إن تبعات استخدام الصياغة القانونية في العقود التجارية باهظ جداً على الشركات، فعليها توظيف محامين مرتفعي الأجور لكتابة العقود والتي لا يقرأها العملاء في الغالب، مفوتين عليهم معلومات مهمة قد تكون مذكورة فيها، (ولنكن صريحين؛ متى كانت آخر مرة قرأت فيها اتفاقية الخصوصية بالكامل قبل النقر على زر "موافق"؟)، وإذا فقد هؤلاء العملاء ثقتهم في شركة ما لأنهم فوجئوا بشروط موجودة في الاتفاقية لم يكونوا على علم بها، فإنهم يستطيعون بسرعة نشر شكاواهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتبر المشكلة واسعة الانتشار وتؤثر على قطاع عريض من الصناعات والوظائف بما في ذلك التمويل العقاري وترخيص المحتوى وتمويل المستهلك والإيجارات السكنية والكفالات والتأمين.
وكان الحل الأكثر استخداماً لعقود متمثلاً في تحويل اللغة القانونية إلى لغة مبسطة، لكن لم يكن الأمر لسوء الحظ بهذه البساطة نظراً لعدم رغبة الشركات الواضحة في التضحية بالدقة القانونية لصالح الوضوح. وهناك أسباب مفهومة للقيام بهذا، إذ إنه وكما كتب عالم النفس اللغوي والإدراكي المعروف ستيفن بينكر في كتابه "غريزة اللغة" (The Language Instinct)، فإن اللغة القانونية غالباً ما تظهر معقدة لأنها لا تفترض بشكل عام مستويات الثقة والفهم المتبادل الموجودة في العادة ضمن معظم أنواع التواصل الأخرى.
إلا أنه يمكن حل أبرز مشكلتين تتعلقان بالصياغة القانونية وهما الطول وعدم التحديد. ولا تكون معظم هذه العقود في العادة مفصّلة بحسب ظروف كل عميل على حدة، إذ تكون مصاغة بطريقة "حل واحد يناسب الجميع"، ما يجعلها في العادة مليئة بالحشو والاستطراد والصيغ القانونية التي تنظم العقد بين الأطراف المتعاقدة والتي قد ينطبق بعضها على عقد ما وينطبق بعضها الآخر على عقد آخر.
ويمكن للشركات التقليل من طول العبارات القانونية التجريدية والتخفيض من تعقيدها بشكل كبير عبر استخدام التقنية بعرف إضفاء طابع شخصي على العقود وتقديمها، الأمر الذي يسهل على العملاء فهم حقوقهم ومسؤولياتهم. ويمكن القيام بذلك من دون التقليل من الإلزام القانوني للعقد. وبصفتي مسؤولاً تنفيذياً في مجال التسويق، من الرائع رؤية شركتي العاملة في مجال التأمين بين أولئك الذين عملوا على إدخال هذه التقنية من بين شركات أخرى.
كانت إحدى المؤسسات الرائدة في هذا المجال، مؤسسة "كريتيف كومنز" (Creative Commons)، وهي مؤسسة عالمية غير ربحية تمكّن الكتاب والفنانين وغيرهم من المبدعين من إنشاء تراخيص حق مؤلف تحدد استخدامات محددة معتمدة لأعماله. ويتيح النظام للمستهلكين "ملخصاً يمكن للشخص العادي قراءته بسهولة" لترخيص تكون "صياغته القانونية الكاملة" في العادة أطول بـ 10 أضعاف. وقد وصلت عدد الرخص التي أصدرتها مؤسسة "كريتيف كومنز" منذ عام 2002، إلى ما يزيد عن المليار وتُستخدم ضمن ملايين المواقع.
كما بدأت صناعة التأمين في الآونة الأخيرة بالنظر في تقديم بوالص تأمين شخصية الطابع يمكن للمحامي والشخص العادي قراءتها بنفس السهولة على حد سواء. وبدأت شركتا تأمين هما "ليمونيد" (Lemonade) و"بيزلي" (Beazley)، التي أعمل فيها حالياً، بإصدار تلك العقود. وتعاني صناعة التأمين من مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالصياغة القانونية، إذ يُنظر أحياناً إلى شركات التأمين على أنها تحاول التملص من دفع مطالبات العملاء عبر استخدامها الأسطر المدفونة في نصوصها القانونية. وفي الواقع، عادة ما تتحدث تلك الأسطر عن المخاطر التي تغطيها شركة التأمين أو تلك التي لم يقم الشخص بدفع الأقساط للحصول عليها، لكن لا يرى العملاء الأمر هكذا على اعتبار أنه من المرهق قراءة هذه العقود الطويلة.
تقوم بوليصة التأمين الرقمية شخصية الطابع بتحسين الوضع بعدد من الطرق، أولها من خلال قيامها بإزالة الغموض الذي يشوب الأمور التي تغطيها بوليصة التأمين، حيث تُدرج الأمور التي تغطيها وتلك التي لا تغطيها، ما يجعل البوليصة أقصر بشكل كبير. كما تقوم أيضاً بجعل التنقل في البوليصة أكثر بساطة عبر استخدام تنسيق تفاعلي باستخدام لغة "إتش تي إم إل" (HTML). وهنا تنتهي الحاجة إلى التقليب المستمر في القسم الطويل الحاوي للتعاريف، حيث يمكن بدلاً من ذلك استدعاء التعريف وصرفه بنقرة واحدة (وينطبق ذلك أيضاً على المعلومات المهمة جداً مثل مبالغ التأمين والأقساط والتواريخ) والمدرجة تلقائياً في جميع البوالص. وهكذا تصبح لغة البوليصة أقل تجريدية أيضاً، حيث يصبح "مبلغ التأمين المستحق" و"الأقساط" مبالغ فعلية محددة بالدولار و"فترة البوليصة" محددة بتواريخ فعلية. ومع إعادة صياغة البوليصة كموقع ويب مصمم بشكل جيد وقابل للتصفح باستخدام أجهزة الهاتف المحمول، لن تعود البوليصة بهذا الطول، ويكون المحتوى متوفراً بالكامل لحامل البوليصة لتصفحه والبحث من خلاله وقراءته بشكل أكثر طبيعية.
وقد صممت هذه السياسات لمصلحة جميع المشاركين في معاملات التأمين، من شركة التأمين إلى العميل إلى الوسيط؛ إذ لا يقوم الوسيط عادة، وخصوصاً في حال تعامله مع عملاء صغيري الحجم، بقضاء الوقت في قراءة لغة البوليصة للإجابة عن سؤال العميل، حيث يقوم بالاتصال بشركة التأمين وطرح أسئلته عليها نظراً لأنه الأمر الأسرع والأكثر أماناً على اعتبار أنه لن يُلام لتقديمه نصيحة غير دقيقة. إلا أن هذه الطريقة تستهلك عموماً وقت الجميع.
ولقد انعكس نجاح تصميم البوليصة الجديد على مبيعاتنا، حيث شهدنا زيادة كبيرة في المبيعات في الأشهر التي تلت إطلاقنا للبوليصة الرقمية، وكنا قادرين أيضاً على بيع بوالص رقمية في عدد من الولايات التي لم يسبق لنا وأن زاولنا نشاطنا فيها.
ونشعر أيضاً بالراحة لرؤية الآخرين يحذون حذونا كما هو الحال مع شركة "ليمونيد"، والتي هي شركة تأمين جديدة تأسست في نيويورك في عام 2016 وتستهدف تقديم التأمين للمستأجرين ومالكي المنازل، إذ أطلقت الشركة في العام الماضي "البوليصة 2.0"، وهي بوليصة تأمين رقمية مبسّطة وحديثة بشكل جذري. كما أن صياغتهم للبوليصة مفتوح المصدر، ما يمكّن المستهلكين من اقتراح تمديد التغطية وأي تغييرات أخرى.
ويمكن للشركات التي تعمل في مجالات أخرى بخلاف التأمين الاستفادة من جميع مزايا الانتقال إلى عقود رقمية شخصية الطابع، إذ يتطلب إنشاء عقود رقمية مبسّطة ناجحة فريقاً مختلطاً ذي خلفية من ثلاثة مجالات: القانونية وتقنية المعلومات والتسويق. ولا تعتبر التقنية المطلوبة معقدة، ولكن لدى العقود شخصية الطابع أجزاء مخصصة أكثر من تلك المصممة لتناسب الجميع. كما أنه وقبل كل شيء، يعد تصميم التجربة الرقمية أمراً ضرورياً ويجب اختباره بعناية مع المستخدمين.
لن يتم هزيمة الصياغة القانونية والعقود الطويلة بين عشية وضحاها، ولكن يمكن لك من خلال التخصيص والرقمنة المساعدة في ذلك. وبمرور الوقت، يجب أن يؤدي تبني هذه الاستراتيجية على نطاق أوسع إلى حماية المورد الأثمن لأي مجال أعمال، ألا وهو ثقة العملاء.