في كل عام ومع اقتراب عيد الأب، تأخذ بعض الشركات لحظة تُعبّر فيها عن تمنّياتها الطيبة للآباء العاملين من الموظفين. لكن لسوء الحظ، هذا الشعور غالباً ما يكون قصير المدى.
يقول 73% من الآباء العاملين في الولايات المتحدة أنّ هناك القليل من الدعم للآباء في مكان العمل، وذلك وفقاً لدراسة جديدة أجرتها منظمة بروموندو ومجموعة دوف للعناية الفائقة للرجال. (لديّ شراكة مع هذا الأخير، وكان لي الفرصة للتأثير في بعض الأسئلة أثناء تطوير الدراسة).
وتزداد الأمور سوءاً. فإلى جانب خوف العديد من الرجال من العواقب السلبية التي ستترتب على حصولهم على إجازة الأبوة المتاحة لهم بشكل كامل، فإنّ 21% منهم يخشون فقدان وظائفهم إذا فعلوا ذلك. وإنّ هذا الخوف للأسف له ما يبرره. إذ يعتمد على حالات حدث فيها وأن فقد بعض الموظفين وظائفهم. في كتابي "الكل في: كيف تُفشل ثقافة العمل أولا لدينا الآباء والأسر والأعمال- وكيف يمكننا إصلاحها معاً" (All In: How Our Work-First Culture Fails Dads, Families, and Businesses–and How We Can Fix It Together)، رويت قصة محام أمضى ثمانية أسابيع لرعاية زوجته المريضة وطفله حديث الولادة. كان في استطاعته أن يأخذ 12 أسبوعاً. ومع ذلك، لدى عودته للعمل، قاموا بخفض درجته الوظيفية ثم فصله نهائياً. إلى جانب هذه القصة، نرى أنه قد عوقب الرجال أيضاً على سعيهم للعمل وفق جداول تراعي مرونة في الوقت، لكي تسمح لهم بتقديم الرعاية للآخرين في المنزل، وذلك كما سجّل مركز قانون حياة العمل في كلية هاستينجز بجامعة كاليفورنيا.
ومن بين نتائج الدراسة الني أجرتها منظمة بروموندو ومجموعة دوف للعناية الفائقة للرجال، اكتشاف مدهش يخص المدراء. إذ يعتقد 66% من الرجال والنساء أنّ مدراءهم المباشرين يريدون أن يأخذ الآباء إجازات الأبوة المتاحة لهم كاملاً. لكن عند سؤال المدراء عن ذلك، قال 87% إنهم يعتقدون أنّ الآباء يجب أن يأخذوا كل الوقت المتاح (وهنا تظهر الفجوة بين الطرفين بنسبة 21%).
كيف يتم شرح هذا التباين؟ يقول تقرير الدراسة: "من الوارد أن يعطي المدراء وعن غير قصد انطباعاً للموظفين بأنّ الإجازة عبء، خاصة إذا لم يتحدثوا صراحة عن دعمهم للموظفين الذكور في الحصول على إجازة". ويضيف أيضاً: "يجب علينا جميعاً مدراء ومشرفين أن نكون أوضح في التعبير عن دعمنا لإجازة الأبوة بشكل صريح، والتأكيد أنه حتى في حال ظهور تحديات في العمل بسبب إجازة أحد الموظفين الرجال، فإننا نؤمن بقيمة هذه الإجازة للموظفين وأسرهم".
هناك أيضاً نقطة أخرى ذكرها التقرير الخاص بالدراسة في هذا الجانب. بعض المدراء الذين يُصرّحون بدعم إجازة الأبوة لا يأخذون المدة كاملة. في الواقع، وجدت الدراسة أنّ "الرجال الذين يديرون رجالاً آخرين أخذوا إجازة أقل من غيرهم من الموظفين".
إنّ هذا موقف واجهته عدة مرات أثناء العمل مع شركات واجهت هذه المشاكل. بينما يمكن وضع السياسات وتطبيقها فعلياً، فإنّ الثقافات هي ما يجعلها واقعاً وحقيقة وليست حبراً على ورق. عندما يتعلق الأمر بميزات كهذه، يجب أن يأتي التغيير الثقافي من الأعلى إلى الأسفل (أي أنّ التنفيذيين يجب أن يأخذوا إجازات الأبوة الخاصة بهم كاملة، وذلك إذا أرادوا إرسال رسالة مفادها أنه يجب على موظفيهم أخذ إجازاتهم كاملة كذلك).
يُعتبر الأمر أشبه ببعض المشاكل الناتجة عن سياسات أوقات الإجازات "غير المحدودة". غالباً لا يأخذ الموظفون فترات إجازة إلا كتلك التي يأخذها مديرهم.
بالطبع، كل هذا عبارة عن محادثة نادرة، بالنظر إلى أنّ 15% فقط من الرجال يتقاضون بعض الأجر على الأقل وقت إجازة الأبوة لرعاية طفل حديث الولادة، وذلك وفقاً للدراسة الوطنية لأرباب العمل. (في هذه الدراسة، تتقاضى 58% من النساء بعض الأجر على الأقل أثناء إجازة الأمومة، وغالباً ما يتم ذلك عن طريق تأمين العجز قصير الأجل للتعافي البدني من الولادة).
نحن نعرف أنّ هذا أمر سيء بالنسبة للمساواة بين الجنسين. وما دام يتم الدفع بالنساء إلى أن يكُنّ دوماً هنّ مقدمات الرعاية، ولا يتم دفع الرجال إلى أن يكونوا كذلك، فإنّ النساء سيواجهن عوائق أكثر، من الممكن أن تحيل دون نجاحهنّ في مكان العمل. وقد ساعد وضع نظام "حصص للأب" (وهي حصص سخية من الوقت متاحة للرجال فقط) في بعض بلدان شمال أوروبا على رؤية إجازة الأبوة كأمر طبيعي. ونتيجة لذلك، سجّلت هذه البلدان بعض أقل فجوات الأجور بين الجنسين. ووجدت السويد أنّ أمام كل شهر يقضيه الأب في إجازته، فإنّ راتب الأم قد يزيد بنسبة تقارب 7%.
إنّ جعل إجازة الأبوة متاحة وفي متناول اليد على الصعيد المالي يساعد الشركات كذلك. في ولاية كاليفورنيا، وبعد إصدار برنامج تأمين إجازة عائلية مدفوعة الأجر، أفاد 89% من أرباب العمل أنّ البرنامج "إما أن يكون له تأثير إيجابي" أو "لا تأثير ملحوظ "على الإنتاجية، وقال 91% ذلك عن الربحية والأداء، و96% عن عجلة دوران العمل، و99% عن معنويات الموظفين، وذلك حسبما وجد مركز البحوث الاقتصادية والسياسية.
عندما لا تقدم الشركات إجازة أبوة، فإنها تفقد الرجال المهمين في الشركة. إذ وجدت دراسة منظمة بروموندو ومجموعة دوف للعناية الفائقة للرجال أنّ الرجال (بنسبة 69%) أكثر استعداداً من النساء (بنسبة 66%) لتغيير الوظائف إذا لزم الأمر من أجل المشاركة والحضور بشكل كبير في الأسابيع الأولى أو الأشهر الأولى من حياة أطفالهم. يأتي ذلك في أعقاب بحث سابق لشركة إرنست ويونغ (EY) وجد أنّ الرجال هم أكثر عرضة لتغيير وظائفهم أو مسارهم المهني، (التخلي عن الترقيات، قبول تقلص الرواتب، أو الانتقال لوظيفة أخرى من أجل قضاء وقت أطول مع العائلة).
ومع ذلك، نادراً ما يخبر الرجال شركاتهم عن سبب تركهم للوظيفة. إذ يعتقد المدراء بشكل عام أنّ الموظف ببساطة قد حصل على وظيفة في مكان آخر. لوا يدركون أنه كان بإمكانهم الاحتفاظ به لو أبدوا دعماً أكبر له كأب.
بالنظر إلى أنّ العديد من هياكل أماكن العمل لدينا تم وضعها في عهد ذكوري قد مضى، فإنه من غير المفاجئ بقاء قوانين وسياسات بمثابة وصمة عار تؤدي دور الشرطة النوعية، فتدفع النساء إلى البقاء في المنزل والرجال للبقاء في العمل. ولكن كلما زاد عدد الشركات المدركة لفوائد دعم الرجال باعتبارهم مقدمي رعاية في المنزل على قدم المساواة مع النساء، كلما قطعنا المزيد من الأشواط لتغيير ذلك. في يوم الأب القادم، دعونا نقرر أن تكون لحظة الدعم جهداً مبذولاً على مدار العام كله.