نفس الوقت. قال أحد المشاركين ذلك بأسلوب جيد: "كان موقفي الأساسي مع الأقسام الأخرى هو افتراض الأسوأ. ولكن عندما حضروا مع هذا المستوى من الالتزام تجاهي، أدركت أن عليّ الوثوق بهم". هذه النتائج هي دليل آخر على ما توصلت إليه في دراستي الطولية التي استمرت على مدى 15 عاماً: احتمالات أن تولّد العلاقات الأقوى بين الأقسام سلوكاً جديراً بالثقة أعلى 6 مرات.

عندما تبدأ بإعادة موظفيك إلى العمل بأي شكل كان، استثمر الوقت لإعادة بناء العلاقات، لكن ليس ضمن فريقك فقط، بل بينه وبين الشركاء الرئيسيين في المؤسسة أيضاً. اغتنم الفرصة للتخلص من العلاقات القديمة مع شركاء متنافسين من أقسام أخرى وابدأ ببناء علاقات جديدة عن طريق تعزيز الروابط الضعيفة.

بناء مجموعات تعلم القيادة

العامل المحدد النهائي لصحة العلاقات بين الأقسام هو جودة قيادة الفرق التي يجب أن تتعاون لإنجاز العمل، والقادة الذين يمثلون قدوة في التعاطف وحب الاطلاع والكفاءة في التعامل مع النزاعات والرغبة الحقيقية في خلق نجاح مشترك واسع النطاق قادرون على بناء أقوى الشراكات بين الأقسام. لكن القائد لا يمتلك هذه المهارات القيادية بصورة طبيعية، لا سيما الذي يبدي توجهاً كبيراً نحو النتائج ونشأ في بيئة قائمة على التراتبية الهرمية بدرجة مفرطة.

توصلت إلى أن أسرع طريقة لبناء قادة أقوياء لمختلف الأقسام هي بجمعهم معاً في مجموعات خاضعة لعملية تطوير القدرات القيادية. في قرابة 12 مؤسسة، قمنا ببناء مجموعات تتألف مما يتراوح بين 12 و16 قائداً يخضعون معاً لبرنامج تعلم وتشكيل على مدى فترة تتراوح بين 6 و12 شهراً، يركز محتوى البرنامج على المهارات والمعرفة الأساسية التي يحتاجون إليها لتحفيز النتائج المشتركة التي يجب أن تولّدها أقسامهم. وقمنا مؤخراً بتوجيه محتوى البرنامج نحو الطريقة التي يجب أن تتبعها المؤسسة لإعادة النظر في أساليب قيادة مكان العمل الهجين. تقضي فرق فرعية صغيرة وقتاً في العمل على مشاريع حقيقية تتماشى مع الأهداف الاستراتيجية التي تخلق قيمة مضافة للمؤسسة، ويتم تكليف أزواج من "المدربين الأقران" بعقد اجتماعات أسبوعية لتبادل التقييمات والنصائح حول مجالات التطوير المحددة. لاحظت أن العلاقات التي تتشكل في أثناء هذه البرامج الجماعية تبقى وطيدة لأعوام بعد الوقت الذي قضاه أفراد هذه المجموعات معاً لأول مرة.

في حين تعيد قادتك إلى "الوضع الطبيعي الجديد"، استثمر في تنميتهم عن طريق إنشاء مجتمعات التعلم الجماعي التي ستربط بعضهم ببعض وبتطلعاتهم المؤسسية المشتركة، وسينقلون تلقائياً توجههم الأوسع المكتشف حديثاً إلى فرقهم التي ستتواصل بدورها بفعالية أكبر مع الفرق القرينة في الأقسام الأخرى.

سنقضي عاماً آخر في ابتكار أماكن العمل الجديدة، وهذا يشكل فرصة ذهبية لتجديد أهم العلاقات في مؤسساتنا وإعادة ابتكارها؛ العلاقات الفعالة بين الفرق القائمة بين من يعملون معاً لخلق النتائج والتماسك حيث لا يمكن لأي فريق خلقهما بمفرده في الشركة، فلا تفوت هذه الفرصة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي