ملخص: بعد مرور 6 أشهر على جائحة كورونا، لا يزال العديد من الموظفين يعملون عن بُعد من المنزل. وفي حين أن الأنشطة الاجتماعية التي نمارسها عبر الإنترنت، كتناول القهوة معاً افتراضياً، يمكن أن تقلل من الشعور بالعزلة الاجتماعية، إلا أننا ما زلنا نبحث عن طرق لإعادة خلق التفاعلات غير الرسمية في مكان العمل التي تحفّز إبداعنا وتشجعنا على التعاون معاً. يعرض مارك ستراسمان، الذي أدار فرق تعمل عن بُعد لما يزيد عن 20 عاماً، 3 أساليب للتواصل مع زملاء العمل والتعاون معهم افتراضياً، وهي: 1) العمل المشترك الافتراضي أو الاستعانة بمكالمات الفيديو للعمل معاً في صمت، و2) استخدام "الجدران التفاعلية" أو شاشات الفيديو للربط بين الموظفين الذين يعملون عن بُعد والموظفين الذين يعملون في مقر الشركة، و3) تخصيص ساعات عمل للنقاش في موضوعات مفتوحة دون وضع جدول أعمال محدد. ليس من الصعب تنفيذ هذه الأساليب التي يمكن أن تتيح إجراء المحادثات العفوية غير الرسمية التي يفتقدها الكثيرون منا في هذه الأيام.
بعد أكثر من 6 أشهر من عمل ما يقرب من ثُلث العاملين الأميركيين عن بُعد على الأقل جزئياً، طبّق المدراء إلى حد كبير أفضل الممارسات الأساسية المتعلقة بالإشراف على قوة العمل التي تعمل عن بُعد.
وفي الوقت الحالي، مع استمرار الكثير من الشركات في العمل عن بُعد وانتقال بعضها إلى سياسات العمل عن بُعد بشكل دائم، أدرك الكثير من القادة أنهم بحاجة إلى وضع ممارسات جديدة وتطوير عادات جديدة لدعم موظفيهم الذين يعملون عن بُعد على المدى الطويل، وذلك لتقليل شعور فرقهم بالعزلة الاجتماعية والمهنية. وقد كان خلق فرص للموظفين للتواصل مع بعضهم على رأس أولويات العديد من المدراء الذين أتحدث معهم كجزء من أبحاثي والتدريبات التنفيذية التي أقدمها.
أظهرت الدراسات أن الوظائف التي تتطلب مستويات عالية من التعاون تنطوي على تحديات أكبر في بيئة العمل عن بُعد، لأنه من الصعب على الموظفين مشاركة المعلومات وطرح الأسئلة بشكل غير رسمي. وغالباً ما يذكر العاملون عن بُعد أنهم يشعرون بالعزلة الاجتماعية والمهنية بقدر أكبر مما يكون عليه الحال عند العمل من المكتب. وفي حين أن الأنشطة الاجتماعية كتناول وجبات الغداء معاً افتراضياً وقضاء أوقات سعيدة وممارسة الألعاب الجماعية عبر الإنترنت يمكنها المساعدة في هذا الأمر، إلا أنها لا تأخذ مكان تفاعلاتنا اليومية غير الرسمية في العمل بشكل فعلي.
لمعرفة المزيد حول الكيفية التي يمكن بها للمدراء إعادة خلق هذه التفاعلات أو الأحاديث غير الرسمية، تحدثت مع مسؤول تنفيذي لديه خبرة كبيرة في القيادة عن بُعد. قاد مارك ستراسمان قوى عاملة عن بُعد لما يقرب من 20 عاماً. يشغل ستراسمان، الذي يعيش في كاليفورنيا، منصب النائب الأول للرئيس ومدير عام في شركة "لوغ مي إن" (LogMeIn) لتكنولوجيا الاتصالات، ويقود وحدة عمل عالمية تضم 2,000 موظف، وقد كان 25% منهم يعملون عن بُعد قبل الجائحة. أعلنت شركة "لوغ مي إن" عن عزمها على نقل غالبية قوتها العاملة إلى نظام العمل عن بُعد بدوام جزئي على الأقل، حتى بعد رفع القيود التي فُرضت نتيجة لمرض "كوفيد-19".
كما يقول ستراسمان، السبيل إلى ذلك هو منح الموظفين الفرصة لقضاء بعض ساعات العمل معاً بشكل عفوي أو غير رسمي. إذ يمكن لهذه الأوقات أن تقلل من الشعور بالعزلة الاجتماعية وتزيد من التعاون والإبداع بعفوية، مع عدم إضافة المزيد من الاجتماعات إلى جداول المواعيد الممتلئة بالفعل. وهذا القدر الإضافي من الطاقة والتركيز فيما بين زملاء العمل الذين يعملون عن بُعد والذي تحدث ستراسمان عنه يرتبط على الأرجح بآلية العدوى الاجتماعية. فهو مشابه للدينامية التي وُجدت فيما بين الطلاب الذين يدرسون معاً والأصدقاء الذين يمارسون التمارين الرياضية معاً.
أخبرني ستراسمان عن 3 من أساليبه المفضلة في التواصل مع زملاء العمل والتعاون معهم افتراضياً.
العمل المشترك الافتراضي
يحبذ ستراسمان استخدام مكالمات الفيديو لكي يتمكن الأشخاص ببساطة من العمل في حضور كل منهم (افتراضياً). وهذا لا يتطلب أكثر من رابط لاجتماع عبر الفيديو ووقت متفق عليه. يقترح ستراسمان أن يكون هذا الاجتماع لمدة نصف ساعة أو ساعة بالنسبة إلى حديثي العهد بهذا النوع من الاجتماعات، ولكنه يشير إلى أن بعض زملائه يمكنهم العمل معاً افتراضياً لمدة نصف يوم في المرة الواحدة. إذ يقول: "العمل في وجود زملائي من حولي يجعلني أكثر تركيزاً، ويمكنني بسهولة أن أتوقف وأطرح سؤالاً عندما أرغب في ذلك".
يؤكد ستراسمان على أهمية وضع قواعد أساسية. على سبيل المثال، أحياناً يغلق أعضاء فريقه كاميراتهم للابتعاد عن أجهزتهم أو لتناول الطعام، وهو شيء اتفق الفريق عليه. ولا يكتم الأعضاء الصوت في أجهزتهم عندما يعملون معاً حتى يتمكنوا من طرح الأسئلة أو الدردشة مع بعضهم بعضاً بشكل سريع تماماً كما كانوا يفعلون في مكان العمل. وإذا كانت الإجابة عن سؤال ما تتطلب أكثر من بضع ملاحظات سريعة أو ستتطور لتصبح محادثة شاملة ومتكاملة، حينها ينتقل المشاركون فيها إلى غرفة فرعية أو يستخدمون رابط اجتماع منفصل عبر الفيديو حتى لا يزعجوا الآخرين. يقول ستراسمان: "يقع على عاتق الأشخاص ألا ينخرطوا بعمق شديد في [المحادثات] وأن يحاسبوا الآخرين إذا أصبحت المحادثات مشتتة للانتباه بقدر كبير". ويضيف: "من واجب الجميع الحرص على أن يكون حضورهم معاً مفيداً".
عادة ما يقضي فريق ستراسمان أكثر من 90% من الوقت في العمل بصمت. إذ يقول ستراسمان أن العمل المشترك الافتراضي لا يشتت الانتباه بل يسمح لأعضاء الفريق بالتركيز على أعمالهم المستقلة مع الاستفادة من تقليل شعورهم بالعزلة الاجتماعية وزيادة فرصهم في التعاون مع زملائهم بعفوية.
"الجدران التفاعلية" للربط بين الموظفين الذين يعملون عن بُعد والذين يعملون في مكاتب الشركة
كانت الممارسة المتمثلة في الربط بين مكتبين باتصال عبر الفيديو تعرف في الغالب باسم "الثقب الدودي"، وهي موجودة منذ أكثر من عقد. وعادة ما تستخدم مراكز عمليات الشبكة بث مقاطع الفيديو بصورة مستمر للربط بين المراكز بطريقة فعالة في الوقت الحقيقي.
هناك نسخة أحدث يُطلق عليها ستراسمان "الجدار التفاعلي" وهو يحقق نجاحات وإنجازات في الشركات التي ترغب في الربط بين الموظفين عن بُعد والموظفين الذين يعملون في مقر الشركة.
يهدف الجدار التفاعلي إلى التشجيع على التعاملات غير الرسمية. إذ عادة ما تثبّت الشركة شاشة كبيرة (موصلة بكاميرا وكمبيوتر) على أحد الجدران في موقع مركزي مليء بالموظفين، وبذلك يمكن للعاملين عن بُعد "زيارة" زملائهم. ويجدر الإشارة إلى أن وجود جدار تفاعلي في القاعة المخصصة لتناول الوجبات أو في غرفة الاستراحة سيتيح للعاملين عن بُعد التواصل مع زملائهم في فترات الاستراحة فقط، ولكن وجوده بين مجموعة من المكاتب أو في مساحة عمل مفتوحة سيفسح المجال أمام التواصل والتفاعل غير الرسمي طوال يوم العمل.
الجدار التفاعلي "يمنح الأشخاص فرصة لإلقاء نظرة خاطفة على مكان العمل ورؤية ما يحدث والشعور بأنهم جزء من شيء ما أو بأنهم لا يفوتون شيئاً"، كما يقول ستراسمان. كما أنه يمكن أن يعزز التعاون بين الزملاء، لأنه يتيح للموظفين إجراء محادثات ارتجالية بقدر أكبر مما يحدث عادة أثناء المكالمات المجدولة.
ينبغي أن تتفق الفِرق مسبقاً على المعايير المتعلقة بمستويات الصوت والمحادثات الجانبية عبر الشاشات، اعتماداً على أماكن وجود الشاشات في المكتب. يمكن للشركات تجربة فكرة الجدار التفاعلي من خلال تشغيله لفترة زمنية محددة كل يوم (ساعتين في وسط اليوم في غرفة الاستراحة، على سبيل المثال). وغالباً ما يُشغِّل المستخدمون المتمرسون الجدار التفاعلي في الصباح الباكر ويتركونه مفتوحاً طوال اليوم.
تخصيص ساعات عمل للنقاش في موضوعات مفتوحة
يخصص ستراسمان إحدى ساعات العمل أسبوعياً للنقاش حول موضوعات مفتوحة وخلالها يدعو جميع أعضاء فريقه المؤلف من 2,000 عضو. يقول ستراسمان: "تُدرج هذه الساعة في جدول المواعيد كل أسبوع". ويضيف: "أحددها في أوقات متفاوتة لكي يتمكن الأعضاء الذين يعملون في مناطق زمنية مختلفة من الحضور. ويمكن للأعضاء إرسال أسئلتهم مسبقاً إذا كان هناك ما يرغبون في مناقشته، ولكن إذا لم يكن لديهم أي موضوعات لمناقشتها، حينها أتحدث معهم فقط حول ما حدث خلال الأسبوع والأمور التي أفكر فيها. كما أنني أسأل الفريق عن كيفية سير الأمور، ولكن لا يتم وضع جدول أعمال محدد".
سألت ستراسمان عما إذا كان عدد الأعضاء الذين يحضرون ساعات العمل هذه كبيراً للغاية في فريق بهذا الحجم. وقال إنه نظراً إلى أن ساعات العمل هذه تُحدّد على نحو متكرر ومتوقع، يمكن التحكم في الحضور بدرجة كبيرة. إذ يقول ستراسمان: "إذا كان الأسبوع مزدحماً، قد يحضر 20 أو 30 شخصاً، وفي أسابيع أخرى يمكن حضور شخص أو شخصين فقط".
تُعد ساعات العمل هذه طريقة أخرى يمكن أن يتواصل بها أعضاء فريق ستراسمان معاً من خلال محادثات عفوية وغير رسمية. يقول ستراسمان: "أسمع باستمرار تعليقات رائعة حول ساعات العمل هذه، وحول الأشياء التي يثمر عنها هذا النوع من المحادثات العفوية غير الرسمية، في الأوقات التي لا يمكن فيها الذهاب إلى قاعة تناول الغداء لتبادل هذا النوع من الأحاديث". وأضاف أن هناك فائدة جانبية تتمثل في أن ساعات العمل هذه يمكن أن تقلل الحاجة إلى بعض الاجتماعات المجدولة مسبقاً.
ليس من الصعب تنفيذ العمل المشترك الافتراضي والجدران التفاعلية وساعات العمل المخصصة للنقاش في موضوعات مفتوحة، ويمكن تنفيذها من خلال تقنية مؤتمرات الفيديو، كما أنها موجودة بالفعل في معظم الشركات. ومع انتقال الشركات إلى الجيل الثاني من إمكانات العمل عن بُعد، توقع أن ترى أن هذه الأنواع من التفاعلات الافتراضية غير الرسمية قد أصبحت جزءاً بارزاً ومهماً للغاية من أيام العمل في العديد من الشركات. وبذلك يمكنك المساعدة في أن تقلل من شعور فريقك بالعزلة الاجتماعية والمهنية.